منذ الخامس عشر من شهر آذار/ مارس الماضي، وهو اليوم الذي وجّه فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ببدء عملية عسكرية جوية واسعة ضد جماعة الحوثي، والأنظار تتجه إلى التداعيات المحتملة لهذه العملية التي تشير التصريحات الأمريكية إلى أنها تأتي في إطار مهمة "تفكيك" جماعة الحوثي، والجميع تقريبا ينتظرون بدء عملية عسكرية برية قد تنهي تواجد الحوثيين في الحديدة والساحل الغربي وربما تحييدهم عسكريا وسياسيا على مستوى اليمن.



يصرح ترامب بأن بلاده ستوقف ضرباتها الجوية للحوثيين إذا توقفوا عن استهداف الملاحة الدولية، وهي تصريحات لا تتطابق تماما مع الأهداف الحقيقية للحملة الأمريكية التي تشكل تحولا جادا في الموقف الأمريكي؛ من دعم سياسي وعسكري مكشوف لجماعة الحوثي إلى استهدافهم وتفكيك كيانهم العسكري، وهو أمر سيفضي إلى واقع جيوسياسي جديد لا نضمن ما إذا كان سيندرج ضمن توجه لإعادة تمكين الدولة اليمينة أم إلى وضعها في خانة الاستهداف المريح لهذه الدولة من قبل المتربصين بها من الطامعين الإقليميين والدوليين.
تبدو السعودية في وضعية مريحة تقريبا، وليس لدي أدنى شك في أن الضربات الأمريكية التي تستهدف مواقع عسكرية حوثية على خطوط التماس مع القوات الحكومية؛ خصوصا في مأرب، تعكس التنسيق المفترض مع الجانب السعودي، وربما تهيئ لإنجاز العملية البرية المتعثرة منذ سنوات ضد الحوثيين
هالني ما سمعته من قائد يمني كبير في السلطة الشرعية، الذي تحدث عن عملية إنزال لأسلحة أمريكية لصالح الحوثيين في عهد الرئيس الأمريكي جو بايدن، واستغربت أكثر أن هذه الجريمة السياسية العابرة للحدود، ظلت قيد التداول المحدود في السلطة الشرعية والمعنيين في المملكة العربية السعودية، على الرغم من أن حدثا كهذا مثل حينها رسالة قوية حول طبيعة الموقف الأيديولوجي الأمريكي تجاه الفاعلين في اليمن، والأهم؛ تجاه التدخل العسكري السعودي في اليمن.

حتى اللحظة لا يتوفر اليقين بشأن مصداقية التصريحات التي يأتي معظمها من مصادر أمريكية بشأن عملية برية عسكرية وشيكة في اليمن، من أبرز أهدافها السيطرة على مدينة الحديدة وعلى الموانئ والساحل الغربي لليمن الواقع تحت سيطرة الحوثيين، تتوازى مع تقدم عسكري باتجاه العاصمة صنعاء. وأنا هنا أتحدث عن سيطرة القوات الحكومية التي ستستفيد حتما من الدعم الأمريكي والإقليمي.

وبوسع المراقب أن يتوقع من إدارة ترامب حرصا على إنجاز هدف السيطرة على الحديدة، الذي أفشله ترامب نفسه في ولايته الأولى؛ عندما منع تحرير المدينة ومينائها، وحدد وزير دفاعه حينها الجنرال ماتيس؛ فترة زمنية مدتها شهر لإنجاز اتفاق بين الأطراف اليمنية لإدارة الوضع الناشئ في هذه المدينة اليمنية الساحلية المهمة، ما دفع الجميع إلى الذهاب إلى العاصمة السويدية، حيث عقدت محادثات تحت الهراوة الأمريكية، نتج عنها اتفاق ستوكهولم أو اتفاق الحديدة في كانون الأول/ ديسمبر من عام 2018، انتهى بتمكين الحوثيين بشكل مطلق من السيطرة على ميناء الحديدة.

على مدى عشر سنوات حاربت السعودية ومعها شريك غير موثوق هو الإمارات في اليمن، تحت أنظار الولايات المتحدة وبالاستفادة من الدعم اللوجستي المقدم من واشنطن، وهو أمر متوقع من حليف لطالما استفاد من التخادم والإسناد الذي حصل عليه من دول الخليج في كل حروبه الصهيونية في منطقتنا.

لكن كما هو معروف تحولت الحرب السعودية في اليمن إلى مستنقع استراتيجي لم يصنعه الحوثيون وإيران وحدهم؛ بل صنعته الصراعات الإقليمية البينية، وعمقته أكثر النخبة السياسية المتصارعة والمنقسمة في واشنطن، والتي تحولت السعودية بسببها إلى هدف لمؤامرة متعددة الأبعاد قادها اليسار الديمقراطي الأمريكي، بلغت ذروتها بوصول الرئيس السابق جو بايدن إلى البيت الأبيض، والذي اتخذ سلسلة من الإجراءات المعززة للموقف العسكري والسياسي لجماعة الحوثي وإيران في الصراع المفتوح الدائر على الساحة اليمنية مع السعودية على وجه الخصوص.

ما كان تهديدا من المحتمل جدا أن يتحول إلى فرصة لإعادة الأمور إلى نصابها، عبر التمكين الحقيقي للسلطة الشرعية من القيام بدورها على أرضية وطنية صلبة وقوية، وأجندة سياسية منسجمة مع إرادة الشعب اليمني وتطلعاته
اليوم تبدو السعودية في وضعية مريحة تقريبا، وليس لدي أدنى شك في أن الضربات الأمريكية التي تستهدف مواقع عسكرية حوثية على خطوط التماس مع القوات الحكومية؛ خصوصا في مأرب، تعكس التنسيق المفترض مع الجانب السعودي، وربما تهيئ لإنجاز العملية البرية المتعثرة منذ سنوات ضد الحوثيين.

