يمانيون:
2025-04-13@06:39:17 GMT

ترامب يحشر بلاده في زاوية حادة

تاريخ النشر: 13th, April 2025 GMT

ترامب يحشر بلاده في زاوية حادة

عبدالسلام التويتي

قرارات الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» التي زخرت بها ولايته الأولى والتي دُشنت بها ولايته الثانية تتسم باللاعقلانية وأقلُّ ما يقال عنها أنها قرارات هوجاء صادرة عن قيادة رعناء وتنمُّ مضامينها المرتجلة عن قدرٍ كبيرٍ من الغباء، ومن شأنها -مع المدى- إحاطة «أمريكا» بعددٍ لا قِبَلَ لها بهِ من الأعداء.

من أهم مقومات نجاح الساسة صفتا الحلم والدهاء، والملاحظ أنَّ «ترامب» يفتقر إلى هاتين الصفتين افتقارًا تامًّا، والأدهى والأمرُّ أنه يتمتع -بالإضافة إلى افتقاره لهما أو لأيٍّ منهما- بمستوى فاحشٍ من الثراء «الغنى» الذي يجعله ألعوبةً في أيدي المتنفذين في إدارته الذين يوجهون سياساته لما يخدم مصالحهم الضيقة من خلال إمطاره بوابلٍ من الإطراء، وإيهامه -بين الفينة والأخرى- بأنه «الرئيس الأمريكي الاستثناء» العصية قراراته على الإثناء، فتتضخّم بين جنبيه الـ«أنا» تضخُّمًا متسارعًا، فيغدو تضخُّمها -بفعل تواتر الإطراء بما ينطوي عليه من إغراء- تضخُّمًا مزمنا، فلا يلبث أن يرتجل قرارات رئاسية على درجة عالية من الخطورة والحساسية.
فقد ارتجل في فترته الرئاسية الأولى عددًا من القرارات ذات المضامين التصادمية مع السياسات الدولية بما فيها سياسات المنظمات الأممية، من تلك القرارات التي اتخذت من منطلقٍ ارتجالي ما يلي:
١- قرار الانسحاب من الاتفاق النووي: الذي وقع مع الطرف الإيراني -في الـ14 من يوليو 2015- من قبل سلفه -في ولايته الرئاسية الأولى- «باراك أوباما» ممثلًا لـ«أمريكا»، و«بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا» عن قارة «أوروبا»، بالإضافة إلى «روسيا» و«الصين» باعتبارهما طرفين آسيويين ضامنين، وقد وقع الاتفاق على قاعدة «لا ضرر ولا ضرار»، وفق مخطط تجنيب المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط ما كان يترتب على سباق التسلح من أخطار، فجاء صدور قرار ترامب -بتأريخ8/5/2018- بالانسحاب من الاتفاق الذي تجاهل بأقبح ما يمكن من صورة كافة الأطراف المذكورة، ليعيد وضع المنطقة لأسوأ ممَّا هي عليه من الخطورة.
٢- قرار نقل سفارة بلاده إلى «القدس»: فقد أقدم بتأريخ 24 فبراير 2018 على إصدار قرار نقل السفارة الأمريكية لدى دولة الكيان من «تل أبيب» إلى «القدس» غير آبهٍ بما سيترتب على ذلك القرار المشؤوم من ارتفاع وتيرة الصراع الفلسطيني الصهيوني ومن تنامي الحقد العربي الإسلامي على الولايات المتحدة التي تحظى منها دولة الكيان برعاية ومساندةٍ متجددة.
٣- قرار إعلان «الجولان» أرضًا إسرائيلية: وهو قرار اتخذه في الـ25 من مارس 2019 بصورة فردية واستفزازية بكل ما يعنيه اتخاذ ذلك القرار الموغل في الارتجالية من خرقٍ سافرٍ للقوانين والأعراف الأممية ومن تحدٍّ لمشاعر الأطراف الدولية، لا سيما وقد أثار ردود فعلٍ رافضة من معظم دول العالم من بينها 5 دول أوروبية محسوبة على منظومته الغربية.
٤- قرار الانسحاب من اتفاقية المناخ: فعلى الرغم من أنَّ اتفاقية المناخ التي تبنتها 197 دولة من بينها «الولايات المتحدة الأمريكية» ووقعت في مؤتمر الأطراف 21 في العاصمة الفرنسية «باريس» بتأريخ 12 ديسمبر 2015 تعدُّ ضرورة حياتية قصوى تتعلق بحياة البشرية جمعاء، فقد جاء قرار الانسحاب منها من قبل «ترامب» مراعاةً لمصالح ملاك الشركات الاستثمارية غير آخذٍ في الحسبان ما يحمله ذلك القرار للبشرية من آثار تدميرية كارثية.
أما ولايته الرئاسية الثانية التي تحمل شعار «أمريكا أولًا» فقد دشنها -بالإضافة إلى ما كشف عنه من مطامعه الاستحواذية والاستعمارية- بحزمةٍ من القرارات ذات الأبعاد الاقتصادية الأنانية تصدرها -في اليوم الثالث من تسلمه منصبه- قرار الانسحاب من «منظمة الصحة العالمية»، فبالرغم من أنَّ طبيعة عمل المنظمة طبيعة إنسانية، إلَّا أنه زعم -في تسويغه لإصدار قرار الانسحاب منها- أنها باتت خاضعة لـ”التأثيرات السياسية غير المناسبة من الدول الأعضاء فيها” وأنَّها لم تعد تفي بالالتزامات المنوطة بها.
وبعد عودته إلى البيت الأبيض بمدة 21 يومًا فقط أعلن عن مخطط يفرض -بموجبه- رسوم جديدة تتراوح بين 10% و20% على الواردات القادمة من الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على الواردات القادمة من كل من كندا والمكسيك، وأخرى بنسبة 10% على الواردات القادمة من الصين.
وفي خطابه الذي ألقاه في البيت الأبيض الأربعاء الماضي هدد «ترامب» -بحسب ما ورد في موقع «CNN» النسخة العربية- قائلًا: (إنَّ الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ستواجه رسومًا جمركية بنسبة 20%).
وبهذا يكون «ترامب» قد دشن حربًا تجارية انتحارية على الأعداء والأصدقاء على حدٍّ سواء، وفي مقابل هذا الإجراء الشديد الإجحاف ستلجأ –دون شكّ- الدول المتضررة منه إلى تشكيل اصطفاف مضاد يتسبب للمنتجات والسلع الأمريكية بما لم يخطر على «ترامب» الذي حاد عن سبيل الرشاد بكسادٍ حادّ.
فيكون ترامب بقراراته المتهورة وغير الحكيمة والتي لا تعبر عن إدارة أمريكية رشيدة أو راشدة قد حشر بلاده في ما يمكن اعتباره «زاوية حادّة»، وعزلها -من حيث لا يعلم- عن العالم.

