#مفاوضات_عمان.. من يفاوض من؟
بقلم د. #هشام_عوكل أستاذ إدارة الأزمات والعلاقات الدولية
ترامب.. السمسار الذي يساوم لا يفاوضاللقاء غير المباشر الذي جمع إيران والولايات المتحدة في سلطنة عمان لم يكن لقاء دبلوماسيًا تقليديًا بل انعكاس لنمط سياسي جديد يرعاه رجل لا يؤمن بالقيم بل بالصفقات ترامب الذي يجلس اليوم في البيت الأبيض لا يفاوض كقائد بل يساوم كسمسار من الصين إلى إيران يعيد نفس الأسلوب تهديد فمساومة ثم تراجع مفاجئ حديثه عن ضرائب تفوق المئة بالمئة على البضائع الصينية لم يكن سوى عرضًا استعراضيًا انتهى بهدوء بعد أن تجاهلت بكين التهديد وردت بالاقتصاد لا بالكلام والآن يمارس ذات الأسلوب مع إيران مهلة شهرين إما اتفاق أو مواجهة لكن هذه المهلة لا تستند إلى تقدير أمني أو إجماع دولي بل إلى قناعة شخصية بأن الضغط الاقتصادي كفيل بصناعة القرار السياسي ترامب لا يقرأ التاريخ ولا يحترم الجغرافيا كل ما يهمه هو من يدفع أكثر ومن يوقع أسرع لكن إيران هذه المرة ليست الخصم السهل فهي تترنح اقتصاديًا نعم لكنها تعرف متى تناور ومتى تتراجع اللقاء في سلطنة عمان جاء بطلب إيراني غير مباشر لكنه يحمل في داخله رسائل واضحة مفادها أن طهران مستعدة للحوار لكن دون أن تبدو مستسلمة بينما ترامب يحاول أن يُلبس الحوار ثوب النصر الانتخابي لا أحد في العالم اليوم يأخذ تهديدات ترامب بجدية لا أوروبا ولا الصين ولا حتى دول الخليج التي بدأت تبحث عن معادلات أمن جديدة بعيدًا عن تقلبات المزاج الأمريكي إيران تفقد أذرعها.
. والشرق الأوسط يقاوم العودة
الحديث عن قلق روسي من تقارب أمريكي إيراني لا يستقيم مع ما يجري فعليًا على الأرض لأن إيران لا تعود بل تنسحب لا تتمدد بل تتراجع الخريطة التي كانت تُرسم بلون طهران قبل سنوات بدأت تتلاشى عاصمة تلو الأخرى خرجت من دمشق تحت ضغط التفاهمات الدولية وتراجع دورها العسكري وتحولها إلى عبء أمني خفي وفي لبنان يعيش حزب الله أسوأ حالاته من ناحية التمويل والتأييد الشعبي وخسارة الحاضنة الإقليمية أما في غزة فإيران لم تعد قادرة على تمويل حماس ولا تغطية تبعاتها الدولية بعد ٧ أكتوبر وهنا في اليمن لم يبقَ لطهران سوى الورقة الحوثية لكنها باتت مهددة أكثر من أي وقت مضى الضغط الأمريكي في البحر الأحمر لا يستهدف فقط حماية الملاحة بل يفتح الباب أمام تدخل بري محدود وهو ما تلوّح به واشنطن ضمنيًا كأداة ضغط إضافية على طهران لإجبارها على إغلاق ملف اليمن بالكامل إيران التي لطالما تفاخر إعلامها بأنها تسيطر على أربع عواصم عربية تفقد الآن آخر ما تبقى من تلك الخيوط الملف الحوثي لم يعد ورقة تفاوض بل ورقة ابتزاز فاشل يتم استنزافها يومًا بعد يوم الحشد في العراق أيضًا لم يعد يد إيران كما كان بعد أن تحوّلت بعض فصائله إلى عبء أمني على الحكومة العراقية نفسها وكل هذا يجعل من إيران قوة متراجعة في الإقليم لا تبحث العواصم عن دور لها بل تدير ظهرها لمشروعها القديم لأن منطق الميليشيا لم يعد يصلح في زمن التوازنات الصلبة وفي ظل كل هذه الخسارات أدركت إيران أن المرحلة القادمة ستكون أكثر قسوة وأن الضربة القادمة لن تطال أذرعها فقط بل رأسها مباشرة لذلك بدأت بمحاولة تبريد الأجواء مع الولايات المتحدة على أمل إعادة رسم مستقبل جديد لها في المنطقة محاولة استباقية لفهم أن الضربة القاسمة القادمة او اعادة تدوير الزاويا الخفية الصين وموازين الطاقة.. الحذر قبل العاصفة
الصين تراقب مفاوضات واشنطن وطهران من زاوية مختلفة كليًا فهي لا تهتم كثيرًا بجوهر التفاهم النووي بقدر ما يقلقها تأثير أي اتفاق على موازين الطاقة والعبور التجاري في المنطقة أي رفع للعقوبات عن إيران سيعني تحرير ملايين البراميل من النفط الخام الذي كان محتجزًا في الداخل الإيراني وهذا سيُحدث ارتباكًا في السوق التي كانت بكين تهيمن عليها عبر عقود٫ طاقة مريحة مع دول معزولة وضعيفة مثل إيران الصين كانت ترى في طهران حليفًا مضطرًا يعتمد عليها في كل شيء لكن الانفتاح الأمريكي يعني أن إيران قد لا تعود بحاجة ماسة لبكين وقد تفضل عقودًا مع أوروبا أو حتى شركات أمريكية إذا فُتحت لها الأبواب وهذا يربك استراتيجية الصين التي قامت على بناء نفوذ اقتصادي صامت عبر السيطرة على خطوط الإمداد وتأمين احتياجاتها بأسعار تفضيلية كما أن دخول إيران مجددًا إلى السوق العالمي يعيد تشكيل مشهد الموانئ وممرات العبور من الخليج إلى آسيا الوسطى وهذا ما لا يناسب بكين التي تريد استقرارًا في الظل لا تغيرات في العلن الصين إذًا لا تخشى الاتفاق ذاته بل تخشى أن تفقد إيران كحليف مرن ومضطر وتتحول إلى لاعب مستقل يناور شرقًا وغربًا وهذه الخسارة قد تكون الأثقل في حسابات بكين الجيوسياسية ويتكوف وبوتين.. ما هو أبعد من أوكرانيا
