الاقتصاد نيوز _ بغداد

اقترحت تركيا إنشاء خطوط أنابيب جديدة لنقل النفط والغاز الطبيعي من منطقة البصرة الغنية بالموارد في العراق إلى ميناء جيهان على البحر الأبيض المتوسط، في خطوة تهدف إلى تمكين بغداد من تصدير كميات أكبر من نفطها الخام إلى الأسواق، وتعزيز مساعي أنقرة للتحول إلى مركز إقليمي رئيسي للطاقة.

وتندرج هذه الخطط، التي كشف عنها وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بايراكتار خلال مقابلة مع شركة "ستاندرد آند بورز جلوبال كوموديتي إنسايتس"، ضمن امتداد لمشروع طريق التنمية الطموح، الرامي إلى ربط آسيا بأوروبا عبر شبكة من السكك الحديدية والطرق التي تمر بالعراق.

وبحسب المخطط، تنتقل البضائع والغاز والنفط الخام من البصرة شمالًا إلى حديثة، قبل أن تتجه نحو سيلوبي في جنوب تركيا. 

وقال الزميل غير المقيم في المجلس الأطلسي، إيسر أوزديل، إن مشاريع خطوط الأنابيب الدولية في تركيا تهدف إلى ضمان أمن الطاقة، وتنويع المصادر، وتعزيز دبلوماسية الطاقة.

وأضاف أن "رغم دخول حقل غاز سكاريا مرحلة الإنتاج مؤخرًا، وتوقعات ببلوغ إنتاج حقل جابار النفطي 100 ألف برميل يوميًا، إلا أن تركيا ستظل تعتمد على الواردات بشكل كبير خلال السنوات المقبلة".

وأوضح بايراكتار أنه تم التوصل إلى "اتفاق مبدئي" بين تركيا والعراق بشأن خطوط الأنابيب، إضافة إلى خط نقل كهربائي جديد، متوقعًا استكمال الدراسات "قريبًا" والتوصل إلى "اتفاقية إطارية للطاقة مع العراق خلال الأشهر المقبلة".

وأشار إلى أن هناك خط أنابيب يعمل بالفعل بين سيلوبي وجيهان، غير أن "عدم ربطه بحقول البصرة يحد من قدرته على الوصول إلى إنتاج 1.5 مليون برميل يوميًا".

ومن المقرر أن يرتبط المسار المقترح بخط الأنابيب المخطط له سابقًا بين البصرة وحديثة، والذي تبلغ طاقته 2.25 مليون برميل يوميًا، وحظي بموافقة الحكومة العراقية في يناير/كانون الثاني. وأثار هذا المشروع مخاوف لدى بعض المعارضين من إعادة إحياء خط أنابيب بديل مثير للجدل يمر عبر الأردن، إلا أن تركيا طرحت مسارًا مغايرًا.

وأكد بايراكتار أن "توسيع خط البصرة-سيلوبي مهم للغاية للعراق من أجل تصدير النفط الخام بشكل مستدام، ويوفر له طريقًا بديلًا وسهولة الوصول إلى أسواق البحر الأبيض المتوسط".

ويشمل هذا المسار أيضًا نقطة انتقال من بيجي العراقية إلى فيشخابور، وهي مدينة كوردية قرب الحدود التركية، حيث تعرض خط الأنابيب الحالي لأضرار جسيمة جراء هجمات تنظيم داعش. وتُظهر بيانات "كوموديتي إنسايتس" أن هذا الجزء من الخط جرى إصلاحه، لكن لم يُعاد تشغيله بعد.

ورغم ذلك، قد يتطلب المضي قدمًا في هذه المشاريع حل النزاع القائم بين بغداد وأنقرة بشأن خط أنابيب قائم منذ سنوات. 

ولا تزال المفاوضات جارية بشأن إعادة فتح خط الأنابيب العراقي-التركي المغلق منذ أكثر من عامين، في ظل تصاعد التوترات عقب اكتشاف تدفق نفط خام تركي عبره، ما دفع وزارة النفط العراقية إلى التعهد باتخاذ "إجراءات عاجلة"، معتبرة الخطوة انتهاكاً لاتفاقية خط الأنابيب.

وقال بايراكتار لوكالة بلاتس، التابعة لشركة "كوموديتي إنسايتس"، إن النزاع كان "شأنًا داخليًا" عراقيًا قبل اكتشاف تدفق النفط الخام، مؤكدًا أن أنقرة "غير معنية ولا تنوي التدخل في المناقشات المتعلقة باستئناف التدفقات". وأوضح أن حل هذا النزاع "ليس شرطًا لإنشاء خطوط أنابيب جديدة".