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: قرار الانسحاب من بالإضافة إلى

إقرأ أيضاً:

عوائد السندات.. القلق الاقتصادي الذي أربك حسابات ترامب

منذ بداية شهر أبريل/نيسان الحالي دخلت أسواق المال في عاصفة من التقلبات الحادة نتيجة قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض تعريفات جمركية جديدة قد تُشعل فتيل أزمة اقتصادية تتجاوز حدود الولايات المتحدة.

تلك القرارات ليست مجرد تحركات تجارية عابرة، بل ستحدث خللا كبيرا في منظومة التجارة العالمية، وتقلِب التحالفات الاقتصادية والسياسية رأسًا على عقب.

وما نشهده اليوم هو بداية سباق محموم بين دول العالم لحماية نفسها من تبعات هذه القرارات وبداياتُ تكوين نظام عالمي جديد لما تتضح معالمه.

وفي هذا السياق، كان لسوق السندات الكلمة الأوضح والأقوى. فاستجابة الأسواق كانت عنيفة، وارتفاع العوائد لم يكن مجرد رد فعل تقني، بل كان بمثابة صرخة تحذير تهز أركان الاقتصاد العالمي، وهي التي أجبرت الرئيس الأميركي على تعليق التعريفات الجمركية بشكل مؤقت.

