تبدو ذكرى الحرب الأهلية اللبنانية، التي تتعدّد تسمياتها وتتفاوت قراءاتها، ربما لكثرة الحروب التي تندرج في خانتها، مختلفة هذا العام عنها في كلّ السنوات السابقة. لعلّ ذلك يعود إلى الرقم، "50"، مع ما ينطوي عليه من "رمزية" بعد مرور نصف قرن على حربٍ طبعت تاريخ لبنان بكلّ ما للكلمة من معنى، ورسمت بدستور الطائف الذي أفضت إليه والذي لم يطبَّق بالكامل حتى يومنا هذا، خريطة طريقه لخمسين عامًا، وأكثر.

..
 
لكن أبعد من الرقم "50" ورمزيّته، لا بدّ أنّ "استثنائية" الذكرى هذا العام، تجد ما يبرّرها في الظرف الاستثنائي "الدقيق" الذي تشهده البلاد، الخارجة للتوّ من حربٍ إسرائيلية تكاد تكون الأكثر وحشيّة وقساوة، وقد ذكّرت الكثيرين باجتياح 1982، وأيقظت بتداعياتها "الثقيلة" المخاوف والهواجس من أن يعيد التاريخ نفسه، خصوصًا في ضوء الاستقطاب السياسي "الحاد" على ملفّات "كبيرة"، من نوع السلاح والمقاومة وغيرهما.
 
لعلّ هذه "الاستثنائية" تجلّت أيضًا في "تفاعل" اللبنانيين بمختلف فئاتهم، مع الذكرى الخمسين للحرب الأهلية، كما في الرسالة التي وجّهها رئيس الجمهورية جوزاف عون بالمناسبة، وخلص فيها إلى "أننا دفنّا الحرب إلى الأبد، وممنوع ومستحيل أن نعود إليها أو تعود إلينا"، لكن هل مثل هذا الاستنتاج يعكس الحقيقة فعلاً، وهل يمكن القول إنّ اللبنانيين تعلّموا دروس الحرب فعلاً، ولا يمكن أن يعودوا إليها بأيّ شكلٍ من الأشكال؟!
 
"دروس" الحرب وعِبَرها..
 
صحيح أنّ الحرب الأهليّة اللبنانية تُعَدّ من أعقد الصراعات في منطقة الشرق الأوسط بالمُطلَق، هي التي استغرقت 15 عامًا حتى تنتهي، وخلّفت مئات آلاف القتلى والجرحى والمفقودين، فضلاً عن المفقودين والمغيَّبين، وصحيح أنّ أسباب اندلاع هذه الحرب تتفاوت بين المؤرّخين، بعيدًا عن حادثة "بوسطة عين الرمانة" الشهيرة، التي جاءت بعد تراكمات طويلة لعبت العديد من العوامل الإقليمية والدولية دورًا في تغذيتها، وربما تأجيجها.
 
لكنّ الصحيح أيضًا أنّه سواء كانت "شرارة" هذه الحرب داخلية بالمُطلَق، ربطًا بالصراعات الطائفية، التي قسّمت البلاد إلى "شرقية وغربية"، أو كانت "حرب الآخرين على أرضنا"، كما يحلو للبعض اختزالها، باعتبار أنّ الوجود الفلسطيني المسلّح في لبنان هو الذي أجّج "نار" الحرب، فإنّ الأكيد أنّ الدروس والعِبَر التي تركتها هذه الحرب، تكاد توازي بأهميتها فاتورتها البشرية والمادية "الثقيلة"، وبعضها لا يزال صالحًا حتى اليوم.
 
من هذه الدروس على سبيل المثال لا الحصر، ما تقاطعت عنده مختلف الكلمات التي قيلت في الذكرى، ومنها أنّ "العنف والحقد لا يحلان أي مشكلة في لبنان"، كما جاء في رسالة رئيس الجمهورية، الذي خلص إلى أنّ الحوار وحده كفيل بتحقيق كلّ الحلول، مستندًا إلى تجربة الحرب التي استمرّت 15 سنة، وانتهت بتسوية دستورية كان يمكن التوصّل إليها، بالحوار والتشاور، من دون دفع هذا الثمن الكبير على المستوى الداخليّ.
 
هل دُفِنت الحرب "إلى الأبد"؟!
 
