في حوار قصير؛ طرح -في تقديري الشخصي- سؤال مهم: أيهما الأهم؛ الشخصية أو الإنسانية؟ ويمكن أن أستدرك بسؤال آخر؛ أيهما أولا: الإنسانية أو الشخصية؟ بمعنى: هل الإنسانية هي نتيجة لأفعال الشخصية، أو الشخصية هي نتيجة الإحساس بمعنى الإنسانية؟ وهو المعنى القائم على «قدرة الشخص على تقديم الرعاية والاحترام وإظهار الضيافة والتسامح.

. وتعزيز الانسجام الحقيقي» -حسب المصدر- وبمعنى آخر أيهما نتيجة للآخر؟ ومن هنا يحضر استنتاج معين؛ مفاده: إن كانت الشخصية هي نتيجة للفهم الواعي للإنسانية، فإن الإنسانية هي الأهم، وإن كانت الإنسانية هي نتيجة لممارسات تقوم بها الشخصية، فإن الشخصية هي الأهم، وهذا كله يعتمد على الرؤية الفلسفية التي يقوم عليها التفكير في كلا الاتجاهين، وهي الرؤية التي تتقصد تفسير المفاهيم، وهذا يعتمد كثيرا على مستوى وعي الفرد الذي يستطيع تفكيك الحزم المعيارية للمفاهيم، وبمعنى أوضح أن كل المفاهيم «التنظيرية» التي يتم تداولها بين الناس، يظل الحكم عليها حكما نسبيا، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تنطبق عليها أحكاما مطلقة، لا تقبل التأويل، وإلا أوقع الفرد نفسه في مأزق التعقيد، فـ«الفلسفة؛ تقدم العبارات المعيارية ادعاءات حول كيف ينبغي أو يجب أن تكون الأشياء، وكيف نقيمها، وأي الأشياء جيدة وأيها سيئة، وأي الأفعال صحيحة، وأيها خاطئة» -وفق المصدر.