وبدلًا من أن تكون السندات أداة أمان في فترات الاضطراب، أصبحت اليوم واحدة من أكبر القضايا التي تُحتّم على الجميع إعادة النظر في إستراتيجياتهم المالية.

في هذا المقال، سنتناول بشكل مبسط الدور الحيوي الذي تلعبه أسواق السندات في الاقتصاد العالمي ولماذا باتت التحركات الأخيرة فيها تُنذر بعواقب اقتصادية قد تكون غير مسبوقة.

إعلان

سنكشف أيضًا عن العلاقة الوطيدة بين تحركات السوق والضغوط الاقتصادية التي بدأت تلاحق الاقتصاد الأميركي، لتجعلنا نتساءل: هل نحن على أبواب أزمة أكبر مما نتوقع؟

تعد سوق السندات أكبر أسواق الأوراق المالية في العالم، حيث يُقدّر حجمها بنحو 130 تريليون دولار، ما يجعلها تتفوق على سوق الأسهم من حيث الحجم والأهمية في تمويل الحكومات والشركات على حد سواء.

تعد سوق السندات أكبر أسواق الأوراق المالية في العالم، حيث يُقدّر حجمها بنحو 130 تريليون دولار، ما يجعلها تتفوق على سوق الأسهم من حيث الحجم والأهمية في تمويل الحكومات والشركات على حد سواء.

ما السند؟

السند هو أداة مالية تصدرها الدولة للاقتراض من الأفراد أو المؤسسات، مقابل دفع فائدة سنوية، مع التعهد برد المبلغ الأصلي بعد فترة محددة (مثل سنتين، 10 سنوات، 20 سنة…).

لماذا تصدر الدول السندات؟

تلجأ الحكومات لإصدار السندات للحصول على تمويل فوري، خاصة إذا كانت تعاني من عجز في الميزانية، وتحتاج إلى تغطية نفقات أو تمويل مشروعات دون وجود موارد كافية.

ما العائد على السندات؟

العائد على السندات هو الفائدة التي تدفعها الدولة للمستثمرين مقابل اقتراض أموالهم من خلال شراء هذه السندات ويُحتسب كنسبة مئوية من قيمة السند، ويُعد مؤشرًا مهمًا على الثقة في الوضع الاقتصادي للدولة.

ما الذي يُحرك سوق السندات؟ وما العوامل المؤثرة على العوائد؟" القوة الاقتصادية للدولة

الدول ذات الاقتصاد القوي والمستقر تدفع عوائد منخفضة، لأنها أقل عرضة للتخلف عن السداد، مما يجعل سنداتها أكثر أمانًا والعكس صحيح.

التصنيف الائتماني

كلما كان التصنيف الائتماني أعلى، انخفضت المخاطر وبالتالي قلّ العائد المطلوب لجذب المستثمرين.

الطلب على السندات

عندما يزداد الطلب على السندات، ينخفض العائد والعكس صحيح فالعائد يتحرك بعكس السعر.

العلاقة العكسية بين السندات وأسعار الفائدة

عند ارتفاع أسعار الفائدة، تنخفض أسعار السندات القديمة لأن العوائد الجديدة تصبح أكثر جاذبية. والعكس صحيح، عندما تنخفض أسعار الفائدة، ترتفع أسعار السندات القديمة.

تأثير قرارات البنك المركزي

قرارات البنك المركزي، مثل رفع أو خفض أسعار الفائدة، تؤثر بشكل مباشر على أسعار السندات.

