تتمتع ألعاب الفيديو بخصوصية عن أي نوع آخر من أنواع الإعلام المرئي وآليات سرد القصص سواءً كانت أفلامًا أو مسلسلات أو حتى قصصا مسموعة.

فبينما تجبر أنواع الإعلام المرئي المختلفة المستخدم على تلقي القصة بشكل مباشر من خلال سرد أحداثها ومحاولة جعله يعيش هذه الأحداث عبر السرد النصي، فإن الألعاب تجبر المستخدم على عيش التجربة والأحداث التي تحاول سردها.

لذا يمكن القول إن الألعاب تنقل السرديات المختلفة بشكل أكثر فاعلية من بقية أنواع الإعلام، وهذه الخصوصية جعلتها الوسط المثالي لنقل تجارب الأمراض النفسية والتعبير عنها بشكل يتخطى وصمة العار والتنميط الذي تعاني منه في بقية أوساط الإعلام المرئي.

كما تخطى دور الألعاب مجرد التعبير ونقل معاناة المصابين بالأمراض العصبية والنفسية إلى أبعد من ذلك، فأصبحت بعض الألعاب الآن مصممة لمراعاة بعض أنواع الاضطرابات النفسية ومعالجتها بشكل بسيط، لتصبح الألعاب جزءًا من علاج هذه الأمراض.

وفي بعض الأحيان، تعرض الألعاب هذه الأنواع من المعاناة دون أن تنبئ اللاعب بذلك، تاركةً إياه يعيش التجربة بشكل كامل مثل مريض لا يعرف تشخيص مرضه، وهذا ما يجعلها قادرةً على نقل تجربة فريدة ومختلفة من نوعها.

يمكن القول إن الألعاب تنقل السرديات المختلفة بشكل أكثر فاعلية من بقية أنواع الإعلام (بيكسلز) 4 ألعاب رائدة تحدثت عن الأمراض النفسية

لم يقتصر تمثيل الأمراض النفسية في عالم الألعاب على التجارب المطورة من قبل مطورين مستقلين أو صغار، بل امتد الأمر لتقدم تجارب أكثر حيوية من الشركات الرائدة لتطوير الألعاب، وذلك إما عبر التركيز على المرض النفسي ودمجه في أسلوب اللعب بشكل مباشر، أو عبر استخدامه كأداة داخل عالم اللعبة، وفيما يلي بعض أبرز الألعاب التي قدمت هذه التجربة.

 

لعبة "سايلنت هيل 2" (Silent Hill 2)

لعبة "سايلنت هيل 2" تتعرض إلى اضطرابات نفسية معتادة ومنتشرة أكثر مما نتوقع، مثل الاكتئاب والصدمة العصبية (الجزيرة)

قلّة من ألعاب الرعب تحظى بالمكانة ذاتها مثل "سايلنت هيل 2″، ورغم أن النسخة الأصلية للعبة طرحت عام 2001، فإنها تعرضت إلى مجموعة من الأمراض النفسية ضمن قصتها، وعندما أعادت الشركة تطوير اللعبة وقدمت نسخة محسنة منها في عام 2024، نقلت هذه الأمراض والتعبير عنها إلى النسخة الجديدة أيضًا.

وبشكل أساسي، تتعرض لعبة "سايلنت هيل 2" إلى اضطرابات نفسية معتادة ومنتشرة أكثر مما نتوقع، مثل الاكتئاب والصدمة العصبية، وتستخدم قصة اللعبة هذه الاضطرابات من أجل تعزيز الأجواء المرعبة التي تدور بها، إذ تجبر اللاعب على التعامل مع الصدمة الناتجة من اختفاء زوجة البطل فضلا عن الحالة النفسية التي كانت تمر بها وتسببت في ظهور هذه الوحوش.

