الصيْدلة في اليمن.. بين بلسم الشفاء ولهيبِ الاستغلال! (تقرير خاص)
تاريخ النشر: 13th, April 2025 GMT
يمن مونيتور/ من إفتخار عبده
في مدينة تعز، وعلى امتداد شارعٍ يحتضن جدران مستشفى السويدي، أو ما يعرف بـ “النقطة الرابعة”، تنتشر الصيدليات كعقد متراصٍ، يصعب على الناظر إحصاء حباته المتجاورة، إلا بعد إمعان نظرٍ طويل.
تدفق بشري لا ينقطع.. يعبرون بوابة المشفى، حاملين بين أذرعهم أطفالاً أنهكهم الوجع، أو مرافقين أجسادًا أضناها المرض، وفي ساعات الصباح تحديداً، يستقبلك المشهدُ بضجيج الاكتظاظ، وبكثرة الوافدين التي قد توحي للوهلة الأولى بأن هذا الصرح الطبي هو الملجأ الوحيد للمدينة، أو أن وباءً صامتًا قد ألمّ بأهلها جميعًا.
وما إن تغادر أسوار المشفى، أو تقف على أعتابه، حتى يستقبلك مشهد آخر، لا يقل غرابة ودهشة، صيادلة يلوحون بأيديهم في عجلة محمومة، يستحثون خطواتك نحو واجهاتهم الزجاجية، كل واحد منهم يتوق لأن تكون أنت صيده الثمين، الزبون الذي سيُدر عليه ربحًا وفيرًا.
يكاد المشهد يحيل المكان إلى سوقٍ شعبي صاخب، يتنافس فيه الباعة، خشية تلف بضاعتهم.. هكذا تبدو ملامح الصيدلة في يمن اليوم، وهكذا هم في الغالب – إلا من عصمهم الضمير، ومن يخافون الله في أعمالهم– تجار ماهرون، ينقبون عن الأرباح في جسد مريض، تثقله وطأة الداء وشبح الفقر معًا.
بهذا الشأن يتحدث أحد الأطباء، والذي فضل عدم ذكر اسمه، قائلا” منذ أن تحولت مهنة الصيدلة والطب للاستثمار انتهت الصفة الفعليه لمعاني الإنسانية فيها فكل ما هو حاصل تجارة، حالها حال السلع الأخرى، بيع وشراء ولا مبالاة”.
وأضاف لـ” يمن مونيتور “القطاع الخاص الصحي بشكل عام شرائك تعبث بحياة البشر تحت مسمى الصحة والتطبيب، والمؤسف أنه لا توجد رقابة فعلية تضمن للمريض حقوقه وللمجتمع كرامته”.
وأردف” لقد تحولت الصيدلة والصيدليات إلى دكاكين لبيع الأدوية، حالها حال دكاكين بيع الجملة والتجزيئة للمواد السلعية الأخرى، هم يبيعون فقط من أجل الربح لا من أجل شفاء المرضى، أو القيام بالوظيفة بالشكل اللائق بها”.
وأشار إلى أن” في هذا الجانب الأمر متربط بوعي المجتمع أولًا، وبالضمير الإنساني ومراقبة الذات ثانيًا، وبالرقابةوالمحاسبة التي ينبغي أن تقوم بها الجهات المختصة ثالثًا، لكن كل هذا غائب تماما في الوقت الحالي، مع الأسف الشديد”.
بلاغات مهملة
وأكد” تقدمت ببلاغات رسمية للجهات المختصة عن صيدلياتٍ تتاجرُ بحياة الناس، لكن- للأسف- وجدت أن هناك خلل جوهري مترابط من الأدنى للأعلى”.
وواصل” مؤلم جدا أن يكون المخول بالرقابة تاجر ومعه أكثر من صيدلية ومخالفٌ للقانون، وطالب الله مثله مثل بقية التجار، وأنى لهذا أن يعاقب غيره”.
