صعود الدول الحضارية وأفول الأحادية القطبية
تاريخ النشر: 13th, April 2025 GMT
تجسد حرب الإبادة المستمرة التي تشنها المستعمرة الاستيطانية الصهيونية على غزة بدعم أمريكي وغربي حالة من الفزع والقلق من انهيار عصر الأحادية القطبية الليبرالي، بحيث بلغ السقوط الأخلاقي للغرب مستوى غير مسبوق من التدني والانحدار. فحرب الإبادة المشهدية التي أفضت إلى ارتقاء نحو 51 ألف شهيد معظمهم من الأطفال والنساء، وجرح أكثر من 117 ألف آخرين منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023، لم تحرك الضمير الليبرالي الغربي، بل شجعت الكيان الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي على استكمال مشروع التطهير العرقي للشعب الفلسطيني، باعتبارها حربا حضارية في مواجهة البربرية، وهو ما يشير إلى انقلاب القيم وموت الإنسانية في الغرب الإمبريالي، وتمجيد القوة والوحشية والهمجية، وبروز الأخلاقيات الرأسمالية القائمة على الجشع والعنف، وتكشف مقارنة التعامل الغربي بين وضع أوكرانيا والحالة الفلسطينية عن حجم المفارقة ومستوى الانحدار في النظام الليبرالي الغربي.
لم تكن حرب الإبادة في غزة سوى مؤشر صادم على تداعي المنظومة الأحادية القطبية، وفقدان الولايات المتحدة للأهلية السياسية والأخلاقية للتفرد بالعالم وقيادته، وتولي دونالد ترامب رئاسة أمريكا هو مؤشر آخر، فمقترحاته باستكمال التطهير العرقي وحرب الإبادة في غزة، لا تخالف قواعد القانون الدولي فحسب، بل تقوض الأساس الأخلاقي للبشرية، وأما حربه التجارية وتعريفاته الجمركية الغرائبية، فهي تنم عن إدراك بقرب نهاية حقبة الأحادية الأمريكية، وهي محاولة يائسة للحد من صعود الدول الحضارية التي تتحدى النظام العالمي الليبرالي أحادي القطب، إذ يشهد العالم تحولا في النظام العالمي من نظام عمودي، حيث يكون الغرب فوق البقية، إلى نظام أفقي، حيث يكون الغرب والبقية على قدم المساواة مع بعضهم البعض من حيث الثروة والقوة والأفكار.
إن أمريكا ترامب لا تختلف عن أمريكا بايدن، لكن ترامب هو صورة فجة بصيغة شعبوية يمينية، ففي عصره تشبه أمريكا جمهورية فايمار، حيث تذكر أوامر ترامب التنفيذية التي يبررها بأنها استجابة لـ"حالة طوارئ وطنية"؛ بنظرية "القرارية" التي وضعها الفقيه الألماني كارل شميت في عهد فايمار، الذي جادل بأن السلطة السيادية المطلقة تستمد شرعيتها من تعليق النظام الدستوري الطبيعي في "حالة استثنائية"، عندما تكون الدولة مُهددة من قِبل أعداء، من الداخل والخارج، وما يفعله ترامب هو تعطيل صعود دول الحضارة، وفي مقدمتها الصين.
وفي كتابه الجديد "أرض خراب: عالم في أزمة دائمة"، يبني روبرت كابلان حجته على صورة فايمار، لكن كابلان الذي يتحدث عن الخراب لا يتطرق إلى حرب الإبادة في غزة، بل يسعى إلى ديمومة الهيمنة الأمريكية وتثبيت الأحادية القطبية، فالنظام الذي يتحدث عنه يتجاوز غزة، حيث انتهجت أمريكا، القوة المهيمنة في العالم، سياسة تدمير متعمد، وفق رؤية جيوسياسية ولاهوتية مسيانية، حيث قوضت أمريكا النظام القانوني الدولي من جذوره، وزرعت بذور الكراهية والحقد في كافة أرجاء المنطقة. فصاحب كتاب "أرض الخراب"، لا يأتي على ذكر عمليات القتل والإبادة والتدمير الإسرائيلي لغزة بالسلاح الأمريكي، بل يُشيد كابلان بإسرائيل لثباتها، ولأنها أكثر صرامة من بايدن. وهو بلا شك من أنصار ترامب ونتنياهو ونهج "السلام بالقوة"، ولذلك فإن الأداة الأكثر فعالية للحفاظ على الوضع القائم يقوم على التوسع باستخدام القوة الوحشية الغاشمة باعتبارها الوسيلة الأكثر فعالية.
