موقع النيلين:
2025-04-15@06:01:31 GMT

حميدتي.. قصة صعود رجل الجن والإبل

تاريخ النشر: 13th, April 2025 GMT

حين احتشد السودانيون في العاصمة الخرطوم مطالبين بالإطاحة بالرئيس عمر البشير ونظامه نهاية عام 2018، كان الرجل الأربعيني الذي يعتبره البشير أحد حماة النظام يعاير حساباته بدقة. كان حميدتي واحدا من أولئك المنحدرين من أطراف السودان التي توصف في أدبيات الصراع بالمهمشة لكنه وجد ضالته في التحالف مع المركز وممارسة القمع نيابة عنه في الأطراف وفي مقدمتها إقليم دارفور.


لكن الانتفاضة ضد البشير كانت بمثابة لحظة وحدة نادرة هتف خلال الجميع ضد النظام بشعار “كلنا دارفور” فيما بدا وكأنه تمرد على التقسيم الضمني التقليدي بين الحواضر المركزية والأطراف المهمشة.
أغرت نشوة الثورة أهالي دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق لدعم الحركة الاحتجاجية، ولتذكير الحشود في الخرطوم أيضًا بالأهوال التي واجهوها. وبالتزامن مع ذلك احتشدت مجموعة أخرى من سكان دارفور في شوارع العاصمة في نفس الوقت تقريبًا هي قوات الدعم السريع حاملة إرث ميليشيا الجنجويد التي كانت مسؤولة عن معظم أعمال العنف في دارفور وضواحيها.
ولكن في هذه المرة قرر رجال حميدتي دعم الاحتجاجات ضمنيا وتنكروا لأوامر البشير لإخماد المظاهرات ما أكسبه شعبية في العاصمة لا تتناسب مع إرثه الدموي، غير أن أولئك القادمين من دارفور والمناطق الأخرى التي مزقتها الحرب ظلوا حذرين تجاه نوايا الرجل الذي يعرفونه أكثر من غيرهم.
تبدأ قصتنا إذن من الهامش وليس من المركز المتهم باحتكار المنعة والسيطرة، من إقليم دارفور الممتد غربي السودان على مساحة شاسعة تعادل خمس مساحة البلاد، وتناهز مساحة فرنسا بالكامل تقريبا.
يتسم الإقليم بتنوع واسع في المناخ والتضاريس، فمن الجنوب حيث الأمطار الغزيرة تنتشر السافانا الغنية، بينما تقل كثافتها في الوسط مفسحة المجال لهضبة مبسوطة تحيط بها الجبال، أما الشمال، فتشغله صحراء شاسعة مترامية الأطراف. وفيما وراء كل ذلك تقبع الموارد الطبيعية الوفيرة، يحوطها موقع جيوسياسي متميز يتغذى بتاريخ سياسي يعود إلى ما قبل نشأة السودان الحديث، إذ تأسست سلطنة دارفور الإسلامية عام 1596، ما جعل الإقليم كيانا سياسيا مستقلا لعقود طويلة.
في تلك المنطقة الغنية جغرافيا وتاريخيا، استوطنت قبائل عربية رحّالة امتهنت رعي الإبل، عُرفوا بـ “الأبالة”، وتنقلوا بحرية بين السودان وتشاد قبل ترسيم الحدود بين البلدين. وقد ساهمت موجات الجفاف والصراعات، لا سيما في تشاد بين الستينيات والثمانينيات، إلى دفع العديد من هذه القبائل إلى النزوح نحو السودان، ومن بينها عشيرة “أولاد منصور”، التي تنتمي إلى فرع “الماهرية” من قبيلة “الرزيقات” إحدى أعرق قبائل المنطقة، وأكثرها مكانة وتجذرا.

كان “دقلو” الأب زعيم هذه العشيرة في تشاد، وخلفه ابنه “جمعة”، الذي قاد “أولاد منصور” خلال رحلة النزوح إلى شمال دارفور في أواخر الثمانينات، إلا أن سلطات الإقليم لم تعترف بزعامته، مما دفع العشيرة إلى البحث عن موطئ قدم في الجنوب، حيث لاقت ترحيبًا من السلطات المحلية، واستقر بهم المقام في منطقة كانت تابعة لقبيلة الفور وأعادوا تسمية الموقع من “دوغي” (بلغة الفور) إلى “أم القرى”.

وفي منتصف السبعينيات رُزق “حمدان”، شقيق جمعة دقلو، بابنه محمد، الذي أطلقت عليه والدته لقب “حميدتي”، أي “محمد الصغير”.

لم يُكمل “حميدتي ” تعليمه، إذ انقطع عن الدراسة في الصف الثالث الابتدائي ليمتهن النشاط التقليدي لعشيرته: رعي الإبل والتجارة على امتداد الحدود بين السودان وتشاد وليبيا. لاحقًا، وسّع أعماله لتشمل تجارة الأثاث والتحف، وامتلك متجرًا كبيرًا في نيالا، حاضرة جنوب دارفور. وربما كانت قصة حميدتي لتنتهي هناك – منقطعًا عن الدراسة، رحّالًا، تاجر إبل، ورجل أعمال صغير- لولا أن اندلاع التمرد في دارفور قلب مساره رأسًا على عقب، بل وربما أعاد رسم معالم المشهد الجيوسياسي في السودان والمنطقة بأكملها.

