العدوان على اليمن فشل استراتيجي وانهيار للمصداقية والنفوذ
تاريخ النشر: 13th, April 2025 GMT
يمانيون../
على مشارف نهاية شهر من جولة التصعيد العدوانية الجديدة ضد اليمن، تتكشف ملامح الفشل الأمريكي جليّةً في إضعاف جبهة الإسناد اليمنية؛ ومنها توالي إقرارات المسؤولين الأمريكيين بالإخفاق والضعف أمام القدرات اليمنية المتطورة والنوعية، في ظل مخاوف من الهشاشة ونقص الذخائر وما قد يترتب على ذلك وما يصحبه من جدل واسع في أروقة الحكم الأمريكي.
كشفت الهجمات اليمنية المتكررة على السفن في البحر الأحمر هشاشة الاستراتيجية الأمريكية، التي تعتمد على القوة العسكرية التقليدية. ففي الوقت الذي تُنفق فيه واشنطن مليارات الدولارات على تكنولوجيا الدفاع، تُظهر اليمن أن التفوق التكنولوجي ليس ضامنًا للانتصار، خاصةً مع استخدامها أسلحة وذخائر بتكلفة زهيدة تُعطل منظومات صاروخية باهظة الثمن.
الانكشاف الاستراتيجي
أقرت البحرية الأمريكية بأن 75% من سفنها تتجنب المرور بالبحر الأحمر بسبب الهجمات اليمنية، ما يُضعف قدرتها على دعم العدو الإسرائيلي لوجستيًا، ويُعرقل خططها في السيطرة على الممرات البحرية. هذا الانكشاف يُغذي الانتقادات الداخلية في واشنطن، حيث وصفت تقارير رسمية الاستراتيجية الأمريكية في اليمن بأنها “فاشلة وتعتمد على ردود أفعال عشوائية”.
قائد قيادة العمليات الأمريكية الخاصة الجنرال برايان فينتون أكد أمام لجنة خاصة في مجلس النواب أن التهديدات التي تواجهها واشنطن خلال العامين الماضيين قد تعرضها للخطر في ظل تكتيكات خصومها الناجحة، في إشارة إلى العمليات اليمنية.
وفي شهادته في مجلس النواب يقول الجنرال الأمريكي “إن طابع الحرب يتغير بوتيرة أسرع من ذي قبل، فقد أصبحت دورة الابتكار تجري خلال أيام وأسابيع بدلاً من الشهور والسنوات”. ويضيف على سبيل المقارنة بين طريقة المواجهة الأمريكية وأسلوب خصوم واشنطن: “خصومنا يستخدمون طائرات بدون طيار أحادية المسار تُقدر تكلفتها بـ10,000 دولار، ونقوم بإسقاطها بصواريخ تكلفتها مليونا دولار، ما يعكس تغييرًا جذريًا في منحنى التكلفة والفائدة”.
يتصاعد هذا الخطاب النقدي بوتيرة عالية داخل أروقة الحكم الأمريكي، بينما تجد الإدارة الأمريكية نفسها أمام محدودية الخيارات، ولا يُعلم إلى أي حد يمكن لهذه الانتقادات الموضوعية التأثير على قرار استمرار الحملة الأمريكية ضد اليمن، في ظل سياسة الخضوع الكبيرة للصهيونية والتي باتت تكلّفها أكثر.
قائد قيادة العمليات الأمريكية الخاصة جدد التأكيد على أن ما تواجهه البحرية الأمريكية في البحر الأحمر غير مألوف، ويمثل تهديدا كبيرا للقوات الامريكية يستدعي قرارات صعبة.
تحديات هي الأكثر تعقيداً
وفي حديث قائد قيادة العمليات الأمريكية الخاصة الجنرال برايان فينتون المطوّل ما يستحق التدقيق والتأمل حيث يقول: “بإيجاز، يمكن القول إننا نشهد اليوم بيئة أمنية معقدة بشكل غير مسبوق، تتسم بتهديدات غير متماثلة وهجينة، وهي الأكثر تعقيدًا التي شهدتُها خلال 38 عامًا من خدمتي، إن التصدي لهذه التحديات يستدعي اتخاذ قرارات صعبة وتحمل تنازلات جذرية، سعيًا للتوازن بين تعزيز جاهزية العمليات ومتطلبات التحديث المستمر”.
