اتفاقية المعادن النادرة.. هكذا تسعى واشنطن لإخضاع أوكرانيا
تاريخ النشر: 13th, April 2025 GMT
وسط تصاعد التوترات الدبلوماسية بين أوكرانيا والولايات المتحدة، باتت اتفاقية المعادن المقترحة محورا لخلاف عميق يهدد مستقبل العلاقات بين البلدين.
ففي تصريحات حادة، وصف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي التعديلات التي أدخلتها إدارة دونالد ترامب على الاتفاقية بأنها "غير مقبولة"، مجسدا قلقا متزايدا من أنها تمس بالسيادة الأوكرانية وتضعف فرصها في الانضمام للاتحاد الأوروبي.
تأتي هذه الأزمة بعد سلسلة من الأحداث الساخنة، بدءا من مشادة دبلوماسية في فبراير/شباط الماضي أدت إلى تعطيل توقيع الاتفاقية، وصولا إلى نسخة معدلة استلمتها كييف في مارس/آذار، والتي قوبلت برفض أولي وتحفظات علنية.
وفي ظل هذا، يحاول الطرفان الموازنة بين المصالح دون الدخول في مواجهة مباشرة، في ظل اعتبارات أمنية واقتصادية وسياسية على المستويين الإقليمي والعالمي.
فما تفاصيل التعديلات المثيرة للجدل التي طرحتها واشنطن؟ وكيف يمكن أن تؤثر على سيادة أوكرانيا؟ وما الذي تخفيه بنود الاتفاقية المعدلة في سياق الصراع الجيوسياسي على الموارد المعدنية النادرة؟
مسار الاتفاقيةبدأت واشنطن مساعيها لتوقيع اتفاقية المعادن مع أوكرانيا يوم 28 فبراير/شباط الماضي، إلا أن المباحثات تعثّرت تعثرا حادا، إثر مشادة دبلوماسية بين الرئيسين الأميركي والأوكراني في أثناء اجتماعهما في البيت الأبيض، إذ غادر زيلينسكي واشنطن غاضبا، وسط تصعيد أميركي تمثل في إعلان ترامب وقف المساعدات العسكرية لأوكرانيا، مما أدى إلى تعطيل المفاوضات بشأن الاتفاقية بالكامل.
إعلانأجبرت قرارات ترامب زيلينسكي على قبول وقف غير مشروط لإطلاق النار، وإعلان استعداده لتوقيع اتفاقية المعادن.
ومع تزايد الضغوط السياسية والأمنية، اضطر زيلينسكي لاحقا إلى تقديم تنازلات، إذ وافق على وقف إطلاق النار بشكل غير مشروط، وأبدى استعداده للعودة إلى طاولة المفاوضات لتوقيع الاتفاقية.
غير أن النسخة الجديدة التي قدمتها إدارة ترامب حملت تغييرات جذرية، إذ صيغت بما يضمن للولايات المتحدة تحقيق مصالح أحادية تشمل استرداد جميع الأموال التي أنفقتها على أوكرانيا منذ بداية الحرب في 2022 وفق حسابات واشنطن الخاصة.
وفي 28 مارس/آذار الماضي، أعلن زيلينسكي تسلم أوكرانيا النسخة المعدلة من الاتفاقية، لكنه أشار إلى أنها تضمنت بنودا كثيرة لم تُناقش مسبقا، بالإضافة إلى نقاط سبق رفضها من قبل.
وفي تصريح نشره موقع "كييف إندبندنت"، أكد زيلينسكي أن أوكرانيا لن توقع أي اتفاقية تهدد مسار انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، مضيفا أن الدستور الأوكراني يكرّس توجه البلاد نحو الاتحاد، ولا يمكن القبول بأي تعديل يعارض هذا المسار.