"دفنّا الحرب إلى الأبد، وممنوع ومستحيل أن نعود إليها أو تعود إلينا". هي الخلاصة التي توصّل إليها رئيس الجمهورية في ختام رسالته إلى اللبنانيين بمناسبة الذكرى الخمسين للحرب الأهلية، رسالة يتقاطع عليها "ضمنًا" جميع اللبنانيين، قولاً على الأقلّ، وهو ما تجلّى في بياناتهم في المناسبة، حتى لو أنّ بعضهم لا يزال يفاخر بما يعتبرها "إنجازات" حقّقها في هذه الحرب، التي منع من خلالها "مؤامرة مريبة" من هنا، أو "مخططًا خبيثًا" من هناك.
 
لكن، أبعد من الأقوال، وربما النوايا التي لا يشكّ أحد بها، ثمّة من يعتبر أنّ الخشية اليوم أكبر من أيّ وقت مضى، فإذا كان صحيحًا أنّ القلوب كانت "ملآنة" في العام 1975، ما حوّل حادثة كان يمكن أن تمرّ كغيرها، إلى سبب مباشر لحرب غير مسبوقة استمرّت 15 عامًا، فلا شكّ أنّ القلوب اليوم "ملآنة" أيضًا، بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة، بما أعاد رسم المعادلات والتوازنات في البلاد، بشكل لم يكن أحد يتوقّعه قبل أشهر قليلة فقط.
 
ولعلّ العودة إلى النقاشات السياسية في الأيام الأخيرة، خصوصًا في ملفّ سلاح "حزب الله" مثلاً، تعزّز مثل هذه المخاوف، فحتى لو وُجِدت قناعة "ضمنية" لدى الحزب بأنّ وضعه ما بعد الحرب لم يعد كما كان قبل الحرب، وبأنّ سلاحه أصبح موضع نقاش حقيقيّ، فإنّ هناك من يتوجّس من أن تؤدي مواقف بعض الأطراف العالية السقف، والرافضة حتى لمبدأ الحوار، بغضّ النظر عن الموقف منه، إلى ما لا تُحمَد عقباه.
 
