سودانايل:
2024-12-21@20:00:42 GMT

الحرب البليدة .. ثم ماذا بعد ؟؟

تاريخ النشر: 25th, August 2023 GMT

و لكن البلادة جزء من البنية البشرية ، حتى جاء في الأثر أن غباء الإنسان ليس له حدود .
إن هذه الحرب ليست سوي سم أطعمنا له كياناتنا العسكرية و المدنية ، و ها هم يتجرعونه قطرة قطرة ، و يجرعونه الشعب السوداني قطرة قطرة .
و دوما ما تلبس الحرب لبوسات "منطقية" و دوافع ضرورية ، و لكنها تظل دوما مرآة لما يدور في عقلك .

فحيازتك للسلطة لا تغير شخصيتك ، إنما تضخم ما أنت عليه في حقيقتك فحسب .
على أن أغبى أنواع الحروب هي التي تعبر عن دوافع شخصية ذاتية كحرب "الجنرالين" في السودان . فقد صرح البرهان و حميدتي بعبثية الحرب و خسرانها على التوالي . كما لم يمنعهما الحياء من الإفصاح عن شخصنة هذه الحرب البليدة . فقد أبان البرهان أنه ليس ضد "الدعم السريع" و لكنه ضد قيادة الدعم السريع ، و أبان حميدتي أنه ليس ضد "الجيش" و لكنه ضد قيادة هذا الجيش و من يقف خلفه من الإسلاميين ، حلفاء الأمس . و ما يشكف زيف مبرراتهم لخوض الحرب ، إنما هو عدم اكتراثهم لحياة و ممتلكات الشعب السوداني و لو من باب التظاهر بذلك ، و لكنه الغباء . فلو كانوا غير ذلك لفتحوا مسارات لإغاثة الملهوف و ستر المقتول ، تماما مثلما فتحوا ذات المسارات لإغاثة ملهوف الأجانب .
ستتوقف الحرب قريبا ، إن لم يكن بسبب الأصوات العسكرية التي ترى عبثية الحرب ، فبالتدخل الدولي السياسي و الاقتصادي . فمن فرادتنا ، أن تتدخل العديد من الشركات ، التي تعتمد كارتيلاتها على المواد المنهوبة من السودان ، لتمارس نفوذا سياسيا دوليا لوقف الحرب المجنونة هذه .
ثم ماذا بعد الاتفاق لوقف الحرب ؟؟
كثير من الكتاب يسندون قعود الدولة في السودان عن الانطلاق المستحق ، منذ الاستقلال الحديث منتصف القرن الماضي ، إلى تدخلات العسكر في مجرى الفعل السياسي ، و تمدد هذا الوهم و وجد مقعده في شعارات آخر ثورات الشعب السوداني المجيد و المجيدة .
و لكن الوضع في حقيقته ليس كذلك ، إنما هو فشل الكيانات السياسية التي نسميها مجازا أحزابا و تفاهة مشاريعها . و دعني أقرر مرة واحدة ، و إلى الأبد ، إن فشل الأحزاب السياسية في إدارة الدولة السودانية التي منحهم إياها الشعب السوداني ، إنما هو المغناطيس الوحيد الذي يجتذب العسكر إلي الاستحواذ على السلطة و يجعلهم عرضة لقصاصات الأفكار التائهة التي يجتذبها الفراغ بدوره ، و كان انقلاب العسكر الأخير في 25 أكتوبر ترجمة ناصعة لملء الفراغ ( راجع مقالنا الذي حمل عنوان: نعم انقلاب لكنه ملء تلقائي للفراغ ) .
عند الاتفاق على وقف الحرب ، يكون الجلوس للتفاوض على الانتقال ، و هنا يأتي الحل الناجع بإبعاد كل الأحزاب و كل واجهاتها من المشهد الانتقالي كلية ، فهي ببساطة ليست قدر هذه المهمة . و ذلك لأنها لم تكن قادرة على تطوير طرحها و أكتفت بأن استمرأت مخدع الشعارات الناعم الذي يؤمنها من وجع الدماغ في التقكير الذي يستوعب ذلك الوعي المكشوح خارج مواعينها في ديسمبر 2019 .
و لكن أين تكون هذه الأحزاب و واجهاتها في الفترة الانتقالية ؟؟
للأحزاب مكانان في الفترة الانتقالية: المفوضية العامة للانتخابات و المجلس التشريعي . و بس .
فلتشغل ، إذن ، الأحزاب و واجهاتها كامل مفوضية الانتخابات من مديرها إلى غفيرها . وذلك من أجل وضع قوانين الانتخابات و سبل مراقبتها بالطريقة التي يرونها تؤدي ، في رأيهم ، إلى انتخابات حرة و نزيهة ، بما يشمل تقسيم الدوائر و عمليات الإحصاء و الإدارة المرتبطة بها . و ليس ذلك من أجل تحييد حججها الأثيرة بتزييف إرادة الجماهير عند فقدانها الانتخابات ، كونها وضعت قوانينها بيديها فحسب ، بل لينمو مع ذلك إحساسها أن للسلطة واجبات و شغل يجعلها مستحقة .