واختتم” الصيدلة مهنة إنسانية عظيمة ينبغي على من يمتهنها أن يكون ذا ضمير حي، أن يستشعر المسؤولية في عمله هذا، كما أنه يجب أن تكون هناك رقابة ومحاسبة تحد من التلاعب الحاصل في هذا الجانب”.
قصص مرضى بين البحث عن علاج وتلاعب الصيادلة
في السياق ذاته يقول عزان السامعي”ذهبت لإسعاف طفلي إلى المستشفى السويدي” النقطة الرابعة” فهو المستشفى الحكومي الأفضل بالنسبة للعناية بالأطفال ومداواتهم، منذ القدم وحتى اليوم”.
وأضاف السامعي لـ” يمن مونيتور” عندما سجل لي الطبيب بعض الأدوية أكد عليّ أن أريه العلاج بعد شرائه، وعندما خرجت من باب المشفى كان الصيادلة يلوحون لي من الصيدليات المقابلة للمشفى أن أذهب للشراء منهم، عندما رأوني أحمل ورقة الدواء بيدي”.
وأردف” اشتريت الدواء من إحدى الصيدليات وعدت به للطبيب فإذا به يخبرني أن أعيد الإبر وأخبر الصيدلي أن يعطيني الإبر المسجلة في الورقة، وذهبتُ للصيدلي مرة أخرى، وفي حالة من الغضب قلت له لماذا لم تعطيني الإبر المسجلة في الورقة، فقال هذه التي أعطيتك هي أصلية والمسجلة ليست أصلية”.
وتابع” قلت له أعطني المسجلة كيفما كانت، وعندها ذهب للبحث عنها في صيدلية أخرى، وهذا ما أكد لي أن الصيدلية في اليمن قد أصبحت تجارة، كلٌ يريد إنفاق بضاعته ولو كان ذلك على حساب صحة المرضى”.
وواصل” في ذلك اليوم لست الوحيد الذي صُرف له علاج مخلتف، ففي لحظات الانتظار للوصول إلى الطبيب، كانت هناك امرأة خمسينية العمر تسعف حفيدها، وكانت تحمل بيدها علبة دواء، سمعت الطبيب وهو يقول لها إن هذا الدواء سينتهي نهاية هذا الشهر الذي نحن فيه وأنه يجب عليها إرجاعه”.
ولفت إلى أنه” بعد إرجاع العلاج للصيدلي من قبل أحد مرافقي الأطفال غضب الطبيب وكتب للصيدلي على الورقة جملة” فتِّح عيونك سواء” وأخبر المرافق أنه إذا لم يجد الدواء في تلك الصيدلية يبحث عنه في الأخريات “.
وأكد” كل شيء في هذا البلد يؤول للهلاك، حتى الجانب الطبي الذي كان ملاذنا في النجاة من المرض أصبح مصدر خوف وقلق لنا، لم نعد نثق في شيء “.
وشدد السامعي على ضرورة ضبط المخالفين في هذا الجانب ووضع رقابة ومحاسبة لكل من يزيد من معاناة المواطن، فاليوم المواطن لم يعد قادرًا على تحمل المزيد من الكوارث إلى جانب الضنك المعيشي الذي يعيشه.
أدويةٌ منتهية ومهربة
بدوره يقول الصحفي المهتم بالشأن الاجتماعي، عميد المهيوبي، إن” مهنة الطب بشكل عام في اليمن تحولت من وسيلة للحياة إلى وسيلة للاستثمار، وهذا بسبب زيادة التنافس بين الشركات الدوائية وغياب الرقابة على معايير الجودة الدوائية؛ إذ إن كل شركة تختلف عن الأخرى في تراكيب المادة الفعالة للدواء مما يجعل نسبة الاستجابة للبدائل ضعيفة عند المرضى”.
وأضاف المهيوبي لـ” يمن مونيتور” بعض الدكاترة يتعاملون مع شركة أدوية مخصصة ولا يسجل غير أدويتها للحصول على عائد مادي يتفق عليه الدكاترة مع مناديب الأدوية وهذا ما يجعل الدكاترة أكثر تصريفا لأدوية الشركة التي تعود لهم بربح أكثر، والبعض يصفون وصفات طبية لا يقرأها إلا الصيدلي الذي يتفق معهم ولا يقبلون أي دواء بديل مصنع من شركة أخرى”.
