هل تتحول البوصلة الإيرانية من الشرق إلى الغرب؟
تاريخ النشر: 13th, April 2025 GMT
د. عبدالله باحجاج
هناك عدة مُسوِّغات كُبرى تجعلنا نطرح التساؤل الوارد في عنوان المقال، رغم أنَّ الاهتمامات التي تظهر فوق السطح تُشير إلى تركيز مفاوضات مسقط غير المباشرة بين إيران وأمريكا على الملف النووي الإيراني، وانفتاحها على عودة الاستقرار الإقليمي.
لكننا إذا ما أطلقنا التفكير في تداعيات ما يحدث في المنطقة والعالم، وانعكاساته على طهران في ضوء أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية المعقدة جدًا، ومخاطرها الداخلية على مستقبلها، وخسائرها الجيوسياسية في سوريا ولبنان وغزة، تذهب استشرافاتنا إلى أنَّ طهران وواشنطن في حقبة صناعة تحولات كبرى في علاقاتهما من وزن مضمون العنوان أعلاه.
قضية التوصل إلى اتفاق بين طهران وواشنطن عبر مفاوضات مسقط غير المباشرة مسألة وقت قصير؛ فطهران تحت ضغوط قوية ومُتعددة؛ عسكرية واقتصادية واجتماعية وسيكولوجية، كما إنها تحت ضغوط موعد اقتراب انتهاء الاتفاق النووي بين الغرب وطهران المُبرم عام 2015؛ حيث سينتهي في 18 أكتوبر 2025، وستواجه إيران- في حالة فشل المفاوضات- ثلاثة إكراهات كلها قاسية؛ وهي: لجوء الاتحاد الأوربي- المُتمسِّك بالاتفاق- إلى تفعيل العقوبات الدولية التي كانت مفروضة قبل عام 2015، وفرض عقوبات أمريكية مُشدَّدة، واستعمال القوة أو الاكتفاء بالعقوبات المشددة في ظل الحرب التجارية الجديدة، والرهانات على إحداث فوضى داخلية عارمة في إيران، وهي الأخطر على طهران من أي خيارات أخرى؛ لأنها ستُحدث النتائج دون إطلاق رصاصة واحدة.
لذلك.. ليس أمام طهران من خياراتٍ سوى التفاوض ونجاحه، والتفوق على دول الخليج في سحرهم المالي والاقتصادي لترامب، والمؤشرات تُظهر أن طهران تلعبها ببراجماتية مثالية؛ إذ قبل مفاوضات مسقط، لوَّح الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان بمقترح الاستثمار الأمريكي في بلاده؛ مما اعتُبِر بمثابة تحول ومرونة إيرانية تجاه واشنطن، في وقت تتسرب فيه أنباء عن صفقة تريليونية إيرانية لترامب، تشمل عودة شركات النفط والغاز الأمريكية لإيران، وفتح قطاع التكنولوجيا الإيراني لشركات التكنولوجيا الأمريكية، وهو سِحرٌ سيُساعد على نجاح مفاوضات مسقط عبر التوصل إلى اتفاق نووي مُشرِّف لطهران، وإقامة علاقات استراتيجية طويلة الأجل، خاصة وأن الصفقة الاقتصادية التي تُلوِّح بها طهران- كما ترى بعض المصادر- سترفع من مستوى معيشة الأمريكان وتوفِّر لهم ملايين من فرص العمل، وكذلك للإيرانيين والأوربيين.
ومن هنا عنْوَنَّا المقال بالتساؤل: هل ستتحول طهران من الشرق إلى الغرب؟ حيث إن الشرق لم يعد الشرق القوي الذي يُمكن الرهان عليه، خاصةً موسكو التي تركت أكبر حلفائها- كنظام بشار الأسد- يسقط بصورة دراماتيكية، ودخلت مع واشنطن في مساومات لصالح قضيتها مع أوكرانيا، ومن ثم لن تعتمد عليها طهران حصريًا، وهي الآن تحت مجموعة من الضغوط الوجودية، ولا بُد أن تقودها براجماتيتها إلى العودة إلى الغرب من بوابة الصفقات التريليونية التي يسيل لها لعاب ترامب، مع تسويات لقضايا برنامجها النووي وميلشياتها في الخارج؛ بما يضمن عودة حرية الملاحة البحرية والعبور الآمن في الممرات والمضائق المائية مجددًا؛ سواء عبر القضاء على مخاطر التهديد التي كانت طهران مُتهمة بصناعتها، أو قبولها بعملية اندماجها الداخلي في تسويات سياسية مع فرقائها في الداخل، مثل جماعة أنصار الله في اليمن، أو الحل العسكري، والذي تبدو مؤشراته الآن في الحالة اليمنية.