حميدتي.. من دروب الصحراء إلى معسكرات الجنجويد
منذ استقلال السودان عام 1956، كانت البلاد مسرحا لصراعات داخلية ممتدة، شملت عقودا من الحروب الأهلية المتتالية وزهاء 20 محاولة انقلابية منها 3 انقلابات كبرى ناجحة (1958 و1969 و1989) وثورتين شعبيتين في عامي 1964 و1985 أطاحتا بحكومتي الرئيسين إبراهيم عبود وجعفر نميري على التوالي، بخلاف انتفاضة عام 2019 التي انتهت بإطاحة الجيش بالرئيس عمر البشير.
وقد لجأت الحكومات السودانية المتعاقبة، بدءاً من عهد النميري، إلي تسليح القبائل واستخدامها للقتال بالوكالة، لمواجهة حركات التمرد المسلحة في الأطراف التي رفعت شعارات المساواة في التنمية والمشاركة في السلطة.
لتحقيق ذلك، تبنت الدولة خطابًا اعتبر تحريضيًا يقوم على إذكاء العداءات التاريخية بين القبائل، وهي في الأساس صراعات على الموارد مثل الأراضي الزراعية والمراعي، وقد منحت هذه الميليشيات القبلية الحكومة ميزة لا يمتلكها الجيش الرسمي، إذ كانت أكثر دراية بجغرافيا الإقليم، وأكثر قدرة على تبني تكتيكات حروب العصابات التي تستخدمها الحركات المسلحة، باستخدام السيارات المسلحة رباعية الدفع مقابل الجيش الذي ينتهج الخطط العسكرية المتأنية القائمة على الترابية بما لا يساعد في المناورة السريعة في أرض المعركة والتصدي لتلك الحركات.
ظهر أول نموذج لهذه الميليشيات في عهد نميري، عندما استعان بـ “القوات القبلية الصديقة” لمواجهة التمرد في جنوب السودان بقيادة العقيد اليساري جون قرنق، ثم واصل الصادق المهدي النهج ذاته في الثمانينيات عبر تأسيس ميليشيا “المراحيل”، قبل أن يتبنى نظام الإنقاذ هندسة مقاربة أكثر تنظيما للفكرة ذاتها بإنشاء “قوات الدفاع الشعبي” عام 1989.
سار البشير على نفس الاستراتيجيات السابقة التي انتهجها سابقوه لمواجهة التمرد وكان ميدان المواجهة الرئيسي هذه المرة هو دارفور، بيد أنه لم يتوقع ربما أن النار التي أشعلها هناك في أقصى الغرب ستقضي على نظامه يومًا ما في الخرطوم.
كانت البداية عام 2003 عندما أعلنت حركتان مسلحتان، هما حركة تحرير السودان وحركة العدل والمساواة، وكانتا تتكونان من جماعات زراعية تعود جذورها إلى قبائل افريقية أبرزها الزغاوة والفور تمردهما على السلطة المركزية في الخرطوم، متهمتين إياها بتهميش الإقليم الغربي تنمويا وسياسيا.
وسرعان ما أربك التمرد الجديد خطط حكومة البشير التي كانت قد أحرزت آنذاك تقدمًا كبيرًا في مفاوضاتها مع حركة جون قرنق في الجنوب، والتي تُوّجت لاحقًا باتفاق سلام في مطلع 2005، مهّد لانفصال جنوب السودان في يوليو/ تموز 2011 بموجب استفتاء شعبي منصوص عليه في الاتفاقية.
سرعان ما تصدرت أخبار الحرب في دارفور وسائل الإعلام العالمية، غير أن الخرطوم اتهمت واشنطن بالمبالغة في توصيف الصراع للتغطية على غزوها أفغانستان والعراق.
وفي غضون فترة قصيرة تمكنت الحركات المسلحة من توجيه ضربات قاسية للحكومة، أبرزها هجوم عنيف على مطار الفاشر ما دفع البشير للجوء إلى الزعيم القبلي موسى هلال من فرع المحاميد بقبيلة الرزيقات، التي قاتلت مع الحكومة أثناء الحرب الأهلية في الجنوب (1983-2005).
وهكذا، تأسست مليشيا “الجنجويد” -والتي تعني “الجن على ظهر الخيل” كناية عن الإقدام- بزعامة هلال، للقتال في دارفور نيابة عن الحكومة والبشير، فيما تولى مكتب استخبارات حرس الحدود الإشراف عليها وتنظيمها.
تشكلت نواة الجنجويد من شباب القبائل العربية، لا سيما المحاميد والماهرية من قبيلة الرزيقات إضافة إلى مهاجرين تشاديين، وكان بعض منسوبيها من “المتمردين السابقين”. وكان من أبرز المنضمين إلى صفوف ميليشيات موسى هلال أولاد عمومتة من عشيرة أولاد منصور ومنهم حميدتي الذي تتضارب المعلومات حول طريقة انضمامه إلى الجنجويد بين روايتين مختلفتين.
الرواية الأكثر شيوعا هي أنه اضطر إلى حمل السلاح في صراع دارفور والانضمام للجنجويد عندما هاجم مسلحون إحدى قوافله التجارية، وقتلوا 60 من أفراد عائلته ونهبوا جماله.
أما الرواية الثانية، فقد نشرتها صحيفة التلغراف البريطانية عام 2019 في تحقيق لكبير مراسليها الأجانب رولاند أوليفانت، نقلاً عن أحد ضباط جهاز الأمن والمخابرات الذي كان مشاركًا بنفسه في الأحداث كما تقول الصحيفة.
وفقًا للضابط المذكور، كان حميدتي زعيمًا لعصابة تهاجم القوافل التجارية في صحراء دارفور لنهب الوقود وبيعه للمتمردين، إلى أن اعتُقل بواسطة جهاز الأمن والمخابرات وبمشاركة الضابط نفسه.

