هل يبدو المستقبل قاتمًا في هذه اللحظة؟
تاريخ النشر: 12th, April 2025 GMT
في العصر الذي يغزو فيه الذكاء الاصطناعي العالم نرى الأب الروحي للذكاء الاصطناعي البريطاني الكندي جيوفري هنتون، الحائز على نوبل الفيزياء ٢٠٢٤، لإسهاماته في بحوث الذكاء الاصطناعي، يقود حملة إعلامية للضغط على الشركات الكبرى لتنهض بمسؤوليتها في العمل على بحوث عاجلة لإنتاج أنظمة آمنة للذكاء الاصطناعي، بحيث تحد من المخاطر المحتملة على البشرية نتيجة سيطرة الذكاء الاصطناعي المستقبلية؛ ومن تلك المخاطر التي بدأت تظهر للعيان ما أعلنه مركز دراسات السياسات العامة البريطاني IPPR نهاية مارس الماضي من أن ٧٠٪ من وظائف (اقتصاد المعرفة) مهددة بسبب الذكاء الاصطناعي، إضافة لتقريره في العام الماضي أن ٨ ملايين وظيفة مهددة بسبب الذكاء الاصطناعي في بريطانيا وحدها.
وبينما تستشرس آلات الإبادة الإسرائيلية في حصاد أرواح الفلسطينيين، شبه العزل من كل شيء سوى كرامتهم وإنسانيتهم المهدرة، تحت طغيان حكومة صهيونية متطرفة، لا تبالي بالأرواح ما دامت تكسب الوقت قبل انهيارها المرتقب وتكسب نقاط تفاوض مستقبلية، يبتلع الصدى صيحات انطونيو جوتريش أمين عام الأمم المتحدة.
والأمم المتحدة نفسها ليست بأفضل حال وتجد نفسها في مرمى الهجوم، وقد بدأت بعض منظماتها الكبرى بالتضعضع، كمنظمة الصحة العالمية التي توشك على إيقاف عدد من برامجها مثل برامج مكافحة انتشار الإيدز والملاريا وشلل الأطفال، جراء انسحاب الولايات المتحدة وهي أكبر مانح لتلك المشروعات الصحية، مع توقعات بزيادة عدد الوفيات العالمية نتيجة تلك الأمراض إلى عشرة أضعاف في هذا العام وحده، وفق تصريح مدير منظمة الصحة العالمية مؤخرًا في المؤتمر الذي عقده في جنيف ١٧ مارس الماضي.
يأتي ذلك مع إعلان رئيس الوزراء البريطاني في تصريح له الأسبوع الماضي حول انهيار منظومة العولمة والتحول إلى نظام التحالفات، وذلك إثر القرار الأمريكي برفع أسعار الضرائب على البضائع المستوردة، في خطة الرئيس الأمريكي الحالي المعلنة لإعادة توطين الصناعات المهاجرة، فيما يبدو خطة فاشلة على المدى القصير وأن المراد بذلك حركة للتفاوض الثنائي مع بعض الدول للحصول على مكاسب، مع استهداف الصين تحديدًا، وهو ما أكدته شبكات الأخبار نهاية الأسبوع؛ فكما يبدو أصبح بث الاضطراب لزيادة المكاسب سياسة.
وفي الولايات المتحدة نفسها اعتمد الكونجرس مؤخرًا موازنة اقترحتها الحكومة بتخفيض ١.٥ تريليون (بليون) دولار من الإنفاق الفيدرالي، وهي الخطة التي يعلن الاقتصاديون أن المتضرر الأول منها هو الاقتصاد الأمريكي ككل، وهو الضرر الذي سيسحق الضعفاء في أدنى سلالمه وأضعف حلقاته، في ظل ارتفاع معدل الفقر في الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة ١١٪ من عدد السكان، بإجمالي ٣٨ مليون نسمة، فيما تصنف عشر ولايات أمريكية تحت خط الفقر، في أغنى دولة في العالم.
يحدث كل هذا في الوقت الذي يعلن فيه خبراء اقتصاديون مرموقون مثل اليوناني يانس فاروفاكس في كتابه الأخير نهاية الرأسمالية المعروفة التي حكمت العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، النصف الثاني من القرن العشرين حتى عام الأزمة المالية ٢٠٠٨م، وبداية عصر جديد يدعوه عصر الإقطاعيات السحابية والتقنية وذلك في كتابه: الإقطاعيات التقنية: ما قتل الرأسمالية (٢٠٢٣م) Technofeudalism: What Killed Capitalism، وهو كتاب مثير يعيد إلقاء الضوء على ما حدث في العقد الماضي منذ الأزمة المالية ٢٠٠٨م إلى عام الوباء ٢٠٢٠م، وما نتج من صعود ما يدعوها بالإقطاعيات التكنولوجية، والمراد شركات التقنية الكبرى التي تدعى كذلك عمالقة وجبابرة التقنية.