وأشار إلى أن” الأطباء بإمكانهم تحويل ذلك التنافس بين الشركات من تنافس مادي إلى تنافس جودة، على أن يصف الدكتور دواء الشركة الأكثر جودة وأيضًا الصيدليات لا تقبل غير الأصناف الأكثر جودة وبهذا يكون الدكاترة والصيادلة شركاء في توفير دواء أكثر جودة وصحية للمرضى، لكنهم للأسف متعاونون في هذه التجارة على حسب أرواح المرضى وأموالهم”.
وواصل” اليوم لا توجد فقط أدوية مهربة، بل هناك من يبيع أدوية موشكة على الانتهاء أو أدوية لم تخزن التخزين الجيد، بالإضافة إلى رفع الأسعار بالأشكال الخيالية التي نراها اليوم”.
وشدد” على وزارة الصحة ونقابة المهن الطبية في اليمن فرض رقابة قانونية ومتابعة معايير الجودة لكل شركة أدوية، بالإضافة إلى ضبط المتلاعبين بحياة البشر مقابل الربح”.
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: الصحة تعز یمن مونیتور فی الیمن فی هذا
إقرأ أيضاً:
ما هو "أحد السعف" الذي يحتفل به الأقباط الأرثوذكس اليوم؟
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، اليوم بعيد "أحد الشعانين"، الذي يُعرف أيضًا بـ"أحد السعف"، وهذا اليوم من أبرز أيام الصوم الكبير لدى الأقباط الأرثوذكس، وهو الأحد الذي يسبق الأحد الأخير من الصوم الكبير “عيد القيامة”.
ويُحيي هذا اليوم ذكرى دخول السيد المسيح أورشليم كملك ومخلص للبشرية قبل بدء آلامه وصلبه وفق البشارات الأربعة بالإنجيل المقدس.
وكلمة "شَعانين" مأخوذة من الكلمة العبرية "هوشعنا" وتعني "خلّصنا". ويُعرف باسم أحد النخيل، لأن الشعب وقتها استقبله بسعف النخيل وأغصان الزيتون، وفي مثل هذا اليوم منذ ألفى عام تقريباً دخل السيد المسيح أورشليم "القدس" راكبًا جحشًا، وكان الناس يفرشون ملابسهم في الطريق، ويحملون سعف النخيل وأغصان الشجر، وهم يهتفون "أوصنا لابن داود! مبارك الآتي باسم الرب! أوصنا في الأعالي" (9:21 متى).
ويحاول الأقباط خلال هذا اليوم إحياء تلك الوقعة وتجسيدها مره أخرى حيث يقوم الكاهن والشعب قبل القداس الإلهي بزفّة أيقونة المسيح وهو داخل الكنيسة، ويحمل الشعب وقتها سعف النخيل والشموع وهم يرتلون نفس الآية التي رددها شعب أورشليم قديماً وكأنهم يُجسدون دخول المسيح لأورشليم من جديد.
الطقوس الكنسية
يبدأ اليوم بصلاة باكر وتُتلى قراءات خاصة من الأناجيل الأربعة التي تحكي قصة دخول السيد المسيح إلى أورشليم.
تُقام دورة الشعانين، حيث يدور الكهنة والشعب حول الكنيسة وهم يحملون السعف (جريد النخل) والشموع، مرددين التسبحة الخاصة بهذا اليوم، والتي تتضمن عبارات التهليل مثل: "أوصنا لابن داود".
يقوم المؤمنون بصنع أشكال من السعف مثل الصلبان والقلوب والتيجان، كرمز للفرح باستقبال المسيح.
بعد القداس الإلهي، يُتلى إنجيل التاسعة، وتُبدَّل ملابس الهيكل والشموع إلى اللون الأسود، في دلالة على بداية أسبوع الآلام.