تصعيد "التعريفات الجمركية" يُشعل الحرب التجارية بين أمريكا والصين.. وسط تساؤلات حول التأثير على اقتصادات الخليج
تاريخ النشر: 12th, April 2025 GMT
◄ عقل: الرسوم الأمريكية ستؤثر على الاقتصاد الخليجي بشكل مباشر وغير مباشر
◄ أمريكا راعت بعض السلع المتعلقة بالقطاعات الأمريكية الحساسة
◄ الصين تصف القرارات الأمريكية بـ"التنمر الاقتصادي"
◄ الخارجية الصينية: مستعدون للقتال حتى النهاية في حرب التعريفات الجمركية
الرؤية- سارة العبرية
"لا يُوجد فائز في حرب تجارية".
ولقد أعلنت الولايات المتحدة فرض رسوم جمركية إضافية على السلع الصينية بنسبة 125%، لترتفع نسبة الرسوم الكلية إلى 145%. وبرر ترامب هذه الخطوة بأنها "ضرورة لمعالجة ممارسات تجارية غير عادلة من قبل الصين"، خاصة في ما يتعلق بدعمها المفرط للشركات الحكومية واتهامها بتصدير مواد أفيونية كالفنتانيل، التي تلقي واشنطن عليها اللوم في أزمة صحية خانقة داخل الأراضي الأمريكية.
ورغم ما تحمله هذه الخطوة من لهجة عدائية واضحة، فإنها لم تكن شاملة تمامًا؛ إذ استثنى البيت الأبيض من هذه الرسوم عددًا من المنتجات الحيوية والاستراتيجية مثل النحاس، الأدوية، أشباه الموصلات، الأخشاب، ومنتجات الطاقة. كما أشار البيان الرئاسي إلى أن السيارات والصلب والألمنيوم خضعت لتعريفات منفصلة بنسبة 25%، وهو ما يعكس أن التصعيد رغم شدته كان محسوبًا بدقة، بحيث لا يضر القطاعات الأمريكية الحساسة التي تعتمد بشكل كبير على هذه الواردات.
وعلى الرغم من أنَّ الخطاب الرسمي الأمريكي يركز على حماية الاقتصاد الوطني من الممارسات التجارية "غير العادلة"، فإن دوافع إدارة ترامب وراء تصعيد الحرب التجارية مع الصين تتجاوز هذا الإطار المعلن، ويكمن في جوهرها الضغط المباشر على بكين لتغيير سياساتها الاقتصادية، لا سيما فيما يتعلق بدعم الشركات الحكومية بشكل يمنع المنافسة العادلة، إلى جانب فرض قيود معقدة أمام دخول الشركات الأجنبية إلى السوق الصينية، كما أن العامل السياسي الداخلي يحتل حيزًا مهمًا في خلفية هذا القرار؛ إذ يسعى ترامب إلى توظيف التصعيد التجاري لتعزيز صورته الانتخابية كرجل قوي وحازم في الدفاع عن المصالح الاقتصادية الأمريكية.
ومن الأهداف الجوهرية كذلك، تقليص العجز الهائل في الميزان التجاري مع الصين، والذي بلغ في عام 2024 نحو 295.4 مليار دولار بزيادة قدرها 5.8% عن العام السابق، ما يزيد من الضغوط على الصناعة الأمريكية ويضعف القدرة التنافسية للمنتج المحلي.
إلى جانب ذلك، ربطت الإدارة الأمريكية هذه الرسوم بمسائل الأمن القومي، خصوصًا ما يتعلق بتدفق مادة الفنتانيل من الصين، وهي مادة أفيونية خطيرة تتسبب في أزمة صحية متفاقمة داخل الولايات المتحدة، كما أن استثناء واشنطن لبعض القطاعات التكنولوجية من الرسوم يشي بأن هناك حسابات استراتيجية تهدف إلى كبح تمدد الصين في مجالات التكنولوجيا المتقدمة، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات.
رد صيني حاسم
وفي المقابل، قالت وزارة المالية الصينية، الجمعة، إن "بكين ستفرض رسوما جمركية بنسبة 125 بالمئة على السلع الأمريكية اعتبارا من يوم السبت الموافق 12 أبريل، ارتفاعاً من 84 بالمئة التي أعلنتها في وقت سابق"، الأمر الذي يزيد من حدة حرب تجارية تنذر باضطراب سلاسل التوريد حول العالم.
وتأتي هذه الخطوة بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقفاً مؤقتاً، لمدة 90 يوماً، بشأن زيادة الرسوم الجمركية، على عشرات الدول، لكنه رفع الرسوم على الصين إلى 125 بالمئة.
وأضافت الوزارة الصينية أن "بكين ستتجاهل أي رسوم جمركية إضافية من الولايات المتحدة على المنتجات الصينية".