تعرض حميدتي للتعذيب أثناء اعتقاله بعد أن حاولت عصابته تهريبه من السجن، لكن بعد فترة وجيزة، تفاجأ الضابط عند استدعائه إلى الخرطوم بأن أسيرهم السابق قد أُطلق سراحه، ومنح زي جهاز الأمن والمخابرات، وأُقنع بقيادة عصابته ضد المتمردين.

وقد أشارت الصحفية والكاتبة السودانية نسرين مالك في تحقيق نشرته بصحيفة الغارديان عام 2023 إلى رواية مشابهة لذلك عن حميدتي، استنادًا إلى مصادر عايشت تلك الفترة.

استمرت ما باتت تُعرف بـ”حرب دارفور الأولى” حتى عام 2008 وأدت إلى تدمير المنطقة تماما وعانى على إثر ذلك سكان دارفور المدنيون معاناةً بالغة طوال فترة الصراع، إذ قُدّرت أعداد القتلى بأكثر من 300 ألف شخص وفقًا للأمم المتحدة، نتيجةً للعنف، أو الأمراض، أو المجاعة أو الجفاف الناجم عن الحرب، فيما شُرّد نحو 3 ملايين داخل السودان وخارجه.

واتُّهم مسؤولون حكوميون وقادة الجنجويد بارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب في دارفور، وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق الرئيس البشير في عامي 2009 و2010 على خلفيّة أحداث دارفور، لكنها لم تُنفّذ حتى الآن.
خلال تلك الحرب المدمرة سطع نجم حميدتي وبرز مقاتلا شرسا. على سبيل المثال في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2004، قاد هجوما منسقا تديره الدولة باستخدام الجنجويد والجيش ضد قرية “عدوة” في ولاية جنوب دارفور، مما أسفر عن مقتل 126 شخصًا، ووفقًا لشهود عيان لمجلة فورين بوليسي، قاد حميدتي مئات الرجال في غارة على منطقة شمال دارفور التي يسيطر عليها المتمردون، حيث دهس الجنجويد مدنيين بشاحناتهم الصغيرة واغتصبوا النساء لدرجة أن أساليبه العنيفة خلقت توترات مع ضباط الجيش المرافقين له.
وأكسبت التأثيرات الميدانية التي خلفها حميدتي ومقاتلوه في قمع التمرد على الأرض ثقة هلال والبشير ليصبح أحد أمراء الحرب المرموقين في الجنجويد منذ عام 2006 وما بعدها.

حميدتي.. من التمرد إلى الدعم السريع
في غضون ذلك بدأ حميدتي يشعر أنه يستحق موقعا أفضل في هياكل النفوذ والسلطة في السودان، لذا فقد شرع عام 2007 في تمرد ضد الحكومة، وهو ما وثّقه تحقيق ميداني مصور لشبكة سي إن إن بعنوان “في حضرة الجنجويد” أو “Meet the Janjaweed”، حيث ظهرت المذيعة نعمة الباقر لأول مرة في معسكرات الجنجويد ومخيمات النزوح في دارفور.
ظهر حميدتي في الفيلم قائلًا إن الحكومة، وعلى رأسها البشير، جندته لقتال المتمردين وزودته بالسلاح، مشيرًا إلى أن رجاله بريئون من الجرائم التي وثقتها التقارير الأممية، كما ظهر في الوثائقي شقيقه عبد الرحيم دقلو متحدثًا عن خيانة الحكومة لهم.
ووفقًا للباحث والمؤلف جيروم توبيانا الذي نشر تقريرا عن حميدتي في مجلة فورين بوليسي، فإن السبب الحقيقي لتمرد دقلو هو اتفاق سري أُبرم مع وزير الدفاع التشادي بشارة عيسى جاد الله، وهو قريب لحميدتي، نص على امتناع الأخير عن قتال الحركات المتمردة في دارفور في سياق التوترات بين حكومتي البشير في السودان وإدريس ديبي في تشاد.
بعد تمرد استمر ستة أشهر قاتل خلالها حميدتي الحكومة وأسقط مروحية عسكرية للجيش، جرت تسوية الوضع معه، حيث عُيّن مستشاراً في لجنة أمن ولاية جنوب دارفور في نيالا ومنح مبلغًا ماليًا مجزيًا، كما دُفعت رواتب جنوده المتأخرة.
في لقائه مع جيروم توبيانا في تحقيق فورين بوليسي قال حميدتي “لم نصبح متمردين حقًا. أردنا فقط لفت انتباه الحكومة، وإخبارهم أننا هنا، من أجل الحصول على حقوقنا: الرتب العسكرية، والمناصب السياسية، والتنمية في منطقتنا”.
بحلول عام 2008 انتهت عملياً حرب دارفور الاولى تحت وطأة الضغط الدولي علي حكومة البشير خاصة مع تصاعد توثيق الفظائع المرتكبة في الإقليم، ما اضطرها لقبول نشر بعثة حفظ سلام مشتركة بين الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة وبالتالي لم يعد استمرار الجنجويد في دارفور ممكنا.
وقتها جرى استدعاء هلال وحميدتي إلى الخرطوم للمكافاة، حيث عُيّن الأول مستشارًا للبشير، بينما مُنح حميدتي الذي لم يكمل تعليمه الأساسي رتبة “عميد”.
تزامنا مع تلك “الترقية” أوكل نظام البشير إلى حميدتي قيادة مجموعة من الميليشيات لاستكمال العمليات ضد التمرد ولكن هذه المرة عبر الأراضي التشادية، حيث كُلّف بالقتال ضد نظام الرئيس إدريس ديبي الذي كانت الخرطوم تتهمه بدعم المتمردين في دارفور.
ومع نهاية عام 2009، بدا أن خطة الخرطوم قد نجحت، إذ تحسنت علاقتها مع إنجمينا بتوقيع اتفاق يمنع أي طرف من دعم المتمردين ضد الطرف الآخر.

