◄ يجب الاعتراف بأنه في علم السياسة لا توجد عداوة دائمة أو سلام دائم؛ بل قد يتحول أعداء الأمس إلى أصدقاء وأن هناك لغة مصالح

 

د. محمد بن عوض المشيخي **

 

على الرغم من مرور عدة عقود من العداء والحرب الباردة والحملات الدعائية والحروب بالوكالة بين إيران وأمريكا، إلّا أنَّ أنظار العالم اتجهت صوب العاصمة العُمانية مسقط التي احتضنت يوم السبت مفاوضات غير مباشرة ومن نوع خاص بين وزير خارجية إيران عباس عراقجي، والوفد الأمريكي برئاسة المبعوث الرئاسي ستيف ويتكوف.

والسؤال المطروح؛ كيف يمكن للدبلوماسية العُمانية صاحبة السجل المُميز عبر تاريخها الطويل، تقريب وجهات النظر وسد الفجوات بين الجانبين، لا سيما وأن إيران أعلنت تفضيلها أن تكون المفاوضات عبر الوسيط العُماني الذي يتولى الملفات الخاصة بهذا الصراع الطويل. ولا شك أنَّ الدبلوماسية العُمانية تملك أوراق الحل والعقد، وقبل ذلك كله هي مصدر ثقة الفريقين المتفاوضين؛ إذ إنَّ هناك خارطة طريق واضحة المعالم تحمل نقاطًا أساسية لتكون مرجعية للمناقشة الصريحة والوصول إلى حلول توافقية للجميع؛ فالذي يبث عبر وسائل الإعلام من تصريحات لا يُعبِّر بالضرورة عن حقيقة الواقع المفترض، والنتائج المرجوة من هذا الاجتماع التفاوضي، ويحق لكل طرف أن يرفع سقف المطالب التي يراها مناسبة من منظور مصلحته الوطنية، لكن في نهاية المطاف سوف يقوم الوسيط العُماني بما يجب القيام فيه للوصول إلى التوافق المنشود الذي يُرضي الوفدين.

يبدو لي أنَّ هناك صفقات مالية تُقدَّر بعدة تريليونات من الدولارات الأمريكية مُقدَّمة من الحكومة الايرانية هذه المرة للولايات المتحدة الأمريكية، التي تطرق أبواب العالم للحصول على الأموال بأي طريقة، تارة بزيادة الرسوم الجمركية على الواردات أو بالحرب بهدف سداد الدين العام الذي تجاوز أكثر من 36 تريليون دولار هذا العام 2025، وكذلك ضخ المليارات في الاقتصاد الأمريكي الذي قد يجد نفسه في طريقه إلى الركود، إذا لم يجد مُنقِذًا من الخارج لكونه بحاجة إلى حلول جذرية من خارج الصندوق لإنقاذ النظام الاقتصادي من الإفلاس. وحسب التسريبات التي كشفت عنها هذه الأيام مصادر إيرانية وغربية، فإنَّ هناك دعوة إيرانية للشركات الأمريكية للعودة إلى إيران للاستثمار في النفط والغاز، كما كان الحال في عهد شاه إيران. وفي المقابل ترفع أمريكا العقوبات المفروضة على إيران منذ سنوات طويلة، والأهم من ذلك كله استرجاع الأموال المحجوزة في عدة دول منها أمريكا وكوريا الجنوبية.

ولكن هل بالفعل سوف يتنازل الصقور في البيت الأبيض عن المطالب المُعلنة والمتمثلة في تفكيك البرنامج النووي الإيراني وكذلك تفكيك مصانع الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية التي تعتبر من بين الأفضل في العالم؟ لا خلاف على أن هناك من المسؤولين في واشنطن سوف يسيل لعابهم لتلك الأرقام الفلكية التي يمكن الحصول عليها من خلال المفاوضات وليس الحرب التي ستكون مُكلِّفة للدولتين.

الذي يهم الدول الغربية في هذه المرحلة هو التفتيش على البرنامج النووي الإيراني ومنع الوصول إلى مستوى الحصول على السلاح النووي. صحيحٌ أن هناك ضغوطاً قديمة جديدة على طهران بهدف الخضوع للمطالب الأمريكية وابتزازها في هذه الفترة للحصول على مزيد من التنازلات خاصة في المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية. ومن هنا أصبح التلويح بخطورة إيران على جيرانها ورقة محروقة، خاصة إذا ما استطاعت مسقط تحقيق السلام المنشود للمنطقة بالدرجة الأولى ونزع فتيل الحرب التي يتوعد فيها الأطراف المتنازعة، لا سميا ونحن نتابع هذه الأيام تحرك الأساطيل الأمريكية وتموضعها في المحيط الهندي والخليج العربي بمزاعم استهداف المفاعلات النووية الإيرانية الخمسة عشرة.

