أسماء وُلدت في رابعة ظهر التاريخ. سطع ضوء في سماء الوعي، وتحرك التغيير في مساحات واسعة من العالم. الاستعماران البريطاني والفرنسي، امتدا في قارتي آسيا وأفريقيا، وبعد الحرب العالمية الأولى، اتخذ التاريخ منحنيات سياسية كبيرة. البلاد العربية التي غرب عنها العصر العثماني، صار جزء منها تحت الهيمنة الفرنسية والبريطانية والإيطالية، بتوصيفات مختلفة.
استعمار إيطالي مباشر في ليبيا، وفرنسي في الجزائر، وحماية فرنسية في المغرب، وحماية بريطانية في كل من مصر والعراق والخليج العربي. انطلقت معارك الاستقلال في هذه البلدان. منها ما كان عسكرياً، ومنها ما كان سياسياً مع مواجهات عسكرية مختلفة العيار. القرن العشرون وُلد بقسمات جديدة فوق الأرض، وفي الفكر والثقافة والعلم، والقوى السياسية والعسكرية. صار للآيديولوجيا أوراق في شجرة القرن الوليد. حكم الأتراك بلداناً عربية تحت مسمى الدولة العثمانية قروناً طويلة، امتدت من القرن السادس عشر، إلى بداية القرن العشرين. كل منطقة كانت ولاية (إيالة) يحكمها والٍ عثماني، يُعيَّن من الباب العالي في إسطنبول. بعد انهيار الدولة العثمانية، هيمن الفرنسيون والبريطانيون على المنطقة العربية، بعد انتصارهما في الحرب العالمية الأولى. بدأت بعد ذلك مرحلة استقلال بعض الدول العربية، ووجد العرب أنفسهم أمام وضع جديد ما عرفوه من قبل. الدولة هي الكيان الذي يشكّل الوعاء السياسي الذي يجمع سكان البلد المستقل. النمط الأوروبي للدولة، كان النموذج الذي أنتجه من تولى قيادة الأوطان المستقلة، إلى استنساخه وبنائه في واقعهم الجديد. قامت كيانات تبنت النظام الملكي، وأخرى تبنت النظام الجمهوري، لكن الموروث الاجتماعي القديم، ظلَّ فاعلاً بقوة في مفاصل التكوينات العربية الجديدة. القبلية والطائفية والجهوية والأمية والفقر، وغياب الخبرة السياسية والإدارية، أعاقت وجود النسيج الاجتماعي الأساسي المكون للدولة، وهو (الأمة) التي يربطها الحبل الوطني الجامع لكل المواطنين الذين يعيشون على أرضها. في بعض الدول العربية الوليدة، بقي الموروث الاجتماعي، القديم الذي ساد في زمن ما قبل الدولة المستقلة، فاعلاً بقوة وأعاق عملية تحقيق الهوية الوطنية الجامعة للكيان السياسي الجديد، وهي الأمة الواحدة.
الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة، خاض معركة سياسية طويلة مع المستعمر الفرنسي لبلاده. درس في المدرسة الصادقية بتونس، ثم توجه إلى باريس، حيث درس القانون والعلوم السياسية. عاد بعدها إلى تونس ومارس المحاماة، واندفع في العمل السياسي. سجنه المستعمر الفرنسي وهرب إلى مصر سيراً على الأقدام لعرض قضية وطنه المحتل، كما زار الأمم المتحدة للهدف ذاته. أعاد تأسيس الحزب الدستوري التونسي، واستمر في مواجهته المستعمر الفرنسي. في سنة 1956 تولى رئاسة الوزارة في المملكة التونسية، التي كانت تتوارث عرشها بايات العائلة الحسينية من أصول تركية. في سنة 1957 عُيّن رئيساً للدولة بعد إنهاء حكم البايات وإعلان الجمهورية، وإنهاء الوصاية الفرنسية.