ونقلت الصحافة الأوكرانية عن زيلينسكي قوله إن الولايات المتحدة تُعدّل "بشكلٍ مستمر" بنود الاتفاقية المقترحة، معلنا تشكيل فريق من المحامين والخبراء لدراسة التعديلات الأميركية ومقارنتها مع النسخ السابقة ومع التشريعات الأوكرانية ذات الصلة، كي لا يكون فيها ما يعارض القوانين الأوكرانية ثم تقديم تقييم شامل لها حتى يتسنى لأكرانيا أن تحدد ردها على التعديلات الأميركية.
ونقلت صحيفة "يوروبيان برافدا" عن وزير الخارجية الأوكراني أندريه سيبيغا أن أي اتفاقية تعارض مسار أوكرانيا نحو الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي مرفوضة بشكل مبدئي.
إعلانوفي تقرير بعنوان "اتفاقية المعادن الولايات المتحدة تتجاوز كل الخطوط الحمراء في أوكرانيا"، اعتبرت صحيفة لوفيغارو الفرنسية أن الأميركيين شددوا موقفهم في المفاوضات بشأن اتفاقية المعادن المقترحة مع كييف.
وأضافت لوفيغارو أنه يتعين على أوكرانيا إرسال ردها "بحلول نهاية هذا الأسبوع"، مشيرة إلى أن عديدا من أعضاء البرلمان الأوكراني والشخصيات الأوكرانية يعتبرون أن الأميركيين تجاوزوا جميع الخطوط الحمر.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مسؤول أوكراني كبير أنه من المؤكد أن الرد الأوكراني لن يكون وفق ما يريده الأميركيون الذين يسعون للتوصل إلى اتفاق في أسرع وقت ممكن.
وذكرت صحيفة "أوكرينسكا برافدا" الأوكرانية أن "فريق ترامب تخلى عن كل الحلول الوسطية التي تم الاتفاق عليها قبل شهر".
لم يتم الكشف عن نص التعديلات الأميركية وتحاط بكثير من السرية، لكن حسب ما كشفته بعض وسائل الإعلام الموثوقة، فإن الخطوط العريضة للنسخة المعدلة يبدو أنها لا تفيد إلا الولايات المتحدة.
فحسب تقرير لوكالة بلومبيرغ، فإن الأميركيين يقترحون إنشاء صندوق استثماري لإجبار الأوكرانيين على سداد كل المساعدات التي قدمتها واشنطن منذ بداية الحرب الروسية.
وتضيف الوكالة أن التعديلات الجديدة تلزم أوكرانيا بمنح الولايات المتحدة نصف إيراداتها المستقبلية من الإيرادات التي تتلقاها من جميع المشاريع الجديدة التي تستغل الموارد الطبيعية، مثل المعادن الرئيسية والغاز والنفط.
وبدوره، ذكر تقرير لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية أن أحدث نسخة من الاتفاقية التي اقترحتها الولايات المتحدة تتضمن شروطا تمنح واشنطن سيطرة غير مسبوقة على الموارد الطبيعية لأوكرانيا من خلال صندوق استثمار مشترك يُموّل من الأرباح المستقبلية لاستخراج المعادن الثمينة في أوكرانيا.
إعلان
وأكدت فايننشال تايمز أن المسودة الجديدة التي تسلمتها كييف من واشنطن مختلفة كثيرا عن مضامين الاتفاقية الأولى التي كان سيتم توقيعها خلال زيارة زيلينسكي لواشنطن، وأن التعديلات الجديدة تغطي جميع الموارد المعدنية الأكرانية، بما في ذلك النفط والغاز وأصول الطاقة الرئيسية في جميع أنحاء أوكرانيا.
وأشار تقرير لوفيغارو إلى أنه بالإضافة إلى البنية التحتية الجديدة (الطرق والسكك الحديدية والموانئ) فإنه ليس من الواضح حتى الآن إذا ما كان هذا مرتبطا فقط بهذه الأنشطة الاستخراجية، أو أي بنية تحتية قديمة أو جديدة في أوكرانيا ترتبط كليا أو جزئيا بهذه الاستخراجات، مثل الموانئ وغيرها.