وفي عام 2011 تم توقيع اتفاق سلام في الدوحة بين الحكومة وأبرز الحركات المتمردة في دارفور برعاية الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي.

بعد أدائه الاستثنائي في دارفور وإنجمينا أصبح محمد حمدان دقلو شخصية موثوقة لدى الخرطوم، لكن مليشيا الجنجويد كانت قد اكتسبت سمعة سيئة، وأصبح مجرد ذكر اسمها وصمة عار لكل قياداتها السابقة.

في تصريح لصحيفة “نيويورك تايمز”، عبّر حميدتي عن استيائه من وصف قواته بالجنجويد قائلًا “الجنجويد يعني قطاع طرق ينهبونك على الطريق. إنها مجرد دعاية من المعارضة”. وفي إطار سعيها للتخلص من هذا الإرث، أصدرت حكومة البشير قانونًا في 2013 يقضي بإنشاء “قوات الدعم السريع” كجزء من جهاز الأمن والمخابرات الوطني.
بموجب هذا القرار، تحولت مليشيات الجنجويد رسميًا إلى قوات الدعم السريع في محاولة للتخلص من إرث الميليشيا المرعب.
تولى حميدتي قيادة القوة الجديدة بعد أن منح رتبة جنرال رغم عدم مروره عبر الكلية الحربية، في المقابل جرى تهميش موسى هلال في موقعه كمستشار للبشير.
وفي غضون فترة قصيرة تحول الدعم السريع إلى قوة لا يُستهان بها، مزوّدة بأسطول من سيارات الدفع الرباعي الصغيرة المحملة بالرشاشات الثقيلة وامتدت مهامها إلى محاربة التمرد وأي تهديدات للنظام ليس فقط في دارفور، بل أيضًا في جنوب كردفان والنيل الأزرق وحتى في العاصمة الخرطوم حيث استُخدمت في قمع الاحتجاجات.

وخلال انتفاضة سبتمبر/ أيلول 2013، اتُهمت قوات الدعم السريع بقتل 185 متظاهرًا أثناء احتجاجهم على سياسات التقشف التي أقرها البشير حينها.

بحلول 2012، جرت تحضيرات لإعادة إرسال قوات الدعم السريع إلى دارفور باسمها الجديد، ولكن بنفس تكتيكاتها الوحشية.

بدأت طبول الحرب تُقرع مجددًا في الإقليم بعد أقل من عامين على اتفاق سلام الدوحة، وبعد عقد على اندلاع الحرب الأولى، مدفوعة باكتشافات الذهب الهائلة في جبل بني عامر ومناطق أخرى في الإقليم.

رأت الخرطوم في هذا الذهب تعويضًا عن خسائر النفط الحاصلة إثر انفصال الجنوب، لكن سيطرتها عليه لم تكن مضمونة، إذ أظهرت القبائل المحلية مقاومة، بينما بدأ موسى هلال، الذي شعر بالتهميش، في بناء قوة جديدة تحت مسمى “مجلس الصحوة الثوري”، وفرض سيطرته على بعض المناجم تزامن ذلك مع تصاعد عمليات “الجبهة الثورية” وهو تحالف واسع للحركات المسلحة المعارضة للبشير والتي تمكنت في 2013 من السيطرة على مدينة “أبو كرشولا” بجنوب كردفان.
هنا، دخلت قوات الدعم السريع المشهد رسميا بعد حصولها على بطاقات هوية من جهاز الأمن والمخابرات الوطني، ما منح أفرادها حصانة قانونية بالتزامن مع اكتسابها صفة “قوة نظامية”.
بالتوازي مع ذلك، وسّع حميدتي قواته بضم مقاتلين من قبائل أخرى، إضافة إلى عناصر أجنبية، وبحلول فبراير/ شباط 2014، وصل تعدادها إلى 6000 مقاتل مزودين بـ 750 مركبة. وفي ديسمبر/ كانون الأول 2014، أعلن البشير الحرب على “التمرد” في دارفور مجددا بشكل رسمي مع تحييد دور البعثة المشتركة للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في دارفور (يوناميد)، لتبدأ “حرب دارفور الثانية” بقيادة حميدتي، الذي شنّ خلالها حملتي “الصيف الحاسم 1 و2” بين عامي 2014 – 2015.
وثّقت منظمات دولية، أبرزها “هيومن رايتس ووتش” في تقريرها تحت عنوان “رجال بلا رحمة” جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبتها قوات الدعم السريع خلال العمليتين، تضمنت القتل الجماعي، والاغتصاب، والتعذيب، والتهجير القسري، ونهب الممتلكات.

كما كشفت منظمة العفو الدولية في تقريرها “أرض محروقة وهواء مسموم” عن استخدام أسلحة كيميائية في هجوم جبل مرة 2016 الذي نفذته قوات حميدتي مدعومة بالقوات المسلحة السودانية، مستهدفةً الجماعات غير العربية، وخاصة قبيلة الفور، فيما وصفته بأنه “إبادة جماعية”.

إضافة إلى ذلك، نشر الباحث إريك ريفز دراستين حول تغيير التركيبة السكانية في دارفور وجرائم الاغتصاب الممنهجة، تضمنت أرشيفًا موسعًا لحوادث العنف العرقي، التي قُدرت بنحو ألف حادثة، وشملت القتل، والتهجير القسري، وتدمير القرى.