"تنذكر وما تنعاد". تنطبق هذه المقولة التي لطالما رافقت الحروب والأحداث المأسوية، على الذكرى الخمسين للحرب الأهلية اللبنانية. فصحيح أنّ المطلوب "دفنها إلى الأبد" كما قال رئيس الجمهورية، لكنّ المطلوب أيضًا "استذكارها"، اليوم أكثر من أيّ وقت مضى، من أجل عدم الوقوع في الأخطاء، أو لعلّها "الخطايا" نفسها، فرفض الحرب وغياب المصلحة منها، ليس سببًا كافيًا لضمان عدم حصولها، في لحظة "غادرة" يستحيل التكهّن بها!  المصدر: خاص "لبنان 24" مواضيع ذات صلة جنبلاط يدعو لـ"دقيقة صمت" في ذكرى الحرب الأهلية بدلاً من "الدروس" Lebanon 24 جنبلاط يدعو لـ"دقيقة صمت" في ذكرى الحرب الأهلية بدلاً من "الدروس" 14/04/2025 11:00:37 14/04/2025 11:00:37 Lebanon 24 Lebanon 24 بعد 50 عاماً على اندلاعها.. هل انتهت حرب لبنان الأهلية حقاً؟ Lebanon 24 بعد 50 عاماً على اندلاعها.. هل انتهت حرب لبنان الأهلية حقاً؟ 14/04/2025 11:00:37 14/04/2025 11:00:37 Lebanon 24 Lebanon 24 عودة في أحد الشعانين: صلاتنا أن يكون اللبنانيون تعلموا من دروس الماضي Lebanon 24 عودة في أحد الشعانين: صلاتنا أن يكون اللبنانيون تعلموا من دروس الماضي 14/04/2025 11:00:37 14/04/2025 11:00:37 Lebanon 24 Lebanon 24 الراعي في أحد الشعانين: اليوم يصادف مرور 50 سنة على ذكرى اندلاع الحرب الاهلية في لبنان الحرب التي مزقت حياتنا وطفولتنا وشبابنا وشوهت علاقاتنا بلبنان وبعضنا ببعض Lebanon 24 الراعي في أحد الشعانين: اليوم يصادف مرور 50 سنة على ذكرى اندلاع الحرب الاهلية في لبنان الحرب التي مزقت حياتنا وطفولتنا وشبابنا وشوهت علاقاتنا بلبنان وبعضنا ببعض 14/04/2025 11:00:37 14/04/2025 11:00:37 Lebanon 24 Lebanon 24 لبنان خاص مقالات لبنان24 تابع قد يعجبك أيضاً بالصورة.. قوى الأمن توقف مروّج عملة مزيّفة Lebanon 24 بالصورة.. قوى الأمن توقف مروّج عملة مزيّفة 03:24 | 2025-04-14 14/04/2025 03:24:26 Lebanon 24 Lebanon 24 هاشم: بري لم يُقفل الباب أمام النقاش في تعديل قانون الانتخابات البلدية Lebanon 24 هاشم: بري لم يُقفل الباب أمام النقاش في تعديل قانون الانتخابات البلدية 03:22 | 2025-04-14 14/04/2025 03:22:25 Lebanon 24 Lebanon 24 توضيح من المكتب الاعلامي للحجار.. هذا ما جاء فيه Lebanon 24 توضيح من المكتب الاعلامي للحجار.. هذا ما جاء فيه 03:18 | 2025-04-14 14/04/2025 03:18:57 Lebanon 24 Lebanon 24 "الصناعة" تدرس الاستيراد المباشر Lebanon 24 "الصناعة" تدرس الاستيراد المباشر 03:15 | 2025-04-14 14/04/2025 03:15:00 Lebanon 24 Lebanon 24 "سلاح شمال الليطاني".. وتفاهمات مسقط Lebanon 24 "سلاح شمال الليطاني".. وتفاهمات مسقط 03:00 | 2025-04-14 14/04/2025 03:00:00 Lebanon 24 Lebanon 24 الأكثر قراءة مُذيعة الـ"أم تي في" تُعلن عن خطوبتها.. تعرفوا إلى عريسها (صور وفيديو) Lebanon 24 مُذيعة الـ"أم تي في" تُعلن عن خطوبتها.. تعرفوا إلى عريسها (صور وفيديو) 06:00 | 2025-04-13 13/04/2025 06:00:00 Lebanon 24 Lebanon 24 نادين نجيم احتفلت بعيد الشعانين مع طفليها... ومفاجأة بحضور طليقها هادي أسمر (فيديو) Lebanon 24 نادين نجيم احتفلت بعيد الشعانين مع طفليها... ومفاجأة بحضور طليقها هادي أسمر (فيديو) 08:00 | 2025-04-13 13/04/2025 08:00:00 Lebanon 24 Lebanon 24 إطلالتها قدّرت بأكثر من 4000 دولار.. ممثلة سورية تتألق بفستان أبيض قصير (صور) Lebanon 24 إطلالتها قدّرت بأكثر من 4000 دولار.. ممثلة سورية تتألق بفستان أبيض قصير (صور) 04:42 | 2025-04-13 13/04/2025 04:42:58 Lebanon 24 Lebanon 24 بالفيديو... دانييلا رحمة: هكذا كانت ردّة فعل والدي عندما علم بعلاقتي بناصيف زيتون Lebanon 24 بالفيديو... دانييلا رحمة: هكذا كانت ردّة فعل والدي عندما علم بعلاقتي بناصيف زيتون 06:24 | 2025-04-13 13/04/2025 06:24:58 Lebanon 24 Lebanon 24 ما قالته مُفاجىء... هل والدة زوج نارين بيوتي غير راضية على زواجهما؟ (فيديو) Lebanon 24 ما قالته مُفاجىء... هل والدة زوج نارين بيوتي غير راضية على زواجهما؟ (فيديو) 08:06 | 2025-04-13 13/04/2025 08:06:39 Lebanon 24 Lebanon 24 أخبارنا عبر بريدك الالكتروني بريد إلكتروني غير صالح إشترك عن الكاتب حسين خليفة - Houssein Khalifa أيضاً في لبنان 03:24 | 2025-04-14 بالصورة.. قوى الأمن توقف مروّج عملة مزيّفة 03:22 | 2025-04-14 هاشم: بري لم يُقفل الباب أمام النقاش في تعديل قانون الانتخابات البلدية 03:18 | 2025-04-14 توضيح من المكتب الاعلامي للحجار.. هذا ما جاء فيه 03:15 | 2025-04-14 "الصناعة" تدرس الاستيراد المباشر 03:00 | 2025-04-14 "سلاح شمال الليطاني".. وتفاهمات مسقط 02:58 | 2025-04-14 أبي رميا: المطلوب من زيارة سلام لسوريا نتائج عملية لملفات أساسية فيديو جويس عقيقي تتمنى مُقابلة بشار الأسد لهذا السبب.. وهذا ما قالته عن ترك هشام حداد محطة الـ MTV (فيديو) Lebanon 24 جويس عقيقي تتمنى مُقابلة بشار الأسد لهذا السبب.. وهذا ما قالته عن ترك هشام حداد محطة الـ MTV (فيديو) 01:42 | 2025-04-12 14/04/2025 11:00:37 Lebanon 24 Lebanon 24 توقعات جديدة لليلى عبد اللطيف.. هذا ما قالته عن سلاح "الحزب" ومصير الشرع ومُفاجأة عن الدولار (فيديو) Lebanon 24 توقعات جديدة لليلى عبد اللطيف.. هذا ما قالته عن سلاح "الحزب" ومصير الشرع ومُفاجأة عن الدولار (فيديو) 00:04 | 2025-04-10 14/04/2025 11:00:37 Lebanon 24 Lebanon 24 حذفت صورها وارتدت الحجاب.. ابنة فنانة عربية تطلق قناة دينية (فيديو) Lebanon 24 حذفت صورها وارتدت الحجاب.. ابنة فنانة عربية تطلق قناة دينية (فيديو) 23:00 | 2025-04-09 14/04/2025 11:00:37 Lebanon 24 Lebanon 24 Download our application مباشر الأبرز لبنان خاص إقتصاد عربي-دولي بلديات 2025 متفرقات أخبار عاجلة Download our application Follow Us Download our application بريد إلكتروني غير صالح Softimpact Privacy policy من نحن لإعلاناتكم للاتصال بالموقع Privacy policy جميع الحقوق محفوظة © Lebanon24