ونقلت لوفيغارو عن الخبير الفرنسي ومدير الأبحاث في معهد البحوث الاقتصادية والمالية إيمانويل هاش قوله إن مما يبرهن على أن هذه الاتفاقية غير متوازنة أنه ستكون للولايات المتحدة السيطرة الكاملة على الصندوق الاستثماري المزمع إنشاؤه.
وسيتولى الإشراف عليه مجلس مكون من 5 أعضاء (3 أميركيين وأوكرانيين اثنين)، وهو ما يثير غضب الأوكرانيين إذ سيكون للأميركيين في الواقع الأغلبية في هذا المجلس ويتمتعون بحق النقض على أي مشروع.
وكشفت صحيفة يوروبيان برافدا -في تقرير لها عن الاتفاقية- عن أن الولايات المتحدة ستكون الطرف الوحيد المستفيد من أرباح الصندوق المزمع، فسيكون للأميركيين الحق في جني كل الأرباح من هذه الاستغلالات من أجل سداد مبلغ 500 مليار دولار من المساعدات، كما ستفرض واشنطن فائدة بنسبة 4% على هذا الدين، حتى يتم استرداد المساعدات العسكرية والمالية المقدمة لأوكرانيا بالكامل.
حسب تقرير لوكالة رويترز، تمتلك أوكرانيا رواسب كبيرة من المعادن الأساسية، بما في ذلك المعادن الأرضية النادرة، على الرغم من أن حجمها الدقيق لا يزال غير مؤكد.
إعلانوتُعد المعادن الأرضية النادرة ذات قيمة عالية لاستخدامها في تقنيات الدفاع، وكذلك في أجهزة مثل أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية والبطاريات.
ونقلت لوفيغارو عن الباحث الفرنسي ومؤلف كتاب "حرب المعادن النادرة" غيوم بيترون أن أوكرانيا أصبحت ضحية جديدة للمنافسة العالمية على احتكار المعادن، تماما مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية التي يتم تصدير 80% من إنتاجها المعدني إلى الصين من دون أن يستفيد منه الكونغوليون.
وحسب الخبير بيترون، فإن أوكرانيا تعاني حالة ركود، وتحاول الولايات المتحدة استغلال هذا الوضع من خلال فرض شروط غير عادلة للوصول إلى المعادن النادرة، وبالتالي الحصول على ورقة إستراتيجية واقتصادية لتلعبها في إطار حرب المعادن مع الصين التي تسيطر على 69% من سوق إنتاج المعادن النادرة وحوالي 90% من مصانع تكريرها عام 2024.
وتكشف لوفيغارو عن أن 5% من الموارد المعدنية في العالم تتركز في أوكرانيا، ولكنها ليست قابلة للاستغلال كلها، حيث إن "نحو 40 إلى 50% من المعادن النادرة تقع في مناطق تحتلها روسيا حاليا".
ونقلت الصحيفة عن الخبير هاش أن الولايات المتحدة تسعى من وراء حرب المعادن هذه إلى الحصول على المغناطيس المستخدم في محركات السيارات الكهربائية، وفي تقنيات التوجيه، وحتى في أنظمة الكمبيوتر الخاصة بالهواتف المحمولة.
هل الهدايا الأميركية مسمومة؟شكلت المساعدات التي قدمتها أميركا في عهد الرئيس السابق جو بايدن جزءا كبيرا من المشكلة الحالية، ويرى مراقبون أن ترامب ربما يسعى -نكاية في بايدن- إلى استرجاع كل تلك الأموال ويعتبرها ديونا يجب تسديدها، في حين يراها زيلينسكي هبات وهدايا لا يجب سدادها، بل إن مطالبة بلاده بذلك تمثل استنقاصا من سيادتها.
وحسب تقرير "يوروبيان برافدا"، فإن إدارة ترامب اشترطت في نسخة اتفاقية المعادن الجديدة سداد أوكرانيا جميع المساعدات التي قدمتها الولايات المتحدة منذ بدء الحرب الروسية الشاملة عام 2022.