وفي الختام، يجب الاعتراف بأنه في علم السياسة لا توجد عداوة دائمة أو سلام دائم؛ بل قد يتحول أعداء الأمس إلى أصدقاء؛ لأن هناك لغة مصالح تتحدث بها الحكومة الأمريكية اليوم، ولذا الكل يتطلع إلى نجاح الدبلوماسية العُمانية في الخروج بالملف الإيراني من النفق المظلم والنظرة التشاؤمية، والوصول به إلى بر الأمان، بما يُحقق السلام العادل بين إيران وأمريكا ويحفظ حقوق الشعبين، وقبل ذلك كله أمن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

مصدر عُماني يتحدث لـ"رويترز" حول مفاوضات "النووي الإيراني"

مسقط واحة السلام وقبلة الباحثين عن الاستقرار (أرشيفية)

 

الرؤية- غرفة الأخبار

نقلت وكالة رويترز عن مصدر عُماني قوله إن المحادثات بين إيران وأمريكا التي تستضيفها سلطنة عُمان، تهدف إلى تهدئة التوترات الإقليمية وتبادل السجناء والتوصل إلى اتفاقات محدودة لتخفيف العقوبات مقابل كبح البرنامج النووي الإيراني.

وفي وقت سابق، قال معالي وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إن هناك فرصة للتوصل إلى تفاهم أوَّلي بشأن المزيد من المفاوضات "إذا خاضت أمريكا المحادثات على أساس التكافؤ". وأضاف عراقجي أنه عرض مواقف طهران على معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية لينقلها إلى الجانب الأمريكي، بحسب ما نشره حساب على منصة تليجرام للتراسل السريع.

وتنعقد حاليًا محادثات رفيعة المستوى في العاصمة مسقط بين إيران والولايات المتحدة وسط جهود عُمانية حثيثة من أجل إطلاق مفاوضات جديدة بشأن البرنامج النووي الإيراني، في حين هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعمل عسكري إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق.

وأفادت وسائل إعلام إيرانية بوصول وفدين إيراني وأمريكي إلى مسقط. وذكرت وكالة الجمهورية الإسلامية الإيرانية للأنباء أن وزير الخارجية عباس عراقجي الذي يرأس الوفد الإيراني وصل إلى مسقط. فيما يتولى مبعوث الرئيس الأمريكي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف إدارة المحادثات من الجانب الأمريكي.

وبحسب ما نشرته وكالة رويترز، تتعامل طهران مع المحادثات بحذر وتشك في إمكانية أن تؤدي إلى اتفاق، كما أنها متشككة تجاه ترامب الذي هدد مرارا بقصف إيران إذا لم توقف برنامجها النووي.

وفي حين تحدث كل جانب عن فرص تحقيق بعض التقدم، فإن الهوة بينهما لا تزال متسعة بشأن خلاف مستمر منذ أكثر من عقدين من الزمن، كما لم يتفقا على ما إذا كانت المحادثات ستكون مباشرة كما يطالب ترامب، أو غير مباشرة كما تريد إيران.

وقد تساعد مؤشرات على أي تحرك في تهدئة التوتر في المنطقة المشتعلة منذ عام 2023 مع اندلاع الحرب في غزة والأعمال القتالية بين إسرائيل وجماعة حزب الله في لبنان وتبادل إطلاق الصواريخ بين إيران وإسرائيل وهجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر والإطاحة بالنظام في سوريا.

ومع ذلك، فإن الفشل سيفاقم المخاوف من اندلاع حرب أوسع نطاقا في منطقة تُصدّر نسبة كبيرة من نفط العالم. وحذرت طهران الدول المجاورة التي تضم قواعد أمريكية من أنها ستواجه "عواقب وخيمة" إذا شاركت في أي هجوم عسكري أمريكي على إيران.

مقالات مشابهة

  • المفاوضات الإيرانية الأمريكية.. اختبارٌ لنضج الدبلوماسية ومصالح الأطراف
  • بدر بن حمد يُصرح حول "مفاوضات مسقط"
  • عبر الوسيط العُماني.. 3 ملفات ساخنة على أجندة "مفاوضات مسقط" بين إيران وأمريكا
  • مفاوضات نووية حاسمة بين إيران وأمريكا تبدأ في مسقط
  • إيران تكشف أوراقها في مسقط: مفاوضات مشروطة ورسائل غير مباشرة لواشنطن
  • مصدر عُماني يتحدث لـ"رويترز" حول مفاوضات "النووي الإيراني"
  • بـغرفتين منفصلتين.. انطلاق مفاوضات مسقط بين إيران وأمريكا وعراقجي يعلق
  • إيران: وزير الخارجية يتوجه إلى مسقط لإجراء مفاوضات النووي
  • «الخارجية الأمريكية»: محادثات مباشرة مع إيران السبت المقبل