التضخم تأثير التضخم على العوائد: مع ارتفاع التضخم المتوقع، يطالب المستثمرون بعوائد أعلى على السندات لتعويض فقدان القيمة المستقبلية للأموال. الآثار السلبية للتضخم: التضخم المرتفع يقلل من قيمة العوائد الفعلية على السندات، مما يجعلها أقل جاذبية. إعلان السياسات الحكومية التدخلات الحكومية: الحكومات قد تتدخل في أسواق السندات من خلال شراء السندات، مما يزيد من الطلب ويخفض العوائد. التعديلات في السياسات الضريبية: التغيرات في السياسات الضريبية تؤثر على جاذبية السندات للمستثمرين. العوامل الاقتصادية العامة النمو الاقتصادي: في فترات النمو الاقتصادي، يقل الطلب على السندات ذات العوائد المرتفعة، حيث يفضل المستثمرون الأسهم أو غيرها من أوجه الاستثمار. معدلات البطالة والنمو: في فترات الركود أو ارتفاع البطالة، يزداد الإقبال على السندات كاستثمار آمن. العوامل الجيوسياسية الأزمات السياسية والحروب: تزيد الأزمات السياسية من المخاطر، مما يوجه المستثمرين بعيدًا عن السندات إلى أصول أكثر أمانًا مثل الذهب. الاستقرار السياسي: الدول ذات الاستقرار السياسي تجذب استثمارات أكثر في السندات. العوامل النقدية

زيادة عرض النقود: زيادة عرض النقود في الاقتصاد قد تؤدي إلى التضخم وبالتالي زيادة العوائد على السندات.

العوامل العالمية أسواق السندات الدولية: أسواق السندات العالمية مترابطة، ما يجعل الأزمات الاقتصادية في مناطق معينة تؤثر على الطلب على السندات في دول أخرى. تغيرات أسعار العملات: تؤثر التغيرات في أسعار العملات على عوائد السندات الأجنبية بالنسبة للمستثمرين الأجانب. العوامل النفسية وتوقعات السوق التوقعات المستقبلية: التوقعات بشأن السياسة النقدية والتضخم تؤثر في سلوك المستثمرين المشاعر العامة: تحركات السوق قد تكون مدفوعة بالعواطف مثل الخوف والطمع، مما يؤثر على قرارات المستثمرين. لماذا يُعدّ ارتفاع عوائد السندات جرس إنذار اقتصادي؟

ارتفاع عوائد السندات ليس مجرد رقم عابر على شاشات الأسواق المالية، بل هو إشارة عميقة تُنذر بتحوّلات أوسع في المشهد الاقتصادي العالمي.

في كل مرة تبدأ فيها هذه العوائد بالصعود، تتغير قواعد اللعبة في التمويل، والاستثمار، وحتى في السياسة النقدية.

فما الذي يحدث حين ترتفع العوائد؟ ولماذا تُقلق المستثمرين وصناع القرار على حدٍ سواء؟

إعلان

1- كلفة الاقتراض ترتفع… والنمو يهدأ

حين ترتفع عوائد السندات، تصعد تكاليف الاقتراض بالنسبة للشركات والحكومات أيضا فالشركات تجد نفسها أمام تمويل أغلى، والمستهلكون يُراجعون قرارات الشراء، والنتيجة؟ إنفاق أقل، استثمار أبطأ، وضغط مباشر على محركات النمو الاقتصادي.

2- الأسهم في مرمى التقلبات

السندات ذات العائد المرتفع تُغري المستثمرين الباحثين عن استقرار، مما يدفع البعض إلى الخروج من سوق الأسهم وهذا التحوّل في السيولة يُؤدي عادة إلى تراجع أسعار الأسهم وزيادة تقلباتها، خاصة في الأسواق الناشئة والقطاعات عالية المخاطرة.

3- زيادة تكلفة الدين العام

ارتفاع عوائد السندات الحكومية يعني زيادة في تكلفة خدمة الديون، حيث يزداد العبء على الموازنة العامة من خلال تخصيص المزيد من الأموال لدفع فوائد الديون.

وهذا يزيد من الضغط على الميزانية، مما يقلل من الأموال المتاحة للإنفاق على القطاعات الحيوية مثل التعليم، الصحة، والبنية التحتية.

وإذا كانت الحكومة مثقلة بالديون، فإن ارتفاع العوائد قد يجعل من الصعب عليها اقتراض المزيد من الأموال في المستقبل، مما يحد من قدرتها على تنفيذ سياسات اقتصادية مرنة أو الاستجابة السريعة للأزمات.