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: فی أحد الشعانین رئیس الجمهوریة هذا ما قالته عن الحرب الأهلیة هذه الحرب إلى الأبد فی لبنان جاء فی ما جاء

إقرأ أيضاً:

ذكرى الحرب الأهلية اللبنانية.. جراح مفتوحة في بيوت أهالي المفقودين

بيروت- "كلما دق الباب أقول هذا زوجي قد عاد، وأنا منذ 41 عاما على هذه الحالة انتظر عودته" بهذه العبارة التي تخنقها الغصة، تعبّر نبيهة حمادة في بلدة القماطية قضاء عالية في جبل لبنان عن وجعها من غياب زوجها حسن حمادة والد أبنائها التسعة.

وقد اختُطف حمادة في أبريل/نيسان 1984 في بلدة بدادون قضاء عالية، إبان الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت في 13 أبريل/نيسان 1975، بعد حادثة "بوسطة عين الرمّانة" الشهيرة.

ومنذ ذلك الحين لم تهنأ الزوجة مع أبنائها في عيد أو مناسبة، حيث ربّ البيت مغيّب قسرا عن أسرته في حرب لا ناقة له فيه ولا جمل، وذاق لوعتها كل اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم الطائفية والسياسية.

نبيهة حمادة تحمل صورة زوجها المخطوف حسن حمادة (الجزيرة) أمل العودة

يُعد المخطوفون والمفقودون في لبنان واحدا من الملفات الشائكة التي لم تُحَل حتى اليوم بعد مرور 35 عاما على انتهاء الحرب الأهلية، ولا تزال القضية تدمي قلوب وبيوت أهالي وأبناء هؤلاء المخطوفين الذين أصبح معظمهم إما آباءً أو أجدادا ومنهم من توفي.

وتتحدث نبيهة للجزيرة نت عن يوم اختطاف زوجها، حيث لم تبقَ مكتوفة اليدين، بل تنقلت من مكان إلى آخر لتسأل وتبحث عنه، إلا أن كل محاولاتها باءت بالفشل، وتقول "زرتُ الكثير من المسؤولين في كافة المناطق اللبنانية، وكان جوابهم أنه إذا كان موقوفا فسيجري استجوابه ويُطلَق سراحه" لكن زوجها لم يعد حتى هذه اللحظة.

