شكّل الاجتماع الثلاثي الذي انعقد في الدوحة بين أمير دولة قطر والرئيس الكونغولي والرئيس الرواندي مفاجأة غير متوقعة في الأوساط الدبلوماسية الأفريقية، لا سيما تلك المهتمة بالأزمة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وفتح هذا اللقاء باب أمل في إمكانية إيجاد حل للأزمة المعقدة التي استعصت على الكثير من الأطراف الإقليمية والدولية التي سعت للحل، كما ألقى الاجتماع الضوء مرة أخرى على جهود قطر الحثيثة للوساطة وقدرتها على حل النزاعات حول العالم، وليس في منطقة الشرق الأوسط وحدها.

يأتي جهد الدوحة لحل الصراع في الكونغو الديمقراطية في ظل مبادرات متعددة ومسارات متنوعة بذلها الأفارقة لحل الصراع منذ اندلاعه في أوائل التسعينيات فيما عرف بحرب الكونغو الأولى والثانية، وتصاعده وانتشاره عبر دول الجوار، ويبدو أن جميع المسارات السابقة قد فشلت في إيجاد حل جذري للصراع.

فما هي تلك المسارات ولماذا فشلت، وهل سينجح مسار الدوحة في تحقيق نجاح فشل فيه الآخرون؟

مسار لوساكا:

في يوم 10 يوليو/ تموز 1999، وقّع رؤساء ست دول هي: الكونغو الديمقراطية، زيمبابوي، أنغولا، ناميبيا، أوغندا ورواندا، وعدد من الفصائل المسلحة على اتفاقية لوساكا للسلام، وتضمنت الاتفاقية وقفًا فوريًا للأعمال العدائية، وتشكيل لجنة عسكرية مشتركة تضم الأطراف المتحاربة تحت رئيس معيّن من منظمة الوحدة الأفريقية (الاتحاد الأفريقي حاليًا)، وتتمثل مهمة اللجنة المشتركة في مراقبة وقف إطلاق النار، ووضع آليات لنزع سلاح المليشيات، ومراقبة انسحاب القوات الأجنبية وفقًا لجدول زمني متفق عليه، بالإضافة لنشر قوات من الأمم المتحدة للمساعدة الإنسانية والمراقبة وحماية المدنيين، ومن ثم الشروع في حوار سياسي بين الأطراف؛ بهدف التوصل إلى نظام سياسي جديد في الكونغو الديمقراطية.

إعلان

وتم تحديد الحركات المسلحة المعنية بالاتفاق وهي: مليشيا الإنترهاموي وهي من بقايا النظام الرواندي السابق المتهم بارتكاب الإبادة عام 1994، وماي ماي المدعومة من الكونغو، وقوات التحالف الديمقراطي الأوغندية، وحركة يونيتا الأنغولية، وقوات الدفاع عن الديمقراطية البوروندية.

كان من المقرر أن يدخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ خلال 24 ساعة من التوقيع، أي يوم الثلاثاء 31 أغسطس/آب 1999، لكن تم تبادل الاتهامات بين الأطراف الموقعة على الاتفاقية، وتصاعدت الحرب الإعلامية، مما دعا حركة تحرير الكونغو إلى إعلان إلغاء وقف إطلاق النار بعد زعم هجوم الجيش الكونغولي على مواقعها، كما تأخر إعلان تعيين رئيس اللجنة العسكرية المشتركة، فضلًا عن عدم توفّر الدعم المالي واللوجيستي للاتفاقية.

في وقت لاحق، تم تعيين الجنرال الجزائري رشيد لعلالي، رئيسًا للجنة العسكرية المشتركة وباشر مهامه، كما قامت منظمة الوحدة الأفريقية بتعيين وسيطين للسلام، وهما: منظمة سانت إيجيديو الإيطالية، والمنظمة الدولية للفرانكفونية، لكن بعض الأطراف رفضت قبولهما كوسطاء وطالبت بوساطة أفريقية.