4- التضخم.. السبب والنتيجة

ارتفاع العوائد قد يعكس مخاوف متزايدة من التضخم، لكنه في الوقت نفسه يُسهم في تغذية هذه المخاوف. فكلما زادت التوقعات التضخّميَّة، طالب المستثمرون بعوائد أعلى وفي المقابل، تلجأ البنوك المركزية إلى تشديد السياسة النقدية عبر رفع أسعار الفائدة، ما يضيف ضغوطًا جديدة على الاقتصاد.

5- صعود العملة المحلية

زيادة العوائد تجذب رؤوس الأموال الأجنبية لشراء السندات، مما يعزز الطلب على العملة المحلية ويدفعها للارتفاع، ورغم أن هذا مفيد على صعيد السيطرة على التضخم، فإنه قد يُضعف القدرة التنافسية للصادرات ويؤثر على الميزان التجاري.

6- التأثير على الاستقرار المالي

الزيادة المفاجئة في عوائد السندات قد تؤدي إلى تقلبات كبيرة في الأسواق المالية مما يزعزع الثقة بين المستثمرين.

إعلان

وتقلبات السوق قد تؤدي إلى زيادة حالة من عدم اليقين الاقتصادي ما يجعل المستثمرين أكثر ترددًا في اتخاذ قرارات الاستثمار.

إذا كانت الحكومة مثقلة بالديون، فإن ارتفاع العوائد قد يجعل من الصعب عليها اقتراض المزيد من الأموال في المستقبل

7- العبء على الميزانية العامة

ارتفاع العوائد يعزز العبء المالي على الحكومة، حيث يجب عليها تخصيص المزيد من الموارد لتغطية التزامات الديون، مما يعوق قدرتها على تخصيص الأموال لخدمات أساسية أو تنفيذ إستراتيجيات نمو اقتصادي.

ليس كل ارتفاع في عوائد السندات يمثل خطرًا اقتصاديًا مباشرًا، ولكن السرعة والشدة في هذا الارتفاع قد تكون ناقوس خطر يجب التنبه له.

فإذا ارتفعت العوائد بشكل مفاجئ وحادّ خلال فترة قصيرة، فقد يعكس ذلك تخوف المستثمرين من التضخم أو ضعف الاستقرار المالي، مما يخلق تأثيرات متسلسلة على الاقتصاد، منها:

ارتفاع تكاليف الاقتراض للحكومات والشركات وحتى الأفراد. تباطؤ النمو الاقتصادي نتيجة تراجع الاستثمارات والاستهلاك. زيادة تقلبات الأسواق المالية وتراجع ثقة المستثمرين، وإذا استمر هذا الارتفاع لفترة طويلة، فالأثر يكون أعمق. تآكل القدرة الشرائية بفعل ارتفاع الفوائد والتضخم. ضغط على الميزانية العامة بسبب ارتفاع كلفة خدمة الدين الحكومي. ضعف قدرة الحكومات على تمويل مشاريع حيوية أو تقديم حوافز اقتصادية أو حتى فشل في سداد الدولة لالتزاماتها المالية.

وإذا جاء هذا الارتفاع في بيئة اقتصادية هشة مثل ارتفاع البطالة أو تباطؤ النمو فإن الخطر يتضاعف، وقد يؤدي إلى أزمة اقتصادية أوسع نطاقًا.

وارتفاع عوائد السندات ليس مجرد تحرك مالي تقني، بل هو في كثير من الأحيان انعكاس لتحولات أعمق في المزاج الاقتصادي العالمي. فعندما ترتفع العوائد، فهي لا تشير فقط إلى تغيّر في أسعار السوق، بل تعكس توقعات المستثمرين تجاه التضخم، والاستقرار المالي، والسياسات النقدية المستقبلية.

ولهذا، ينبغي مراقبة هذا المؤشر بعناية كأداة استباقيّة تقيس نبض الاقتصاد وتكشف عن ملامح التباطؤ أو التوتر قبل أن تظهر في المؤشرات الأخرى.

إعلان

وفي المحصلة، تؤدي هذه التغيرات مجتمعة إلى تضييق الخناق على وتيرة التوسع الاقتصادي، مما يجعل النمو في مهب الريح.