وبالتزامن مع هذا الدمار الموسع، استفاد حميدتي من الحرب ترسيخا لنفوذه وسلطته بعدما أفضت إلى إزاحة موسى هلال، الذي اعتُقل في عام 2017 بمساعدة حميدتي، وزُجّ به في السجن بالخرطوم، مما كرّس صعود الأخير كأقوى قائد عسكري خارج المؤسسة الرسمية.

حميدتي.. بين الثروة والسلطة
مع نهاية حرب دارفور الثانية أصبح حميدتي وقوات الدعم السريع رقما صعبا لا غنى عنه في دولة البشير الذي أصدر قانونا عام 2017 ضم بموجبه قوات الدعم السريع لتصبح جزءا من القوات المسلحة تابعة مباشرة لسلطة الرئيس (البشير)، بهدف أساسي هو حماية نظامه من المتمردين، إضافة إلى الخصوم المحتملين سواء من الجيش أو قطاع الأمن.

وقد جرى إصدار هذا القانون للالتفاف على رفض قيادات الجيش لممارسات ونفوذ الدعم السريع، كما رُقي بموجبه حميدتي مجددا إلى رتبة فريق، ومنحت قواته تواجدا رسميا في العاصمة الخرطوم وباقي مدن السودان لحماية النظام، إلى جانب تسليحها بأسلحة ثقيلة. وتوثقت مع ذلك علاقة البشير بحميدتي وكأنه ابنه الذي لم يلده حتى أطلق عليه لقب “حمايتي” حسب بعض الروايات.
غير أن النفوذ الذي حصل عليه حميدتي لم يقتصر على القوة العسكرية، لكنه جاوزها إلى بناء إمبراطورية اقتصادية انطلاقًا من سيطرته على مناجم الذهب في جبل عامر، التي كانت السبب الرئيسي في اندلاع حرب دارفور الثانية.
بادئ ذي بدء، تشير وثائق مسربة إلى أن قوات الدعم السريع تمتعت باستقلال مالي عن الدولة، حيث امتلكت حسابات مصرفية خاصة باسمها، لكن رأس حربة الإمبراطورية الاقتصادية لحميدتي وعائلته هي شركة “الجنيد”، التي سُميت تيمنا بجدّ قبيلة الرزيقات، ويمتلكها رسميا ثلاثة أفراد من عائلة دقلو: شقيق حميدتي، الفريق عبد الرحيم حمدان دقلو، ونجلاه عادل وعلاء عبد الرحيم، بينما شغل حميدتي عضوية مجلس إدارتها.
سلط تحقيق لمنظمة “غلوبال ويتنس”، نشر منتصف 2019 بمشاركة الصحفي والباحث المصري الراحل محمد أبو الغيط، الضوء على الشبكة المالية المتطورة لشركة “الجنيد” ودورها في تسليح قوات الدعم السريع عبر سيطرتها على معظم مناجم الذهب في البلاد، بما في ذلك جبل عامر، إضافة إلى توسع أنشطتها الاقتصادية باستخدام بنوك وشركات حكومية كواجهات لعملياتها العابرة للحدود، وبشكل منفصل تمامًا عن الخزانة العامة في السودان.
تأكدت هذه الحقائق لاحقًا عندما فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على “الجنيد” في منتصف 2023 عقب اندلاع الحرب الأخيرة في 15 أبريل/ نيسان، وجاء في نص القرار: “شركة الجنيد للأنشطة المتعددة المحدودة هي شركة قابضة سودانية يسيطر عليها قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو وشقيقه نائبه عبد الرحيم دقلو.
تتخذ الشركة من الخرطوم مقرًا لها، وتدير 11 شركة تابعة لها في قطاعات اقتصادية متعددة، بما في ذلك تعدين الذهب. منذ استيلاء قوات الدعم السريع على منجم جبل عامر عام 2017، أصبح الذهب وتصديره مصدر دخل حيوي لعائلة دقلو وقوات الدعم السريع”
بيد أن نفوذ حميدتي وقواته تجاوز حدود السودان، حيث أصبحت قوات الدعم السريع لاعبًا بارزا في الأمن الإقليمي. ففي 2015، أُرسلت فرقها للقتال في حرب اليمن، كما لعبت دورًا بارزًا في دعم قوات الجنرال خليفة حفتر في ليبيا. والأكثر إثارة للجدل، أن الاتحاد الأوروبي استعان بقوات الدعم السريع ضمن جهوده لمكافحة تدفق المهاجرين الأفارقة عبر السودان إلى أوروبا، وذلك ضمن عملية “الخرطوم”، رغم سجل هذه القوات الدموي في دارفور.
وقد كشف مؤسسة كلينجدال الهولندي للشؤون الدولية “Clingendael” في تحقيق استقصائي عن قيام الاتحاد الأوروبي بدفع 200 مليون يورو لحكومة البشير في الفترة بين 2016 حتى 2018 مقابل ذلك التعاون مع الاتحاد الأوروبي في ملف الهجرة
وقد أكد حميدتي نفسه هذه الحقيقة خلال خطاب متلفز نقله التلفزيون السوداني الرسمي في وسط حشد من جنوده، بل إنه هدد بإعادة فتح الحدود إذا لم يتم الاعتراف بمجهوداته وتقديرها بشكل مناسب.
فيما كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” لاحقاً أن قوات الدعم السريع لعبت دورًا مزدوجًا خلال عملية “الخرطوم”، حيث قامت بملء شاحناتها بالمهاجرين الأفارقة ثم بيعهم إلى المتاجرين الليبيين، الذين غالبًا ما كانوا يسجنونهم في بيوت تعذيب ويجبرونهم على دفع فدية أو يحولونهم إلى عبيد.
من خلال هذه الأدوار الإقليمية، تدفقت الأموال إلى جيوب حميدتي وخزائن قوات الدعم السريع، ليس فقط من عقود القتال، ولكن أيضًا من أنشطة شركة “الجنيد”، التي توسعت أعمالها لتشمل النقل والبنية التحتية، وتجارة الشاحنات الثقيلة، وبناء الطرق والجسور، والأعمال الهندسية، ونفايات التعدين، وحتى تجارة الإبل كنوع من العرفان لأصولهم الرعوية.
هذا التوسع المالي والعسكري أدى إلى تضخم غير مسبوق لقوات الدعم السريع، ووفقًا للبروفيسور أليكس دي وال “تضاعفت قوتها عشرة أضعاف” في أواخر حكم البشير، ليصل قوامها إلى 70 ألف مقاتل وأكثر من 10 آلاف شاحنة “بيك آب” مسلحة، مما جعلها بمثابة قوات المشاة الفعلية للسودان. وبينما تطورت هذه القوات، ظل هيكل القيادة على حاله، إذ استمر في التكون من رجال قبائل عربية من دارفور تنتظم تحت قيادة عائلة دقلو.