يمكن لاستيضاح الرؤية في هذه المناقشة طرح مجموعة من الأسئلة الاستفهامية، والأسئلة الاستنكارية، والأسئلة الإخبارية، والأسئلة التوضيحية، تجلية للفهم الغارق في التعقيد في مسألة المفاضلة بين الإنسانية والشخصية؛ ومن ذلك: هل كلاهما (الشخصية والإنسانية) يتيحان الفرصة لإسقاطهما في القيمة المعيارية؟ بمعنى هل كلا المفهومين قابل للقياس في واقع الحياة؟ وإذا كان الأمر كذلك؛ فيمكن النظر إلى تأثير أحدهما على الآخر؛ أو قد يكون أحدهما نتيجة للآخر؛ أليس كذلك؟ هذا من الناحية النظرية، أما من الناحية العملية؛ فلنستحضر حالة أسرة ما -أي أسرة- ولنسقط عليها الملاحظات التالية: كل أسرة غالبا؛ يتجاوز أعداد أفرادها: الأب والأم؛ أي وجود أبناء؛ بنين وبنات، فهل هؤلاء الأبناء تتوحد صفاتهم، وميولاتهم، وسلوكياتهم؟ الجواب: إطلاقا؛ وبصورة قطعية، هذا إذا سلمنا أن هناك تقاربا شديدا بين الأم والأب في كثير من الصفات، بحكم العشرة، وبحكم التوافق، وبحكم مجموعة من التنازلات للحرص على مصالح الأسرة إلى أطول فترة زمنية في الحياة، ونتيجة لهذا التقييم النظري، فإذا كانت الإنسانية هي أولا؛ فلماذا لم تلق بحقيقتها الإنسانية على كل أفراد الأسرة بنفس المستوى من الإنسانية؟ فمن الأبناء كريم؛ ومتواضع، ومحترم، ومتسامح، وعندها القدرة على الانسجام مع الآخرين من حوله، ومن خارج محيط أسرته، ومن الأبناء سيئ الخلق؛ متجبر، ولعوب شقي/ شقية، يسرق، ولا يقيم وزنا لأي قيمة أخلاقية إيجابية، مع أنهم هؤلاء جميعهم تربوا في كنف أسرة واحدة، ومنشأهم أب واحد وأم واحدة، وإذا جئنا إلى الجانب الشخصي؛ فهؤلاء جميعهم يؤثرون بسلوكياتهم الشخصية على المجتمع المحيط، ولن يستطيع هذا المجتمع المحيط أن يغير من سلوكهم، فهم منساقون وفق فطرتهم أو بنيانهم التكويني النفسي، ولن تستطيع كل المكتسبات التي اكتسبوها أن تؤثر عليهم في تغيير سلوكياتهم، مع أن المكتسبات قوية، ومنطقية، وكثيرة، ويفترض أن تكون مؤثرة؛ بدءا من: حاضنة الأسرة بتعاليمها ونظمها وقوانينها التربوية والأخلاقية، ثم تأتي المدرسة والتي لا تقل من تعدد النظم والتدريبات، بعد ذلك تأتي الحاضنة الكبرى «المجتمع» الذي تتسع فيه مساحة الاشتغال أكثر، وتتنوع فيه النظم والقوانين والتعليمات، والممارسات، ومع ذلك ينفذ كل هؤلاء بسلوكياتهم التي تختمر بين جوانحهم، ولا يقيمون عرضا لكل هذه المحددات سواء عبر حاضنة الأسرة، أو حاضنة المدرسة، أو حاضنة المجتمع، فماذا يعني هذا؛ أليست الشخصية هنا هي التي تملي تأثيراتها على الإنسانية؛ إذا سلمنا أن كل الحواضن الثلاث هي تمتثل الإنسانية، وتنادي بها، وتعض عليها بالنواجذ؟ ومع ذلك نرى أن مسارات الشخصية الـ«ناشزة» في مختلف سلوكياتها تنزع نفسها من كل هذه التأثيرات ولا تقيم لها وزنا، بينما الشخصية المنسجمة مع ذاتها؛ توظف كل هذه الروافد المعرفية والسلوكية، فتصنع منها مساحة إنسانية لا تحدها حدود، ومن هنا يمكن القول إن الإنسانية هي نتيجة مكتسبة لأفعال الشخصية الذاتية المنبثقة من الفطرة، وليس العكس.

يقول الباحث عادل المعولي في كتابه (لما تقدم العلم وتأخر الوعي) ما نصه: «... والأفراد يرثون من أسلافهم خصائصهم الطبيعية؛ حجم أجرامهم، ولون البشرة، وشكل الأنف، وفصيلة الدم والاستعداد للأمراض، ولكن لا يرثون الاختيار الإنساني، فالاختيار الإنساني ينتقل باحتكاك الإنسان بما حوله (من البيئة الطبيعية) وبمن حول من (البيئة الاجتماعية)» -انتهى النص. وإن كان الواقع لا يتطابق بصورة مطلقة مع هذا التقييم، فالاحتكاك الذي يشير إليه الكاتب؛ قد؛ يظل مؤقتا، ثم يعود الإنسان إلى حقيقته البيولوجية الصرفة، وينزع نفسه من كل التأثيرات التي قد يراها أنها تحد من طموحه، أو تحقيق إشباعاته من مختلف الأشياء التي يريدها، وهذه مسألة واضحة لا تحتمل جدلا سفسطائيا مملا، وقد قرأ معظمنا قصة الراعي الذي ربى ذئبا صغيرا وجده في الصحراء، فلما كبر الذئب، واعتلته غريزة الافتراس هجم على شياه الراعي فافترس ما استطاع إلى ذلك سبيلا؛ وولى هاربا في متون الصحراء لا يلوي على أثر من كرم الراعي ورحمته وإنسانيته التي احتوته زمنا من التربية والرعاية والعناية، والذي قال فيها الراعي: «من أنبأك أن أباك ذئبا» والقصة معروفة، ومنشورة لمن أراد الاستيضاح أكثر.

