محاكمة أشباح الذكاء الاصطناعي
تاريخ النشر: 13th, April 2025 GMT
لا يمكن إنكار إيجابيات التقدم التكنولوجي الكثيرة، كما لا يمكن تجاهل سلبياتها المتمثلة في تعطيل الكثير من المهارات والكفاءات البشرية، فحين ظهرت الآلات الحاسبة ازداد اعتماد الإنسان عليها متجاوزا تنمية مهارات الحساب وحل المعادلات الرياضية، وحين تطورت أجهزة الهاتف المحمولة استغنى كثير من الناس عن الساعات والمذكرات اليومية والتقويم، بل حتى الاستدلال الجغرافي المكاني وتحديد المواقع توقفا اعتمادا على التطبيقات الذكية لتحديد ومسح المواقع جغرافيا، كما استعاض الإنسان بذاكرة الأجهزة المحمولة عن ذاكرته الواقعية الحيّة.
ويأتي الذكاء الاصطناعي ليحمل عنا عبء الكثير من المسؤوليات توفيرا للجهد والمال، وليسرق منا -في ذات الوقت-كثيرا من المهارات الحياتية والكفاءات المعرفية، تنسيق الكتابة والتدقيق والتصحيح الإملائي، مراجعة وتلخيص الكتب الموسوعية والمصادر المعرفية، الترجمة والعروض المصوّرة للأفكار والتصورات البحثية والمشاريع، كتابة الرسائل وصياغة الخطب، جدولة الأعمال وتنسيقها والتذكير بأوقاتها وفقا لأولوية كل منها، كل هذه الأشكال من الراحة الرقمية أسلمت الإنسان إلى الدعة مستعيضا بالآلة عن ذاته، وعن ذاته تحديدا بذات رقمية ظن بها القدرة على تمثيله خير تمثيل في أي معرض بأي زمان ومكان.
وهذه الصورة ليست محض صورة ذهنية نمطية متخيلة لما يمكن أن يفعل الذكاء الاصطناعي ببعض عشاقه ومريديه، بل هي واقع صرنا نعايشه في كثير من المواقف ومنها ما حدث حاليا حينما استشاطت قاضية في محكمة استئناف بولاية نيويورك غضبًا بعد محاولة أحد المُدّعين استخدام مقطع رمزي مُصمم بواسطة الذكاء الاصطناعي للدفاع عن قضيته، متسببا بحالة من البلبلة داخل قاعة المحكمة ظنا من القضاة بأنه يقدم حجته شخصيا أو عن طريق محاميه، لكن الرجل ويدعى جيروم دي وال لديه محامٍ، كان يأمل أن تُقدم الصورة الرمزية حُجة مُحكمة، معتذرا لاحقًا كتابيًا للمحكمة، قائلاً إنه لم يقصد أي ضرر، وفقًا لوكالة أسوشيتد برس، إنما حاول جاهدا إنشاء نسخة رقمية طبق الأصل تشبهه، لكنه لم يتمكن من القيام بذلك قبل جلسة الاستماع، وقال إنه يأمل أن يقدم نموذج الذكاء الاصطناعي حججًا أكثر دقة دون التلعثم في الكلمات أو التذمر مما قد يصدر عن الإنسان الطبيعي!
إن غضب القاضية وصدمة الحضور بذلك انعكاس لصدمة الجميع من تسارع التطور في عالم الذكاء الاصطناعي، ذلك التطور الذي قد تتعطل معه الكثير من القدرات والمهارات البشرية التي لا يمكن للآلة تعويضها بأي حال من الأحوال مهما تطورت برمجياتها وحُدِّثت مُدخلاتها المعرفية، كما أنها صدمة القلق القادم من قدرة الذكاء الاصطناعي على التضليل بصنع النسخ المطابقة للواقع في مجالات مختلفة، لكن مبلغ الصدمة أن تتمثل إنسانا كاملا بمشاعره ومخاوفه، وتبريراته ومنطقه، في قدرتها (إن حصلت) على الربط والتحليل والاستنتاج والجدل وحتى التقاضي، ثم إن كانت قاعدة البيانات لكل هذه البرمجيات موجهة بشريا فكيف يمكن توافر ضمانات لاعتماد برمجيات عادلة غير منحازة ولا مؤدلجة؟ ثم خطورة ورعب الوجه الآخر لهذه التقنيات حين تكون مدفوعة بسلطة مادية أو نفوذ سياسي يحركها وفقا للمستهدف من مساع ومصالح.