استمر الدين العام الأميركي في الزيادة المستمرة ليصل إلى 36.2 تريليون دولار بنهاية فبراير/شباط 2025

 تحديات أكبر في السوق الأميركية

وبينما تُمثل هذه العوامل أساسيات سوق السندات، فإن ارتفاع العوائد في السوق الأميركية يشير بشكل مباشر إلى تحديات أكبر، أبرزها الدين العام الأمير كي المتزايد، والذي يُجبر الحكومة على دفع المزيد في صورة فوائد على هذه السندات، مما يَزيد من الضغوط الاقتصادية.

تأثير الأحداث الاقتصادية الأخيرة على الأسواق الأميركية

بعد إعلان الرئيس الأميركي عن فرض التعريفات الجمركية وإعلانه "يوم التحرير"، شهدت الأسواق المالية تصحيحًا حادًا ترافق مع حالة من الخوف والهلع وعدم اليقين بين المستثمرين.

هذا التوتر العام دفع العديد من المستثمرين إلى التخلص من الأصول المالية، بما في ذلك السندات، التي تُعد عادة ملاذًا آمنًا في فترات الاضطرابات الاقتصادية.

ورغم أن السندات تُعتبر في العادة أداة آمنة للمستثمرين في أوقات الأزمات، فإن البيع الكثيف لها خلال هذه الفترة عكس فقدان الثقة في الاقتصاد الأميركي.

هذا التراجع في الثقة امتد ليشمل تدهور قيمة الدولار الأميركي. وبناء على ذلك، شهدت السندات ارتفاعًا حادًا في العوائد، وهو ما يُعتبر بمثابة مؤشر واضح على القلق وعدم اليقين الذي يسيطر على الأسواق.

والأمر الأكثر وضوحًا في هذا السياق هو العلاقة المباشرة بين ارتفاع عوائد السندات وزيادة الديون السيادية الأميركية، فكلما ارتفع حجم الدين العام الأميركي، زادت الحاجة إلى إصدار سندات جديدة بعوائد أعلى لجذب المستثمرين، وهذا الوضع يضع الاقتصاد الأميركي تحت ضغط متزايد، ويعكس بشكل ملموس التحديات الكبيرة التي تواجهها الحكومة في سعيها للحفاظ على استقرار المالية العامة.

الدين العام الأميركي وارتفاع عوائد السندات.. تحديات متزايدة

يشكل الدين العام الأميركي أحد أكبر التحديات الاقتصادية التي تواجه الولايات المتحدة في الوقت الراهن. فمنذ بداية عام 2025، استمر الدين العام في الزيادة المستمرة ليصل إلى 36.2 تريليون دولار بنهاية فبراير/شباط من نفس العام، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 3% مقارنة بعام 2024، وبزيادة 31% عن عام 2019. وتعد هذه الزيادة غير مسبوقة في التاريخ الاقتصادي للولايات المتحدة.

إعلان

وتجاوزت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي 100% لأول مرة في الربع الرابع من عام 2012.

وظلت النسبة مستقرة نسبيًا حتى الربع الثاني من عام 2020، حيث انخفضت في حين زاد الإنفاق ووصلت النسبة إلى 133% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية الربع الثاني من عام 2020.

وبحلول الربع الرابع من عام 2024 وصلت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 123%، مما يشير إلى استمرار الضغوط المالية على الحكومة الأميركية.

ارتفاع تكلفة خدمة الدين العام

تشير التقديرات إلى أن مدفوعات الفائدة على الدين العام قد تتجاوز تريليون دولار سنويًا، وقد سجلت هذه المدفوعات زيادة بـ240 مليار دولار في السنة المالية الأخيرة وحدها، ما يمثل عبئًا هائلًا على الميزانية الفدرالية.

الاقتصاد الأميركي في مواجهة العاصفة

في الوقت الذي تراقب فيه الأسواق عن كثب تحركات السندات الأميركية، يبرز سؤال مقلق: هل ارتفاع عوائد هذه السندات ينذر بخطر اقتصادي حقيقي؟

الجواب، ببساطة، نعم، إذا استمرت العوائد في التصاعد، فإن الاقتصاد الأميركي قد يواجه ضغوطًا متزايدة على عدة جبهات.