لم يكن هذا الإقرار بعيدا عما اعترف به قائد العمليات البحرية الأمريكية، الأدميرال جيمس كيلبي من تحديات كبيرة على رأسها التكيف مع التهديدات الجديدة، والنقص الحاد في الذخائر باهظة الثمن.
كل هذا لم يكن بمعزل عن اعتراف ترامب أمام نتنياهو بقدرات يمنية خالصة في تطوير وتصنيع الصواريخ والمسيرات، ليبرر الرجل فشله عن حماية كيان العدو الإسرائيلي.
التصريحات ذاتها لم تختلف حتى على لسان الرئيس الأمريكي ترامب حين أقر في اجتماعه مع مجرم الحرب نتنياهو بالفشل في الحد من العمليات اليمنية، بالرغم من ادعائه تحقيق نجاحات عسكرية حد وصفه لكنه عاد وألمح إلى انبهاره بالقدرات اليمنية بقوله: “اليمنيون يصنعون الصواريخ بأنفسهم، إنهم يصنعون صواريخ متطورة للغاية، وهم غاية في الصلابة”.
التأثير على المصداقية
كما أن الاعترافات الأمريكية المتكررة على لسان أكثر من ضابط ومسؤول –فضلاً عن المستشارين والخبراء- والتي تقر وتحذر في الوقت ذاته من “تهديد غير مسبوق” من اليمن، تُضعف مصداقية الولايات المتحدة كـ”قوة عظمى”، خاصةً مع تصاعد الأصوات في الكونجرس التي تدعو لإعادة تقييم الوجود العسكري في المنطقة وما رافقها من تغييرات جذرية على هيكل وجسم المؤسسة العسكرية الأمريكية التي يجريها ترامب، ما يضع الإدارة العسكرية الأمريكية أمام تحديات تتراوح بين إدارة الإصلاح الداخلي المعقد، والتعامل مع التهديدات الخارجية المتصاعدة، والتنقل في بيئة سياسية متقلبة، على أن أي خطأ استراتيجي في أي من هذه المجالات قد يؤدي إلى تقويض مكانة الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما بدى يتضح جلياً في التصريحات التي أشرنا اليها.
في الوقت نفسه، تثير الإصلاحات المكثفة والتخفيضات المخطط لها تساؤلات حول قدرة الولايات المتحدة على مواصلة الحفاظ على وجودها العسكري في المنطقة عند مستواه الحالي، وتأثيراتها المتوقعة على العملية العدوانية التي تشنّها ضد اليمن.
غير ذلك تظهر المؤشرات التي يترجمها يومياً المسؤولون الأمريكيون على شكل تقارير وتصريحات تحذّر من تداعيات فشل واشنطن في إيقاف الهجمات اليمنية، والتي أحد تجلياتها عجز واشنطن عن حماية شركائها وحلفائها في المنطقة وفي مقدمتهم كيان العدو الإسرائيلي، ما يُقلل من ثقة الدول الإقليمية (أنظمة المحميات) في الالتزامات الأمنية الأمريكية، وهي الأنظمة ذاتها التي طالما نصحها وحذّرها السيد من انكشاف الغطاء الأمريكي عنها والتخلي عنها.
اليمن تُغير المعادلات
ورغم استمرار الحصار وشراسة العدوان والحرب عليه، يتدرّج اليمن في سلّم القوة صعوداً إلى موقعه الإقليمي الوازن في خطوات تصاعدية تسهم في إعادة تشكيل التوازنات الجيوسياسية، خاصةً مع دخوله طرفاً فاعلاً في معادلة الصراع ضد العدو الإسرائيلي، وهي نتيجة طالما توختها واشنطن إلا أن الواقع يثبت أنها باتت أمراً واقعاً لا مفر منه، فاليمن الذي دخل بفاعلية وسد فراغات المحور، يكرس نفسه كقوة كما لا تشتهيه الإدارة الأمريكية في المنطقة، مدعوماً بتنامي الاحتضان والدعم الشعبي له في المنطقة والعالم، حيث يُنظر إليه كـ”رمز للمواجهة” ضد الهيمنة الصهيونية.