طهران تعلم جدية الشعار الذي يرفعه ترامب، ويُطبِّقه في ولايته الثانية على حلفاء بلاده وأعدائها، وهو "أمريكا أولًا" ويسير في تطبيقه بنهج راديكالي وبراجماتي في آنٍ واحد؛ فمُنذ تسلمه مقاليد الحكم في 20 يناير 2025 أعلن ترامب رغبته في ضم كندا وجزيرة جرينلاند الخاضعة للسيادة الدنماركية، إلى جانب فرض رسوم جمركية قاسية على كل الشركاء التجاريين وخاصة الصين، بما فيهم الكيان الصهيوني، مما يجعله الآن يعيش في أوضاع اجتماعية متوترة. أيضًا ترامب قلب الطاولة فوق الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وحلفائه الأوربيين، ويعمل على فتح صفحة جديدة في علاقته مع روسيا.. إلخ. لذا، قبلت طهران خيار التفاوض مدعومًا بالإغراء الاستثماري الذي يخدم مصالح ترامب وإدارته، بمن فيهم ستيف ويتكوف مبعوث ترامب في مباحثات مسقط، وهو ملياردير ومستثمر عقارات، وسينعكس الإغراء الإيراني كذلك على المجتمع الأمريكي، وبذلك يتحقق لترامب المنفعتان- الخاصة والعامة- بصورة مثالية.
يقينًا.. ترامب لن يفوت هاتين المنفعتين، وهو تاجر الصفقات الضخمة والمُربِحة، وهنا تبدو طهران قد عرفت كيف تتعامل مع ترامب، ليس كرئيس سياسي، وإنما كتاجر ورجل أعمال، بحسب وصف بعض التحليلات.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
المفاوضات الإيرانية الأمريكية.. اختبارٌ لنضج الدبلوماسية ومصالح الأطراف
يمانيون/ تقارير في لحظةٍ تتأرجَّحُ فيها المنطقةُ فوق خطوط النار، وتحت ضغط التوترات المتراكمة، عادت “طهران وواشنطن” إلى طاولة المفاوضات –ولو بطريقةٍ غير مباشرة– عبر مسقط، حاملةً معها رمزيةَ الموقع وحيادَ الوسيط.
في تفاصيل المشهد، أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية مساء اليوم السبت، رسميًّا انتهاء الجولة الأولى من المحادثات غير المباشرة مع الولايات المتحدة، والتي جرت في العاصمة العُمانية مسقط.
خلف أبواب مغلقة: مفاوضات غير مباشرة وأجواءٌ إيجابية
اللقاء الذي استمرَّ ساعتَينِ ونصفَ ساعة بين الوفدَينِ –عبرَ وساطة وزير الخارجية العُماني بدر البوسعيدي– وُصِفَ بأنه تَــمَّ في “أجواء إيجابية” وعلى أَسَاس “الاحترام المتبادل”.
وفي السياق، أكّـد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، “إسماعيل بقائي”، أن الهدفَ الإيراني واضح، وهو “تأمينُ المصالح الوطنية، وتوفير فُرصة واقعية للدبلوماسية في سبيل رفع العقوبات وتسوية الملف النووي” مُضيفًا أنهُ “لا نتوقَّعُ مفاوضاتٍ طويلةً. اليوم بداية، وفيه يعلن الطرفان مواقفهما المبدئية”.
وفيما تصريحاتُ الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” التي نُقلت عن طريق وسائل إعلام أمريكية: “أريد لإيران أن تكون دولة عظيمة. لكن دون سلاح نووي”، ألمح مصدرٌ أمريكي لموقع “أكسيوس” إلى أن “ترامب” “مستعدٌّ لتقديمِ تنازُلاتٍ للوصول إلى اتّفاق”.
هذا التباين يعكس إشكاليةً مزمنة في الخطاب الأمريكي، ويثير الشكوكَ حول ما يُقال في العلن وما يُطبَخ في الخفاء؛ كون تناقض التصريحات الرسمية مع واقع الميدان، هو ديدنُ “ترامب”.
الدور العُماني: أكثرُ من وساطة
سلطنة عُمان، التي تستضيفُ هذه الجولة، لا تلعبُ دورَ ناقل الرسائل فقط، بل باتت تقدِّمُ أفكارًا ومقترحاتٍ، كما تفيد مصادر دبلوماسية، في كلا الوفدين.
اللقاء -الذي جمع وزيرَ خارجيتها بـ”البوسعيدي” مع وزير الخارجية الإيراني “عباس عراقجي”- شهد تسليمَ رسالة مفصلة من طهران إلى واشنطن، وقد نوّه “عراقجي” خلال اللقاء بـ”دور مسقط المسؤول”، معتبرًا أن “الاتّفاقَ العادل والمشرِّف”، ممكنٌ فقط إذَا توفَّرت النوايا الصادقة من الطرف المقابل.