لكن يدهشني هذا الشلل الذي تعاني منه السلطة الشرعية، والذي من المؤسف أنه يمثل حصيلة سنوات من التهشيم المتعمد لهيكلها السلطوي، وإفراغه من مضمونه الوطني الجامع، وتحويله إلى تجمع فوضوي للقيادات المرتهنة أو المنفلتة، والمشاريع السياسية العبثية.

لقد شكلت حالة الضعف المستديمة للسلطة الشرعية، إلى جانب تهاوي البنيان الهش لتحالف دعم الشرعية، إحدى أهم مصادر التهديد للدولة اليمنية ومستقبلها، وتعززت هذه التهديدات بالدعم الأمريكي المفتوح لجماعة الحوثي. أما اليوم فإن ما كان تهديدا من المحتمل جدا أن يتحول إلى فرصة لإعادة الأمور إلى نصابها، عبر التمكين الحقيقي للسلطة الشرعية من القيام بدورها على أرضية وطنية صلبة وقوية، وأجندة سياسية منسجمة مع إرادة الشعب اليمني وتطلعاته.

إن السقوط الوشيك للمشروع الإيراني الطائفي في اليمن، سيقود حتما إلى سقوط الأطماع الإقليمية، لأنها تنتج أسبابا إضافية لنزاعات خطيرة بين الدول المتورطة في هذه الأطماع، أكثر مما تخلق توافقات على تقسيم اليمن وإضعافه. هذا إذا افترضنا أن أكثر من 35 مليون إنسان في اليمن سيقبلون باستمرار هذا العبث إلى ما لا نهاية.

x.com/yaseentamimi68

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه الأمريكي الحوثي اليمن الشرعية السعودية السعودية اليمن الشرعية أمريكي الحوثي سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة اقتصاد سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی الیمن

إقرأ أيضاً:

صنعاء تعلن حصيلة جديدة لضحايا الغارات الأمريكية على حي سكني بمدينة الحديدة

يمانيون../
أعلنت وزارة الصحة العامة والبيئة، اليوم الخميس، عن حصيلة جديدة لضحايا الغارات الأمريكية التي استهدفت حي “أمين مقبل” السكني في مديرية الحوك بمحافظة الحديدة، غربي البلاد.

وأفادت الوزارة بأن عدد الشهداء ارتفع إلى 14 شهيداً و15 جريحاً، معظمهم من النساء والأطفال، جراء الغارات الجوية التي شنتها الطائرات الأمريكية على الحي السكني خلال اليومين الماضيين، مؤكدة أن فرق الإسعاف والدفاع المدني لا تزال تواصل أعمالها في الموقع.

وكانت الغارات قد استهدفت منازل مدنيين في الحي المذكور، متسببة بدمار واسع وسقوط عدد كبير من الضحايا، في واقعة وصفتها السلطات في صنعاء بجريمة حرب مكتملة الأركان، مشيرة إلى أن الاستهداف تم دون أي مبررات أو ذرائع عسكرية، وهو ما يؤكد الطابع العدواني والاستفزازي للعملية.

وفي سياق متصل، قُتل ثلاثة مدنيين آخرين في غارات أمريكية استهدفت مساء الأربعاء منطقة السبعين بالعاصمة صنعاء، وذلك ضمن سلسلة متواصلة من الهجمات الجوية التي تنفذها القوات الأمريكية في عدد من المحافظات اليمنية.

واعتبرت حكومة التغيير والبناء أن استمرار الاستهداف الأمريكي للمناطق المدنية يؤكد فشل الولايات المتحدة في تحقيق أي مكاسب عسكرية، ولجوئها إلى ارتكاب جرائم بحق المدنيين بهدف الضغط على الشعب اليمني، مؤكدة أن هذه الانتهاكات لن تمر دون رد مناسب، وأن كافة الخيارات مفتوحة للرد على هذا التصعيد الإجرامي.

تجدر الإشارة إلى أن محافظة الحديدة شهدت خلال الفترة الماضية تصعيداً ملحوظاً في الغارات الجوية الأمريكية والبريطانية، في إطار محاولة لوقف العمليات العسكرية البحرية التي تنفذها القوات المسلحة اليمنية نصرةً للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ورفضاً للتطبيع مع كيان الاحتلال الصهيوني.

مقالات مشابهة

  • اليمن يُفشل استراتيجية أمريكية سرية: قاذفات B-2 تدخل المعركة وتخرج بلا جدوى
  • اليمن في قلب المعركة .. موقف ثابت لا يتزحزح في نصرة غزة مهما كانت العواصف
  • الجيش الأمريكي يبث فيديو من على متن حاملة الطائرات "ترومان" ردا على ادعاءات الحوثيين
  • عدوان أمريكي يستهدف الحديدة غربي اليمن.. الثاني خلال ساعات
  • 29 شهيداً وجريحاً حصيلة ضحايا العدوان الأمريكي على مدينة أمين مقبل بمديرية الحوك في الحديدة
  • الصحة: 29 شهيداً وجريحاً ضحايا العدوان الأمريكي على مدينة أمين مقبل في الحديدة
  • شاهد | ما دور السعودية و الإمارات في العدوان الأمريكي على اليمن؟
  • صنعاء تعلن حصيلة جديدة لضحايا الغارات الأمريكية على حي سكني بمدينة الحديدة
  • السفير الأمريكي في اليمن: ضرباتنا تستهدف قدرات الحوثيين العسكرية ومنع تدفق الأسلحة الإيرانية