قد يبرر الحديث هنا؛ في مسألة تأثير (الإنسانية/ الشخصية) على الصفة الغالبة في مجتمع ما، فهناك مجتمعات تربت أو عايشت صراعات دموية قاتلة، ظل فيها سيلان الدم على الأرصفة هو المحتكم على نوع، أو شكل الحياة التي يعيشها الناس، وهي حالة «مستنفرة» بلا شك، مثل هذا الواقع التي تتسلط فيه الشخصية على الإنسانية، حيث تصبع الأخيرة هي نوع من الحلم الجميل، فكيف للإنسانية هنا أن تبدو ظاهرة، أو أن يرتفع سهمها وسط هذا الركام من القتل والتدمير والتسلط، كما هو الحال الذي يعيشه الشعب الفلسطيني منذ بدأ نكبته إلى اليوم، فالشخصية العدوانية التي يوظفها العدو في القتل والتدمير؛ أن لها أن تعكس شيئا من وضوح الرؤية لشيء اسمه إنسانية؟ مع أن الإنسانية التي يراها البعض هي المساحة التي يتسع فيها الأفق، ولكن الفعل القاسي الذي تمارسه الشخصية على الواقع لا يدع لهذا الأفق مجالا صافيا للرؤية، وبالتالي فوق هذه الرؤية تظل الشخصية هي المؤثرة، وليس الإنسانية، لأن هذه الشخصية العدوانية القاسية والقاتلة تمثل -وفق تعريف الشخصية-: «الكمية الكلية من الاستعدادات والميول والغرائز والدوافع البيولوجية الفطرية والموروثة، وكذلك الاستعدادات والميول المكتسبة من الخبرة» -بحسب تعريف جوجل. وفي المقابل فالمجتمعات التي تعيش آمنة مطمئنة، وتخلو من الشخصية المرتبكة، فإن ذلك أيضا عائد إلى ذات التعريف أعلاه، ومن هنا يمكن الوصول إلى نتيجة مفادها إلى أن الإنسانية هي نتيجة لفعاليات وسلوكيات ومكتسبات الشخصية، السوية الهادئة، التي لم تصدم تركيبتها الفسيولوجية بحمل قاس يقوض فيها الجانب الإنساني، فالجانب الإنساني يحتاج إلى بيئة نظيفة ينشأ فيها ويكمل دورة حياته بكل انسجام، ولذلك فالبيئات التي تعيش صراعات أمنية، وعدم استقرار؛ تعيش فيها الإنسانية في مأزق كبير، ولذلك تعاني المجتمعات الآمنة من الوفود الآتية من تلك المجتمعات المستنفرة، ومعاناتها تتمثل في أن هؤلاء الوافدين يأتون محملين بثقافات بلدانهم، وهي ثقافات فيها ما فيها من الإجرام؛ بكل أنواعه وقسوته، ولا يتوانى هؤلاء الوافدون في توظيف هذه الحمولة السيئة في البلد المضيف، فتكثر فيه حالات القتل، والسرقة، والرشوة، والخيانة، وانتهاك الأعراض، مما يحمل البلد المضيف أعباء أمنية واجتماعية، وتنموية، تتجاوز الحالة التي كان عليها قبل ذلك.

أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفـي عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الشخصیة هی

إقرأ أيضاً:

هل السعي لفك السحر حرام؟.. احذر 3 أخطاء يقع فيها الكثيرون

لعل السؤال عن هل السعي لفك السحر حرام ؟، ملخص لمجموعة من الاستفهامات التي تؤرق الكثيرون عن هل السعي لفك السحر حرام ، وهل هناك آيات إبطال السحر مكتوبة من القرآن وأدعية إبطال السحر وما حكم الذهاب للشيوخ لفك السحر؟

 فقد دعت الحاجة إليها مؤخرًا بسبب ضعف النفوس ولجوء الكثيرين لأعمال السحر ووقوعهم فريسة سهلة للسحرة والمشعوذين والشياطين، إلا أن هذا يطرح سؤالا عن هل السعي لفك السحر حرام ؟، والذي يشغل الكثيرون ممن أتعبهم السحر، ويبحثون عن قشة ليتعلقون بها.

