بوابة الفجر:
2025-04-12@21:31:10 GMT

القاتل الخفي.. إرهاب لا تراه العيون

تاريخ النشر: 12th, April 2025 GMT

قد تظن أن أقسى أنواع العنف هي تلك التي تترك أثارًا جسدية واضحة، لكن الحقيقة أن هناك نوعًا آخر أشد قسوة، يتسلل بهدوء، يفتك بالعقل والقلب دون أن يُرى، إنه الإرهاب النفسي.

ذلك العنف الصامت الذي يُمارَس كل يوم في البيوت، أماكن العمل، والشارع، دون أن يلتفت إليه أحد، رغم أنه يدمّر الأرواح ويترك أصحابها في صراع دائم مع أنفسهم ومع العالم من حولهم.

في كل يوم، نتعرض جميعًا لشكل خفي من العنف لا تلتقطه الكاميرات، ولا يُوثق في تقارير الشرطة، لكنه ينهش في أرواحنا ببطء، ذاك النوع من الترويع المعنوي الذي لا يترك كدمات مرئية، لكنه يخلف جروحًا غائرة في النفس قد لا تلتئم أبدًا.

الإرهاب النفسي لا يأتي دائمًا من عدو، بل قد يكون مصدره شخص قريب، زميل في العمل، مدير، جار، أو حتى فرد من العائلة.

يبدأ بصمت، ويُمارس بأدوات خفية: اتهامات مستمرة، تشكيك في القدرات، تشويه السمعة، ضغوط متواصلة، ونزع الثقة بالنفس.

إنه شكل من التلاعب النفسي القاسي الذي يدفع الضحية إلى حافة الانهيار.

تخيل شخصًا يتهمك زورًا بتهم خطيرة، مستغلًا جهل من حولك، وضعف الوعي الجمعي، فيبدأ الناس في تصديق الأكاذيب، فقط لأنهم لا يعرفون الحقيقة أو لأنهم ببساطة لا يريدون أن يفكروا.

أنت هنا تتحول من ضحية إلى متهم، تقضي وقتك في الدفاع عن نفسك بدلًا من أن تحيا بسلام.

جار لنا من الأشقاء السودانيين الذين فروا من ويلات الحرب إلى مصر، اضطر رجل إلى ترك منزله المجاور بعدما تعرض لمضايقات متكررة من بلطجي، ليس لضعفه، بل لأنه لم يجد من يحميه نفسيًا أو مجتمعيًا، فآثر السلامة والانتقال إلى مكان آخر، أو ربما غادر مصر كلها وعاد إلى بلده دون أن يبدي أي اعتراض أو يخبر أحد بذلك، وعرفت ذلك صدفة من أحد الجيران.

وفي حادثة أخرى، انتحر موظف بعد ضغوط شديدة مارسها عليه مديره، لأشهر كانت كفيلة بتحطيم صورته الذاتية وتحويله في نظر نفسه إلى فاشل.

أيضًا تفضيل مديرك لشخص آخر عليك بما يخالف الحقيقة أيضًا إرهابا نفسيا، ومعياره هنا الحب والكره، أحبك فأنت له أفضل موظف، وإن كرهك فهو لا يراك ولو كنت أفضل شخص في الكرة الأرضية بمعايير الأفضلية المتعارف عليها.

ما يحدث هنا هو قتل معنوي ببطء، الضحية يحارب وحيدًا، يحاول إقناع من حوله بأنه ليس كما يُشاع عنه، بينما يتفاقم داخله الألم والتوتر وفقدان الثقة.

الإرهاب النفسي ظاهرة أخطر بكثير مما نتصور، لأنها لا تُرى، ولا يُحاسَب مرتكبوها غالبًا.

الضحايا يعيشون في قلق دائم، ينهارون من الداخل، وقد لا ينجو البعض منهم.

هو أشد من التنمر وأعلى من الاعتداء الجسدي، قنبلة موقوتة تهدد المجتمع كله، لا الأفراد فقط.

لهذا، يجب أن نعيد النظر في طريقة تعاملنا مع هذه الظاهرة، ويجب أن نرفع الوعي المجتمعي بها، نُعلم الناس كيف يميزونها ويحمون أنفسهم منها، ونضع ضوابط قانونية وأخلاقية توقف المعتدين وتُعاقبهم.

فليس كل الإرهاب يُمارس بالسلاح، بعضه يُمارس بالكلمة، بالنظرة، وبالصمت القاتل، والأخطر السكوت عنه، لأن السكوت أو الرضا بما يقال أو تأييد الإرهابي نفسه، يعد مشاركة في تلك الجريمة.

 

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: العنف قسوة الإرهاب النفسي الارهاب كدمات تشويه السمعة الثقة الثقة بالنفس التلاعب النفسي الانهيار الوعي الجمعي

إقرأ أيضاً:

كاريكاتير| لا تحرقوا الحقيقة

كاريكاتير| لا تحرقوا الحقيقة

مقالات مشابهة

  • إحدى العيون بالخرج قبل 96 عام
  • أحمد رضا يخطف هدف التعادل للاهلي في مرمى بيراميدز بالوقت القاتل
  • الانتماء النفسي
  • كاريكاتير| لا تحرقوا الحقيقة
  • دوري نجوم العراق.. فوز ثمين بالوقت القاتل لكربلاء على زاخو
  • أردوغان: السكوت عن مجازر غزة مشاركة في الجريمة.. وإسرائيل دولة إرهاب
  • أردوغان: إسرائيل دولة إرهاب ولن نسمح بالمساس بأمن سوريا
  • شعبة الإرشاد النفسي والاجتماعي في تربية حمص… حرصٌ مستمرٌ على رعاية الطلبة والتلاميذ
  • الحكيم يحذر من التدافع الذي يخلف نتائج صفرية تهدر الجهد والوقت