«السيدة العجوز».. إثبات «الشباب المتجدد»!
تاريخ النشر: 25th, August 2023 GMT
ميلانو (أ ف ب)
بعد موسم للنسيان أدى إلى معاقبته، بحسم 10 نقاط من رصيده، بسبب فضيحة التلاعب بالبيانات المالية، ثم حرمانه من الاتحاد الأوروبي بالمشاركة في مسابقة «كونفرنس ليج» بسبب الدوري السوبر الأوروبي، يبدو يوفنتوس عازماً أكثر من أي وقت مضى على استعادة مكانته، والفوز بلقب الدوري الإيطالي الذي احتكره طيلة تسعة أعوام، قبل أن يُزاح عن الزعامة في المواسم الثلاثة الماضية.
وظهر فريق المدرب ماسيميليانو أليجري بصورة واعدة، خلال المرحلة الأولى من الموسم الجديد، بفوزه «خارج الديار» على أودينيزي بثلاثية، لفيديريكو كييزا، والصربي دوشان فلاهوفيتش الذي أثيرت التكهنات بشأن مستقبله، وقيل أن هناك إمكانية لرحيله إلى تشيلسي الإنجليزي، في صفقة مقايضة مع البلجيكي روميلو لوكاكو، والفرنسي أدريان رابيو.
ويسعى فريق «السيدة العجوز» إلى تأكيد هذه البداية القوية، حين يستقبل بولونيا «الأحد» على ملعبه «أليانز ستاديوم».
لعب يوفنتوس اللقاء الافتتاحي ضد أودينيزي بذهنية هجومية مغايرة للأسلوب المتحفظ الذي عاب مدربه أليجري، ما دفع كييزا الى الإشادة بهذا التغيير و«الأسلوب الكروي المعاصر» الذي قدمه الفريق في «أوديني»، خلال لقاء أظهر فيه نجم فيورنتينا السابق، أنه وضع خلفه تبعات الإصابات التي أثرت على مستواه الموسم الماضي.
لكن أليجري نفسه لم يتخلَ عن مقاربته المتحفظة ورفض الحديث عن الذهنية الهجومية الجديدة والتغييرات التكتيكية، مفضلاً تسليط الضوء على كيفية لعب كييزا في الخط الأمامي.
وقال إن «عليه تسجيل من 14 الى 16 هدفاً هذا الموسم» إنه يضيع مواهبه على الجناح».
لكن كان هناك شيء جديد في يوفنتوس خلال هذا الصيف، وهو التفاؤل الذي كان مفقوداً الموسم الماضي، حتى قبل أن تنتهي محاكمته ومحنته أمام المحاكم الرياضية، ومعاقبته بحسم 10 نقاط من رصيده محلياً، ما أرجعه إلى المركز السابع عوضاً عن «الوصافة»، ومن ثم إيقافه لمدة موسم من المشاركة القارية في «تسوية» أدت إلى انسحابه من الدوري السوبر الأوروبي، تاركاً بذلك ريال مدريد وبرشلونة الإسبانيين يقاتلان من أجل هذا الدوري المنافس لدوري أبطال أوروبا.
سجل يوفنتوس 35 هدفاً فقط الموسم الماضي من اللعب المفتوح، وكانت مبارياته في كثير من الأحيان مملة.
وقد عوقب أليجري ويوفنتوس على هذا الأداء بالخروج المبكر من دوري أبطال أوروبا، وابتعاده كثيراً عن نابولي المحلق في صدارة الدوري، إضافة إلى خروجه من نصف نهائي مسابقة الكأس على يد الإنتر.
لتأكيد بدايتهما القوية -في حين يشدد كييزا على أن هدف يوفنتوس هذا الموسم، هو العودة إلى دوري الأبطال، من خلال حلوله بين الأربعة الأوائل، فإن المراقبين في إيطاليا جعلوا من فريق أليجري أحد أبرز المرشحين للفوز بلقب الدوري، لاسيما أن منافسيه نابولي البطل وميلان في مرحلة انتقالية.
وبدا يوفنتوس هذا الصيف متعطشاً أكثر من أي وقت مضى، مع استعادة ثقة مماثلة لتلك التي شعر بها حين تعاقد مع النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو في «صيف 2018».