حتى لا تدخل الشياطين بيتك.. اقرأ هذه السورةدعاء يبعد شياطين الجن والإنس عنك طول اليوم.. 11 كلمة تزيحهم من طريقكلماذا حذر النبي من الصلاة عند شروق الشمس؟.. بسبب قرني الشيطانهل السعي لفك السحر حرام

ورد فيه أن السحر والحسد مذكوران في القرآن الكريم ورسول الله صلى الله عليه وسلم أصيب بالسحر وعندما علم بالساحر وما فعله طلب من الصحابة رضوان الله عليهم بالذهاب الى بئر المياه الموضوع به السحر وطلب بنزحه وإخراج الشعرة التي استخدمه الساحر في عمل السحر وعندما وجدوها لاحظوا بها 11 عقدة فأنزل الله عز وجل سورة الفلق وكلما قرأوا آية انحلت عقدة حتى برأ النبي من السحر.

ورد فيه أن الإصابة بالسحر سببها البعد عن شرع الله وعدم اجتناب ما نهى عنه ن وأنه لا يوجد أحد يخاف الله ويتقه ويواظب على قراءة القرآن والأذكار اليومية ويصيبه السحر أو الحسد .

، ورد فيه جواز الذهاب الى الساحر لفك السحر كما قال العلماء لكن لا يجوز التصديق بكلامهم ولا الإيمان بتكهناتهم كما يفعلوا من تنبؤات في العام الجديد وغيرها من الأمور الغيبية التي لا يعلمها الا الله ، ومن آمن بكلام السحرة والعرافين لا تقبل منه صلاته أربعين يوما " .

ورد فيه أن المواظبة على قراءة آية الكرسي وسورة الفلق عدة مرات وفي كل وقت طوال اليوم مع ضرورة تقوى الله عز وجل واجتناب ما نهى عنه ولا مانع شرعًا الذهاب إلى أحد السحرة لفك السحر .

هل الذهاب الى شيخ لفك السحر حرام

ورد فيه أن الأصل في الذهاب لشخص يعالج بالقرآن؛ أن يرقي الإنسان نفسه ولا يذهب لغيره، فبإمكان الرجل أن يرقي زوجته والزوجة ترقي زوجها، وكذلك الوالد مع ولده والوالد مع والده، والأصل في ذلك أيضًا أن قراءة القرآن تكون باستمرار في البيت وتحصين الأهل والبيت بـ «الأذكار الموظفة» والأوراد لطرد الشياطين والوقاية من العين والحسد، وحتى تعم البركة، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن البيت الذي يُقرأ فيه القرآن؛ يزداد خيره ويقل شره ويتسع على أهله ويتراءى لأهل السماء كما تتراءى النجوم لأهل الأرض، لما رٌوي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، مرفوعًا وموقوفًا ، ولفظه : ( إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ سَنَامًا وَسَنَامُ الْقُرْآنِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ إِذَا سَمِعَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ تُقْرَأُ خَرَجَ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي يُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ ).وحسنه الألباني في " الصحيحة " (588).

حكم السحر والذهاب للسحرة

فقد ورد أن الله َ- سبحانه وتعالى- ذكر السحرَ في أكثر من موضع في القرآن الكريم، كما ورد ذكره في السُنَّة المطهَّرة؛ فيقول الله –تعالى- فى سورة البقرة: « وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ» إلى قوله: «وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ»، ( الآية 102)، ويجب الاعتقاد بأن كل شيء بقضاء الله – تعالى-، ولا يقع في ملكه- تعالى- إلا ما يريده، فيجب الإيمان بأن الله فعال لما يريد، والنفع والضرر من عنده، وتفويض الأمر لله، والرضا بما قضى به.