و أما المجلس التشريعي ، فليكن للأحزاب الربع منه . و ربع ثاني للحركات المسلحة . أما النصف ، فللشباب . و لا داعي لنسب أخرى كالمرأة و غيرها . فلو كانت تؤمن هذه المجموعات المتنطعة بالمرأة و غيرها ، فلتقدمها جزءا من نسبتها في هذا المجلس .
و في هذا المجلس ، يتعلم الشباب بعض "فنون" الحكم الضرورية من ملاواة الأحزاب لبعضها البعض داخل كل من المجلس و المفوضية ، و من أجنحتها لجنة حصر خراب الحرب و إعادة الإعمار . و هو أمر يشجع الشباب لتكوين حزبهم المبرأ من الأسرية و الطائفية و الدوغما و مفاهيم الإثنية ، كما يسرع في إنضاج الأحزاب لتقوى على البقاء .
ستمضي خمس سنوات تتعافر فيها الأحزاب داخل المفوضية لإخراج قانون يرضيهم . و ظني المستحب أنهم يكونون صرعى "الأمبيفلانس" تجاه الأمر الانتخابي ، و هو تناقض الوجدان . فمن جهة ، هم شغوفون لنيل السلطة مما يدفعهم إلى تجويد شغلهم السياسي و يتخلون عن أفكارهم الصبيانية كتحرير العالم من "الإمبريالية" أو "نفوق العالم أجمع" أو نحن و العرب أصحاب "رسالة خالدة" ، و ذلك لأن العالم من فوقهم و من تحتهم الجيل الراكب راس. و من جهة أخرى ، هم يخشون نهاية عجلى للفترة الانتقالية قبل ترتيب أصوات جماهيرهم ، فتبعدهم الانتخابات من دفء السلطة إلى صقيع التيه السياسي في معارضة تتطلب فهما جديدا.
و بنهاية الخمس سنوات ، تكون حركة الدكتور استيفن قرير اكتسبت زخمها البديع حول العالم بعد تدشين فيلمه "القرن المضاع ، كيف نستعيده" ، في مطلع الشهر القادم أو الذي يليه . و هو يتناول كشف القمع المدروس لأعمال نيكولا تسلا المتعلقة باستقبال الطاقة المجانية التي تتحدر من أزقة متصل الزمان و المكان ، و هي قادرة على مد كل كواكب مجرة الطريق اللبني بالطاقة المجانية التي لا تنتهي ، و تضع بذلك الأرض أقدامها على مشارف اتحاد المجرات الفيدرالي . و تأتي أهمية هذه النقطة ، ضمن أشياء أخرى ، لأنها تعزز من فرضية تقلص الحروب بسبب مورد مهم كالطاقة (الكهرباء و النفط) و ما يتبعه من زيادة في سكان الأرض ، مضافا مع توهان النحل عن خلاياه لارتباك المجال المغنطيسي الذي يسترشد به النحل لتلقيح الخضروات و الفواكه (70% من غذاء الإنسان و الحيوان) ، الأمر الذي يجعل زراعة كل شبر ممكن من "سلة غذاء العالم" أمرا بالغ الأهمية .
كان حمدوك صاحب مشروع نهضة حقيقي ، بل هو الوحيد الذي طرح فكرة تقسيم السودان لخمسة أقاليم اقتصادية ، و هو المشروع العملي الذي أفتقده السودان منذ استقلاله ، منتصف القرن الماضي . و هو مشروع شبيه بالمشروع الأثيوبي الذي انتشلت به اثيوبيا أكثر من عشرين مليونا أثيوبيا من الفقر ، كما أشارت إلى ذلك سوزان رايس في كلمتها في جنازة ملس زيناوي . فمن شأن إعادة هذا المشروع ، و انخراط الشباب فيه بالتدريب و العمل ، أن يساهم في إعادة إعمارنا و نهضتنا و يحررنا من قيود العطف المزعج للمجتمع الدولي نحونا .
و لعلك تذكر ، أن جيمي كارتر صرح ، ذات مرة ، أنه لم يقض ليلة في البيت الأبيض بعد خروجه منه ، إلا مرتين إثنتين ، و المرتان الإثنتان كانتا بسبب السودان ، فقد شرح لبيل كلنتون ، الرئيس حينها ، أهمية السودان لأمريكا و للعالم مستقبلا ، و لكن كلنتون كان غارقا في أزماته العاطفية في ذلك الوقت .
كيف تتشكل الحكومة ، إذن ، بلا أحزاب ؟؟
و الإجابة هي بالمتاح الممكن ، بما يساعد على اقتلاع ما يعرف بالدولة العميقة لتسيير دولاب العمل . و ذلك يتم ببساطة بتعيين نواب الوزراء و الولاة و المدراء العامين مكان رؤسائهم ، و بذلك تكون رفعت "العمق" درجة إلى السطح . فأنت لا تستطيع محاربة المجرمين تحت الأرض في الظلام ، لأن تلك بيئتهم التي يجيدون العمل فيها ، فعليك إخراجهم إلى الضوء رويدا رويدا ، فتتفكك معهم شبكات المصالح اللصوصية مع فتح ملفات الفساد التي تتناسب طرديا مع درجة الإنكات من هذا "العمق" ، و ذلك حتى لا يرتج دولاب العمل و تفقد السيطرة عليه ..

