لكننا.. كما كُنَّا!
تاريخ النشر: 12th, April 2025 GMT
يوسف عوض العازمي
@alzmi1969
"لطالما حسدُتُ الكُتَّاب الذين يعرفون أفضل الساعات للكتابة" كي ميلر.
*****
بصَّرتُ ونجَّمتُ كثيرًا
لكني لم أقرأ أبدًا فنجانًا يُشبه فنجانك
بصَّرتُ.. ونجَّمتُ كثيرًا
لكني لم أعرف أبدًا أحزانًا تشبه أحزانك
ما سبق هي من كلمات الراحل نزار قباني، الذي يتحدث عن الحزن بطريقة غريبة، تشعر بأوجاعه وخلجاته والاكتئاب، ويربط هذا الحزن بالحب، ولا أعلم ما الذي أتى بالحب إلى الحزن، والاكتئاب.
على ذكر القراءة، والكتابة أيضًا، هل يعتقد القارئ المحترم بأنَّ القصة تساوي تعبها وإشغال الذهن بها، هنا أحدثك أيها القارئ، وأسألك وأرجو الإجابة التي أظنها ستكون بينك وبين نفسك، أي أنها جواب سري، وليكن سريا، وأعيد لك على طريقة التكرار يعلم الشطار (انتبه.. أقصد الشطار ولا شيء غير ذلك) هل تساوي الكتابة تعبها، هل وأنت تقرأ هذه الكلمات تشعر بأن وراءها تعب ذهني، أم أنك تعتبرها كأنها كتابة رسالة في الواتساب؟
بصراحة أكثر، هل تعتقد لو أن الكاتب استخدم الذكاء الاصطناعي لكتابة هذا المقال، أليس بأفضل من إشغال الذهن لكتابة مقال ربما لن يقرأه إلا القليل من القراء، وممكن جدا ولم لا، أحد القراء وقع نظره على المقال بالصدفة وتورط في قراءته، لا تستغرب، تحصل مع أحسن القراء!
وعلى ذكر القراءة، ما أخبار الرسوم الجمركية الأمريكية التي تصدرت نشرات الأخبار، وهل تعتقد (حديثي لك قارئي العزيز) أن مصدر ومقرر القرارات لا يفهم، أم أنَّه حقق الهدف؟
في القرارات ذات النزعة الاقتصادية الممتزجة باللمسات السياسية، لا تظن أبدًا أنها متخبطة أو عشوائية، بالعكس مدروسة تمامًا وما ماهياتها وما نتائجها، لا يمكن لهكذا قرارات أن تتسم بالصدفة، فتش عن المستفيد، تصور أنه خلال أيام قصيرة جدا (أقل من أسبوع) هبطت أسعار الأسهم هبوطاً حاداً، ثم ارتدت باخضرار لامع، هنا فتش من المستفيد.
لنرجع لنزار وأحزانه وقارئة الفنجان، وبلا سياسة وبلا اقتصاد، ونتحدث ونرجع إلى وعن الكتابة وهل نحن الآن في زمن يستوعب وجود صحف، والصحف التي بها صفحات كتاب رأي؟
لن أجيب، فالجواب لك، لكني أظنُ وقلتُها أكثر من مرة، إننا في زمن التغريدة، تصور تغريدة من 140 حرفًا تُغني عن مقال كامل، طبعًا أحدثك عن مقالات عادية كالتي يكتبها العبد لله، ولا أحدثك عن مقالات متخصصة أو تقارير أو أبحاث.
على طارئ الأبحاث سمعتُ- ولست متأكدًا تمامًا- أن الذكاء الاصطناعي يمارس ألعابه البهلوانية على صفحات بعض طلبة دور الدراسة العليا، الآن أي طالب ذكي (ولا أقول نزيه وأمين) باستطاعته إنجاز تقرير أو دراسة أو حتى بحث عبر الذكاء الاصطناعي، لا تستغرب، كل شيء ممكن حدوثه.
على فكرة، والحديث ما يزال باتجاهك قارئي العزيز ما رأيك في عنوان المقال: لكننا.. كما كُنَّا؟
هنا أقصد بأن العبد لله كما كان، ما يزال يكتب عبر العصف الذهني بعقله البسيط، وتأكد لو أن للعبد لله علاقة مع الذكاء الاصطناعي، لأراح ذهنه، وتوكل على الله، وأحالك لمقال مرتب من إنتاج الذكاء الاصطناعي، وفي نهايته أكتبُ أسمي ومعه حسابي في وسائل التواصل، وبدقيقتين، و"يا أرض احفظي ما عليكِ"!
