من التخطيط المرن إلى التخطيط المتكيف
تاريخ النشر: 12th, April 2025 GMT
لم تعد المرونة التخطيطية (Planning flexibility) مجرد سمة يستوجب أن تتلازم مع عمليات التخطيط في أزمنة عدم اليقين؛ بل أصبحت هي الأساس التي يجب أن تنطلق منه، وتتمحور حوله عمليات التخطيط جلها؛ وحين نتحدث عن التخطيط فإننا نعني كل مستوياته وميادينه؛ من تخطيط وطني إلى قطاعي إلى مؤسسي وربما حتى التخطيط الشخصي لأولئك الذين يتمرسونه.
• اعتبار التغير وعدم الثبات سمة رئيسية للعالم (البيئة التخطيطية) التي نتعامل معها.
• الظروف المتغيرة ليست حالات استثنائية يجب إدارة مخاطرها، وإنما هي فرص لتعزيز تنافسيتنا.
• في حالات التغيرات العميقة لا نستهدف مجرد الحفاظ على كفاءة الأداء المتوقع، بل تعزيز الأداء والفرص.
يقول عالم المستقبليات بيتر شوارتز «التخطيط التكيفي هو فن التفكير في المستقبل بصيغة الجمع. تنهار الخطط الجامدة عندما لا يتصرف العالم كما ينبغي. أما الأنظمة التكيفية -باستخدام منطق السيناريوهات- فلا تتنبأ بالمستقبل؛ بل تستعد له». وهذا يقودنا لسؤال: ما متطلبات التخطيط التكيفي؟ وفي الواقع هي ستة متطلبات رئيسية: أولها: وجود السيناريوهات؛ والسيناريوهات ليست مجرد «تخمينات» تتدرج من الوضع الأمثل إلى الوضع الأسوأ؛ بل هي نتاجٌ لتحليلات تاريخية وحاضرة، تضع في الاعتبار كافة المعطيات والعوامل المؤثرة على مسار التخطيط، وتفترض كافة ما قد ينشأ، كما أنها تفترض أعلى درجات قدرة النظام على تحقيق أهدافه، وأدنى درجات قصور النظام في تحقيق أهدافه، وبذلك هي تضع بدائل مباشرة وعقلانية لمسار العملية التخطيطية، وتزداد أعداد البدائل (السيناريوهات) المطروحة بزيادة (تعقيد النظام/ الظاهرة)، وبزيادة كفاءة المنظومة التخطيطية؛ فلا ريب إن وجدنا أن بعض منظومات التخطيط قد وصلت إلى وضع أكثر من (50) سيناريو مختلفًا لعمليات التخطيط المستهدفة، مقرونة بالأدوات وبرامج التنفيذ والتمويل وإدارة المخاطر والمتابعة والتقييم. السيناريوهات عمومًا هي مؤشر لقدرة نظام التخطيط على بعدي (التفكير/ التدبير). المتطلب الثاني: هو التقييم الملازم (Inherent evaluation)، والفكرة منه أن لا تكون عمليات التقييم عمليات لاحقة تجرى بمعزل عن ظروف وحيثيات ومسارات التخطيط، بل هي تقييمات تبتدئ وتتلازم مع مسارات التخطيط والتنفيذ، وتمتد إلى تقييم وكفاءة إعداد الخطط ومنظومات التخطيط نفسها، وكفاءة السيناريوهات الموضوعة، وهو ما يمكن بشكل مباشر من استدراك الفجوات ونقاط الخلل في منظومة التخطيط عمومًا. أما المتطلب الثالث: فهو وجود نظام كفؤ لإدارة المخاطر، واستثمار الفرص، وهو ما يتشكل في توزع نظم الإنذار المبكر لكافة قطاعات ومستهدفات الخطة، بالإضافة إلى العين البصيرة التي يمكن لها أن ترى الفرص الحقيقية والسريعة التي يمكن استثمارها والبناء عليها، ولا تفصلها عن سياق النظر إلى المخاطر. ويتشكل المتطلب الرابع في مسألة التناغم الهيكلي (Structural harmony)، والفكرة منه هي التحقق المسبق أثناء عملية التخطيط من أن كافة (النظم المؤسسية - التشريعات - الهياكل - السياسات - نظم الإجراءات) متسقة فيما بينها لتحقيق الانسجام المفضي إلى تحقيق أهداف التخطيط ومقاصده، وهذا المتطلب في حقيقته يعطل الكثير من الخطط خاصة على المستويات الوطنية. المتطلب الخامس للتخطيط المتكيف يتمثل في القدرة على التعلم المستمر للمنظومة التخطيطية من دروس مسارات التخطيط، وإجراء مقارنات معيارية (Benchmarking) دقيقة ومحكمة لأغراض التخطيط باستمرار، مع الأخذ في الاعتبار حساسية العوامل المحلية. ويتشكل المتطلب السادس في وجود ثقافة التخطيط المتكيف، وهي تلك الثقافة التي لا تجعل المؤسسات أو الكيانات أو الأفراد عمومًا يتوقفون لبرهة طويلة للتفكير في (الأزمة/ الخطر الناشئ/ التحول)، وإنما لديهم الجدارة المباشرة للانتقال للخيار التالي وتهيئة البيئات الثقافية للتعامل مع تلك الخيارات، وهو ما يجعل مسارات الاستجابة جمعية ومتناغمة. تقول كاثلين آيزنهاردت: «في البيئات عالية السرعة، تتفوق المرونة والبساطة على الخطط الشاملة. نحتاج إلى آليات تخطيط تكيفية تُمكّن صانعي القرار من التكيّف بسرعة، ولكن بحدس منضبط».
مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية فـي سلطنة عُمان
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: عموم ا
إقرأ أيضاً:
جامعة حلوان تبحث مستقبل التخطيط والسياسة الاجتماعية في مصر
نظم قسم التخطيط الاجتماعي بكلية الخدمة الاجتماعية بجامعة حلوان الملتقى السادس بعنوان "استشراف مستقبل التخطيط والسياسة الاجتماعية في مصر"، وذلك في إطار تعزيز التعاون العلمي بين أقسام التخطيط الاجتماعي بكليات ومعاهد الخدمة الاجتماعية.
أقيمت فعاليات الملتقى تحت رعاية الدكتور السيد قنديل رئيس جامعة حلوان، الدكتور عماد ابو الدهب نائب رئيس الجامعة للدرسات العليا والبحوث، الدكتور زغلول عباس حسنين عميد الكلية، وإشراف الدكتورة منال عبد الستار فهمي، رئيس الملتقى ورئيس قسم التخطيط الاجتماعي.
استهدف الملتقى مناقشة مستقبل التخطيط الاجتماعي والسياسات الاجتماعية في مصر، في ضوء التحديات الحالية ووفقًا لرؤية مصر 2030. جرى تنظيم الملتقى لتسليط الضوء على أهم الموضوعات التي تشكل معالم السياسة الاجتماعية في البلاد، وتقديم حلول مبتكرة لمواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية.
تضمنت فعاليات الملتقى العديد من الجلسات العلمية التي ركزت على مواضيع مثل تحليل سياسات الحماية الاجتماعية في مصر، وتفعيل الذكاء الاصطناعي في تحسين سياسات الرعاية الاجتماعية، بالإضافة إلى استشراف السياسات الاجتماعية التي تهدف إلى تمكين الفئات المهمشة. وقد تم عرض أوراق عمل علمية بحثية قدمها أساتذة وباحثون من جامعات مصرية، إضافة إلى مشاركين من المملكة العربية السعودية.
وتحدث خلال الملتقى العديد من الأكاديميين والخبراء في مجال التخطيط الاجتماعي، حيث ترأس الجلسات العلمية كل من اللواء الدكتور عبد النعيم حامد عضو مجلس النواب والدكتور أحمد القزاز رئيس حي حلوان، الدكتور احمد حمزه، وفى الجلسة الثانية، الدكتور طلعت السروجي، الدكتورة منى خزام، الدكتور محمد أحمد عبد الرحيم، والجلسه الثالثه الدكتور شفيق احمد، الدكتور حسن مصطفي، الدكتور سليم شعبان ولجنه صياغه التوصيات الدكتوره ماجده عبد الوهاب والدكتور زينهم مشحوت
وتناولت الجلسات البحث في التحديات التي يواجهها التخطيط الاجتماعي في مصر وكيفية مواكبة المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية المتسارعة.
وقد وجهه الدكتور زغلول عباس حسنين عميد الكلية الشكر للمشاركين والمساهمين في نجاح الملتقى، وأكد على ضرورة استمرارية تنظيم مثل هذه الفعاليات العلمية التي تساهم في إثراء الفكر الأكاديمي وتعزيز التعاون بين المؤسسات الأكاديمية.
ومن جانبها، أكدت الدكتورة منال عبد الستار فهمي، رئيس قسم التخطيط الاجتماعي ورئيس الملتقى، على أهمية هذا الحدث العلمي في تعزيز التواصل بين الأكاديميين والباحثين في مجال التخطيط الاجتماعي.
وأضافت أن الملتقى يمثل منصة حوارية هامة لمناقشة التحديات التي تواجه السياسات الاجتماعية في مصر، مشيرة إلى أن هذه الفعاليات تسهم في تطوير الحلول التي تلبي احتياجات المجتمع المصري.
وأعربت عن فخرها بتنظيم هذا الحدث الذي يعكس التزام قسم التخطيط الاجتماعي بتعزيز البحث العلمي والمساهمة في تحقيق التنمية المستدامة في البلاد.
هذا وقد أدار الملتقى الدكتور محمد عبد الفتاح، منسق الأنشطة بالكلية، الذي أشاد بدور الملتقى في فتح قنوات التواصل بين الأكاديميين والممارسين في مجال التخطيط الاجتماعي.
كما تم تكريم عدد من الباحثين الذين قدموا أبحاثًا متميزة خلال الملتقى.