adil.esmail@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الشعب السودانی

إقرأ أيضاً:

رسالة حادة من واشنطن للدول التي تدعم الأطراف المتحاربة بالسودان عسكريا

وجه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن رسالة حادة إلى الدول التي تقدم الدعم العسكري للأطراف المتحاربة في السودان قائلا "يكفي هذا".

وقال بلينكن أمام اجتماع حول السودان بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة "استخدموا مواردكم لتخفيف معاناة السودانيين وليس تعميقها، استخدموا نفوذكم لإنهاء الحرب وليس إدامتها، لا تكتفوا بالزعم بأنكم مهتمون بمستقبل السودان، بل أثبتوا ذلك".

واندلعت المعارك في السودان منتصف أبريل/نيسان 2023 بين الجيش بقيادة رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو (حميدتي).

وقد خلفت هذه الحرب عشرات آلاف القتلى، وشردت أكثر من 11 مليون سوداني، وتسببت -وفق الأمم المتحدة- في إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في التاريخ الحديث، في ظل اتهامات متبادلة بين طرفي الصراع بارتكاب جرائم حرب عبر استهداف المدنيين ومنع المساعدات الإنسانية.

دعم إضافي

وخلال الجلسة، أعلن وزير الخارجية الأميركي عن تخصيص بلاده مبلغا إضافيا بقيمة 200 مليون دولار لمواجهة الأزمة الإنسانية في السودان، ليرتفع بذلك إجمالي المساعدات الأميركية إلى 2.3 مليار دولار، مضيفا أن الولايات المتحدة عملت كثيرا مع الشركاء لتوفير المساعدة إلى السودان.

إعلان

وأشار بلينكن إلى أن التمويل سيوفر الغذاء والمأوى والرعاية الصحية للسودان الذي يتعين توصيل مزيد من المساعدات إليه بشكل آمن وسريع.

وأضاف أن الولايات المتحدة ستستخدم كل وسيلة -مثل فرض مزيد من العقوبات- لمنع الانتهاكات في السودان ومحاسبة مرتكبيها، ودعا الآخرين إلى فرض إجراءات عقابية مماثلة على المتسببين في تفاقم الصراع.

وعلى صعيد متصل، حذّر برنامج الأغذية العالمي من أن السودان قد يشهد أكبر مجاعة في التاريخ الحديث، حيث يعاني 1.7 مليون شخص من الجوع أو يواجهون خطره المباشر، كما يعاني نحو 26 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي في جميع أنحاء البلاد.

وكان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية قد طالب بتوفير مساعدة بقيمة 4.2 مليارات دولار لتلبية حاجات السودانيين في 2025.

مقالات مشابهة

  • التأكيد على استثناء الجامعات والكليات التي ليس لها إدارة ومركز لاستخراج الشهادات داخل السودان من القبول القادم
  • مناوي يشارك في مؤتمر الاحزاب الاشتراكية بالمغرب
  • مصطفى الثالث.. قائد الإصلاحات الذي حمى العثمانيين من التوسع الروسي| ماذا فعل
  • اليوم نرفع راية استقلالنا (1)
  • انتهاكات لا تنتهي.. ماذا نعرف عن مشفى العودة الذي يستهدفه الاحتلال؟
  • لجنة أمن ولاية الخرطوم توجه بتنفيذ حملة لازالة مخلفات الحرب في المناطق التي تم تطهيرها ببحري
  • رسالة حادة من واشنطن للدول التي تدعم الأطراف المتحاربة بالسودان عسكريا
  • بعد فتحها من جديد.. ماذا تعرف عن فرع جامعة القاهرة بالخرطوم؟
  • بوتين: لا نعرف ما الأهداف التي تريد إسرائيل تحقيقها في غزة
  • في ظل الحرب.. ما لا تعرفه عن استقلال السودان؟