وجاء أن الله – عز وجل - نفى عن السحر التأثير الذاتي ومفعوله، ونتيجته منوطة بإذن الله – تعالى-، ولا تتجاوز حقيقته حدودًا معينة، ولا يمكن أن يتوصل إلى قلب الحقائق وتبديل جواهر الأشياء، وقد ورد التحذير من اللجوء إلى السحر والسحرة، فيما ورد عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قوله: «اجتَنبوا السَّبعَ الموبقاتِ . قالوا : يا رسولَ اللهِ : وما هنَّ ؟ قال : الشِّركُ باللهِ ، والسِّحرُ ، وقتلُ النَّفسِ الَّتي حرَّم اللهُ إلَّا بالحقِّ ، وأكلُ الرِّبا ، وأكلُ مالِ اليتيمِ ، والتَّولِّي يومَ الزَّحفِ ، وقذفُ المحصَناتِ المؤمناتِ الغافلاتِ»، رواه البخاري.

حكم السحر والذهاب للسحرة ، فقد ورد أن علماء المسلمين أجمعوا على إثبات السِّحر، وأن له حقيقة كحقيقة غيره من الأشياء الثابتة، وكون السحر له حقيقة ثابتة لا يعني كونه مؤثرًا بذاته ولكن التأثير هو لله- تعالى وحده-؛ لقوله: «وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ»، ولقد وصف الله سحر سحرة فرعون بأنه تخييل في قوله – تعالى-: «فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى»، [طه: 66]؛ أي إن الحبال لم تنقلب في الحقيقة إلى ثعابين، وإنما خُيِّل ذلك للمشاهدين.

وقد شددت النصوص  على أن تعلم السحر ضارٌّ وليس بنافع، ويَحرُم على الإنسان أن يتعلم السِّحر أو الشعوذة؛ لأنه يقوم على خداع الناس أو إضلالهم أو فتنتهم أو التأثير السيئ فيهم، كما يَحرُم على الإنسان أن يعتقد أن العراف أو المشعوذ أو الساحر هو الذي ينفعه أو يضره، حيث قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم-: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا أَوْ كَاهِنًا، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ» رواه أبو داود والطبراني، وبناء عليه فإنه ينبغي على من يريد اتقاء شر السحر والسحرة بأن يقوي صلته بالله، وأن يكون دائمًا في ذكر الله، وذلك بالصلاة وقراءة القرآن والاستغفار، وعدم اللجوء إلى الدجالين والمشعوذين فإن ذلك انحراف عن الطريق المستقيم.

حقيقة السحر 

ورد أنه عبارة عما خفي، وله حقيقة، ومنه ما يؤثر في القلوب والأبدان فيمرض الإنسان ويفرق بين المرء وزوجه وتأثيره يقع بإذن الله الكوني القدري، وهو عمل شيطاني، وكثير منه لا يتوصل إليه إلا بالشرك والتقرب إلى الجن والشياطين بما تحب، والتوصل إلى استخدامها بالإشراك بها مع الله تعالى، والسحر لا يزال موجود إلى الآن وهذا ثابث بنص القرآن والسنة النبوية، وله تأثير على الإنسان، ولكن لا يصيب الشخص المسحور الأذي إلا بإذن الله تعالى: «وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ».

هل السحر مذكور في القرآن

ورد في مسألة هل السحر مذكور في القران ، من الأدلة على وجود السحر حتى الآن قول الله تعالى: «وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ۚ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ ۚ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ۚ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ» (سورة البقرة: 102)،وتابع: وقوله تعالى: «قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ» (الفلق/ 1 – 4).

