يمانيون/ كتابات/ عبدالحافظ معجب

في عالمٍ تتصاعد فيه حِدة الصراعات بعيدًا عن ساحات القتال التقليدية، تطفو على السطح حربٌ أكثر خُبثًا وضراوةً، حربٌ لا تُحطم المباني ولا تزهق الأرواح بقصف الطيران، لكنها تغزو العقول وتُسمم الوعي، وتُحول البشر من ضحايا إلى أدواتٍ طيّعة تُكرس هزيمتها بأيديهم، إنها الحرب النفسية، التي باتت تُشكل تهديدًا وجوديًا للمجتمعات في عصر تدفق المعلومات والاتصالات اللامحدود.


لا تهدف هذه الحرب إلى تحقيق انتصارات عسكرية ميدانية، بل تسعى لإضعاف الخصم من الداخل، عبر تقويض الثقة بين الشعب وحكومته وقيادته وخلق انقسامات مجتمعية عميقة، ونشر الإشاعات التي تبث الفوضى وتزرع اليأس، إنها حربٌ تعتمد على تشويه السمعة ببراعة، عبر حملات تشهير تستهدف الرموز الوطنية، أو تضخيم الأزمات الداخلية حتى تبدو وكأنها كارثة لا مفر منها، ما يدفع الناس إلى التمرد أو الاستسلام.
خطورتها تكمن في أنها حربٌ غير مرئية، تترك آثارًا طويلة الأمد قد تفوق في تدميرها قذائف المدافع، إذ تحوّل الفرد من عنصر مقاوم إلى شريكٍ في هزيمة نفسه دون أن يدري.
في هذا السياق، تبرز الولايات المتحدة كقوةٍ رائدة في توظيف هذه الحرب، مستفيدةً من تفوقها التكنولوجي والإعلامي الهائل.
فمنصات التواصل الاجتماعي، التي يفترض أنها مساحات للتعبير الحر، تتحول إلى ساحات لنشر الشائعات، أما الإعلام الموجه، عبر قنوات فضائية ومواقع إخبارية تُقدم نفسها كمنصات “محايدة”، فيُعيد صياغة الوعي الجمعي لخدمة سرديات تكرس هيمنة واشنطن، مثل تشويه صورة خصومها في المجتمعات العربية أو أمريكا اللاتينية.
ولا ننسى دور المنظمات غير الحكومية، التي تُموّلها أحيانًا جهات مخابراتية، لدعم حركات احتجاجية تُزيّنها بشعارات حقوق الإنسان، بينما جوهرها زعزعة استقرار الدول التي تقف في وجه المصالح الأمريكية.
لقد أثبتت هذه الاستراتيجية نجاحاتٍ لافتة عبر التاريخ؛ فسقوط الاتحاد السوفيتي لم يكن نتاج حرب باردة عسكرية فحسب، بل أيضًا نتيجة حرب إعلامية ونفسية طويلة، غذّت الشكوك بين المواطن والدولة.
وكذلك الحال مع “الثورات الملونة” في أوروبا الشرقية، أو الاحتجاجات الأخيرة في إيران وفنزويلا، حيث تحوّلت المطالب المشروعة إلى فوضى مُدارة تُسهل التدخل الخارجي.
لكن هذه الحرب ليست قدرًا محتومًا، فمواجهتها تبدأ بوعي الأفراد والمجتمعات، فتعزيز المناعة الفكرية عبر التربية على النقد والتحليل، وعدم استهلاك المعلومات بسلبية، هو الخطوة الأولى، كما أن محاربة الإشاعات بنشر الحقائق عبر منصات موثوقة، ودعم الإعلام الوطني وتعزيز الثقة بالمؤسسات الرسمية، يقطع الطريق على السموم المُخطط لها، ولا بد من تعزيز الوحدة الوطنية ببناء جسور الثقة بين الحكومة والشعب ومواجهة الخطاب التحريضي والإنهزامي الذي يُفتت النسيج الاجتماعي. إلى جانب ذلك، تظل التشريعات الصارمة ضد مروجي الأخبار الكاذبة، ومراقبة التمويل الأجنبي المشبوه، ضرورةً لحماية الأمن القومي.
في النهاية، الحرب النفسية اختبارٌ حقيقي لوعي الأمم وتماسكها. فبقدر ما تكون الشعوب قادرةً على تمييز الحقائق من الأوهام، وتدرك أن بعض الأزمات ليست سوى سرابٍ مُصنعٍ بأيدٍ خفية، تكون قادرةً على تحويل هذه الحرب من إعصارٍ يقتلع الجذور، إلى رياحٍ عابرةٍ لا تُسقط إلا الأوراق الميتة.