إن الوضعية العالمية المختلة واختلال منظومة الأحادية القطبية، تعيد مفهوم الدولة الحضارية إلى الصدارة، فالأطر الثلاثة الأساسية لإقامة النظام العالمي اليوم تقوم على نماذج الأممية الليبرالية، والدول الحضارية، والدول القومية. ويفترض كل إطار فهما محددا للوحدة الأساسية للنظام العالمي في بناء القيم، إذ تتخيل الأممية الليبرالية إطارا قيميا واحدا قائما على عالمية القيم الليبرالية، ويتضمن تطبيقه الأكثر اتساقا نسخة من دولة عالمية أو هيمنة ليبرالية، بينما يتخيل نموذج الدولة الحضارية عددا قليلا من مراكز القوة الإقليمية في العالم، يدعم كل منها رؤية حضارية راسخة للنظام. وعلى عكس النموذجين الأولين، تُعد الدولة القومية الوحدة السياسية الأساسية لنظام دولي تحافظ فيه كل دولة قومية على سيادتها بناء على الإرادة الموحدة لسكانها.
نشهد اليوم بداية حقبة أفول الأحادية القطبية، فبدلا من الدفاع عن القيم العالمية كالديمقراطية وحقوق الإنسان، انتهت الأحادية إلى الدفاع عن أسلوب حياة واحد ضد كل بديل. ويعود صعود عالم الدول الحضارية، إلى سبب جذري وهو انهيار مفهوم الحضارة العالمية، وهو مفهوم يكافئ مفهوم الهيمنة كما قرر عالم السياسة الأمريكي صموئيل هنتنغتون في مقاله عام 1993، ثم كتابه "صراع الحضارات" عام1996، حيث جادل في أحد أبرز مقاطع كتابه بأن مفهوم الحضارة العالمية يُسهم في تبرير الهيمنة الثقافية الغربية على المجتمعات الأخرى، وحاجة هذه المجتمعات إلى تقليد الممارسات والمؤسسات الغربية، فالعالمية هي أيديولوجية الغرب لمواجهة الثقافات الأخرى.
وبطبيعة الحال، يرى هنتنغتون أن على كل من هو خارج الغرب أن ينظر إلى فكرة العالم الواحد على أنها تهديد، حيث لعب مفهوم هنتنغتون دورا في تعزيز فكرة "الغرب ضد بقية العالم"، وبالتالي عزز نوعا من التعبئة الداخلية للغرب في ظل الظروف السياسية الجديدة بعد نهاية الحرب الباردة. وإن لم يكن تأثير هذا المفهوم مباشرا، إلا أنه يمكن تتبعه في تطور الممارسة السياسية للدول الغربية في "إسقاط الديمقراطية" على مناطق أخرى من العالم والحضارة بالمعنى الهنتنغتوني. وهكذا، وُضع مسارٌ لعولمة الحضارة الغربية واستيعابها من قِبل جميع الحضارات الأخرى في المستقبل (مع ترك الاختلافات الثقافية فقط، على نحوٍ ما، في سياقٍ فولكلوري).