فعندما ترتفع عوائد السندات، تصبح القروض أكثر تكلفة، ليس فقط على الحكومة، بل أيضًا على الشركات والمستهلكين.

وهذه الزيادة تؤثر مباشرة على قدرة الحكومة على تمويل ديونها، خاصة في ظل دين عام بلغ 36 تريليون دولار وكل ارتفاع بسيط في العوائد يعني مليارات إضافية تُدفع فوائد، مما يضيّق الخناق على الميزانية الفدرالية ويقلل من الإنفاق على قطاعات حيوية مثل الصحة والتعليم.

والأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فالمستثمرون عادة ما يفضلون السندات ذات العوائد المرتفعة، مما يدفعهم للانسحاب من سوق الأسهم.

وهذا التحول يُضعف أداء الأسواق المالية ويزيد من التقلبات، خاصة في القطاعات الأكثر حساسية للمخاطر. والأسوأ من ذلك، أن هذه الارتفاعات تُفسَّر غالبًا على أنها مؤشر لتوقعات تضخمية مستقبلية، ما يدفع البنك المركزي للتفكير برفع أسعار الفائدة مجددًا، مما يُعمّق من الضغوط الاقتصادية.

إعلان

ومع ارتفاع تكلفة الاقتراض وتراجع الاستثمارات وتقلص الإنفاق الاستهلاكي، يبدأ النمو الاقتصادي بالتباطؤ، لتدخل الدولة في دوامة يصعب الخروج منها دون تدخلات حاسمة.

لهذا تتابع الحكومة الأميركية والمؤسسات المالية هذه العوائد عن كثب، فاستمرار ارتفاعها لا يعني فقط أرقامًا أكبر في تقارير العجز والفائدة، بل يحمل في طيّاته احتمالات التباطؤ، والركود، وحتى زعزعة الثقة في أكبر اقتصادات العالم.

وبينما تعكس ارتفاعات عوائد السندات في أميركا إشارات تحذيرية، يظل السؤال الأهم: هل هي مجرد حركة عابرة أم بداية لمشكلة اقتصادية أكثر تعقيدًا؟

تعتبر سوق السندات عادة بمثابة إنذار مبكر للأزمات الاقتصادية، حيث تعكس تحركاته توقعات السوق حول التضخم، أسعار الفائدة، واستقرار الحكومة.

وعندما تتحرك الأسواق بهذا الشكل، فإنها تشير غالبًا إلى تصحيح وشيك أو ربما إلى أزمة اقتصادية قد تلوح في الأفق.

لكن ما نراه اليوم ليس مجرد تحرك عرضي. فالتقلبات التي نشهدها في أسواق السندات الأميركية قد تكون بداية لتحولات كبيرة في النظام المالي العالمي.

وإذا استمرت هذه الاتجاهات في التصاعد، فإننا قد نكون على مشارف أزمة اقتصادية ذات تداعيات واسعة النطاق.

وبينما ترتفع العوائد كإنذار صامت، يظل السؤال الأكثر إلحاحًا: هل نحن أمام تصحيح اقتصادي حتمي، أم أن هذه بداية لأزمة اقتصادية أكبر وأوسع نطاقًا؟.

مقالات مشابهة

  • عوائد السندات.. القلق الاقتصادي الذي أربك حسابات ترامب
  • كوت ديفوار تهدد بزيادة تكلفة تصدير الكاكاو ردا على رسوم ترامب
  • روسيا تشيد بـفهم ترامب وأوكرانيا تثني على دور أردوغان
  • ما هو (MoCA) الذي تفوق فيه ترامب ...كل ما تود معرفته
  • الأول في ولايته الثانية.. تفاصيل الفحص الطبي لترامب
  • ترامب يخضع لأول فحص طبي خلال ولايته الرئاسية الثانية
  • ترامب يخضع لأول فحص طبي خلال ولايته الثانية
  • الرئيس الصيني يطالب أوروبا بمواجهة التصعيد التجاري الأمريكي
  • رسوم ترامب.. المستهلكون الأمريكيون يواجهون زيادات حادة فى الأسعار