يقول تعالى : «وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ» أي: ومن شر السواح، اللاتي يستعِنَّ على سحرهن بالنفث في العقد، التي يعقدنها على السحر، وعن السحر في السنة النبوية، فالدليل ما رواه البخاري (2766)، ومسلم (89) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ) ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟، قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللَّهِ ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاَتِ»، وما رواه البزار (3578) عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَطَيَّرَ أَوْ تُطُيِّرَ لَهُ، أَوْ تَكَهَّنَ أَوْ تُكُهِّنَ لَهُ، أَوْ سَحَرَ أَوْ سُحِرَ لَهُ» وصححه الألباني في "الصحيحة" (2195) .

هل السحر موجود

وجاء في مسألة هل السحر موجود فعند جمهور العلماء ،اتفق أهل السنة والجماعة على وجود السحر، وأنه حقيقة تؤثر في الأشياء وتؤذي الإنسان، وأن كل ذلك بإذن الله عز وجل،  والساحر عمله كفر؛ لأن الشياطين لا تلبي له ما يريد، إلا بعدما يكفر بالله رب العالمين، وحينها تخدمه ويخدمها.

حكم السحر وأنواعه

ورد عن حكم السحر وأنواعه كثيرة منها التخييل أو «خداع البصر»، وليس السحر كله كذلك، وقد ذكر بعض العلماء أنواعه وأوصلوها إلى ثمانية، ومن أشهرها:

أولًا: عُقَد ورقى: أي: قراءات وطلاسم يتوصل بها الساحر إلى استخدام الشياطين فيما يريد به ضرر المسحور، لكن قد قال الله تعالى: «وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ» (البقرة / 102).

ثانيًا: خفة اليد: وهذه يحسنونها بالتدرب على المسارعة بفعل الأشياء، وإخراج المخبوء، فمثلًا يأتي الساحر بحمامة فيخنقها أمام المشاهدين ثم يضربها بيده فتقوم وتطير!.. والحقيقة: أنه كان في يده بنج! فشممها إياه وأوهمهم أنه خنقها فماتت، ثم لما ضربها: أفاقت من البنج!.

ثالثًا: سحر العيون: وهذا كثير عند الدجالين، فهو لا يُدخل السيف في جسده، لكنه يسحر عيون المشاهدين، ويمرر السيف على جانبه، ويراه الناس المسحورون مر في وسطه.. وقد اشتهر عندنا سحر هؤلاء، لما وجد بين المشاهدين من حصَّن نفسه بالقرآن والأذكار، وأكثر من ذكر الله في جلسة الساحر فرأى الحقيقة على خلاف ما رآها المسحورون.

رابعًا: استعمال المواد الكيماوية: وهذه يحسنها من يجيد تركيب المواد بعضها على بعض فتنتج مادة تمنع تأثير بعض المواد، مثل ما كان يصنع الرفاعية من إيهام الناس أنهم لا تؤثر بهم النار، والحقيقة أنهم يدهنون أنفسهم ببعض المواد التي تمنع تأثير النار فيهم.. وغير ذلك كثير مما يفعله السحرة، ولا يقع إلا ما قدره الله تبارك وتعالى.

مقالات مشابهة

  • هل السعي لفك السحر حرام؟.. احذر 3 أخطاء يقع فيها الكثيرون
  • محافظ كفرالشيخ: عقد المرحلة الثانية من المقابلات الشخصية لاعتماد 29 مدربًا
  • «قانون الأحوال الشخصية» يدخل حيز التنفيذ غداً الثلاثاء في الإمارات
  • أيمن رياض يكتب: المواطن أولاََ.. مواصلات بكرامة
  • لماذا اليمن في المرتبة الخامسة عالميًا من حيث المخاطر التي تواجه عمل المنظمات الإنسانية؟
  • حقوق الضحايا والناجين أولاً
  • بعد 21 عاماً.. أحمد السقا يعود إلى هذه الشخصية!
  • الجديد: أقترح رفع مخصصات بطاقة الأغراض الشخصية إلى 8 آلاف دولار 
  • من هو شيخ الإسلام البريطاني الذي بنى أول مسجد فيها؟