وعلى غرار يوفنتوس، يخوض ميلان مباراته الأولى أمام جمهوره، حين يستضيف تورينو «الأحد»، باحثاً عن فوزه الثاني توالياً، وتأكيد نجاح صفقاته التسع التي أبرمها هذا الصيف.
وتألق الوافدان الجديدان الأميركي كريستيان بوليسيك والهولندي تيجاني رايندرز في المباراة الأولى ضد بولونيا، ما منح جمهور «الروسونيري» الأمل باستعادة اللقب الذي أحرزه الفريق الموسم قبل الماضي، والوصول إلى اللقب العشرين قبل الجار اللدود الإنتر.
وبعد الفوز على مونتسا في «سان سيرو» بهدفي الأرجنتيني لاوتارو مارتينيس، يختتم الإنتر المرحلة «الاثنين» على أرض كالياري.
وتتجه الأنظار «الأحد» الى ملعب «دييجو أرماندو مارادونا»، حيث يخوض نابولي مباراته الأولى بين جماهيره، باحثاً عن تأكيد بدايته القوية على حساب ساسوولو.
وبدأ نابولي حملة الدفاع عن اللقب الذي احرزه بعد ثلاثة عقود من الانتظار، بقوة، من خلال فوزه على مضيفه العائد مجدداً بين الكبار فروزينوني 3-1 بفضل ثنائية لهدافه النيجيري فيكتور أوسيمين.
ونجح المدرب الفرنسي رودي جارسيا بالخروج منتصراً من ظهوره الرسمي الأول مدرباً للفريق الجنوبي، بعد حلوله بدلاً من لوتشانو سباليتي الذي ترك الفريق بشكل مفاجئ، قبل أن يستلم مؤخراً تدريب المنتخب الإيطالي.
وتمكّن نابولي من الحفاظ على أبرز نجومه بعد تتويجه باللقب، وفي طليعتهم أوسيمهن، المرجح أن يمدّد عقده حتى 2026 في الأسابيع المقبلة، والذي كان على موعد مع التهديف منذ بداية الموسم، بعدما أنهى الذي سبقه كأفضل هداف بـ 26 هدفاً.
ورأى النيجيري أنه «من المهم بدء هذا الموسم بشكل جيد من خلال فوز جميل وتسجيلي شخصياً هدفين في مباراة لم تكن سهلة»، مشدداً في تصريحه لشبكة «دازون» للبث التدفقي "يجب أن نواصل هذه الانطلاقة».
وافتقد أوسميين السبت الماضي لزميله في الهجوم الجورجي خفيتشا كفاراتسخيليا بسبب إصابة طفيفة، لكن الأخير سيعود «الأحد» ضد ساسوولو.
وبعدما كان أبرز ضحايا المرحلة الافتتاحية، بخسارته على أرض ليتشي 1-2، يلتقي لاتسيو الوصيف «الأحد» مع ضيفه جنوى، فيما يلعب جاره روما الذي كان في طريقه للسقوط على أرضه أمام ساليرنيتانا، قبل أن ينقذه أندريا بيلوتي بإدراكه التعادل 2-2 في آخر 8 دقائق، في ضيافة هيلاس فيرونا «السبت».
أما أتالانتا، خامس الموسم الماضي، يبحث «السبت» عن فوزه الثاني توالياً على حساب مضيفه فروزينوني.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الدوري الإيطالي يوفنتوس إنتر ميلان ميلان نابولي
إقرأ أيضاً:
حين تُهذِّبُنا المواقف قبل العبادات
سلطان بن محمد القاسمي
نعيش هذه الأيام أوقاتًا عظيمة، وأزمنة كريمة، هي ساعات شهر رمضان المبارك، ودقائقه، وثوانيه الفريدة، وهي تمر سريعًا حتى لا تكاد تمسك إلا من حريصٍ ومثابر. فكم من شخصٍ أدرك رمضان العام الماضي وهو بيننا، ثم لم يُكتب له أن يشهده هذا العام، وكم من متمنٍّ أمله أن يبلغ هذه الأيام لينهل من بركاتها، لكن شاء الله له أمرًا آخر.