في موازاة الإعلان عن المحادثات، برز في الآونة الأخيرة تصعيدٌ متبادلٌ في الخطاب بين إيران من جهة، والولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي من جهة أُخرى.
غير أن لهجةَ “ترامب” انخفضت، ما فتح باب التكهنات حول احتمال وجود اتّفاق غير مُعلَن أَو صفقة تُطبَخُ بعيدًا عن الأضواء، خُصُوصًا مع التغطية الاستثنائية للقاءات المبعوثِ الأمريكي “ستيف ويتكوف” مع الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” في موسكو قبل التوجُّـه إلى مسقط.
المراقبون يربطون بين هذه التطورات وبين تراجُع تأثير اللوبي الصهيوني داخل دوائر القرار الأمريكي، أَو ربما توافُق خفي يجري ترتيبُه دون علم الحلفاء التقليديين لأمريكا في المنطقة.
اللافت أن هذه التحَرّكات خلقت حالةً من الريبة لدى الكيان الإسرائيلي وبعضِ دول الخليج، التي بدأت بالفعل تضخيمَ خطر التقارُبِ “الإيراني الأمريكي” عبر وسائل الإعلام المختلفة ومِنصات الاتصال والتواصل، في محاولةٍ للضغط على واشنطن وإفشال ما يبدو أنه مسارٌ تفاوضي حقيقي.
بين السطور: ملامحُ صفقة مصغَّــرَة
وَفْقَ مصدر عُماني نقلته وكالة “رويترز”، فَــإنَّ المباحثاتِ تهدفُ إلى “تهدئة التوترات الإقليمية وتبادل السجناء، والتوصُّل إلى اتّفاقاتٍ محدودة لرفعٍ جُزئيٍّ للعقوبات مقابل كبح البرنامج النووي العسكري”، إذَن نحن أمام تفاهُمٍ جزئي أَو صفقة مصغّرة، وليس اتّفاقًا شاملًا على غرار “اتّفاق 2015م”.
وكما قالت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية، “فاطمة مهاجراني”: “نريد حوارًا دقيقًا بلا ضجيج. لا مفاوضات بلا وضوح أَو روايات مختلقة”، وهو تصريحٌ يكشف حرصَ إيران على إغلاق الثغرات التي تسمحُ للخصوم الداخليين والخارجيين بتشويه مجريات التفاوُض.
في السياق، يرى مراقبون أن نجاحَ المحادثات وتحوُّلَها إلى مفاوضاتٍ مباشرةٍ ممكنةٌ جِـدًّا، وربما نشهَدُ في الأسبوع المقبل انتقالًا إلى مفاوضات مباشرة بين “عراقجي وويتكوف”، وهذا يعني دخولَ الطرفَينِ في نقاشٍ تفصيلي حولَ العقوبات والبنود النووية.
وفي حال فشلت الجولةُ المقبلة أَو طرأت مستجداتٌ إقليمية، بحسب مراقبين؛ فقد تعودُ لُغةُ التصعيد، خُصُوصًا في ظل تقاطع أجندات أطراف متضرِّرة من التهدئة، أبرزُها حكومة مجرم الحرب “نتنياهو”.
غير أن نجاحَ المفاوضات القادمة هو السيناريو الذي يلقى ترجيحًا كَبيرًا من كثير من الخبراء؛ إذ يمكن لواشنطن أن تُخفِّفَ بعضَ العقوبات مقابلَ التزام تقني من إيران بعدم رفع مستوى تخصيب “اليورانيوم”، بينما تُقدِّمُ إيران هذا الإنجاز على أنه “انتصارٌ للسيادة والتفاوض الندّي”.
واعتبر المراقبون أن هذه المفاوضاتِ مُجَـرّدُ جولة أولية ومرحلة تقنية حول المِلف النووي، إلا أن القادم هو الاختبار الحقيقي لــ ما إذَا كانت “طهران وواشنطن” مستعدتَينِ لفَكِّ عُقدة الشكوك المتبادلة، وفتح نافذة اتّفاق قابل للبقاء.
بالمحصِّلة؛ ما جرى اليوم في مسقط، هو رسمٌ أولي لمعادلةٍ جديدة في المنطقة، تكونُ فيها سلطنةُ عُمان حجرَ الزاوية، تراقَبُ من الأطراف كافة “روسيا، (إسرائيل)، تركيا، ودول خليجية”، ولكُلٍّ منهم حسابات متناقضة، ويبقى السؤال مطروحًا، هل تتجاوزُ هذه المفاوضاتُ “المرحلةَ التجريبية” لتصلَ إلى اتّفاق فعلي، أم أنها مُجَـرّدُ هُدنة مؤقَّتة في حرب الدفاع المتقدِّم عن الكيان؟
نقلا عن المسيرة نت