الحبيب بورقيبة قاد الحزب الدستوري التونسي، وكان الحزب الواحد الذي حكم تونس طيلة زمن حكم بورقيبة، وجعل من هذا الحزب قوة لتأسيس الدولة التونسية الحديثة، التي تقوم على تحقيق كيان (الأمة) الموحدة. المناضل المثقف الذي اندمج في المجتمع الفرنسي، وتزوج منه أم ولده الوحيد الحبيب الابن، وتمكن من اللغة الفرنسية، وغاص في الفلسفة والقانون والسياسة، وعاش في خضم الحداثة والتنوير والثقافة الفرنسية. منذ السنة الأولى التي ترأس فيها الدولة، كان همه تكريس هوية الأمة، وتأسيس تونس الجديدة الحديثة. وظَّف الجزء الأكبر من ميزانية الدولة في التعليم، وسخَّر جهده متنقلاً في أنحاء البلاد مخاطباً الرجال والنساء مباشرة، محرضاً على إلغاء مجتمع القبائل (العروش)، وتأسيس مجتمع الأمة التونسية الواحدة الموحدة. تحرير المرأة عدَّه الحبيب بورقيبة شرطاً أساسياً لتأسيس المجتمع الجديد، وفتح أمامها باب التعليم والعمل، ونظَّم عملية الطلاق بأن تتم أمام المحاكم. وتحدث في خطابات كثيرة عن مسؤولية الرجال في النهوض بالمرأة، وتسهيل انتقالها من ظلام الماضي، إلى آفاق ضوء المستقبل. كان بورقيبة صريحاً ومباشراً في قضية الحرية السياسية والديمقراطية، وقال إن ذلك لا يمكن أن يكون في مجتمع يغرق في مستنقع الأمية والجهل، وإن النهضة الاجتماعية الشاملة بالتعليم وتحرير المرأة وتحقيق العدل، هي الشروط الضرورية للوصول إلى ذلك الهدف المنشود.
تمكن من إنجاز بنية تحتية حديثة في كل أنحاء البلاد، رغم محدودية الإمكانات المالية للبلاد. تحدث عن أهمية الوعي المهني، وقال إن الحرفيين والمزارعين عليهم تطوير قدراتهم، بالتعليم والإلمام بما يضيفه الدارسون والباحثون في كل المجالات. نجح في تجسيد الدولة الأمة، وقاد بلاده إلى أفق الحداثة والتنوير.
قيل الكثير عن سياسات بورقيبة الداخلية والخارجية. هناك من وصفه بالديكتاتور المستبد والرجعي، وأدانوا اغتياله الزعيم صالح بن يوسف، وقفزاته السياسية والاقتصادية التي كلفت البلاد خسائر كبيرة. لكن رؤيته السياسية العقلانية الواقعية، وبخاصة في القضايا العربية، مثل القومية والوحدة العربية والقضية الفلسطينية، اتسع الحديث عنها الآن، وارتفعت أصوات تتحدث عن زمن بورقيبة التونسي.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
المصدر: عين ليبيا
إقرأ أيضاً:
الترجي التونسي يتمرد دفاعا عن بلايلي !
أصدرت إدارة نادي الترجي التونسي، بيانا شديد اللهجة، دافعت من خلاله عن لاعبها الدولي الجزائري، في قضية ايقافه لمواجهتين من طرف الرابطة التونسية لكرة القدم.
وكانت الرابطة التونسية، قد قررت أمس الجمعة، معاقبة بلايلي، بالايقاف في لقاءين، وتغريمه ماليا، بسبب إشارة غير لائقة قام بها. عقب تسجيله هدفا في مرمى شبيبة العمران، في الدوري المحلي.
وقالت إدارة الترجي، إنها قررت اتخاذ جملة من التدابير، بعدما شاب الملف التأديبي لنجم “الخضر” خروقات جسيمة مست حقوقه الأساسية والفريق، لا سيما في ما يتعلق بانتهاك حق الدفاع، ورفض جميع المطالب القانونية لمحامي اللاعب.
مبرزة وجود مؤشرات جدية، على أن القرار قد تم اتخاذه مسبقًا دون اعتبار للدفوعات والمستندات المقدمة.
وعليه قرر الترجي التونسي، تجميد كامل للتعامل مع الرابطة التونسية إلى حين انتخاب رابطة شرعية تُحترم فيها قواعد الشفافية والاستقلالية والحياد.
كما تقرر مراسلة الجامعة التونسية لكرة القدم، لعقد جلسة عاجلة بحضور ممثل عن الفريق لتوضيح التجاوزات الحاصلة. مع المرور إلى تعليق للمشاركة في المسابقات المحلية، في صورة تواصل التجاهل والتعسف في التعامل مع الجمعية ولاعبيها.
وإلى جانب تقديم طعن في العقوبة، قامت إدارة الترجي. بمراسلة وزارة الشباب والرياضة لطلب فتح تحقيق إداري شامل في طريقة عمل الرابطة الوطنية والهيئات التابعة لها.
مؤكدة رفضها القاطع، للقرارات الجائرة الصادرة عن الرابطة الوطنية لكرة القدم المحترفة. وأنها تعترض بشدة انعدام الحياد والشفافية في مسار المعالجة التأديبية لهذا الملف. ورفض ازدواجية المعايير المعتمدة مقارنة بملفات مماثلة لم تتخذ بشأنها إجراءات مشابهة.
كما أبرزت إدارة الفريق التونسي، في الأخير بأنها تختفظ بحقها كاملا، في اللجوء إلى كافة المسارات القانونية، الوطنية والدولية، دون استثناء، من أجل إنصاف بلايلي.