اللقاء الأخير بين المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف والرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يكن لقاءً عابرًا هدفه إنهاء الحرب في أوكرانيا كما أراد البعض أن يصوّره بل كان أوسع من ذلك بكثير الملف الأوكراني كان الحاضنة لكنه لم يكن المحور المحادثات شملت بوضوح مستقبل الحضور الروسي في فلكها التقليدي موسكو في دمشق موسكو في طهران موسكو في بكين موسكو في شرق أوروبا موسكو وهي تتعامل مع تصدّع دوائرها الاستراتيجية تحاول أن تضمن بقاء موطئ قدم في عواصم بدأت تنفلت من قبضتها سوريا اليوم لم تعد كما كانت قبل خمس سنوات هناك تنسيق خليجي تركي روسي لا يسمح بعودة الفوضى الإيرانية وإيران نفسها التي كانت تلعب دور الوكيل أصبحت عبئًا على موسكو سياسيًا واقتصاديًا وفي الصين تبحث روسيا عن تنسيق أمني اقتصادي مشترك لا عن تحالف متين وهي في ذلك تحاول تحييد بكين عن التمدد الأمريكي عبر ملفات الطاقة أما في أوروبا الشرقية فإن روسيا تشعر أن طوق الحصار يضيق حولها وأن أي تفاهم أمريكي إيراني سيجعلها أكثر حزم بالملف اواكرانيا فلذلك فإن اللقاء بين ويتكوف وبوتين قد يكون الخطوة الأولى نحو ترسيم نظام دولي جديد يتوزع فيه النفوذ لا بالانتصار ولا بالهزيمة بل عبر المقايضة٫ روسيا قد تتخلى عن بعض الأوراق بشرط أن تبقى لاعبًا في طاولة القرار وهو ما تحاول أمريكا رسمه عبر تهدئة مع إيران من جهة وضغط استراتيجي على موسكو من جهة ثانية٫
في عالم السياسة لا شيء ثابت خصوصًا حين يكون السمسار هو من يزعم قيادة دولة عظمى حين تصبح المبادئ سلعة والعلاقات الدولية مزادًا مفتوحًا من يدفع أكثر ومن يتنازل أكثر تضيع البوصلة وتتيه الدول بين الخرائط القديمة والواقع الجديد
في زاوية حادة لا نصدق ما يُقال بل نراقب ما يُخفى وما يُساوم عليه مقالات ذات صلة العرب الطلقاء 2025/04/12
المصدر: سواليف
إقرأ أيضاً:
مفاوضات أميركا إيران.. بقائي يتحدث عن مكان آخر وزيارة مرتقبة
كشف المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، الإثنين، أنه من الممكن أن تُعقد الجولة المقبلة من المحادثات مع الولايات المتحدة في مكان آخر غير عُمان.
وأضاف: "بالطبع فإن مكان المفاوضات ليس هو القضية الرئيسية الأهم هو استمرار شكل وإطار التعامل بين إيران والولايات المتحدة والذي سيستمر بشكل غير مباشر وبوساطة عمان".
وأكمل: "نحن على تواصل دائم مع الجانب العماني وبعد استلام ملاحظاتهم رسميا سيتم اتخاذ القرار النهائي بشأن مكان المفاوضات وإبلاغه".
ولفت بقائي إلى أن "الاتفاق النووي هو اتفاق قانوني ساري المفعول وموجود. كما أن له أطرافا محددة، وسنواصل تفاعلنا ومشاوراتنا وفقا للاتفاق النووي. وستكون هذه التفاعلات مفيدة وسيستمر هذا الاتجاه".
وأكمل أن "وزير الخارجية عباس عراقجي سيقوم بزيارة مخططة مسبقاً إلى موسكو في وقت لاحق من هذا الأسبوع وسيتم استغلال هذه الفرصة لمناقشة آخر التطورات المتعلقة بمحادثات مسقط".
ولفت إلى أن "رافائيل غروسي سيزور طهران هذا الأسبوع، وتقوم بعثة إيران في فيينا حالياً بمتابعة تفاصيل جدول الأعمال والاجتماعات والنقاط الأخرى المتعلقة بهذه الرحلة مع مكتب المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية".
وأكد بقائي أن إيران لن تقبل المفاوضات والتهديدات في آن واحد، مضيفا: "يصدر عن مسؤولين أميركيين مختلفين تصريحات متناقضة ويجب عليهم أن يجدوا بأنفسهم طريقة لحل هذه التناقضات. وهذا أحد الأسباب الرئيسية لإجراء المفاوضات غير المباشرة".
وتابع: "لا يمكنكم ادعاء التفاوض مع استمرار سياسة الضغط والعقوبات والتهديد. إن هذا النهج غير مقبول على الإطلاق، وقد أوضحنا مواقفنا بوضوح".
وفي وقت سابق، كشف موقع "أكسيوس" الأميركي، نقلا عن مصدرين مطلعين، أنه من المتوقع عقد جولة ثانية من المحادثات السبت المقبل في العاصمة الإيطالية روما.