وسط هذا كله، دون أن ننسى الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة، ولا حالتنا العربية السياسية المعاصرة بكل تشظياتها المستمرة ومخاضاتها العسيرة في كبريات دولنا العربية، مضافًا إليها حالتنا الفلسطينية بفصولها المستمرة بكل معاناتها، من البديهي أن نتساءل أين يمضي العالم؟
ظاهريًا لاشك بأن الأجيال الجديدة، في كل مكان، إما أن تقع فريسة الشك واليأس والتخلي والبحث عن ملجأ آمن وسط هذا العالم الذي يبدو في غاية الاضطراب والفوضى، والذي لا تقدم أخباره شيئًا آخر غير وعد بحروب قريبة مدمرة، ولعل لهذا الجيل الحق في أن يفقد إيمانه بالعالم لما يرى من طراز السياسيين الذين يقودون زمانه، والذين يعلنون بكل صراحة في كل مناسبة عدم اهتمامهم بأي شيء آخر غير مصالحهم، ومصالح الطبقة التي تدعمهم، وهي الطبقة التي رفعتهم ومكنتهم من التصرف بممكنات ومقدرات أجزاء مهمة من العالم، لكن لا أحد يريد، أو حتى بمقدوره، أن يتحمل مسؤولية مستقبل البشرية أو مستقبل العالم، كلهم مشغول بإطالة بقائه لا أكثر، وبالتالي لن يخلفوا للجيل القادم عالمًا أفضل، بل عالمًا مضطربًا في حالة هي أقرب للانفجار، إن لم ينفجر قبل ذلك.
كل ذلك بينما نجد مشهد الشاب المعاصر بسماعته وشاشته، وكأنه راهب معاصر، يرى ما يريد ويسمع ما يريد، لا ما يفرضه العالم عليه، نسبيًا، فيما يبدو شبه عزوف أو عدم اكتراث، بينما هو في الواقع موقف نفسي عام، ينتظر أمرًا غامضًا في عالم لا يعد ولا يقدم أية ضمانات بشيء؛ وبلا شك ستقتصر تطلعات الجيل الجديد على عالمه الفردي، عالمه المكون من شاشته، وهي الشاشة المعممة في غالبية مناطق العالم، في مساواة غير معتادة من نوعها تتساوى فيها كل الطبقات على تفاوت مداخيلها، وكل ذلك يصب في مصلحة شركات التقنية نفسها، تلك الشركات التي يعدنا المحللون والخبراء بأننا سنبقى تحت سيطرتها في المستقبل المنظور. فأين السبيل؟
في الواقع التاريخيّ اعتاد الساسة خلق الاضطراب والتوترات فيما بينهم مقامرين ببلدانهم منذ قديم الزمان، وقد أصبح من المعروف أن التخطيط المبالغ فيه يقع في فخ ثقته العمياء بنفسه، وأن العالم يمضي بطريقته الخاصة وأن الطبيعة، والبشرية منها، لها طرائقها الخاصة في الوصول لمستقبلها، بطرق لا يتمكن ذكاؤنا من التعرف عليها إلا متأخرًا، كذلك في العصر الذي نعتقد فيه، مدفوعين بالخوف، بأننا محكومون سلفًا بمسارات إجبارية لا محيد ومحيص عنها، تتفتح آفاق جديدة لم تكن في الحسبان ولدتها نفس الظروف الخانقة التي كانت سبب شكوانا، وتحولت مع الوقت إلى أطواق نجاة معتمدة لمستقبل جديد، لذلك لا غرابة أن يتخذ الكثيرون منا إزاء العالم وضعية أقرب للمتفرج، متتبعين بذلك رأي فلاسفة مشهورين من الصين للعرب إلى اليونان.