أما سالم كرم (زوج سهاد) وهي أم 3 أبناء، فقد اختطف مطلع فبراير/شباط 1983 مع بداية الحرب، فوجدت نفسها وحيدة في بيروت، مع أبنائها وحقيبة صغيرة وسط حرب طاحنة.

إعلان

وتقول للجزيرة نت "تحمّلتُ مسؤولية كبيرة، فهناك زوجي الذي لا أعلم عنه شيئا، وهناك أولادي ومصيرهم ومستقبلهم، إلا أني عملت بجد لأربّيهم، وكان الخوف يملأ قلوبهم كلما خرجت من البيت من أن يصيبني ما أصاب والدهم".

ومن جهته، خُطف أسعد (17 عاما) شقيق منير غريزي من بلدة بتاتر قضاء عالية سنة 1982، وهو في طريقه إلى عمله في بلدة بحمدون. ويروي المواطن للجزيرة نت أثر هذه الحادثة عليه وأسرته ويقول "إنها تجربة موجعة ومليئة بالحيرة والانتظار والأمل، تولّت جدتي ووالدتي متابعة القضية، وسمعنا وعودا كاذبة من المسؤولين، ولم نصل إلى نتيجة".

ويتابع "خسرنا الكثير من المال على أمل معرفة مصيره، وكل ما حصلنا عليه كان شائعات لا طائل منها، حتى إني خسرت دراستي لأنني اضطررت إلى ترك المدرسة من أجل العمل لأعيل أسرتي بعد اختطاف شقيقي".

إعلان خاص بلجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان للمطالبة بكشف مصيرهم (الجزيرة) مأساة شقيقتين

مأساة أخرى تعيشها الشقيقتان أنجيل وماري شلهوب من بلدة بو زريدة قضاء عالية، حيث اختطف والدهما إلياس مع 3 من أبنائه خليل وعبدو وشوقي من بيتهم في يونيو/حزيران 1982، وحتى هذه اللحظة لم تعرفا أي معلومة عنهم.

وتتحدثان بلوعة عن هذه الكارثة وكيف عانتا من ألم الغياب، فقد كان اختطافهم صدمة كبيرة للعائلة كاملة، وأصيبت والدتهما بجلطة دماغية وتوفيت بعد فترة، أما البقية فعاشوا لسنوات طويلة في حزن شديد لم تمحه الأيام.

وتوضح الشقيقتان للجزيرة نت "لم نشهد فرحا منذ ذلك التاريخ المشؤوم، كل عيد مر علينا كان حزينا، ما حصل معنا فاجعة كبيرة، فقد تشتت أسرتنا، ونحن عملنا كل ما بوسعنا وتواصلنا مع الصليب الأحمر والأحزاب والجيش السوري، ولكن لم نحصل على أية إجابة، كان الاختطاف يتم على الهوية التي تُظهر المذهب، ولا نعرف من خطفهم وإلى أين اقتادوهم".

إعلان

ولم يغلق ملف المفقودين البتة، وأصبحت تتوارثه الأجيال لكي لا يُنسى أبدا، حيث تحمل ابتسام قضية جدها المخطوف عبد الله الحموي، وتتحدث للجزيرة نت عن معاناة الأسرة من هذا الغياب وتقول "منذ صغري كنت أسمع عبارة جدك مخطوف في سبتمبر/أيلول 1978، وكبرت ومعي هذه القصة، وبقيت جدتي تبحث عنه، ثم تابعت والدتي القضية، واليوم جاء دوري".

وتؤكد ابتسام أن هذا الغياب ترك صدمة كبيرة على كل العائلة، بدءا من جدتها التي تحملت عبء تربية الأطفال وحمايتهم وتنشئتهم، كما ترك أثرا في وجدان والدتها التي عانت الكثير مع غياب والدها، وتضيف "جدتي ما زالت تحتفظ بأغراض جدي على أمل عودته يوما ما، وتتخيله يدخل مرتديا عباءته وممسكا بمسبحته".

وتشدد على أن قضيته لن يطويها الزمن مثل كل المخطوفين والمخفيين قسرا، وأنها تنتقل من جيل إلى آخر، وتشير إلى أن أسرتها لجأت إلى العديد من المسؤولين اللبنانيين، ثم إلى الحكومة السورية في ذلك الوقت "لكن لم تتلقَّ أية إجابة".