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: هذه الحرب

إقرأ أيضاً:

الافروف: تبادل الموقوفين مع واشنطن يسهم في بناء الثقة المدمرة بيننا

كازاخستان – أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن تبادل الموقوفين والسجناء بين روسيا والولايات المتحدة يخدم تعزيز الثقة، التي ستحتاج وقتا طويلا لإحيائها بين البلدين.

وأضاف لافروف في مؤتمر صحفي عقب اجتماع مجلس وزراء خارجية بلدان رابطة الدول المستقلة في ألماتا بكازاخستان اليوم الجمعة: “تم إطلاق مبادرة لتبادل السجناء من الجانبين الروسي والأمريكي في آن واحد. وأنا على ثقة بأن أي بادرة إنسانية حتى عندما يتعلق الأمر بعودة شخصين فقط إلى ذويهما تكون دائما إيجابية”.

ولفت لافروف إلى أن “تبادل السجناء بين موسكو وواشنطن يساعد على بناء الثقة وتعزيزها بعد أن دمرتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، رغم أن إحياء هذه الثقة سيستغرق وقتا طويلا، حيث قوّضتها ودمّرتها إدارة بايدن.. هذا هو التبادل الثاني من نوعه للسجناء والموقوفين خلال الأسابيع القليلة الماضية”.

وأكد أن اتصالات روسيا مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أظهرت إجماع الجانبين على ضرورة الحوار، ولفت إلى أن روسيا تتطلع إلى تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة وإحياء الثقة بين البلدين.

وأعلن الأمن الفيدرالي الروسي أمس الخميس عن مبادلة المواطن آرتور بتروف المتهم لدى واشنطن بانتهاك قانون الصادرات الأمريكي، بالأمريكية كسينيا كاريلينا المحكومة في روسيا بالسجن 12 عاما بتهمة الخيانة، وتمويل نظام كييف.

كما أعرب الأمن الفدرالي الروسي عن شكره لدولة الإمارات على وساطتها لإتمام التبادل الذي جرى في مطار أبو ظبي.

وأعرب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمس الخميس عن امتنانه الشديد للسلطات الروسية على إطلاق المواطنة الأمريكية كسينيا كاريلينا.

المصدر: RT

مقالات مشابهة

  • دفاع المتهم بالتعدي على طفلة داخل حمام مسجد بالعاشر من رمضان يطالب بعرضه على مستشفى الأمراض النفسية
  • ضعف الثقة بالنفس والعنف المضاد.. مخاطر استخدام الضرب في تربية الأطفال
  • ما هي الحمى النفسية؟ أعراضها وأسبابها وطرق التعامل معها
  • اكتشاف علاقة خفية بين السمع وصحة القلب
  • الافروف: تبادل الموقوفين مع واشنطن يسهم في بناء الثقة المدمرة بيننا
  • الدولار ينخفض لأدنى مستوى جراء تراجع الثقة بالاقتصاد الأمريكي
  • إذا أردت الثقة بنفسك .. تعرف على هذه الطرق واتبعها
  • 10 فرق تتنافس في هاكثون حماية للحلول الرقمية
  • تزايد المخاطر التي تهدد الاقتصاد الإسرائيلي.. احتمالات حدوث أزمة مالية ورادة