أقرّت الأمم المتحدة أن الأطراف الموقعة على اتفاق لوساكا في مجال نزع السلاح وإعادة الدمج لم تتمكن من تحقيق أي نزع سلاح ذي معنى من شأنه أن يؤدي إلى الحد من التهديد الأمني للدول المتضررة وخاصة رواندا.

مسار بريتوريا

استضافت بريتوريا عاصمة جنوب أفريقيا في يوليو/ تموز 2002، محادثات سلام بين رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية جوزيف كابيلا، والرئيس الرواندي بول كاغامي، برعاية من رئيس جنوب أفريقيا ثابو مبيكي، والأمين العام للأمم المتحدة، في محاولة لإنهاء الحرب الكونغولية الثانية، التي اندلعت في الكونغو الديمقراطية، وتم الوصول لاتفاق سلام بين البلدين قضى بموافقة رواندا على سحب نحو 20 ألف جندي، مقابل التزام الكونغو الديمقراطية بوقف دعم جماعات الهوتو (مقاتلي القوات الديمقراطية لتحرير رواندا المعارضين والهاربين بعد الإبادة الجماعية في رواندا والمعروفين بالانترهاموي) ونزع سلاحها.

إعلان

يعتبر مسار بريتوريا مكملًا لمسار لوساكا الذي وقع عام 1999، ودعا إلى وقف إطلاق النار وسحب القوات الأجنبية من الكونغو الديمقراطية. ولكن مع ذلك لم تصمد اتفاقية بريتوريا طويلًا، إذ سرعان ما شعر الروانديون أن مصالحهم الاقتصادية والزراعية على الحدود مع الكونغو عُرضت للخطر، وشعر العديد من الأسر الرواندية بالظلم.

وقاد فشل مسار بريتوريا إلى توترات دبلوماسية مستمرة بين جنوب أفريقيا ورواندا عبر عدة محطات أبرزها:

في عام 2013، ساعدت قوات جنوب أفريقية مشاركة ضمن قوات حفظ السلام في الكونغو الديمقراطية في صد هجوم كبير لحركة "23 مارس" في شرق الكونغو الديمقراطية. وفي عام 2021، اتهمت جنوب أفريقيا رواندا بالتجسس على هواتف الرئيس سيريل رامافوزا باستخدام تقنية بيغاسوس الإسرائيلية.

وفي عام 2014، طردت جنوب أفريقيا دبلوماسيين روانديين من أراضيها بزعم تورطهم في مقتل المعارض الرواندي ومدير المخابرات السابق باتريك كاريغا بفندق خارج جوهانسبرغ، وردّت كيغالي بطرد 6 دبلوماسيين من جنوب أفريقيا من أراضيها.

أعلنت جنوب أفريقيا في فبراير/ شباط 2025، بسحب قواتها من الكونغو الديمقراطية بعد مقتل أكثر من 14 جنديًا في هجوم منسق بين حركة "23 مارس" والقوات الرواندية، مما أدى لأزمة دبلوماسية جديدة بين كيغالي وبريتوريا.

عملية لواندا

طلب الاتحاد الأفريقي خلال قمة مالابو المنعقدة في 28 مايو/ أيار 2022، من رئيس جمهورية أنغولا جواو لورينسو التوسط لحل النزاع في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومن جانبه قدّم الرئيس لورينسو دعوة لقمة أفريقية مصغرة في لواندا بتاريخ 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، وحضر القمة رؤساء: بوروندي، الكونغو الديمقراطية، وزير خارجية رواندا، وميسّر عملية السلام الرئيس الكيني السابق أهورو كنياتا.

كان الهدف الرئيسيّ من القمة هو وضع جدول زمني لتنفيذ الإجراءات بهدف وقف الأعمال العدائيّة، وانسحاب حركة "23 مارس" من المناطق التي استولت عليها منذ عام 2022، ووضع إحداثيات متفق عليها من خلال عمليتَي نيروبي ولواندا، وخارطة طريق عملية لواندا في 6 يوليو/ تموز 2022، بجانب وقف الدعم السياسي والعسكري لحركة "23 مارس" والقوات الديمقراطية المتحالفة لتحرير رواندا، وجميع الحركات المسلحة المحلية والأجنبية الأخرى الناشطة في شرق الكونغو الديمقراطية، بالإضافة إلى استئناف الحوار الثنائي بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا لتطبيع العلاقات الدبلوماسية، والالتزام بتنفيذ خارطة طريق عملية لواندا والاتفاقات التي تم التوصل إليها في عملية نيروبي.