إن مفهوم دولة الحضارة الذي بات سياسة ونهجا للتعددية القطبية يختلف عن مفهوم هنتنغتون الذي يرتكز على سياسات الهوية، فدولة الحضارة التي تبشر بها دول كالصين وروسيا والهند وتركيا وإيران، رغم الاختلافات في تعريفها، تبدو متفقة على ثلاثة محاور على الأقل: أولا، أنها جميعا حضارة فريدة، وثانيا، أنها سئمت من فرض الغرب لقيمه عليها باسم "القيم العالمية"، وثالثا، أنها تُقاوم التدخل الغربي في شؤونها الداخلية. فهذه الدول الحضارية الصاعدة تتحدى بالفعل ما يسمى بالنظام العالمي الليبرالي أحادي القطب، وبالتالي يشهد العالم تحولا في النظام العالمي من نظام عمودي، حيث يكون الغرب فوق البقية، إلى نظام أفقي، حيث يكون الغرب والبقية على قدم المساواة مع بعضهم البعض من حيث الثروة والقوة والأفكار.
أصبح صعود "الدولة الحضارية" شبحا يطارد الغرب الليبرالي حسب أريس روسينوس، فمع تراجع النفوذ السياسي الأمريكي وانهيار سلطته الأخلاقية، تبنى المتحدون الصاعدون في أوراسيا نموذج الدولة الحضارية لتمييز أنفسهم عن النظام الليبرالي المشلول، الذي يترنح من أزمة إلى أخرى دون أن يموت تماما أو يُنجب خلَفا صالحا.
ويلخص المنظر السياسي أدريان بابست نموذج الدولة الحضارية قائلا: "في الصين وروسيا، ترفض الطبقات الحاكمة الليبرالية الغربية وتوسع مجتمع السوق العالمي. فهم يُعرّفون بلديهما كحضارتين متميزتين بقيمهما الثقافية ومؤسساتهما السياسية الفريدة". فمن الصين إلى الهند، ومن روسيا إلى تركيا، تستمد القوى العظمى والمتوسطة في أوراسيا العون الأيديولوجي من الإمبراطوريات ما قبل الليبرالية التي تدعي أنها تنحدر منها، وتعمل على إعادة صياغة أنظمتها السياسية غير الديمقراطية والدولتية كمصدر للقوة وليس الضعف، وتقلب النزعة الانتصارية الليبرالية الديمقراطية في أواخر القرن العشرين .
يعود استخدم مصطلح "دولة الحضارة" إلى عالم السياسة الأمريكي لوسيان باي لأول مرة عام 1990 لتصنيف الصين كدولة ذات طابع اجتماعي وسياسي مميز، بدلا من اعتبارها دولة قومية وفق النموذج الأوروبي، ومن المستحيل فصل تراجع أمريكا عن صعود الصين. وقد روّج لمصطلح "الدولة الحضارية" الباحث البريطاني في الشؤون الصينية مارتن جاك في كتابه الأكثر مبيعا "عندما تحكم الصين العالم"، الصادر عام 2009، حيث أكد أن الصين كدولة قومية عمرها لا يتجاوز 120-150 عاما، بينما عمرها كحضارة يمتد لآلاف السنين، فعند صياغة مفهوم "الدول الحضارية"، عادة ما يُركز على الهوية الحضارية، والالتزام بالرموز الثقافية الموروثة من أجيال وأجيال من الأجداد، والمتجذرة في هويتهم الذاتية. ويجادل جاك بأنه كانت هناك حضارات عديدة في التاريخ، بما في ذلك دول حضارية كالهند، لكن لا شيء منها يُضاهي الصين.
إلا أن المنظر السياسي كريستوفر كوكر قدم في كتابه البالغ الأثر "صعود الدولة الحضارية"، تحليلا شاملا لظهور الدول الحضارية في العالم الحديث، مع التركيز بشكل خاص على الصين والهند وروسيا واليابان والخلافة الإسلامية. ويجادل كوكر بأنه في سياق نظام عالمي ما بعد الليبرالية، حيث تزداد هيمنة الليبرالية الغربية تنافسا، تستغل هذه الدول تراثها الثقافي والتاريخي الفريد لتأكيد استثنائيتها وهويتها. ويتميز هذا الانبعاث برفض الليبرالية الغربية العالمية، التي روجت تاريخيا لقيم مثل الديمقراطية وحقوق الفرد ورأسمالية السوق الحرة كمعايير عالمية. وبدلا من ذلك، تسعى الدول الحضارية إلى تأكيد أولوية أطرها الثقافية والحضارية، واضعة إياها كبدائل للرؤية الغربية للحوكمة العالمية والنظام السياسي.