لعبة "ماكس بين" (Max payne)

لعبة "ماكس بين" تدور حول الضابط الذي يبحث عن العصابة التي قتلت أسرته، وذلك في محاولة منه للتكيف مع حالة الاكتئاب (الجزيرة)

تمثل لعبة "ماكس بين" محطةً أصيلة في رحلة كل شخص محب للألعاب، بدءًا من الجزء الأول الذي طرح في عام 2001 محققًا نجاحًا أسطوريًّا، وحتى الأجزاء التالية من اللعبة والتي صدرت على العديد من المنصات ومن المتوقع أن تصدر نسخة محسنة منها في القريب العاجل.

إعلان

تدور لعبة "ماكس بين" حول الضابط الذي يبحث عن العصابة التي قتلت أسرته، وذلك في محاولة منه للتكيف مع حالة الاكتئاب التي أصيب بها بعد فقدانه زوجته وابنه الرضيع، وخلال هذه الرحلة، يمر ماكس بالعديد من التحديات التي تجعله مدمنًا على تناول المهدئات والأدوية العصبية المختلفة.

ورغم أن اللعبة لا تخبرك مباشرةً بأنها تسرد معاناة ماكس بطلها مع الاكتئاب والحزن والغضب، فإن هذه السمات تظهر بوضوح أثناء رحلة اللعبة وتجربتها، مجبرةً اللاعب على التعامل مع هذه المشاعر المختلطة بينما يتعامل معها ماكس ويحاول التعافي منها.

لعبة "سبيك أوبس: ذا لاين" (Spec Ops: The Line)

صدرت هذه اللعبة في عام 2012، وآنذاك كانت تسيطر الألعاب الحربية مثل "باتلفيلد" (BattleField) و"كول أوف ديوتي" (Call of duty) على اهتمام اللاعبين وتحقق مبيعات مذهلة دون تقديم قصة عميقة أو فريدة من نوعها، فجميع هذه الألعاب تهتم بطور اللعب الجماعي وتركز على الانفجارات وجرعة الآكشن فقط.

لعبة "سبيك أوبس – ذا لاين" تعرض أحد أبرز الاضطرابات النفسية والعصبية التي يصاب بها الجنود في مختلف الحروب (الجزيرة)

ولكن تأتي لعبة "سبيك أوبس – ذا لاين" لتحطم هذه الصورة التقليدية لألعاب الحروب عبر عرض جانب من الحروب الشرسة الذي لم تتعرض له أي لعبة أخرى بالآلية نفسها، إذ تتبع قصة اللعبة مجموعة عسكرية تقوم بمهمة عسكرية في دبي لمواجهة مجموعة إرهابية، وفي النهاية، يصاب بطل اللعبة بمجموعة من الهلاوس البصرية والعصبية التي تجعله يتغير بشكل كامل ويفقد إحساسه بالحياة الحقيقية متسببًا في موت الآلاف من المدنيين ورفاقه.

تعرض لعبة "سبيك أوبس – ذا لاين" أحد أبرز الاضطرابات النفسية والعصبية التي يصاب بها الجنود في مختلف الحروب عبر الأزمنة، وهي اضطراب ما بعد الصدمة أو كما يعرف اختصارًا "بي تي إس دي" (PTSD)، حيث تتوقف حياة المجند في المنطقة الحربية التي كان يعيش بها ولا يستطيع التكيف مع الحياة المدنية بعد عودته من الحرب.

إعلان سلسلة ألعاب "هيل بليد" (HellBlade)

صدر الجزء الأول من سلسلة "هيل بليد" في عام 2017 تحت اسم "سينوا ساكريفايس" (ٍSneua’s Sacrifice)، ورغم أن الأستوديو المطور للعبة لم يكن كبيرًا في ذلك الوقت، فإنه تمكن من تقديم تجربة فريدة من نوعها، وهي التجربة ذاتها التي استمرت مع الجزء الثاني الذي صدر في العام الماضي.

لعبة "هيل بليد" تتمحور حول مرض الذهان الذي أصيبت به البطلة (الجزيرة)

تتمحور اللعبة حول مرض الذهان الذي أصيبت به البطلة، فأصبح من الصعب التفريق بين الأحداث الحقيقية في اللعبة وبين الهلاوس البصرية والسمعية التي تدور داخل عقلها، وهو ما يضعها في العديد من التحديات المختلفة، وقد تمكنت اللعبة من عرض معاناة مرضى الذهان بشكل فريد من نوعه لم يتكرر في أي نوع من أنواع الألعاب الأخرى.