العدو الإسرائيلي.. هشاشة الدفاعات وتغيير الحسابات
أضحى كيانُ العدو الإسرائيلي أمام تحدٍ وجودي يمثله اليمنيون المدججون بقدرات عسكرية حديثة تواكب وتناور قدرات العدو الدفاعية العسكرية، وبالتالي بات العدو الصهيوني أمام حقيقة فرضت عليه مراجعة حساباته العسكرية، حيث يعترف خبراء صهاينة، مثل يوسي ملمان، بأن الهجمات على اليمن رغم ضراوتها لن تُعيد بناء منظومة الردع “الإسرائيلية”، خاصةً مع قدرة القوات المسلّحة اليمنية على استهداف العمق “الإسرائيلي” بصواريخ فرط صوتية، وفي أبريل 2025، أشار تحليل للميادين -مستقى من مواقع ومراكز دراسات صهيونية- إلى أن الضربات اليمنية كشفت ثغرات في “القبة الحديدية”، ما دفع العدو الإسرائيلي إلى إعادة توجيه موارده لتعزيز الدفاعات الجوية.
يُتوقع أن تُسهم القدرات اليمنية في خلق توازن ردع إقليمي مع بقية أعضاء المحور في المنطقة لتطوير منظومات دفاعية متكاملة، تُقلل من تفوق العدو الإسرائيلي الجوي، ولا يستبعد قرّاء المشهد أن الإصرار اليمني على مواصلة إسناد غزة قد يُسهم في الدفع بالعدو الإسرائيلي لقبول العودة للتهدئة و إيقاف الإبادة في غزة.
وبشكل أبعد فإنّ اليمن، وهو يخوض معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس بهذا الزخم الشعبي والعسكري غير المسبوق، يُعيد تعريف النفوذ الإقليمي، ويُظهر أن الصراع في الشرق الأوسط لم يعد ثنائي القطبية (أمريكا – إيران)، بل بات متعدّد الأقطاب، مع ظهور لاعبين جدد قادرين على تحدي القوى العظمى بتكتيكات غير تقليدية. هذا التحول يُنذر بمرحلة جديدة من الصراع، حيث تُصبح الجبهات غير المتماثلة كـ(اليمن) هي المحور الرئيس للاشتباك الجيوسياسي.
موقع أنصار الله يحيى الشامي
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: العدو الإسرائیلی فی المنطقة
إقرأ أيضاً:
شركات الطيران تهدّدُ بالمغادرة.. جبهة الإسناد اليمنية تضاعفُ ضغوطَها الاقتصادية على العدو الصهيوني
يمانيون../ أقرَّ مسؤولون في قطاع السفر بكيان العدوّ الصهيوني بفاعليةِ معادلة الحصار الجوي التي تفرضُها القواتُ المسلحة اليمنية على مطار “بن غوريون” منذ مارس الماضي؛ رَدًّا على استئناف الإبادة الجماعية في غزة؛ الأمر الذي يضاعفُ ضغطَ جبهة الإسناد اليمنية لغزة، في ظل عجز العدوّ وحلفائه وشركائه عن التخلص من هذا الضغط.
وقال مارك فيلدمان، الرئيس التنفيذي لوكالة “زيونتورز” للسفر في القدس المحتلّة: إن “شركات الطيران الأجنبية أكّـدت أنها ستنسحب فورًا إذَا سقطت صواريخ بالقرب من مطار بن غوريون مرة أُخرى” وفقًا لما نقلت وكالةُ “ميديا لاين” الأمريكية.
وَأَضَـافَ أن “القواتِ المسلحة اليمنية “تدرك تمامًا ما تفعلُه؛ فهي تستهدف المطار؛ لأَنَّها تعلم أن تضرُّرَ السياحة يُلحِقُ ضررًا اقتصاديًّا ونفسيًّا بـ (إسرائيل)، وهذا يُجدي نفعًا” حسب تعبيره.