وتشمل المساعدات الأميركية -التي تسبب حاليا غصة للأوكرانيين- الدعم العسكري والإنساني ودعم الميزانية، ويثير حجم هذا الدعم خلافا كبيرا بين الطرفين، إذ يقدر دونالد ترامب أنه يصل إلى 500 مليار دولار، في حين تنفي كييف تلك التقديرات، وتعتبر أن تلك المساعدات لا تتجاوز قيمتها نحو 114 مليار دولار.
إعلان عرقلة الانضمام لأوروباوحسب صحيفة لوفيغارو، يشكل الاتفاق تهديدا مباشرا لترشح أوكرانيا لعضوية الاتحاد الأوروبي، إذ تفرض التعديلات التي اقترحتها إدارة ترامب حصول الولايات المتحدة على "حق العرض الأول" فيما يتعلق بتسويق هذه الاستخراجات المستقبلية.
ووفق المفاهيم المرتبطة بقانون الأعمال، يسمح هذا المفهوم للولايات المتحدة بتقديم العرض الأول في المشاريع الاستثمارية المتعلقة بعمليات الاستغلال المعدنية، وكذلك شراء العقارات والأعمال التجارية الأخرى.
ووفقا لتقرير بلومبيرغ، فإن الولايات المتحدة -من خلال ترسيخ وجودها والسيطرة على الموارد المعدنية الأوكرانية- تهدد بشكل مباشر مساعي أوكرانيا للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي، خصوصا أن هذه الاتفاقية لا تقتصر على فترة زمنية محددة حاليا.
وتعتبر بلومبيرغ أن الاتفاقية مناقضة لقوانين المنافسة في الاتحاد الأوروبي، فبموجبها سيكون للحكومة الأميركية الحق في شراء المعادن الأوكرانية كافة، وكذلك النفط والغاز، قبل أي طرف آخر، بغض النظر عما إذا كان الصندوق الاستثماري المشترك يمول المشروع أم لا.
ويذهب النص الأميركي إلى أبعد من ذلك، فهو يمنع كييف من بيع معادنها إلى دول تعد "منافسين إستراتيجيين" لواشنطن، وهي إشارة تشمل ضمنا الاتحاد الأوروبي.
نقلت وكالة رويترز عن مسؤولين أوكرانيين أن النسخة الجديدة من الاتفاقية، مثل سابقتها، لا تمنح أوكرانيا أي ضمانات أمنية، وهذه أيضا -حسب تقارير لوفيغارو- من النقاط غير مقبولة بالنسبة لزيلينسكي، الذي يصر على إضافة بند مكتوب في الاتفاق يشير إلى وجود عسكري، أو على الأقل خدمات أمنية خاصة، على أراضيه من أجل ثني روسيا عن مواصلة حربها.
لكن الصحيفة نقلت عن خبراء أنه من اللحظة التي سيسيطر فيها الأميركيون على المعادن في أوكرانيا، سيتعين عليهم، مهما حدث، تأمين البنية التحتية والإنتاج وتأمين نقله.
إعلانويشير إيمانويل هاش إلى أن "دونالد ترامب لن يرى أبدا استخراج أي معدن نادر من باطن الأرض الأوكرانية خلال فترة ولايته، لأن إنتاجه يستغرق 10 سنوات على الأقل، وبالتالي فهو لا يراهن على المستقبل القريب لاتفاق محتمل، بل على السنوات الـ15 المقبلة من أجل التحسن في القطاعات الرقمية والعسكرية ومنخفضة الكربون".
يعتبر تقرير بلومبيرغ أن المفاوضات الجارية بشان تعديلات الاتفاقية حساسة، إذ تسعى أوكرانيا للحفاظ على دعم الولايات المتحدة في حربها ضد الحرب الروسية، بينما تسعى في الوقت نفسه للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
وبدورها، ترى لوفيغارو أن مجال المناورة محدود للغاية بالنسبة لكييف، التي تعتمد عسكريا على الولايات المتحدة لمواجهة روسيا، ودعم الولايات المتحدة يبدو مرهونا بتوقيع هذه الاتفاقية.