إعلان

وأوصت القمة بنزع سلاح حركة "23 مارس" وتسريع تنفيذ برنامج نزع ودمج وتسريح للقوات، وإعادة اللاجئين إلى مناطقهم بالتنسيق مع بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو (مونوسكو).

لم تحقق عملية لواندا نتائج ملموسة بسبب سوء نية الأطراف المعنية، وكذلك الافتقار للإرادة والدعم السياسي والمالي من قبل الاتحاد الأفريقي والهيئات الإقليمية، وتمظهر هذا الفشل في استمرار تقدم حركة "23 مارس" واستيلائها على المزيد من الأراضي، في تجاوز واضح لقرار وقف إطلاق النار الذي تم التوصل له في أغسطس/ آب 2024، في لواندا. كما يعد استيلاء الحركة على مدينة غوما في يناير/ كانون الثاني 2025 ومدن أخرى من بينها بوكافو وكسنغاني رصاصة الرحمة لقرار وقف إطلاق النار وفشل عملية لواندا.

عملية نيروبي

أُطلقت عملية نيروبي للسلام في جمهورية الكونغو الديمقراطية في أبريل/ نيسان عام 2022، بقيادة مجموعة شرق أفريقيا، وتقوم العملية على مبادئ الشمولية والحوار والقيادة الإقليمية والدعم الدولي، وتسعى لإشراك جميع أصحاب المصلحة بما في ذلك حكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية، والجماعات المسلحة، ومنظمات المجتمع المدني، والمجتمع الدولي، والدول المجاورة في إيجاد حلّ سلمي للصراع من خلال الحوار والتفاوض، مع التركيز على القيادة الإقليمية من مجموعة شرق أفريقيا.

عُيّن الرئيس الكيني السابق أهورو كنياتا من قبل رؤساء مجموعة شرق أفريقيا كميسّر ومنسق لقيادة عملية سلام شاملة تشمل حوارًا سياسيًا وتدخلات عسكرية وضمان شمولية الحوار بين الأطراف الكونغولية، كما تم لاحقًا تشكيل خلية من فريق من الشخصيات البارزة، ونشر المبعوثين الخاصّين.

اتخذت القمة العادية لمجموعة شرق أفريقيا رقم 22، التي انعقدت في أروشا في يوليو/ تموز 2022، قرارًا بنشر القوة المشتركة لحفظ السلام في شرق الكونغو الديمقراطية، وتم تنفيذ قرار إرسال القوات المشتركة في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، ولكن فشلت القوة في تحقيق مهامها. فقررت المجموعة في اجتماع القمة العادية رقم 23، التي عقدت بتاريخ 24 نوفمبر/ تشرين الثاني في أروشا، عدم تجديد ولاية القوة، وبحلول 8 ديسمبر/ كانون الأول 2023، بدأ سحب القوة وتسليم المناطق التي كانت تحميها للجيش الكونغولي.

إعلان

على الرغم من أن عملية نيروبي استطاعت جمع عدد من الحركات المسلحة في شرق الكونغو الديمقراطية مع وفد من الحكومة الكونغولية في محادثات استمرت لأيام في نيروبي برعاية ميسّر عملية السلام أهورو كنياتا، فإن المحادثات لم تتوصل لنتائج ذات قيمة كبيرة بسبب غياب حركة "23 مارس"، أبرز الحركات المتمردة.