والصين لم تقف مكتوفة الأيدي، فقد أصدرت وزارة التجارة الصينية بيانات شديدة اللهجة، وصفت الإجراءات الأمريكية بأنها "تنمر اقتصادي" وانتهاك صارخ لقواعد التجارة الدولية.
وكانت الصين قد تعهدت باتخاذ تدابير مضادة في أعقاب إعلان زيادة الولايات المتحدة رسومها الجمركية على السلع الصينية، ولكنها حثت على الحوار لتسوية الملفات المتبادلة واستقرار العلاقات بين البلدين.
وقال وزير التجارة الصيني "إن ما تسمى الرسوم الأمريكية المضادة تعدّ انتهاكا خطيرا للمصالح المشروعة لكل الدول، وأضاف أن بلاده ترغب في حل الخلافات من خلال التشاور والمفاوضات ولكن إذا مضى الجانب الأميركي في طريقه فإنَّ الصين ستقاتل للنهاية"، بحسب ما أوردت وكالة رويترز.
من جهته، قال مسؤول بوزارة التجارة الصينية -في بيان- يوم الأربعاء "أريد أن أؤكد أنه لا يوجد فائز في حرب تجارية، ولا تريد الصين حربا تجارية. ولكن الحكومة لن تقف مكتوفة الأيدي بأي حال من الأحوال عندما تتضرر وتنتهك الحقوق والمصالح المشروعة لشعبها".
وأضاف المسؤول الصيني أنَّ استخدام الولايات المتحدة للتعريفات الجمركية سلاحا لممارسة أقصى قدر من الضغط والسعي لتحقيق مصالحها الذاتية عمل نموذجي للأحادية والحمائية والتنمر الاقتصادي، بحسب ما نقلت وكالة شينخوا الرسمية.
وأشار إلى أن بلاده على استعداد للتواصل مع الجانب الأميركي بشأن القضايا الاقتصادية والتجارية الثنائية الرئيسية، ومعالجة اهتمامات كل منهما من خلال الحوار والمشاورات على قدم المساواة.
ومن جانبه، قال لين جيان، المتحدث باسم الخارجية الصينية -خلال مؤتمر صحفي- الأربعاء "إذا كانت الولايات المتحدة عازمة على شن حرب تعريفات جمركية أو حرب تجارية، فإن الصين مستعدة للقتال حتى النهاية"، مؤكدا أن بلاده تمتلك القدرة والثقة للتعامل مع مختلف المخاطر والتحديات.
وفي ظل التوتر الحاصل بين البلدين، صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنه "يرغب في التوصل إلى اتفاق مع الصين لإنهاء الحرب التجارية المتصاعدة".
التأثير على اقتصاد الخليج
وحول التأثير على الأسواق الخليجية: قال أحمد عقل الخبير المالي ومحلل الأسواق "إن فرض الرسوم الجمركية الأمريكية ستكون له تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على الاقتصاد الخليجي، خاصة على أسواق المال والعملات".
وأوضح عقل أنَّ العملات الخليجية مربوطة بشكل وثيق بالدولار الأمريكي، مما يعني أن أي تقلبات في قيمة العملة الأمريكية ستُؤثر بشكل مُباشر على قوة هذه العملات، متوقعاً أن يشهد الدولار تراجعاً في قيمته خلال الفترة المقبلة إذا استمرت الحرب الجمركية، مما سيرفع تكلفة الصادرات الأميركية إلى الخليج، وينتج عنه أعباء إضافية على أسعار الهواتف الذكية والسيارات، والأجهزة الإلكترونية.
وفيما يتعلق بأسواق المال الخليجية، قال الخبير المالي ومحلل الأسواق "إن هناك ركودا ملحوظا في حركة الأسهم بالمنطقة في الوقت الراهن، موضحا أن الشركات القيادية في البورصات الخليجية ستكون الأكثر عرضة للخطر بسبب هذه التغيرات، خصوصا في القطاعات التي تعتمد بشكل كبير على النفط أو المنتجات المرتبطة بالدولار".
وتوقع عقل أن تتأثر أرباح الشركات النفطية وخاصة البتروكيميائية بشكل كبير إذا استمر التراجع في الطلب على النفط، مشيرا إلى أن "هناك فرصة للمستثمرين الخليجيين للاستفادة من انهيار الأسهم العالمية وشرائها بأسعار منخفضة، مما قد يحقق عوائد كبيرة في المستقبل حين تتحسن الأوضاع الاقتصادية العالمية".