لا تنتقد، ولا تنزعج، صدقني كل شيء تغير في هذا العالم، حتى البصل الأخضر والبقدونس مع صندوق طماطم بإمكانك طلبها عبر تطبيق من هاتفك، لا حاجة للذهاب للسوق والبحث عن مكان لإيقاف سيارتك، فقط أضغط أزرار الهاتف وأنت جالس تحتسي القهوة وأمامك طبق من التمر الإحساوي، الدنيا تسهلت يا عزيزي، فهل تريد الكاتب يستمر في كتابة مقال ممكن لن يقرأه إلا أنت، وأيضًا ممكن قرأته بالصدفة.
ومن تسهيلات الدنيا ما يزال الصهاينة يعيثون فسادًا في الأرض، ويقتلون ويخربون ويدمرون في غزة الغالية، وكلنا لا نملك إلا إرسال بطانيات أو أغذية وبإذن المحتل الغاصب، ولا حسيب ولا رقيب، ولا قانون دولي و لا محكمة عدل، وفعلا السياسة أساسها القوة، فإن كنت لا تملك قوة لا تحدثني إلا عن إرسال أغطية نوم أو أغذية، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
يقول القائد الفرنسي التاريخي نابليون بونابرت: لا توجد كلمة مستحيل إلا في قاموس الضعفاء.
قال تعالى: "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ" (الأنفال: 60).
ما سبق كانت خواطر كتبتها في هذا المقال، الذي لا أعلم هل سيكون آخر مقال يُنشر للعبد الفقير أم مجرد استراحة، وقد توقفتُ أمام رأي أحد الكرام فيما أكتب؛ حيث تعدى حدود المجاملة اللطيفة لحسن أخلاقه: "مقالاتك جدًا رائعة.. سهلة.. وفكرتها مُركَّزة وأسلوبها ماتع جدًا، ليست طويلة لتُمَل منها ولا موجزة تفقد فكرتها، في كل الاحوال أثرك وتأثيرك من خلال مقالاتك لا غبار عليه".
وأعتقدُ أن الكريم اللبق أراد المواساة لحال كاتب في زمان الذكاء الاصطناعي، ويا أيها الكريم الطيب تأكد أن الكتابة تبقى مع الكاتب وإن لم ينشر، كالقصيدة التي لا تفارق شاعرها، لكن أحيانًا عندما تكون دعوى البقاء غير مجدية؛ فالأفضل الابتعاد، وترك الساحة الشاسعة لمن أراد.. وشكرًا له ألف شكر، وجزاه الله عني خيرًا.
وكذلك أسعدني أحد الكرام أيضًا؛ إذ قال: "إضاءاتك من زاوية مختلفة لم يتطرق إليها أحد، وهذا بحد ذاته تفرُّد وتميُّز، والكتابة فعلًا مُرهِقة وضاغطة على الذهن والأعصاب". شكرًا وألف شكر له ولرأيه الكريم، والله يجعلنا خيرًا مما يظنون.
أتقدم بوافر الاحترام والتقدير لكل من شرفني بقراءة ما أكتب؛ سواء هذا المقال المتواضع، أو المقالات السابقة، وأرجو السماح عن أي تقصير، وألف شكر للزملاء الكرام في صحيفة الرؤية العزيزة، وعلى رأسهم الأستاذ رئيس التحرير حاتم الطائي، والأستاذ مدير التحرير أحمد عمر، على بالغ الحفاوة وحسن الاهتمام للعبد الفقير لله، أدام الله على الجميع نعمة الأمن والأمان والصحة والعافية.
أستودعكم الرحمن الذي لا تضيع ودائعه.
يقول تعالى: "فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ" (الرعد: 17).
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الذكاء الاصطناعي ينجح في اجتياز اختبار العقل البشري
تصدرت أخبار نجاح روبوتات الذكاء الاصطناعي في اجتياز اختبار تورينغ الشهير، مما أثار جدلاً واسعًا حول قدرات الذكاء الاصطناعي.
واستندت هذه التقارير إلى دراسة حديثة أجراها باحثان من جامعة كاليفورنيا في سان دييغو، حيث تم اختبار أربعة نماذج لغوية كبيرة (LLMs) باستخدام اختبار تورينغ". والنتيجة كانت مفاجئة، حيث تم تصنيف نموذج GPT-4.5 من OpenAI على أنه غير قابل للتمييز عن الإنسان بنسبة 70% من الوقت.
ما هو اختبار تورينغ؟
يُعد اختبار تورينغ واحدًا من أشهر المعايير لقياس الذكاء الاصطناعي، وقد اقترحه عالم الرياضيات البريطاني آلان تورينغ عام 1950 في مقاله الشهير "الآلات الحاسوبية والذكاء". يهدف الاختبار إلى تحديد قدرة الآلة على محاكاة سلوك الإنسان، بحيث يتمكن المُحقق من التمييز بين الإنسان والآلة بناءً على المحادثات النصية فقط. إذا كانت الآلة قادرة على إقناع المحقق بأنها إنسان، فهذا يعني أنها قد "نجحت" في اجتياز الاختبار.
