الخطاب السياسي الذي أشعل الحروب في السودان
تاريخ النشر: 13th, April 2025 GMT
الخطاب السياسي لدولة السادس والخمسين منذ مجيئها إلى حيز الوجود، قبل إعلان (الاستغلال) ببضعة أشهر ساهم في اندلاع جميع الحروب، ابتداء من حرب الجنوب الأولى – تمرد توريت – وانتهاء بالحرب القائمة الآن، دشن السياسيون الشماليون خطاباً عدائياً تجاه نخب الجنوب السياسية، وتمركز التوجه العام لهذا الخطاب حول الكراهية العرقية والدينية والفرز الجهوي، واشتغلت الأجهزة الإعلامية والصحفية على ترميز الجنوب والجنوبيين على أساس أنها شعوب بدائية لم تبلغ الحلم، وبالتالي لابد من وجود كفيل يقوم برعايتها، استمر ذلك الخطاب طيلة مدة اشتعال حروب الجنوب الثلاث، وتم تغييب وعي المجتمعات الشمالية، فتبنت السردية المجحفة بحق شقيقهم شعب الأبنوس الجميل، فالحروب بالشرق الأوسط وافريقيا تندلع بدوافع التباينات الجغرافية والدينية والعرقية، فأخذ الجنوبيون حظهم من الفرز الوطني بحجة أن غالبهم يعتنق المسيحية، فعمل الخطاب السياسي للشمال المسلم ما في وسعه لقطع صلات التلاقي الاجتماعي بين الجهتين، ولا يجب أن ننسى الدور الفاعل الملعوب من الإدارة البريطانية، وقرارها ببذر بذور الشقاق وسياسة فرق تسد والمناطق المغلقة، ولكن، ما كان يجب على النخبة الحاكمة بعد ذهاب "الخواجة" أن تواصل فيما خلّفه المستعمرون من سياسات ظالمة، وأيضاً لا يستقيم منطقاً أن يكون هذا مبرراً للفاشلين من الحكام لإخفاقهم في حل مشكلة الجنوب.
تمددت الحرب شمالاً وغرباً لذات السبب – الخطاب السياسي الرافض للآخر والمشيطن له، وجميعنا يستحضر خطاب الدكتاتور عمر البشير بعد انفصال جنوب السودان، ووصفه لفترة حكومة الوحدة الوطنية (بالدغمسة) – عدم الوضوح، في إشارة لانعدام الإرادة الوطنية من جانبهم لاستكمال اهداف اتفاق السلام الشامل، والدكتاتور في حقيقة قوله يعني خروج الجنوب المسيحي، وبقاء الشمال (المسلم) خالصاً لأهله لإقامة (دولة الخلافة الراشدة)، متناسياً المسيحيين المتبقين بالشمال، فالخطاب السياسي الداعم لخط الانحياز الديني أدى لتقطيع الوطن إلى جزئين، مختلفاً عن الخطاب الموجه للسودانيين بعد تمرد دارفور حيث دق إسفين العروبة والأفريقانية، بين المكونين الاجتماعيين اللذين عاشا ردحاً من الزمن، في تماسك اجتماعي واقتصادي وسياسي، أما الخطاب المدشن بعد اندلاع الحرب بين الجيش المختطف من الحركة الإسلامية وقوات الدعم السريع، لم يجد منظروه بداً من وصف أفراد القوة العسكرية الشقيقة بأنهم غزاة أجانب، في مهزلة مضحكة للطفل قبل الشيخ الهرم، إذ كيف لرمز سيادة البلاد أن يكون سيّداً وأجنبياً في آن واحد؟، فالخطاب الأخير جاء غير مقنع لقطاعات عريضة من المجتمعات السودانية، وفضح الجذر المتأصل للمأساة الممتدة من بدايات تأسيس دولة السادس والخمسين، والذي عمل مصدروه بكل جهد لتفكيك وحدة البلاد واستمراء المضي قدماً في ذات الاتجاه السالب.
الفشل الكبير للخطاب السياسي المركزي عبر الحقب، ظهرت آخر مخرجاته في القفز على الواقع الداخلي وإصدار التهم للدول الجارة والشقيقة، التي تضامنت مع السودانيين في محنهم، فبعد أن أكدت الحرب المشتعلة بين الجيشين على سقوط السيادة الوطنية، وخروج الدولة من الفاعلية الإقليمية والدولية، بفقدانها لنظام الحكم الشرعي الذي كان قبل انقلاب أكتوبر، اصبح الجيش المختطف من جماعة الاخوان يتأرجح مثل الذي يتخبطه الشيطان من المس، في نهاية منطقية للاستمرار في توجيه هذا الخطاب الفطير داخلياً، والمحاولة اليائسة لتسويقه خارجياً، لقد صنع هذا الخطاب كادر حزبي وعسكري لا يعي أهمية العلاقات الدبلوماسية ولا الروابط الودية بين الشعوب، فأساء هذا الكادر للوشائج الأزلية بين السودان وجواره العربي والإفريقي، وعمّق الأزمة الوطنية ودولها وأقلمها، فزيادة على كارثة الحرب التي ما يزال المواطنون يدفعون ثمنها الباهظ، خلق توترات حدودية ودبلوماسية لا مبرر لها مع بلدان مباركة لمساعي الحل السلمي التفاوضي، ولها أياد بيضاء في ساحة العمل الإنساني السوداني، ومارس فوضوية في خلط الأوراق لدرجة أن المراقبين والمحللين والمسهّلين دخلوا في حيرة من أمرهم، جراء هذه المهزلة الحكومية التي ألمت بالسودانيين، والتي آخرها تلعثم مندوب جيش الاخوان وهو يقدم دعواه الباطلة أمام محكمة العدل الدولية ضد دولة الإمارات.
إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الخطاب السیاسی
إقرأ أيضاً:
أشعل النار في زميله لخلاف على أولوية المرور .. قرار قضائي ضد سائق
جدد قاضي المعارضات بمحكمة جنح عين شمس حبس سائق توك توك متهم بالشروع في قتل زميله وإشعال النار فيه، 15 يوما على ذمة التحقيق.
ألقى سائق توك توك بنزين على شاب خلال مشاجرة نشبت بينهما بسبب خلاف على أولوية المرور ثم أشعل النار فيه فأوقعه مصابا إصابات بالغة، وتم نقله إلى المستشفى لتلقي العلاج.
أرسلت المستشفى العام إخطارا إلى قسم شرطة عين شمس يفيد باستقبالها شابا مصابا بحروق خطيرة ويخضع للعلاج، على الفور انتقلت قوة أمنية إلى مكان البلاغ.
وبإجراء التحريات وسؤال شهود العيان تبين أن مشاجرة نشبت بين سائق توك توك وشاب بسبب خلاف حول أولوية المرور قام خلالها الأول بإلقاء جزء من بنزين معه في جركن على جسد الثاني ثم ألقى عليه عود ثقاب لتتصاعد النيران من الشاب مشيرين إلى أنهم سمعوا المتهم يقول للمجني عليه «هموتك محروق».
تدخل الأهالي لإطفاء الشاب ومنع الجريمة وقاموا بنقله إلى المستشفى لتلقي العلاج اللازم، وعقب تقنين الإجراءت تم القبض على المتهم وإحالته إلى النيابة التي أصدرت قرارها المتقدم وأمرت بالاستعلام عن الحالة الصحية للمصاب، وبعرضه على قاضي المعارضات بالمحكمة أصدر قراره المتقدم.