لا شك أن العلم والبحوث دليل استشراف مستقبلي، ولا يمكننا الاستخفاف بالنتائج التي تقدمها، لكن للخبرة البشرية والحس البشري المشترك أساليبه الخاصة كذلك في تلمس طريق المستقبل واتباعه، مهما تعالت الدعوات من كل جانب لاتباع منطق الخوف وأحكامه الاستباقية الداهية، فالبشرية تبعت نداءها الخاص حتى في أحلك الظروف، وهو نداء لا يزال حيًا مع أنه مجهول الملامح، وإن كان واضحًا في كلياته ومبادئه الأخلاقية العامة، وهي ليست غير المبادئ الأخلاقية الكبرى للعدالة والسلم والأخوة البشرية والاحترام الحقيقي بين الأمم والشعوب، وتلك الدعوات لا تبطل مهما استعرت الحرب أو تمادى الطغيان، أو ظن المتحكمون أن بمقدورهم التلاعب بقلق العالم لمصالحهم الضيقة الأفق.
إبراهيم سعيد شاعر وكاتب عُماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی
إقرأ أيضاً:
أفريقيا والذكاء الاصطناعي.. فرصة ذهبية لحماية الأمن وبناء المستقبل
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
في ظل الطفرات التقنية المتسارعة التي يشهدها العالم، أصبح الذكاء الاصطناعي ليس مجرد رفاهية بل أداة استراتيجية حقيقية .
وفي القارة الأفريقية التي تواجه تحديات أمنية وتنموية ضخمة، يظهر الذكاء الاصطناعي كفرصة لا تعوض لتعزيز الأمن القومي، وتحقيق نقلة نوعية في الاستخبارات.
ويرى خبراء في مجال الذكاء الاصطناعي أن على الدول الأفريقية دمج هذه التكنولوجيا المتقدمة ضمن استراتيجياتها للأمن القومي، نظرًا لتزايد تأثير الذكاء الاصطناعي في مختلف جوانب الحياة المجتمعية.
وخلال ندوة إلكترونية نظمها مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية، شدد الدكتور جويل أميغبوه، الخبير الأمني بالمركز، على أهمية اعتماد الذكاء الاصطناعي كأداة محورية في تطوير قطاعات الاستخبارات الوطنية، وإنفاذ القانون، والدفاع، وحتى في دعم النمو الاقتصادي. وقال: "يمكن اعتبار استراتيجية الذكاء الاصطناعي جزءًا من الاستراتيجية الأمنية الشاملة، مما يتيح للحكومات تسخير هذه التقنية لصالحها".
وأشار إلى أن الذكاء الاصطناعي يمتلك القدرة على تحسين القدرات الدفاعية من خلال التنبؤ بالهجمات الإرهابية وتحديد توقيتات صيانة المعدات العسكرية الحساسة.
كما أثبت فاعليته عمليًا، خصوصًا في رصد هجمات القراصنة بخليج غينيا والرد عليها بكفاءة.
وفي هذا السياق، عقد مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، أول اجتماع له في عام 2024 لبحث أثر الذكاء الاصطناعي على السلم والأمن في القارة، تلاه اجتماع آخر في 20 مارس من العام نفسه.
من أبرز المحاور التي نوقشت كانت المخاطر الناتجة عن تسارع تطور الذكاء الاصطناعي في ظل غياب أطر تنظيمية فعالة.
ورغم المزايا المتعددة للذكاء الاصطناعي، فإن عددًا كبيرًا من القادة في أفريقيا لا يزالون يغضون الطرف عنه، إما لعدم فهمهم له، أو لانعدام الثقة فيه.
من ناحيته، يعمل معهد الأمم المتحدة لبحوث نزع السلاح، على جمع وتوثيق السياسات والمناهج الوطنية الخاصة بالذكاء الاصطناعي من مختلف دول العالم، عبر بوابة إلكترونية متخصصة.
وخلال نفس الندوة الإلكترونية، أوضحت ياسمين أفينا، الباحثة في برنامج الأمن والتكنولوجيا بالمعهد، أن الأمم المتحدة بدأت في إعداد مبادئ توجيهية تساعد الدول على إدماج الذكاء الاصطناعي ضمن استراتيجياتها الدفاعية.
وقالت، لسنا بصدد فرض قيود، بل نأمل أن تُعد هذه المبادئ أدوات استرشادية يمكن للدول الاستفادة منها، ومكافحة الإرهاب.
وأكدت أن أحد أبرز عناصر هذه المبادئ يتمثل في تأهيل وتدريب الكوادر المحلية، لابتكار وتشغيل حلول الذكاء الاصطناعي، قائلة: "علينا أن نستثمر في الكفاءات المحلية المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، وتدريبهم على الجوانب التقنية والأخلاقية المرتبطة باستخدام هذه التكنولوجيا في مجالات الدفاع والأمن، كما ينبغي على الدول الأفريقية أن تولي اهتمامًا كبيرًا بالقانون الدولي والأخلاقيات ذات الصلة".