إعلان رمزي يتحدث عن المقابر الجماعية في لبنان (الجزيرة) مشكلة

بعد نضال طويل ومستمر، استطاعت لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان انتزاع قانون المفقودين والمخفيين قسرا من مجلس النواب في نوفمبر/تشرين الثاني 2018 (القانون رقم 105/2018) وينص على حق كل عائلة في معرفة مصير مفقودها، وبموجبه تأسست هيئة وطنية مهمتها الوحيدة متابعة أثر المفقودين وكشف مصيرهم.

وتؤكد رئيسة اللجنة وداد حلواني للجزيرة نت أن هذا القانون مهم جدا بالنسبة للأهالي "إلا أن المشكلة تكمن في أن الهيئة لم تُمنَح الإمكانيات التي نص عليها القانون، وبما أن ولايتها 5 سنوات ولم يتبقَ منها سوى 4 أشهر، يكافح الأهالي اليوم لتجديد ولايتها، وتوفير ما تحتاجه من مقر لائق وميزانية مناسبة وهيكل إداري".

وبدوره، اختُطف عدنان زوج الناشطة الحقوقية وداد في سبتمبر/أيلول 1982، وتشدد على أن كل الذي حدث لا يكفي دون وجود إرادة سياسية حقيقية تُؤمّن للهيئة صلاحياتها لتقوم بعملها على أكمل وجه "فمن غير المقبول أن تظل العائلات تعيش حياة الانتظار ومتعلقة بأمل عودة ذويها دون أن تعرف مصيرهم".

وبرأيها، فإنه مع تغير الظروف في سوريا، يتوجب على الحكومة اللبنانية أن تتحرك وتطالب بقوائم المعتقلين لمناقشتها مع الجهات المعنية هناك.

المفقودون خلال الحرب اللبنانية بمعرض في بيروت (الجزيرة)

في الذكرى الـ50 على اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، يُجمع أهالي المفقودين والمخفيين قسرا على أن هذه الحرب لم تنتهِ مفاعيلها وإنما استمرت بسبب الجراح الكبيرة التي خلفتها في نفوسهم ووجدانهم، جراء استمرار اختطاف ذويهم إلى اليوم، ويأملون أن يُكشف عن مصيرهم في أقرب وقت ممكن، خاصة مع انطلاقة عهد رئاسي جديد في لبنان.

إعلان

وقد اندلعت الشرارة الحقيقية للحرب يوم 13 أبريل/نيسان 1975 عندما أطلق مجهولون -في حادث غامض- نارا أودت بحياة عنصرين من حزب الكتائب في عين الرمانة بضواحي بيروت، كان أحدهما يعمل مرافقا لرئيس الحزب بيار جميل.

وردا على ذلك، أطلقت مليشيات حزب الكتائب النار على حافلة كانت تقل فلسطينيين أثناء عودتهم إلى مخيم تل الزعتر من مهرجان سياسي في مخيم شاتيلا غربي بيروت أقامته الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة، مما أدى إلى مقتل 27 فلسطينيا من ركاب الحافلة.

ومع انتشار هذا الخبر الذي عُرف بـ"حادثة البوسطة" اندلعت الاشتباكات بين المليشيات الفلسطينية والكتائبية في أنحاء المدينة.

مقالات مشابهة

  • تقرير arabnews: هل انتهت حرب لبنان حقاً؟
  • ذكرى الحرب الأهلية اللبنانية.. جراح مفتوحة في بيوت أهالي المفقودين
  • في الذكرى الخمسين للحرب الأهلية اللبنانية.. هذا ما قاله ماكرون
  • شحادة: عهدنا أن نبني الجمهورية القوية التي يستحقها أهلنا
  • بقرادونيان في الذكرى الـ50 للحرب الأهلية: على أمل أن لا ينزف الوطن مجدّدًا
  • خمسون عاماً على الحرب... لم تنته بعد
  • عودة في أحد الشعانين: صلاتنا أن يكون اللبنانيون تعلموا من دروس الماضي
  • في الذكرى الـ50 لاندلاعها.. هل بات اللبنانيون أكثر مناعة في وجه الحرب الأهلية؟
  • بعد 50 عاماً على اندلاعها.. هل انتهت حرب لبنان الأهلية حقاً؟