تفاصيل الدراسة
ووفقاً لموقع "the conversation" تركزت الدراسة التي أجراها كاميرون جونز وبنيامين بيرغن، والتي تم نشرها في مارس الماضي، على اختبار أربعة نماذج لغوية كبيرة: ELIZA GPT-4o، LLaMa-3.1-405B، وGPT-4.5.
تم تصميم الاختبار بحيث يتفاعل المشاركون في محادثات نصية ضمن ثمانية جولات، حيث يكون كل مشارك إما مُحققًا أو شاهدًا (إنسان أو آلة).
تتكون كل جولة من محادثة مع شخصين عبر شاشة منقسمة، بحيث يتفاعل المشاركون مع كل شخص لمدة خمس دقائق، ثم عليهم تحديد أيهما إنسان وأيهما نموذج لغوي.
مع استخدام واجهة مشابهة لتطبيقات المراسلة التقليدية، أظهرت النتائج أن GPT-4.5 تم تصنيفه على أنه إنسان بنسبة 73% من الوقت، بينما LLaMa-3.1-405B تم تصنيفه كإنسان بنسبة 56%. أما ELIZA وGPT-4o فقد نجحا في خداع المشاركين بنسبة 23% و21% على التوالي.
اقرأ أيضاً.. الذكاء الاصطناعي يهدد الذكاء البشري
أخبار ذات صلة
هل هذا يعني أن الذكاء الاصطناعي يملك ذكاءً بشريًا؟
رغم النتائج المثيرة، لا يعني أن اجتياز اختبار تورينغ يعني أن النموذج يمتلك "الذكاء البشري". الباحثون في الدراسة شددوا على أن اختبار تورينغ هو مقياس للتقليد وليس الذكاء الفعلي. وبعبارة أخرى، إذا تمكن النموذج من محاكاة سلوك الإنسان بمهارة عالية، فهذا لا يعني أنه يمتلك الوعي أو التفكير البشري.
على الرغم من ذلك، يبقى اختبار تورينغ محط جدل. فبعض الباحثين يعتبرون أن مجرد اجتياز الاختبار ليس دليلاً على امتلاك الآلة لذكاء حقيقي. هذه الفكرة كانت محل نقاش منذ البداية، حيث أشار بعض العلماء إلى أن الاختبار لا يختبر الذكاء الفعلي بل مجرد قدرة الآلة على تقليد الذكاء البشري في سياقات محددة.
الاعتراضات على اختبار تورينغ
إلى جانب الجدل حول معايير الاختبار، توجد أيضًا اعتراضات رئيسية على فعالية اختبار تورينغ كمعيار للذكاء الاصطناعي:
السلوك مقابل التفكير: يعتقد بعض العلماء أن القدرة على اجتياز الاختبار تتعلق بالسلوك المحاكي فقط، وليس بالذكاء الفعلي. إذ يمكن للآلة أن تحاكي سلوك الإنسان دون أن تفكر كما يفعل الإنسان.
الدماغ ليس آلة: طرح تورينغ أن الدماغ البشري يمكن تفسيره على أنه آلة، لكن العديد من الأكاديميين يرفضون هذا الرأي، معتبرين أن الدماغ ليس آلة ميكانيكية يمكن تقليدها.
محدودية الاختبار: يرى البعض أن اختبار تورينغ لا يغطي سوى سلوك واحد من السلوكيات التي يمكن أن تظهرها الآلات، وأنه لا يعد مقياسًا شاملاً للذكاء.
اقرأ أيضاً.. "آخر اختبار للبشرية".. التحدي الأخير أمام الذكاء الاصطناعي لاجتياز قدرات البشر
هل أصبح الذكاء الاصطناعي مشابهًا للبشر؟
رغم أن GPT-4.5 قد نجح في اجتياز اختبار تورينغ، فإن هذا لا يعني بالضرورة أنه أصبح بنفس مستوى الذكاء البشري. الباحثون في الدراسة يؤكدون أن اختبار تورينغ لا يعكس الذكاء البشري الحقيقي، بل هو مجرد مقياس لمدى قدرة الآلة على محاكاة سلوك الإنسان.
إلى الآن، لا يزال الذكاء الاصطناعي بعيدًا عن الوصول إلى الذكاء البشري الفعلي، رغم أنه قادر على تقليده بشكل متقن في بعض الأحيان.
إسلام العبادي(أبوظبي)