أهمية تمثيل الاضطرابات النفسية في الألعاب

تمثل التوعية وآليات التعامل مع المصابين بالاضطرابات النفسية جزءًا كبيرًا من رحلة العلاج الخاصة بهم، إذ يجب أن يشعر المصاب بأنه شخص طبيعي وليس منبوذًا أو مكروهًا بأي شكل من الأشكال، ورغم المحاولات العديدة للتوعية بالمعاناة التي يعيشها هؤلاء، فإن البعض ما زال يجهل حجم هذه المعاناة.

وعبر تقديم معاناة الاضطرابات النفسية في الألعاب وجعل اللاعب يعيش في عقل المصاب بهذه الاضطرابات، يمكن توعيته بشكل أفضل من مجرد الحديث النظري، وهذا ما يتضح في تجربة لعبة مثل "هيل بليد"، إذ تجد نفسك تستمع للهلاوس السمعية وترى الهلاوس البصرية التي تراها بطلة اللعبة، بشكل يجعلك غير قادر على التفرقة بين الواقع والخيال.

هذه التجربة تقرب اللاعب من الحالة الذهنية التي يعيشها مريض الذهان، وتجعله يتفهم هذه المعاناة بشكل أفضل من مجرد الحديث عن الهلاوس البصرية والسمعية دون تقديم تجارب عملية توضح هذه المعاناة.

ورغم أن الألعاب التي ركزت على هذا الجانب في قصتها تمكنت من تحقيق نجاحات كبيرة، فإن غالبية التمثيل المتعلق بالاضطرابات النفسية ما زال مقتصرًا على قصص الرعب وألعابه، وهو ما يجب أن يتغير في المستقبل لزيادة التوعية بمخاطر هذه الأمراض.

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الاضطرابات النفسیة الأمراض النفسیة ماکس بین ذا لاین ورغم أن فی عام

إقرأ أيضاً:

الحرب النفسية.. أسلحة خفية تُهدد العقول والمجتمعات

يمانيون/ كتابات/ عبدالحافظ معجب

في عالمٍ تتصاعد فيه حِدة الصراعات بعيدًا عن ساحات القتال التقليدية، تطفو على السطح حربٌ أكثر خُبثًا وضراوةً، حربٌ لا تُحطم المباني ولا تزهق الأرواح بقصف الطيران، لكنها تغزو العقول وتُسمم الوعي، وتُحول البشر من ضحايا إلى أدواتٍ طيّعة تُكرس هزيمتها بأيديهم، إنها الحرب النفسية، التي باتت تُشكل تهديدًا وجوديًا للمجتمعات في عصر تدفق المعلومات والاتصالات اللامحدود.
لا تهدف هذه الحرب إلى تحقيق انتصارات عسكرية ميدانية، بل تسعى لإضعاف الخصم من الداخل، عبر تقويض الثقة بين الشعب وحكومته وقيادته وخلق انقسامات مجتمعية عميقة، ونشر الإشاعات التي تبث الفوضى وتزرع اليأس، إنها حربٌ تعتمد على تشويه السمعة ببراعة، عبر حملات تشهير تستهدف الرموز الوطنية، أو تضخيم الأزمات الداخلية حتى تبدو وكأنها كارثة لا مفر منها، ما يدفع الناس إلى التمرد أو الاستسلام.
خطورتها تكمن في أنها حربٌ غير مرئية، تترك آثارًا طويلة الأمد قد تفوق في تدميرها قذائف المدافع، إذ تحوّل الفرد من عنصر مقاوم إلى شريكٍ في هزيمة نفسه دون أن يدري.
في هذا السياق، تبرز الولايات المتحدة كقوةٍ رائدة في توظيف هذه الحرب، مستفيدةً من تفوقها التكنولوجي والإعلامي الهائل.
فمنصات التواصل الاجتماعي، التي يفترض أنها مساحات للتعبير الحر، تتحول إلى ساحات لنشر الشائعات، أما الإعلام الموجه، عبر قنوات فضائية ومواقع إخبارية تُقدم نفسها كمنصات “محايدة”، فيُعيد صياغة الوعي الجمعي لخدمة سرديات تكرس هيمنة واشنطن، مثل تشويه صورة خصومها في المجتمعات العربية أو أمريكا اللاتينية.
ولا ننسى دور المنظمات غير الحكومية، التي تُموّلها أحيانًا جهات مخابراتية، لدعم حركات احتجاجية تُزيّنها بشعارات حقوق الإنسان، بينما جوهرها زعزعة استقرار الدول التي تقف في وجه المصالح الأمريكية.
لقد أثبتت هذه الاستراتيجية نجاحاتٍ لافتة عبر التاريخ؛ فسقوط الاتحاد السوفيتي لم يكن نتاج حرب باردة عسكرية فحسب، بل أيضًا نتيجة حرب إعلامية ونفسية طويلة، غذّت الشكوك بين المواطن والدولة.
وكذلك الحال مع “الثورات الملونة” في أوروبا الشرقية، أو الاحتجاجات الأخيرة في إيران وفنزويلا، حيث تحوّلت المطالب المشروعة إلى فوضى مُدارة تُسهل التدخل الخارجي.
لكن هذه الحرب ليست قدرًا محتومًا، فمواجهتها تبدأ بوعي الأفراد والمجتمعات، فتعزيز المناعة الفكرية عبر التربية على النقد والتحليل، وعدم استهلاك المعلومات بسلبية، هو الخطوة الأولى، كما أن محاربة الإشاعات بنشر الحقائق عبر منصات موثوقة، ودعم الإعلام الوطني وتعزيز الثقة بالمؤسسات الرسمية، يقطع الطريق على السموم المُخطط لها، ولا بد من تعزيز الوحدة الوطنية ببناء جسور الثقة بين الحكومة والشعب ومواجهة الخطاب التحريضي والإنهزامي الذي يُفتت النسيج الاجتماعي. إلى جانب ذلك، تظل التشريعات الصارمة ضد مروجي الأخبار الكاذبة، ومراقبة التمويل الأجنبي المشبوه، ضرورةً لحماية الأمن القومي.
في النهاية، الحرب النفسية اختبارٌ حقيقي لوعي الأمم وتماسكها. فبقدر ما تكون الشعوب قادرةً على تمييز الحقائق من الأوهام، وتدرك أن بعض الأزمات ليست سوى سرابٍ مُصنعٍ بأيدٍ خفية، تكون قادرةً على تحويل هذه الحرب من إعصارٍ يقتلع الجذور، إلى رياحٍ عابرةٍ لا تُسقط إلا الأوراق الميتة.

مقالات مشابهة

  • حكم تكريك البرامج والألعاب الإلكترونية.. دار الإفتاء تجيب
  • بعد فصلها عن سويفت.. هل تمكنت روسيا من تحقيق استقلالها النقدي؟
  • تعاون لعبة فورت نايت مع المسلسل الكرتوني الشهير وقت المغامرة
  • ما دور الطرق الصوفية في السياسة المصرية؟ وكيف تمكنت الدولة من احتوائها؟
  • استهداف ممنهج.. الكنيسة الأسقفية: قصف مستشفى المعمداني «وصمة عار في وجه الإنسانية»
  • الذكاء الذي يعرف ما تريده قبل أن تطلبه.. شراكة Google وOppo تغيّر اللعبة|تفاصيل
  • الحرب النفسية.. أسلحة خفية تُهدد العقول والمجتمعات
  • Mafia: The Old Country.. تحديد موعد انطلاق اللعبة 
  • دفاع المتهم بالتعدي على طفلة داخل حمام مسجد بالعاشر من رمضان يطالب بعرضه على مستشفى الأمراض النفسية