وشهر رمضان فرصة لا تشبهها الفرص، هي فرصة الروح لتنتعش، والقلوب لتبتهج، والنفوس لترتاح وتسعد. رمضان ليس مجرد صيام عن الطعام والشراب، بل مدرسة تربيةٍ عظيمة، تفتح أبوابها كل عام؛ لتهذب النفوس، وتعيد ترتيب الأولويات، وتغرس في الإنسان معنى العطاء، والرحمة، والصبر، والإحسان.
قبل أيام قليلة، شدني موقف لن أنساه، موقف علمني معنىً آخر من معاني الصيام، لا يُدرَك إلا بالتأمل والتدبر. كان ذلك في إحدى الليالي الرمضانية، عندما ذهبت إلى محل الخضراوات والفواكه لشراء بعض الحاجيات قبل الإفطار. المحل كان يعج بالناس، وكلٌّ منهم مستعجلٌ يريد إنهاء مشترياته سريعًا، فليس هناك وقت طويل قبل الآذان.
وقفت في الطابور عند الميزان، وكان أمامي رجلٌ مسن، يبدو عليه الإرهاق من الصيام، يحمل في يده بعض الخضراوات القليلة، وكان واقفًا بصعوبة، بينما يداه ترتجفان قليلًا وهو يحاول ترتيب الأكياس في يده. في تلك اللحظة، دخل شاب يبدو في عجلة من أمره، وبدون أن ينظر إلى الطابور، وقف مباشرة أمام الرجل العجوز ووضع سلة مليئة بالخضراوات على الميزان، متجاهلًا تمامًا من كان قبله.
نظر إليه العجوز بلطف، وقال بصوت هادئ لكنه يحمل في نبرته رجاءً واضحًا: "يا بني، أنا هنا منذ فترة، وقد تعبت من الوقوف، لو سمحت انتظر دورك". التفت الشاب إليه بنظرة ضيق وقال بلا اكتراث: "أنا مستعجل، ولن يأخذ الأمر إلا لحظة!". كنت أتوقع أن يغضب العجوز أو يحتج، لكن المفاجأة أنه فقط ابتسم قليلًا، وقال بصوتٍ هادئ: "الله يهديك، ويبارك لك في وقتك".
في تلك اللحظة، تدخل رجل آخر، يبدو أنه كان يراقب المشهد مثلما كنت أفعل، وقال للشاب: "أخي، كلنا مستعجلون، لكن لن ينقص منك شيء لو انتظرت دورك، هذا الرجل مسن ومتعب، ألا يستحق أن تقدم له الاحترام؟". صمت الشاب لبرهة، ثم تنهد وقال: "معك حق"، وعاد إلى الصف وهو يتمتم بكلمات خجولة.
ما شدني في هذا الموقف ليس فقط تصرف الشاب؛ بل ردة فعل العجوز، الذي لم يغضب، ولم يرفع صوته، ولم يرد الإساءة بمثلها؛ بل دعا له بالهداية، وكأنه يقول لنا جميعًا: "ليس في رمضان متسعٌ للغضب، ولا جدوى من الجدال".
تأملت هذا المشهد طويلًا، وأدركت كم نحن بحاجة إلى ضبط أنفسنا، ليس فقط عن الطعام والشراب، بل عن الأفعال التي تفقدنا روح رمضان الحقيقية. كم من شخصٍ يصوم عن الطعام، لكنه لا يصوم عن الأذى؟ وكم من شخصٍ يمسك لسانه عن الكذب، لكنه يطلقه في الغيبة والنميمة؟ فالصيام لا يكون صيامًا حقيقيًا إلّا إذا انعكس على سلوكنا، وجعلنا أكثر رقيًّا، وتهذيبًا، ورحمةً بالآخرين.
حين عدت إلى المنزل، جلست أفكر في هذا الرجل العجوز، ما الذي جعله بهذه الحكمة والهدوء؟ ربما هي تجارب السنين، وربما فهمه العميق لمعنى الصيام، وربما إدراكه أن رد الفعل لا يجب أن يكون دائمًا بنفس الفعل. حينها، تذكرت حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "فإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل إني صائم".
أخذتُ أتأمل هذه الكلمات، وكأنها نزلت في ذلك المشهد تمامًا؛ فالصائم الحقيقي لا يرد على الإساءة بالإساءة، بل يرتقي بنفسه فوق الانفعالات اللحظية، لأنه يدرك أن رمضان ليس ساحة للجدال؛ بل ساحة للتهذيب والتسامح.