لكن الأمور لا تدوم على حال كما يقولون، فبعد 30 عاما من الحكم أصبح سقوط البشير وشيكاً وسط احتجاجات شعبية استمرت لأكثر من خمسة أشهر منذ نهاية عام 2018 وحتى الربع الثاني من عام 2019.
ورغم أن حميدتي كان يدين للنظام بكل ما حققه من نفوذ عسكري واقتصادي، وفي الوقت الذي ربما كان البشير يظن أن وجود حميدتي إلى جانبه يضمن له الثبات، أدرك تاجر الإبل السابق والميليشيوي المخضرم ببراغماتية ثابتة أن الرهان على النظام بات خاسرا، وكان ما يشغل باله حقا إبان الانتفاضة هو كيفية إعادة التموضع في نظام ما بعد البشير بطريقة تضمن الحفاظ على المكتسبات التي حازها على مدى سنوات طويلة.
وعلى عكس جنرالات الجيش الذين تميزوا بالحذر والخجل، وقادة الاحتجاجات الديمقراطية الذين كانوا يتشاورون بحرص، تصرف حميدتي بجرأة وحزم واضحين.
في البداية، ركز حميدتي على تثبيت نفوذه داخل المؤسسات الانتقالية في حقبة ما بعد البشير، رافضا المجلس العسكري الانتقالي برئاسة وزير الدفاع عوض بن عوف الذي خشى حميدتي أن يحد من طموحاته، وهو رفض غلفه بالتمسك بتسليم السلطة للمدنيين والتماهي مع الرفض الشعبي لشخصية بن عوف باعتباره وزير دفاع “البشير”.
لكن في أعقاب تخلي بن عوف عن منصبه لصالح الفريق أول عبد الفتاح البرهان بعد يوم واحد فقط من إعلان توليته، عدل حميدتي عن موقفه وقبل الانضمام إلى المجلس العسكري الانتقالي في منصب نائب رئيس المجلس، بعد ترقيته لرتبة فريق أول ليصبح أصغر من يتقلد هذه الرتبة في تاريخ العسكرية السودانية العريقة.
كان البرهان خيارا مقبولا لحميدتي بالنظر إلى علاقتهما القديمة التي تعود إلى حرب دارفور الأولى عام 2003. ووفقًا لماجاك داجوت، مدير جهاز المخابرات السوداني آنذاك (ونائب وزير الدفاع في جنوب السودان لاحقا)، في تصريحات لـ”بي بي سي” فإن البرهان وحميدتي عملا معًا في دارفور بانسجام.
كما أشار الصحفي جيروم توبيانا في “فورين بوليسي” إلى أن علاقتهما توثّقت أكثر خلال مشاركتهما في حرب اليمن عام 2015، حيث كان البرهان قائدًا للقوات البرية المشرفة على العمليات، بما في ذلك قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي.
وتؤكد مقاطع فيديو متداولة تعود إلى عام 2017 متانة هذه العلاقة، إذ يظهر الرجلان في تسجيل تلفزيوني يتحدثان عن سحق التمرد المسلح في دارفور خلال حملات نزع السلاح الحكومية آنذاك.
بالتزامن مع ذلك، كان مداعبة الشارع الثائر ركنا أصيلا في محاولة حميدتي لإعادة تقديم نفسه في حقبة ما بعد البشير، حيث أصر على تضمين اسم قوات الدعم السريع في بيان الإطاحة بالبشير، ليؤكد موقفه الداعم للثورة.
ومنذ ذلك الحين انقسمت الآراء تجاهه إلى ثلاث تيارات: الأول رأى فيه رجلًا استُخدم بدهاء من قبل البشير لكنه أدرك اللحظة الحاسمة وانحاز للثورة، مستشهدين برفضه المزعوم استخدام العنف ضد المتظاهرين وهي سردية سعى حميدتي دوما إلى تكريسها.
أما الفريق الثاني، فاعتبره امتدادًا للبشير وصنيعةً له، محاججًا بأن رفضه قمع الاحتجاجات – إن صح – لم يكن إلا براغماتية سياسية، إذ أدرك استحالة مواجهة المد الثوري.
بينما تبنى فريق ثالث رؤية أكثر واقعية، محذرًا من أن إقصاء حميدتي في تلك اللحظة قد يفضي إلى حرب أهلية تقوّض مكتسبات الثورة، ما استدعى التعامل معه مرحليًا. هذا الجدل كان في جوهره يخدم مصلحة حميدتي، إذ لم يكن يسعى سوى إلى العبور بسلام عبر زخم الثورة المشتعل.
بادر حميدتي إلى استمالة الشارع فزار جرحى المظاهرات التي أطاحت بحكم البشير وأطلق عليها ثورةً ديسمبر 2018، في المستشفيات، مؤكدًا لهم رفضه أوامر تفريقهم، كما أُشيع، كما ظهر في مشهد إعلامي وهو يعلن إطلاق سراح مئات الغارمين عقب زيارة لسجن كوبر، متكفلًا بدفع نحو 35 مليون جنيه سوداني (780 ألف دولار) نيابة عنهم، خلال الزيارة ذاتها، دعا إلى مراجعة أوضاع الشرطة وحثّ على تعزيز انتشارها الميداني.
كما أعلن تقديم أكثر من مليار دولار لبنك السودان المركزي، زاعمًا دعم الاقتصاد الوطني وعندما سُئل عن مصدر هذه الأموال، رد قائلًا “لدينا رواتب جنودنا الذين يقاتلون في الخارج، ولدينا ذهب واستثمارات”.
على الصعيد الأمني، تبنّى حميدتي نهجًا ينتقل بمرونة بين اللين والقمع. وبينما انشغلت القوى المدنية بمفاوضات تقاسم السلطة مع المجلس العسكري، استمر جزء من الشارع في المطالبة بحكومة مدنية، ونظموا اعتصاماً أمام مقر القيادة العامة للجيش، وساعتها خلع حميدتي ثياب الحمل محذرا إياهم أن “للصبر حدود”.
وفي 3 يونيو/ حزيران 2019، وقع فضّ الاعتصام بالقوة، ما أسفر عن سقوط أكثر من 125 قتيلًا، وقد وثقت جهات إعلامية تصدر عناصر قوات الدعم السريع لمشهد فض الاعتصام حيث صاح الجنود بالمعتصمين “أحضرنا دارفور إليكم”، وبعد أيام، قال حميدتي محذرًا “الخرطوم قد تتحول إلى كتم”، في إشارة إلى قرية أُفرغت من سكانها بدارفور.
أسقطت “جريمة” فض الاعتصام جميع الأوهام حول انحياز حميدتي للثورة وأظهرت وجهه الحقيقي الذي أفصح عنه بوضوح في دارفور، وفي محاولة لاحتواء الأضرار نفى حميدتي مسؤوليته عن المجزرة، مدعيًا أن منفذيها كانوا يرتدون زي الدعم السريع، لكنهم لم يكونوا منهم.
وأُعلن عن لجنة تحقيق لم تصدر نتائجها حتى اليوم، فيما دفعت الضرورة السياسية نحو تسوية انتهت باتفاق سياسي، لتطوى تلك الصفحة الدموية من عمر الانتفاضة السودانية طي النسيان.
حميدتي.. بين التمكين الداخلي والشرعية الخارجية
في 21 أغسطس/ آب 2019، أُعلن عن “الوثيقة الدستورية” التي أرست تقاسم السلطة بين المجلس العسكري الانتقالي والقوى المدنية، بقيادة “قوى الحرية والتغيير” وعلى إثر ذلك تشكل مجلس السيادة الانتقالي برئاسة الفريق أول عبد الفتاح البرهان فيما شغل حميدتي منصب نائب الرئيس، عرفيا دون أن تنص الوثيقة على ذلك فيما تولى عبد الله حمدوك رئاسة الوزراء.
خلال تلك الفترة واصل حميدتي محاولاته لصقل صورته كرجل دولة، فخصص مكافآت لمعلمي “الكنترول” في الشهادة السودانية وتعهد بصرف حوافز ضخمة لعمال قطاع الكهرباء المضربين، كما وزّع سيارات على زعماء القبائل في دارفور في إطار تصدّره ملف المصالحات بالإقليم كما تزعم مفاوضات جوبا للسلام مع الحركات المسلحة التي كان عدوها اللدود حتى وقت قريب لينال على إثر ذلك إشادة دولية، في حين عزز نفوذه برئاسة المجلس الاقتصادي للطوارئ، مقلّصًا دور المكون المدني في السلطة الانتقالية بقيادة رئيس الوزراء حمدوك.
خارجيًا، أطلق حميدتي حملة دعاية عالمية لتحسين صورته، متعاقدا مع شركة الضغط الكندية “ديكنز آند مادسون” بقيمة 6 ملايين دولار وهي الشركة التي عمل رئيسها، آري بن مناشي، ضابطا سابقًا في الاستخبارات الإسرائيلية.
تزامن ذلك مع تقرّبه من نشطاء حقوقيين محليين عارضًا عليهم مبالغ مالية لكسب ودّهم، إلى جانب ترتيبه دورات تدريبية لعناصر قواته في القانون الإنساني عبر الصليب الأحمر الدولي، في محاولة لتحسين صورة قوات الدعم السريع، وفتح مقره الكبير في جنوب الخرطوم أمام وسائل الإعلام الأجنبية، حيث استضافهم بحفاوة وأسَرَهم برواياتٍ عن كيفية تدخله هو وقواته لـ”إنقاذ البلاد من الفوضى”.
في غضون ذلك كثّف زياراته للعواصم العربية، كما لم يُخفِ رغبته في كسب ودّ إسرائيل، حيث صرّح في مقابلة تلفزيونية مطلع عام 2020 قائلاً “بصراحة نحن بحاجة إلى إسرائيل، ولسنا خائفين من أحد”، مشيداً في اللقاء ذاته بـ”التطور الإسرائيلي”، ولم تمضِ سوى أشهر حتى انضم السودان إلى “اتفاقات إبراهيم” التي رعتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأولى، ليُرفع على إثر ذلك اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.