إن البحث عن الجذور الثقافية والتاريخية الفريدة هو جوهر الدول الحضارية الذي يشهد صعودا متواترا في الصين وروسيا وغيرهما من الدول، ففي الصين بدأ "التحول إلى الكونفوشيوسية عام 2005، عندما أشاد الرئيس هو جين تاو بمفهوم الكونفوشيوسية للتناغم الاجتماعي، وأمر كوادر الحزب ببناء "مجتمع متناغم". لكن وصول شي جين بينج إلى منصب الرئيس الصيني في عام 2012 دفع فكرة "الدولة الحضارية" إلى صدارة الخطاب السياسي، حيث يعتقد شي أن "الحضارة تحمل على ظهرها روح بلد أو أمة"، حيث تنبع هذه الروح الحضارية من التحليل الصيني لمسار البلاد المستقبلي. ففي كتابه المؤثر الصادر عام 2012 بعنوان "الموجة الصينية: صعود دولة حضارية "، لاحظ المنظر السياسي الصيني تشانغ ويوي أن "الصين هي الآن الدولة الوحيدة في العالم التي دمجت أطول حضارة مستمرة في العالم مع دولة حديثة ضخمة".. كونها أطول حضارة مستمرة في العالم سمحت لتقاليد الصين بالتطور والنمو والتكيف في جميع فروع المعرفة والممارسات الإنسانية تقريبا.
لا تقتصر جاذبية نموذج الدول الحضارية على الصين. ففي عهد بوتين، تخلت روسيا علنا عن مشاريع التحرير التي ركزت على أوروبا في التسعينيات -وهي فترة من الانهيار الاقتصادي والاجتماعي الدراماتيكي مدفوعا بالالتزام بسياسات المنظرين الليبراليين الغربيين- من أجل مسارها الثقافي الخاص أو مسارها الخاص لحضارة روسية فريدة تتمحور حول دولة قوية. ففي خطاب ألقاه عام 2013 أمام نادي فالداي، أشار فلاديمير بوتين إلى أن روسيا "لطالما تطورت كحضارة دولة، مدعومة بالشعب الروسي واللغة الروسية والثقافة الروسية والكنيسة الأرثوذكسية الروسية والأديان التقليدية الأخرى في البلاد. إن نموذج الدولة-الحضارة بالتحديد هو الذي شكل نظامنا السياسي". وفي خطاب ألقاه عام 2012 أمام الجمعية الفيدرالية الروسية، أكد بوتين أيضا أنه "يجب علينا تقدير التجربة الفريدة التي ورثناها عن أجدادنا. فعلى مر القرون، تطورت روسيا كأمة متعددة الأعراق منذ البداية، وحضارة دولة تجمعها حضارة الشعب الروسي، واللغة الروسية والثقافة الروسية الأصيلة لنا جميعا، مما يوحدنا ويمنعنا من الذوبان في هذا العالم المتنوع".
خلاصة القول أن جاذبية نموذج الدول الحضارية يؤذن بأفول زمن الأحادية القطبية، ونهاية عصر الحضارة العالمية التي تقوم على استراتيجية الهيمنة، فالدول المهيمنة تعتمد في المقام الأول على "القدرات المادية" التي تتجسد في التقدم السياسي والاقتصادي والعسكري، وتستخدم في نهاية المطاف نفوذها الثقافي، فقوتها الأساسية تكمن في قوتها المادية. أما الدول الحضارية فتستند إلى رؤية مختلفة، فهي تتأسس على "المكونات الثقافية والبشرية" أولا، ثم تتحول إلى قوى مادية وموضوعية. وهذا التقدم من العمق الثقافي إلى القوة المادية يشكل فرقا رئيسيا بين الدول الحضارية والقوى المهيمنة، حيث تعطي الأولى الأولوية للتراث الثقافي باعتباره جوهر قوتها وهويتها، بينما تحتفظ الثانية بالقدرات المادية كمصدر أساسي للقوة.