بعد ذلك الموقف، قررتُ أن أراقب نفسي في رمضان، وأن أنتبه لكل فعلٍ يصدر مني، لكل كلمةٍ أقولها، وأن أجعل صومي تدريبًا حقيقيًا على التحلي بالحلم، والصبر، وضبط النفس. فكم من مشاحناتٍ تحدث بسبب أمورٍ تافهة؟ وكم من كلماتٍ نلقيها بلا مبالاة فتجرح قلوبًا لم تقترف ذنبًا؟ رمضان هو فرصة حقيقية لنراجع أنفسنا، لنرى أي جزءٍ منا بحاجة إلى إصلاح، وأي عادةٍ سلبية يجب أن نستبدلها بعادةٍ أفضل.
أدركتُ أيضًا أن الصيام لا يقتصر على الامتناع عن الأكل والشرب، بل يمتد ليشمل كل ما يجعلنا أقرب إلى الله، وأقرب إلى الناس بالمودة والرحمة. فكما أن رمضان يُعلِّمنا الصبر على الجوع، فهو يُعلِّمنا الصبر على أذى الآخرين، وكما أنه يدرّبنا على التحكم في شهواتنا، فهو يدرّبنا على التحكم في غضبنا، وكما أنه يجعلنا نشعر بألم الفقراء، فهو يزرع فينا الإحساس بآلامهم، ويدفعنا إلى مساعدتهم ولو بالكلمة الطيبة.
حين أفكر في ذلك الرجل العجوز، أشعر وكأنه أعطاني درسًا دون أن يقصد، فقد جعلني أُفكِّرُ في كم المرات التي غضبت فيها لأسباب تافهة، وكم من المرات التي رفعت صوتي في نقاش لا يستحق، وكم من المرات التي نسيت فيها أن الصيام تهذيب للنفس، وليس مجرد امتناع عن الطعام.
منذ ذلك اليوم، صرت أُذكِّر نفسي كلما واجهت موقفًا يستفزني أنني في رمضان، وأن عليّ أن أقول: "إني صائم"، ليس فقط بلساني، بل بقلبي، وسلوكي، وتصرفاتي. تعلمت أن رمضان ليس موسمًا مؤقتًا من العبادة، بل هو فرصة لإعادة ترتيب النفس، كما يعيد الإنسان ترتيب بيته ومكتبه، هو مساحة لتنظيف الروح من الشوائب التي علقت بها طوال العام، ليخرج منها الإنسان أنقى، وأهدأ، وأكثر سكينة.
ولذلك، قلت في نفسي: نعم، والله إنها لفرصة عظيمة، أن يعود المرء إلى نفسه، فيعيد ترتيب أوراقها، كما يرتب أوراق مكتبه، وألا يتركها مبعثرة، فتكثر الفوضى، وتضيع الأولويات، ويزيد في تنظيم النفس تعطيرها من أحلى الكلام، ورونقها بالذكر، لتطيب مدى الحياة، وتهنأ النفس، ويسعد الجميع.
ومع بدء هذا الشهر المبارك، أدركت أنني لا أريد أن تمر أيامه دون أن أستفيد منها بصدق، وأجعلها محطة لتغيير حقيقي. فما زلنا في بداياته، وما زالت الفرصة أمامنا لنغرس هذه الدروس في أعماقنا، ونعيش كل يوم فيه بروح رمضان الحقيقية، لا بروح العادة. إن لم نتعلم من رمضان كيف نكون أكثر حلمًا وصبرًا ورحمة، فمتى سنتعلم؟ وإن لم نهذب أنفسنا في هذه الأيام، فمتى سنفعل؟ لذا، عزمت أن أجعل كل لحظة من هذا الشهر بدايةً جديدة، وألا أنتظر آخره حتى أراجع نفسي، بل أجعل مراجعتي يومية، وأجعل التغيير تدريجيًا، ليبقى أثره حتى بعد انقضاء الشهر.
تقبل الله منا ومنكم، وأعاننا على اغتنام هذا الشهر بكل خير، وجعلنا من الذين يخرجون منه بقلوب أنقى، وأرواح أصفى.
رابط مختصر