حميدتي.. رواية لم تنته بعد
لا تعد رحلة صعود حميدتي من بدايات متواضعة إلى واحد من أغنى رجال السودان وأكثرهم نفوذًا خلال فترة قصيرة مجرد قصة فردية، بل ربما نموذج متكرر في القارة الأفريقية، حيث تتحول الولاءات العرقية والقبلية إلى أدوات للصعود السياسي والعسكري، في غياب عقد وطني جامع حسب ما تقول الكثير من التحليلات.
هذه الديناميكيات، التي تعود جذورها إلى مخلفات الاستعمار، ما زالت تتجلى، من وجهة نظر محللين سياسيين، في سياسات بعض الدول الأفريقية، حيث يفشل قادتها في بناء نموذج حكم يستوعب التنوع العرقي والثقافي، ويؤسس لدولة المواطنة وسيادة القانون، ما يجعل إعادة إنتاج نماذج أمراء الحرب مسألة وقت وظروف مناسبة ليس إلا.
بالنسبة لحميدتي نفسه، بدا أن نجاحاته التكتيكية المتتالية لم تكن كافية للتعمية على غياب أي مشروع استراتيجي بشأن مستقبل السودان بالنسبة له ولداعميه، كما بات واضحا أن الجرائم التي ارتكبها سابقا في دارفور وحتى اليوم أكبر من أن يتم تجاوزها.
ومع التراجع الميداني لقواته، وانشقاق عدد من حلفائه، وانقلاب المشهد السياسي ضده، أصبح حميدتي يواجه أضعف لحظاته منذ أن بدأ رحلته قبل نحو عشرين عامًا كأمير حرب في الجنجويد.
لكن قصة حميدتي درس سياسي مرير بأن القوة لا تُبنى بالمناورة وحدها، بل بالتحام أي مشروع سياسي بجماهيره، لا التنظير عليهم أو الهيمنة بالقوة عليهم.
تلك بعض من حكاية جن ركب ظهر الخيل، وحاول أن يمتطى ظهر وطن عميق التاريخ سخي التنوع.