حجم التجارة بين الصين وأمريكا
تشير بيانات مكتب التمثل التجاري الأمريكي "يو إس تي آر " (USTR) إلى أن حجم التبادل التجاري في السلع مع الصين في عام 2024 بلغ نحو 582.4 مليار دولار، موزعة على النحو التالي: الصادرات الأمريكية إلى الصين: 143.5 مليار دولار، بانخفاض قدره 2.9% مقارنة بعام 2023، والواردات الأمريكية من الصين: 438.9 مليار دولار، بزيادة قدرها 2.8% عن العام السابق، والعجز التجاري لمصلحة الصين: 295.4 مليار دولار، ويمثل ارتفاعًا بنسبة 5.8% عن عام 2023.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
من سيصمد في معركة عض الأصابع التجارية بين أمريكا والصين؟
قال كبير مراسلي أمريكا الشمالية في شبكة "بي بي سي"،جون سودوورث، إن الحرب التجارية الأمريكية الحالية لم تعد مواجهة متعددة الجبهات مع العالم، بل تحولت إلى صراع مباشر بين الولايات المتحدة والصين، في ساحة مألوفة للرئيس دونالد ترامب.
ومع أن بعض الرسوم الجمركية الانتقامية التي فُرضت على دول متعددة جُمّدت مؤقتًا لمدة تسعين يومًا، إلا أن الرسوم العامة بنسبة 10 في المئة لا تزال قائمة، بينما واجهت الصين، التي تمثل نحو 14 في المئة من واردات الولايات المتحدة، إجراءات أكثر قسوة، وصلت فيها الرسوم إلى 125 في المئة.
وبرر ترامب هذا التصعيد برد بكين المحتمل بفرض رسوم نسبتها 84 في المئة على السلع الأميركية، واصفًا الخطوة بأنها تعكس "قلة احترام".
وبالنسبة له، فإن هذا التصعيد هو محاولة لاستكمال ما لم يُنجز خلال ولايته الأولى، بهدف إعادة صياغة النظام التجاري العالمي الذي اعتبر الصين مركزه الصناعي.
ويرى ترامب أن من الواجب قلب المفهوم السائد القائل إن تعميق العلاقات التجارية مع الصين هو مصلحة بحد ذاتها.
ويعود جذور هذا التوجه إلى ما قبل صعود ترامب السياسي، حين كانت معظم القوى العالمية ترى في توسيع التجارة مع الصين فرصة للنمو والربح، من خلال توفير سلع منخفضة التكلفة وتعزيز سلاسل التوريد العالمية.
وكانت الصين قد بدأت، بدعم من الدولة، تنفيذ خطة "صُنع في الصين 2025" لتزعم قطاعات صناعية استراتيجية، ما أثار قلقًا متزايدًا لدى صناع القرار في واشنطن.
ترامب، الذي دأب خلال حملته الانتخابية على اتهام الصين بتقويض الاقتصاد الأميركي، أطلق شرارة الحرب التجارية في ولايته الأولى، ما أدى إلى كسر الإجماع التقليدي بشأن العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
ومع أن الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن احتفظ بمعظم الرسوم الجمركية المفروضة، إلا أن التأثير على بنية الاقتصاد الصيني كان محدودًا.
ووفق سودوورث، فقد نجحت الصين في تعزيز موقعها، حيث تنتج اليوم 60 في المئة من السيارات الكهربائية في العالم، وتهيمن على 80 في المئة من بطاريات تلك السيارات، معظمها من شركات محلية.
ومع عودة ترامب إلى المشهد بتصعيد جديد في الرسوم الجمركية، تواجه التجارة العالمية واحدة من أعنف الهزات في تاريخها الحديث.
ويثير هذا المشهد تساؤلين محوريين بحسب سودوورث: هل ستقبل الصين التفاوض؟ وإذا قبلت، فهل ستوافق على تقديم تنازلات كبيرة تشمل إصلاح نموذجها الاقتصادي القائم على التصدير؟ من الصعب التنبؤ برد بكين، نظرًا لطبيعة النظام السياسي الصيني ورؤيته للتنمية الاقتصادية كجزء من مشروع سيادي وطني.
كما أن سيطرة الحزب الشيوعي على المعلومات تجعل من غير المرجح أن تنفتح الصين أمام الشركات الأجنبية بالشكل الذي تطالب به واشنطن.
ويبقى هناك سؤال ثالث موجه إلى الولايات المتحدة نفسها: هل ما زالت تؤمن بالتجارة الحرة؟ إذ يشير ترامب مرارًا إلى أن الرسوم الجمركية ليست فقط وسيلة لتحقيق هدف، بل هي سياسة اقتصادية بحد ذاتها، تهدف إلى حماية الصناعة المحلية وزيادة الإيرادات.
وفي حال رأت الصين أن واشنطن تسعى من خلال هذه الإجراءات إلى تحقيق مكاسب داخلية لا تفاوض بشأنها، فقد تجد أن لا جدوى من المحادثات.
وهو ما قد يُفضي إلى مواجهة طويلة الأمد على الهيمنة الاقتصادية بين القوتين العظميين، في مشهد عالمي جديد يحمل في طياته الكثير من المخاطر.