وقد كشفت غزة عن محدودية القوة المادية الذي تجسد في حرب الإبادة التي تشنها المستعمرة الاستيطانية الصهيونية على غزة بدعم أمريكي وغربي، وهي حرب تعكس حالة الفزع والقلق التي أصابت المشروع الغربي من انهيار عصر الأحادية القطبية الليبرالي، حيث السقوط الأخلاقي للغرب الإمبريالي والاستعمار الإسرائيلي بلغ مداه مع الدخول في حقبة أفول الأحادية القطبية، حيث تخلى الغرب عن الدفاع عن القيم العالمية كالديمقراطية وحقوق الإنسان، وانتهت الأحادية إلى الدفاع عن أسلوب حياة واحد ضد كل بديل، ففي النهاية يعود صعود عالم الدول الحضارية، إلى سبب جذري وهو انهيار مفهوم الحضارة العالمية، وهو مفهوم يكافئ مفهوم الهيمنة.
x.com/hasanabuhanya
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه غزة الحضارة امريكا غزة انسانية ابادة حضارة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة اقتصاد سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الأحادیة القطبیة الحضارة العالمیة الدولة الحضاریة النظام العالمی دولة الحضارة نموذج الدولة نموذج الدول حرب الإبادة الدفاع عن فی العالم فی کتابه
إقرأ أيضاً:
لماذا تنتهك أمريكا حقوق العالم؟!
ظهر جلياً خلال العقود الأخيرة أن أمريكا تعمل وسط هذا العالم من أجل مصالحها فقط، دون أن تنظر إلى مصالح الدول وحقوقها في تحقيق التقدم والازدهار في شتى المجالات، وهدف أمريكا من ذلك هو أن تصبح وحدها هي القوة الوحيدة المهيمنة على العالم عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، في حين أن دول العالم هي الأخرى حرة، ولها الحق في أن تكون قوية وفاعلة في كافة المجالات، ما يسمح للدول الكبرى بأن تنهض وتقوى وتعمل من أجل نهضتها، ومن أجل نهضة الشعوب الكبرى، الأمر الذي يقضى على سياسة القطب الأوحد في هذا العالم، وقد عانت الكثير من الدول وبخاصة الدول الناهضة والواعدة في المجالات التكنولوجية، الاقتصادية، العسكرية والفضائية، من انتهاك أمريكا لحقوقها من خلال افتعال الحروب والأزمات غير المبررة والظالمة داخل تلك الدول، ومنها حقوق أمريكا وغزوها للكثير من دول الشرق الأوسط، أو بفرض أمريكا الكثير من العقوبات مع تجييشها لدولها الغربية الصديقة من أجل تعجيز الدول الكبرى الناهضة كالصين والهند وروسيا ودول أمريكا الجنوبية والشمالية وبعض دول الشرق الأوسط، أو بتدخل أمريكا في شئون تلك الدول، والعمل على إيقاع الفتن والاضطرابات بين الدول وبعضها البعض، والأخطر من ذلك هو نشر أمريكا عبر الحقب الزمنية الأخيرة الكثير من القواعد التابعة لها، وأسلحة الدمار الشامل بداخل الكثير من الدول، أو بنشر سفنها وأساطيلها العسكرية في بحار العالم، وبما يهدد أمن واستقرار وحقوق تلك الدول في كافة المجالات، وكان الرئيس ترامب الذي يعتبر امتدادا للرئيس الديموقراطي چو بايدن من الزعماء الأمريكيين الذين انتهكوا وتجاوزوا الخطوط الحمراء في حقوق الكثير من دول العالم سواء كانت الدول الكبرى أو الضعيفة