وفي ما يخص الغاز، أكد بايراكتار أن نظام نقل الغاز التركي يمتد حتى الحدود العراقية، ويمكنه نقل 5 مليارات متر مكعب من الغاز في كلا الاتجاهين. وأشار إلى أن "خط أنابيب الغاز من البصرة إلى سيلوبي سيعود بالنفع على المنطقة"، مضيفًا أن تركيا تخطط في المدى القريب لتزويد العراق بالغاز الطبيعي اللازم لتوليد الكهرباء إلى حين تطوير حقول الغاز المحلية.

وتُظهر بيانات "كوموديتي إنسايتس" أن هناك خط أنابيب غاز مخططًا له من سيلوبي إلى جيهان. وعلى المدى البعيد، يتوقع بايراكتار أن يبدأ العراق بتصدير الغاز إلى تركيا ودول أخرى عبر الأراضي التركية، مما سيمنح أنقرة مصدر دخل جديد من رسوم العبور، إذ تُقدّر الخسائر الناجمة عن إغلاق خط الأنابيب العراقي-التركي بما يصل إلى مليار دولار، وفقًا لتقديرات "بلاتس" ومصادر في شركات نفطية.

ويملك العراق احتياطيات كبيرة من الغاز، لكنه يركّز حاليًا على تلبية الطلب المحلي عبر جهود لالتقاط كميات كبيرة من الغاز المحترق، سعيًا لإنهاء هذه الممارسة بحلول 2028. وفي عام 2023، أحرق العراق كمية من الغاز تعادل تقريبًا استهلاكه المحلي السنوي.

وتبقى التساؤلات قائمة حول مدى توافق خطط تركيا لتصدير الغاز العراقي مع سعي بغداد إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي.

وبالإضافة إلى مشاريع الأنابيب، أعلنت تركيا نيتها مضاعفة كمية الكهرباء المُصدّرة إلى العراق، وإنشاء خط نقل كهربائي إضافي بين البلدين.

وجاءت هذه التحركات عقب زيارة بايراكتار إلى العراق منتصف مارس/آذار، والتي أعقبت إلغاء الإعفاءات الأمريكية طويلة الأمد التي سمحت للعراق باستيراد الكهرباء من إيران، والتي مثلت نحو 3% من إجمالي إنتاج الكهرباء في العراق.

ولا يزال مستقبل واردات الغاز الإيراني غير واضح، رغم أنها تمثل نحو 30% من قدرة التوليد الكهربائي في العراق. وتسعى بغداد لتأمين مصادر بديلة في حال استمرار سياسة "الضغط الأقصى" الأمريكية ضد طهران، ما قد يهدد إمدادات الطاقة العراقية.

وتعهدت تركيا بتخصيص 17.9 مليار دولار لمشروع طريق التنمية، مستغلة الظرف لتعزيز مصالحها من خلال زيادة إمدادات الكهرباء والطاقة للعراق. وقال بايراكتار: "اقترحنا على نظرائنا العراقيين توسيع هذا المشروع ليشمل خطوط النفط الخام والغاز الطبيعي والكهرباء".

إلا أن المشروع تعرض لانتقادات بسبب تجاوزه لإقليم كوردستان في شمال العراق. وذكر متحدث باسم حكومة الإقليم لوكالة بلاتس: "نبذل قصارى جهدنا ليعبر الطريق كوردستان أيضًا"، مضيفًا أن مرور الطريق عبر الإقليم سيُقلّل التكاليف ويوفّر الوقت، وأنه "لا يوجد دافع واضح لتجاوزه".

ويمثّل ميناء الفاو الكبير في جنوب العراق، الذي يمتد بطول 740 ميلاً، النقطة المحورية لمشروع طريق التنمية. ومن المقرر الانتهاء من بنائه بحلول عام 2028، ليصبح واحدًا من أكبر موانئ العالم. ويُعرف عن الجماعات الموالية لإيران وجودها في جنوب البلاد، وقد تدخلت في مراحل تطوير الميناء.

واختتم أوزديل، من المجلس الأطلسي، بالقول إن "التطورات الجيوسياسية والأزمة الاقتصادية في العراق تمثلان أبرز المخاطر أمام تنفيذ المشاريع المقترحة. ومع ذلك، فإنها قابلة للتنفيذ إذا توفر الدعم السياسي والمالي من تركيا والعراق وقطر والإمارات والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي".


ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام

المصدر: وكالة الإقتصاد نيوز

كلمات دلالية: كل الأخبار كل الأخبار آخر الأخـبـار النفط الخام خط الأنابیب خط أنابیب فی العراق من الغاز طریق ا

إقرأ أيضاً:

الأكبر تاريخيا.. ما جدوى اتفاقيات الطاقة بين العراق وشركات أمريكية؟

في خطوة هي الأولى من نوعها و"الأكبر" في تاريخ قطاع الكهرباء العراقي، أبرمت بغداد اتفاقيات عدة مع شركات أمريكية لإنتاج 27 ألف ميغاواط، في وقت تضغط فيه واشنطن لإيقاف الإعفاءات التي تمنها للعراق لاستيراد الغاز الإيراني لإنتاج الطاقة الكهربائية.

يأتي ذلك بعدما استقبلت بغداد، الأسبوع الماضي، وفدا من غرفة التجارة الأمريكية برئاسة استيف لوتس مكونا من 101 عضوا يمثل نحو 60 شركة أمريكية في قطاعات الطاقة والتكنولوجيا والصحة، والتي تعد أكبر بعثة تجارية ترسلها للعراق في تاريخ الغرفة.

تجاوز للإمكانيات
وبخصوص توقيت توقيع الاتفاقيات هذه، أكد الخبير الاقتصادي العراقي، زياد الهاشمي، قائلا: "رغم أن زيارة وفد الشركات جرى في مناخ دولي وإقليمي صعب للغاية نتيجة الإجراءات الأمريكية الخاصة بالرسوم الجمركية، لكنها تم التنسيق لها منذ أشهر، ولم يكن لها ارتباط مباشر بالقرارات التي هزت اقتصادات العالم".

وأضاف الهاشمي في حديث لـ"عربي21" أن "الاتفاقات التي تمت بين الجانب العراقي والشركات الأمريكية والتي تُقدر بعشرات المليارات تركز على قطاع الطاقة والمصارف، لم ترقِ إلى مستوى العقود الملزمة لكلا الطرفين".

وتابع: "هذه الاتفاقات أفضت فقط إلى توقيع مذكرات تفاهم مما يجعلها عرضة لعدم التنفيذ كحال العشرات التي تم توقيعها خلال السنوات الماضية ولم تر النور بسبب التجاذبات السياسية وقوة تأثير نفوذ الفساد على صناعة القرار الاقتصادي".

وفيما يتعلق بقطاع الطاقة، أوضح الهاشمي أن "مذكرات التفاهم التي تخص  إنشاء محطات إنتاج كهربائية تحتاج إلى تمويل هائل يصل إلى ٣٠ مليار دولار أمريكي، وهذه من الصعب جدا توفيرها سواء من الحكومة العراقية أو ممولين داخليين أو دوليين".

وأردف: "إضافة إلى أن تلك المحطات تحتاج لكميات ضخمة للغاية من الغاز تتجاوز ٣٠ مليار متر مكعب، وهي أعلى بمراحل من قدرة العراق على توفير الغاز لها سواء محليا أو من إيران وغيرها من مصادر مستقبلية، ناهيك عن الكلفة العالية لهذا الغاز والتي تُقدر بأكثر من ١٣ مليار دولار سنويا".

واعتبر الهاشمي "هذه الاتفاقات طموحة للغاية وتتجاوز إمكانيات العراق الحقيقية لتوفير التمويل اللازم لإنشائها وقدرتها على توفير الطاقة المطلوبة لها لتشغيلها. لذلك إنشاء مثل هذه محطات إن تمت، فهي من المحتمل أن تزيد من اعتماد بغداد على الغاز المستورد، ولاسيما الغاز الإيراني".


أبعاد سياسية
وفي السياق ذاته، قال المحلل السياسي العراقي، غالب الدعمي في حديث لـ"عربي21"، إن "قرار إبرام مثل هذه الاتفاقيات يفترض أن يحصل قبل هذه المدة، وبالتالي يتخذ العراق ما يناسب شعبه من قرارات وبعيدا عن التأثر بوجهة نظر أخرى".

وأضاف الدعمي أن "إبرام هذه الاتفاقات اليوم فسرت على أنها جاءت تأثرا بالتقارب الأمريكي الإيراني، وكأن العراق هو تبع لما يحصل في إيران، فإذا اختلفت مع أمريكا نختلف وإذا ترضى نرضى، وهذا من شأنه أن يضر في البلد وسمعته وقراره وسيادته".

وأشار إلى أن "هذه الخطوة رغم مجيئها متأخرة، لكن من الضروري أن يذهب العراق بهذا الاتجاه ويستثمر علاقاته مع الولايات المتحدة وإبرام عقود معها ومع دول أخرى غربية لأن مشاريعها وشركاتها متميزة، إضافة إلى أن دعمها للبلد متميز أيضا".