وأكّـد تقريرُ “ميديا لاين” أن “هذا القلقَ ليس افتراضيًّا، فقد أطلق اليمنيون بالفعل صواريخَ باليستية تستهدفُ وسط (إسرائيل)، وهذا التهديدُ يُزعزِعُ الاستقرارَ بشكل كبير” مُشيرًا إلى أن عملَ شركات الطيران الأجنبية يعتمدُ بشكل أَسَاسي على استقرارِ الأوضاع.
ويُمَثِّلُ هذا اعترافًا واضحًا بتأثير معادَلَةِ الإسناد الجديدة التي أعلنتها القُوَّاتُ المسلحة في مارس الماضي، والتي حدّدت فيها مطارُ “بن غوريون” كمنطقة غير آمنة للملاحة الجوية، مؤكّـدةً أنه “سيستمرُّ كذلك حتى وقفِ العدوان على غزة ورفع الحصار عنها، وهي معادلة تم تثبيتُها بعدة ضربات نوعية أسفرت عن تعطيلاتٍ متكرّرة لحركة المطار، وإجبار العديد من الرحلات على تحويل مسارها وتأخير مواعيد هبوطها”.
وقد كشفت تقاريرُ عبرية في مارس أن شركات الطيران الأجنبية عقدت اجتماعاتٍ طارئةً في سياق الاستعداد للاستجابة لتحذيرات القوات المسلحة اليمنية، خُصُوصًا في ظل فشل الدفاعات الصهيونية في تأمين الأجواء، الأمر الذي وضع كيانَ العدوّ مجدّدًا على شفا الأزمةِ الكبيرة التي عانى منها بشدة قبل وقفِ إطلاق النار في غزة، حَيثُ أوقفت شركاتُ الطيران الأجنبية عملَها في كيان العدوّ لأشهر ورفضت العودةَ في ظل استمرار الحرب؛ ما كبَّدَ العدوَّ خسائرَ كبيرة وجعله معزولًا عن العالم بشكل غير مسبوق.
ويشير هذا الواقعُ إلى أن جبهةَ الإسناد اليمنية لغزةَ قد تمكّنت من مضاعَفةِ الضغوط الاقتصادية على العدوّ، حَيثُ يُضَافُ استهدافُ حركةِ النقل الجوي في مطار “بن غوريون” إلى الحصار البحري القائم منذ نوفمبر 2023، والذي أكّـدت وسائلُ إعلام عبرية الأسبوعَ الماضيَ أن تأثيراتِها لا تزال مُستمرّة، حَيثُ يواصلُ ميناء أُمِّ الرشراش المحتلّة (إيلات) مراكَمةَ الخسائر شهريًّا؛ بسَببِ توقف حركته تمامًا، مع احتدام الخلافات بين إدارته وبين حكومة العدوّ على النفقات، فيما يقر قطاع الشحن باستمرار ارتفاع أسعار النقل البحري إلى موانئ العدوّ نتيجةَ إغلاق البحر الأحمر أمام الملاحة الصهيونية، وكذلك استمرار تأخر الشحنات البحرية نتيجةَ اضطرار السفن إلى الإبحار حول إفريقيا، مع إحجام الكثير من الشركات عن نقل البضائع إلى كيان العدوّ.
كل هذا يثبت أن جبهةَ الإسناد اليمنية لا تزال تملِكُ زِمامَ تصعيد حجم وتأثير انخراطها في الصراع برغم تحدياتِ الجغرافيا والإمْكَانات والعدوان الأمريكي والحصار المُستمرِّ على اليمن منذ عشر سنوات، وهو ما يعزّزُ مؤشراتِ بروز تطوُّراتٍ جديدةً خلال المرحلة المقبلة فيما يتعلَّقُ بقدراتِ وتكتيكاتِ ومساراتِ نشاط الجبهة اليمنية بما يوسِّعُ نطاقَ وتأثيرَ الضغوط الاقتصادية والأمنية على كيان العدوّ.