والنامية، فقبل استلام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سدة الحكم مؤخراً كان العالم يعول على شعاراته الرنانة التي تدعو إلى إنهاء الأزمات والحروب وتحقيق السلام في بلدان العالم، إلا أن واقع الأيام قد أثبت عكس ذلك تماماً، وذلك عندما لم يحدث أي تقدم ملموس في تلك الحروب والنزاعات، فالحرب الروسية الأوكرانية لم يتغير فيها شيء، بل ظهرت أهداف ترامب الخفية في نيته ابتزاز تلك الدول، والعمل على انتهاك حقوقها والاستيلاء على مواردها وأموالها مقابل استخدامه للقوة والعقوبات لفرض السلام بالإكراه، كما أنه الذي كان يُعوَّل عليه في وقف حرب الإبادة الجماعية على أبناء غزة والضفة في فلسطين، وبإقامته للدولة الفلسطينية، هو من قدم الدعم العسكري والاقتصادي والمعنوي اللا محدود إلى إسرائيل وحكومتها المتطرفة بقيادة نتنياهو، وذلك لاستكمال حرب الإبادة الجماعية على غزة والضفة، وولبنان، وعلى الحوثيين في اليمن، إضافة إلى نشره للقواعد العسكرية في منطقة الشرق الأوسط، وذلك لمساعدة إسرائيل في عدوانها، واستكمالها لتنفيذ خططها للتهجير والتجويع، ووقف وصول المساعدات الإنسانية إلى شعب غزة الأعزل، بل وبجاهزية ترامب وتجييشه من أجل تهديد إيران وإمكانية شن الحرب عليها، ووقف برنامجها النووي، ليس من أجل سلام العالم، بل من أجل ضمان تفوق إسرائيل العسكري والنووي في المنطقة، ولم يتوقف انتهاك أمريكا للعالم بقيادة ترامب إلى هذا الحد، بل ظهر جلياً بإعلان رئيسها ترامب رغبته في ضمه لكندا شاسعة المساحة، وجريين لاند، بل وبرغبته في ضم قناة بنما إلى أمريكا، وتغيير اسم خليج المكسيك إلى خليج أمريكا، وبرغبته الجنونية في تهجير أبناء غزة البالغ عددهم ٢ مليون نسمة، وبناء منتجع سياحي أمريكي على حساب الآخرين، ومؤخراً بفرضه رسوما جمركية جائرة على غالبية بلدان العالم، وإحداثه فوضى غير مسبوقة في حركة الاقتصاد العالمي، وترقب الخبراء الاقتصاديين من إحداث ركود وكساد عالمي في حركة التجارة، وكل تلك الإجراءات الانتقامية ما هي إلا انتهاك حقوق الدول الأخرى، وعلى رأسها الصين وروسيا والهند والاتحاد الأوروبي، وذلك لاستكثار ترامب حق تلك الدول في التقدم، وبعدم السماح لها بالندية أمام أمريكا أو حتى بسماح ترامب لتلك الدول بحريتها في شئونها ومواردها، الأمر الذي أربك بذلك حركة التجارة العالمية، ناهيك عن انسحاب الرئيس الأمريكي ترامب من غالبية المنظمات الدولية، وبمهاجمة أمريكا وانتقادها للكثير من المنظمات الدولية الإنسانية، وبانتقاد أمريكا أيضاً لمحكمة الجنايات والعدل الدولية، والمنظمات الإنسانية التي كانت قد أدانت قادة إسرائيل لارتكابهم حرب إبادة جماعية غير مسبوقة في غزة وغيرها، وكل هذا الانتهاك مرده إلى عنجهية أمريكا وتعاليها على شعوب العالم، واعتبار ترامب بغروره بأنه الرجل الأقوى والمهيمن الوحيد والمتحكم في دول العالم، في حين أن أمريكا ما هي إلا دولة كغيرها من الدول، جزء من هذا العالم، وليس العالم كله.