لكن الصحيفة تضيف أن أوكرانيا تحاول مع ذلك إعادة التوازن إلى الاتفاقية لمنع الولايات المتحدة من انتزاع سيادتها، وهو ما أكده وزير الخارجية الأوكراني أندريه سيبيغا في تصريحاته ليوروبيان برافدا، الثلاثاء، حيث قال إن بلاده تريد نصا "مقبولا بشكل متبادل".
ومن وجهة النظر الأوكرانية، فإن قبول التعديلات التي تمنح واشنطن السيطرة على كل الاستغلال المستقبلي لموارد أوكرانيا المعدنية والهيدروكربونية، فضلا عن البنية التحتية المرتبطة بذلك، من شأنه أن يعادل الموافقة على نقل السيادة على الموارد إلى دولة أخرى.
لكن كييف -حسب المحللين- مجبرة على السير بخطى حذرة وتجنب أي انتقادات علنية لاذعة لإدارة ترامب، حفاظا على الدعم الأميركي "المُتضائل والممنون" لمعركتها المستمرة ضد الحرب الروسية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات إلى الاتحاد الأوروبی الولایات المتحدة الموارد المعدنیة اتفاقیة المعادن المعادن النادرة الحرب الروسیة من الاتفاقیة على الموارد التی قدمتها فی أوکرانیا إدارة ترامب من خلال إلى أن
إقرأ أيضاً:
إدارة ترامب تسعى لإبرام 90 اتفاقية تجارية خلال 90 يوما.. مهمة ضخمة
تسعى إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلى إبرام 90 اتفاقية تجارية خلال 90 يوماً، في محاولة لاحتواء تداعيات الحرب التجارية التي أثارتها سياسات الرسوم الجمركية الأخيرة.
ومن المقرر أن يكون مفوض التجارة بالاتحاد الأوروبي، ماروش شفتشوفيتش، من بين أوائل المسؤولين الأجانب الذين سيتوجهون إلى واشنطن الاثنين المقبل لبدء مفاوضات حول الرسوم الجمركية المرتفعة التي أعلن عنها ترامب في 2 نيسان /أبريل الجاري.
وتأتي زيارة المسؤول الأوروبي إلى واشنطن بالرغم من أن كبير مفاوضي الإدارة الأمريكية، وزير الخزانة سكوت بيسنت، سيكون في بوينس آيرس لدعم الإصلاحات الاقتصادية في الأرجنتين، التي لا يتجاوز حجم تجارتها السنوية مع واشنطن 16.3 مليار دولار.
وأثار غياب بيسنت عن المفاوضات الأولى أثار تساؤلات حول مدى الجاهزية لتنظيم جولات تفاوض بهذا الحجم.
وقالت ويندي كاتلر، كبيرة المفاوضين السابقة لدى الممثل التجاري الأمريكي ورئيسة معهد سياسات مجتمع آسيا، إن "الاستعداد لاتخاذ هذه القرارات سيتطلب مفاوضات جادة… من المستحيل أن نتوصل خلال هذه الفترة إلى اتفاقية شاملة مع أي من هذه الدول".
في المقابل، أصر مستشار البيت الأبيض للتجارة، بيتر نافارو، على أن الخطة قابلة للتنفيذ، قائلاً لشبكة "فوكس بيزنس" إن "بيسنت والممثل التجاري الأمريكي جيميسون جرير ووزير التجارة هوارد لوتنيك يمكنهم إنجاز المهمة".
وأضاف "لذا، سنبرم 90 اتفاقا خلال 90 يوما. هذا ممكن”، مشيرا إلى أن الرئيس ترامب "سيكون كبير المفاوضين. لن يتم إنجاز شيء دون أن ينظر فيه بعناية شديدة"، حسب وكالة رويترز.
وكان ترامب أطلق العد التنازلي مطلع الأسبوع الماضي بتعليق مؤقت للرسوم الجمركية المرتفعة لمدة 90 يوماً، في خطوة قال إنها تهدف لإتاحة الوقت للدول من أجل التفاوض على اتفاقيات ثنائية مع الولايات المتحدة.