هل سيكون هذه المشهد من المحكمة واستخدام الناطق البديل بالذكاء الاصطناعي -بعد تغذيته بالمعلومات والحجج- مشهدا طبيعيا بعد أمد؟ وهل يمكن للتقاضي ذاته بكل أطرافه أن يشهد هذه الرقمنة الصادمة في حديّتِها وعدم استيعابها للحضور البشري الواقعي؟ هل نتحول مع عالم البرمجيات والشفرات البرمجية إلى مجرد أرقام تعبث بها الآلات وتحركها المصالح الاقتصادية؟
ختاما: يقينا ليست هذه التساؤلات أول المطروح في عالم التقنية الحديثة والذكاء الاصطناعي والثورة الرقمية، ولن تكون الأخيرة بالضرورة، لكنها نافذة نحاول من خلالها تلمس الثابت والمتحول في هذه اللعبة المعاصرة الآخذة بأعطاف المستقبل إلى عالم مجهول نترقبه، ولا ندرك كنه تفاصيله بعد، لكننا نتمنى استبقاء الثابت القيمي والأخلاقي في هذه المعادلة الرقمية معقدة الأطراف.
حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی
إقرأ أيضاً:
سدرة للطب يستضيف مؤتمر الذكاء الاصطناعي والطب 2025
يستضيف سدرة للطب، عضو مؤسسة قطر، النسخة الثانية من مؤتمره الدولي "الذكاء الاصطناعي والطب 2025″، وذلك خلال الفترة من 23 إلى 26 أبريل/نيسان الجاري.
ويسلط المؤتمر الضوء على أحدث التطورات في الذكاء الاصطناعي ودوره الحيوي في قطاع الرعاية الصحية بمشاركة نخبة من خبراء الذكاء الاصطناعي والرعاية الصحية في الأوساط الأكاديمية والممارسات الطبية والقطاع التكنولوجي بهدف تعزيز التعاون والحوار بين القطاعات.
وقال الدكتور ميتشل ستوتلاند نائب رئيس قسم الجراحة في سدرة للطب ومؤسس سلسلة مؤتمرات الذكاء الاصطناعي والطب إن سدرة للطب يعتبر الذكاء الاصطناعي حافزا للابتكار، سواء في التشخيص المبكر أو وضع الخطط العلاجية أو في كيفية معالجة البيانات وتقديم رعاية شخصية للمرضى.
وأشار إلى أن المؤتمر سيتيح الفرصة للمجتمع الطبي في قطر للتواصل مع رواد الذكاء الاصطناعي عبر العالم ومن ثم المساهمة في رسم ملامح مستقبل الطب.
ومن المقرر أن تسبق أعمال المؤتمر ورشة عمل تركز على تطوير وتطبيق نماذج التعلم الآلي في مجال الرعاية الصحية وتتضمن عروضا تقديمية ونقاشات يقودها خبراء في الرعاية الصحية ويسلطون الضوء من خلالها على إحداث ثورة في التشخيص وتخصيص العلاج واكتشاف تطبيقات الذكاء الاصطناعي الرائدة في مجال الرعاية الصحية.
إعلانمن جانبه قال البروفيسور خالد فخرو رئيس قسم الأبحاث في سدرة للطب إن قطاع الرعاية الصحية العالمي يشهد تطورات كبرى بفضل التقدم المتسارع في مجال الذكاء الاصطناعي، ولذلك من المهم تعزيز التكامل بين البحث العلمي والتكنولوجيا والرعاية السريرية.
ويستقطب المؤتمر الذي يقام بالتعاون مع جائزة مجلس قطر للبحوث والتطوير والابتكار مشاركين من اختصاصات متنوعة تضم الأطباء وطواقم التمريض وطلاب الطب وعلماء الحاسوب والمهندسين والأكاديميين والباحثين، بالإضافة إلى المهتمين بالصحة الرقمية.