ورأى الدعمي أن "هذه الاتفاقات المبرمة بين بغداد والشركات الأمريكية المعروفة، بالإضافة إلى بعدها الاقتصادي، لكنها تحمل جوانب سياسية وأمنية، إذ أن العراق لا يريد من خلال هذه الخطوة إغضاب الولايات المتحدة الأمريكية مبكرا".

ولفت إلى أنه "إذا تحسنت العلاقة الأمريكية الإيرانية، فإنها ستنعكس على العراق وبالتالي يستورد البلد الغاز بكل أريحية من إيران، لكن التساؤل الذي يطرح نفسه لماذا تتعاقد الحكومة العراقية على إنشاء محطات غازية ونحن نعاني من مشكلة الغاز".

وتساءل الدعمي قائلا: "هل المطلوب  من وراء إنشاء محطات غازية أن يستمر العراق في البحث عن منافذ جديدة للغاز، أو أن يستمر في استيراد الغاز الإيراني؟ وهذه أيضا مشكلة".

وتابع: "لكن بشكل أو بآخر، فإن هذه العقود التي من المفترض أن تنتج للعراق 27 ألف ميغاواط أعتقد أنها كافية للاستهلاك المحلي لسد الحاجة في غضون السنوات المقبلة، رغم أن هذه المشاريع لن تكتمل في سنتين أو ثلاث، وإنما في مراحل طويلة".

وخلص الدعمي إلى أنه "إذا استمرت طبيعة العلاقة مع الولايات المتحدة بشكل إيجابي، فإني أعتقد سيكون هناك تحسن في ملف الطاقة بالعراق، أما إذا بقيت خاضعة للشد والجذب وللتأثر بالعلاقات الإيرانية الأمريكية، فإن وضع البلد سيتمر بهذه الفوضى".

وفي 9 نيسان/ أبريل الجاري، جرى في بغداد التوقيع على مذكرات اتفاقيات عدة بحضور رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، وذلك خلال زيارة وفد تجاري أمريكي رفيع، بحسب بيان حكومي.

وشملت المذكرة الأولى اتفاق إطار مبادئ للتعاون مع شركة "جي إي فيرنوفا" الأمريكية، تتضمن مشاريع لإنشاء محطات إنتاج طاقة غازية مركبة بسعة إجمالية تصل إلى 24 ألف ميغاواط.

وذكر البيان العراقي أن المذكرة تأتي ضمن "خطة هي الأوسع والأحدث في تاريخ العراق"، مع إمكانية تأمين التمويل الخارجي من بنوك عالمية.

أما المذكرة الثانية، فوقّعتها وزارة الكهرباء مع شركة "يو جي تي رينيوبل" الأمريكية لإنشاء مشروع متكامل للطاقة الشمسية بسعة 3 آلاف ميغاواط، إلى جانب أنظمة لتخزين الطاقة بالبطاريات بقدرة تصل إلى 500 ميغاواط/ساعة، وتحديث شبكات النقل والتوزيع، وإنشاء بنية تحتية جديدة لنقل التيار المباشر عالي الجهد بطول يصل إلى ألف كيلومتر.

وكانت مذكرة التفاهم الثالثة، بين اتحاد الغرف التجارية العراقية وغرفة التجارة الأمريكية، تهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي الثنائي بين البلدين، وفقا للبيان الحكومي العراقي.

مقالات مشابهة

  • العراق.. لماذا تم إغلاق مطار البصرة الدولي اليوم..!
  • انعقاد جولة المشاورات السياسية الأولى بين العراق والسعودية في بغداد
  • الكهرباء: إنتاج الطاقة في الجنوب يشكل 25% من إجمالي إنتاج العراق
  • الأكبر تاريخيا.. ما جدوى اتفاقات الطاقة بين العراق وشركات أمريكية؟
  • الأكبر تاريخيا.. ما جدوى اتفاقيات الطاقة بين العراق وشركات أمريكية؟
  • نفط البصرة يبلغ نهائي كأس العراق وشجار يؤجل معرفة هوية المتصدر الثاني
  • وزارة النفط: التوقيع على عقد تنفيذ الأنبوب البحري الثالث لتصدير النفط مع تركيا
  • فوز الكرخ ونفط البصرة والجيش بدوري النخبة لكرة اليد
  • العراق يعلن تحقيق الاكتفاء الذاتي لمنتجي النفط الابيض وزيت الغاز