وتسعى الإدارة الأمريكية إلى استعادة ثقة الأسواق المالية التي شهدت اضطرابات مؤخرا، بما في ذلك ارتفاع أسعار الفائدة وانخفاض الدولار، في حين سجل الذهب مستويات قياسية.
وأوضحت كاتلر أن تلك الاضطرابات ستدفع إدارة ترامب إلى محاولة تحقيق "بعض الانتصارات السريعة"، وفق رويترز.
وأضافت "سيقع العبء على عاتقهم لإظهار قدرتهم على إبرام اتفاقيات بسرعة مع الدول، وبث بعض الثقة في السوق ولدى شركاء تجاريين آخرين بأن هناك مخرجا".
في السياق ذاته، ساهم التصعيد الأخير مع الصين في تعقيد المشهد، خصوصا بعد فشل بكين في الحصول على إعفاء من الرسوم الجديدة وقيامها بفرض رسوم مضادة.
وقالت كاتلر إن الوصول إلى اتفاقيات ترضي ترامب والأسواق المالية "مهمة ضخمة"، مشيرة إلى أن الإدارة قد تضطر إلى إعطاء الأولوية لبعض الدول وتمديد مهلة التعليق لدول أخرى.
واستغرق إبرام أصغر اتفاق تجاري لترامب خلال ولايته الرئاسية الأولى، أكثر من ثمانية أشهر، وكان عبارة عن مراجعة للأحكام المتعلقة بالسيارات والصلب في اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، في حين تطلب اتفاق التجارة الشاملة مع المكسيك وكندا عامين كاملين.
لكن الممثل التجاري الأمريكي، جيميسون جرير، قال "يمكننا الوصول إلى نقطة يمكن فيها للرئيس إبرام هذه الاتفاقات. يستطيع التفاوض، وإذا توفر اتفاق جيد، فيمكنه النظر في قبوله، وإذا لم يتوفر فسيفرض الرسوم الجمركية".
واللوجستيات اللازمة لتنسيق 90 جولة مفاوضات ليست سوى عقبة واحدة أمام الإدارة التي تعاني من ضغوط شديدة.
وقال دبلوماسيون إن مناصب رئيسية عديدة ما زالت شاغرة وإن المسؤولين الحاليين غالبا ما يكونون مشغولين بمهام أخرى، مشيرين إلى لقاء مسؤولين بوزارة الخزانة أمس الجمعة مع مسؤولين من أوكرانيا لبحث صفقة معادن بالغة الأهمية.
وأكد جرير أن فريقه المؤلف من 200 موظف "يعملون على مدار الساعة" ويتبادلون المقترحات مع نظرائهم الدوليين.
ووافق مجلس الشيوخ على تعيين مسؤول كبير آخر فقط في وزارة الخزانة، وهو نائب وزير الخزانة مايكل فولكندر. ولم يرشح ترامب حتى الآن أي شخص لمنصب وكيل الوزارة للشؤون الدولية، وهو منصب رئيسي يشغله حاليا موظف حكومي بصفته قائما بالأعمال.
ويعتمد مكتب الممثل التجاري الأمريكي أيضا بشكل كبير على موظفين حكوميين إذ لا يزال عدد من مناصب نواب الممثل التجاري الرئيسية شاغرا ويتطلب موافقة مجلس الشيوخ.
وقال مصدر دبلوماسي ثان، إن من العوامل المعقدة الأخرى غموض المواقف الأمريكية إزاء القضايا التجارية، مشيرا إلى أن كبار مستشاري ترامب التجاريين لديهم وجهات نظرهم الخاصة.
تجري دول، منها بريطانيا وأستراليا، محادثات تجارية مع إدارة ترامب منذ تنصيبه في يناير كانون الثاني، لكن لم تتمخض هذه المناقشات عن أي نتائج تذكر.
وقال مصدر دبلوماسي "ليس الأمر كما لو أن هناك ورقة تحتوي على نقاط حوار ثابتة يتم تداولها... إنها عملية. وأنصح باستخدام مصطلح ’محادثات‘ وليس ’مفاوضات‘".