المصدر : الجزيرة

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: جهاز الأمن والمخابرات قوات الدعم السریع المجلس العسکری فورین بولیسی على إثر ذلک فی السودان فی العاصمة حرب دارفور عبد الرحیم فی دارفور فی محاولة دارفور فی إضافة إلى موسى هلال فی تحقیق التی کان فی غضون أکثر من فی جنوب مع ذلک ووفق ا عام 2017 إلى أن فی عام ما بعد

إقرأ أيضاً:

الأمم المتحدة: 400 قتيل على يد قوات الدعم السريع في دارفور

قُتل أكثر من 400 شخص في الهجمات التي نفذتها أخيرًا قوات الدعم السريع في إقليم دارفور بغرب السودان، بحسب ما نقلت الأمم المتحدة عن مصادر موثوقة الاثنين.
وقالت المتحدّثة باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان رافينا شامدساني لوكالة فرانس برس "أكد فريقنا السوداني مقتل 148 شخصا، لكن هذا العدد أقل بكثير من الواقع وعمليات التحقق التي نقوم بها لا تزال جارية".هجمات الدعم السريع في السودانوأشارت إلى أن "مصادر موثوقة أفادت بمقتل أكثر من 400 شخص".
أخبار متعلقة بسبب الرياح.. ثلاث وفيات جراء انهيار سور بمدرسة ثانوية في تونسفي حماية قوات الاحتلال.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى مجددًاكانت مسؤولة أممية، قالت السبت الماضي، إن قوات الدعم السريع، شنت هجومًا استمر يومين على مخيمات للنازحين، كانت قد تعرضت بالفعل لمجاعة.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } الأمم المتحدة: 400 قتيل على يد قوات الدعم السريع في دارفور - وكالاتقوات الدعم السريعوأوضحت أن تلك الهجمات مما أسفر عن مقتل أكثر من 100 شخص بينهم 20 طفلا، وتسعة من عمال الإغاثة في منطقة دارفور.وذكرت منسقة الأمم المتحدة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان، كليمنتاين نكويتا - سلامي، إن قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها شنت هجومًا على مخيمي زمزم وأبو شروق ومدينة الفاشر القريبة، عاصمة إقليم شمال دارفور.

مقالات مشابهة

  • الأمم المتحدة: 400 قتيل على يد قوات الدعم السريع في دارفور
  • الدعم السريع يقصف مخيم أبو شوك بالفاشر ويجبر السكان على الفرار
  • قوات الدعم السريع تقول إنها سيطرت على مخيم للنازحين في دارفور  
  • قوات الدعم السريع السودانية تعلن سيطرتها على مخيم زمزم في دارفور
  • “الدعم السريع” تؤكد سيطرتها على معسكر زمزم في الفاشر
  • فى تطور خطير.. الهادي إدريس يكشف تواصل مناوي مع حميدتي وشقيقه
  • “صمود” يدين الجرائم والانتهاكات الجسيمة التي نتجت عن هجوم قوات الدعم السريع على معسكر زمزم للنازحين بشمال دارفور
  • منظمات دولية تندد بهجوم الدعم السريع على مخيم زمزم للنازحين في دارفور
  • الأمم المتحدة تعرب عن مخاوفها من مقتل أكثر من 100 شخص في هجمات للدعم السريع في دارفور