دمج عمليتي "نيروبي" و"لواندا" في مسار واحد

أعلنت القمة المشتركة لمجموعة شرق أفريقيا، ومجموعة تنمية الجنوب الأفريقي (سادك)، خلال القمة الافتراضية التي انعقدت برئاسة مشتركة بين الرئيسين الكيني والزيمبابوي يوم الثلاثاء 25 مارس/آذار 2025، وبمشاركة الرئيسين الكونغولي والرواندي، دمج عمليتي "نيروبي" و"لواندا" في مسار واحد، والعمل على تسريع الوساطة الأفريقية من خلال إضافة أربعة رؤساء أفارقة سابقين لفريق الوساطة، وهم: الرئيس النيجيري السابق أوليسغون أوباسانغو، رئيسة إثيوبيا السابقة سهلي وورك زودي، كاثرين بانزا رئيسة أفريقيا الوسطى السابقة، وكاجليما موتلانثي رئيس جنوب أفريقيا السابق. ووجّهت القمة الوساطة بوضع خارطة طريق واضحة لتحقيق السلام الشامل في الكونغو الديمقراطية.

صفقة ترامب – الكونغو، هل تؤدي إلى تقويض مصالح جنوب أفريقيا في الكونغو الديمقراطية؟

في ظل الأنباء المتواترة عن رغبة كل من إدارة "ترامب" والحكومة الكونغولية في إبرام اتفاق لاستثمار المعادن الكونغولية مقابل تقديم مساعدات أمنية وعسكرية أميركية للكونغو الديمقراطية، فإن نفوذ ومصالح جنوب أفريقيا في الكونغو الديمقراطية قد يتعرضان للتهديد، لا سيما في ظل التوترات الدبلوماسية المتزايدة بين "واشنطن" و"بريتوريا"، كما قد يشكل الاتفاق المذكور من جهة أخرى دفعة لرواندا بصورة غير مباشرة في سياق خلافها الدبلوماسي مع جنوب أفريقيا.

مسار الدوحة، موازٍ أم مكمل؟

من المقرر أن تستضيف الدوحة يوم الأربعاء 9 أبريل/نيسان 2025، أول لقاء مباشر بين وفد من الحكومة الكونغولية ووفد من تحالف نهر الكونغو وحركة "23 مارس"، وذلك ضمن مسار الدوحة لمباحثات السلام في شرق الكونغو الديمقراطية، على ضوء ما تم الاتفاق عليه في لقاء القمة الثلاثي الذي استضافه سمو أمير دولة قطر يوم الاثنين 18 مارس/آذار الماضي.

إعلان

وسبق لقاء الدوحة المرتقب توقيع قادة تحالف نهر الكونغو وحركة "23 مارس" وممثلين عن مجموعة (سادك) اتفاقًا في مدينة "غوما" يقضي بالانسحاب الفوري والكامل لقوات مجموعة (سادك) من مدينة "غوما".

وأشارت مصادر دبلوماسية لوكالة رويترز إلى أن الوسطاء القطريين استضافوا في الدوحة يوم الجمعة 28 مارس/آذار 2025، جولة ثانية من المحادثات بين ممثلين من الحكومة الكونغولية والحكومة الرواندية وحركة "23 مارس"، بشكل منفصل، دون الخوض في تفاصيل ونتائج هذه الاجتماعات.

الخلاصة

تدخل جهود حل الأزمة الكونغولية – الرواندية في مسار جديد هو "مسار الدوحة"، ومع بداية جولات المحادثات الأولية بين الأطراف المتصارعة في الدوحة، ستحاول قطر إحداث اختراق في جدار الأزمة المعقدة والمتطاولة، وكان وزير الدولة بالخارجية القطرية د. محمد بن عبدالعزيز الخليفي، قد كشف بعد لقائه مع رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية في كينشاسا في فبراير/ شباط الماضي أن قطر تؤيد كافة المبادرات الإقليمية والدولية الهادفة لاستعادة الأمن والاستقرار في الكونغو الديمقراطية، مما قد يعني أن جهود "الدوحة" في الوساطة ستكون مكملة للجهود الأفريقية لحل الصراع، ولن تشكل مسارًا جديدًا منفصلًا.

وفي المجمل، يمكن القول إن من أسباب تعقيد حل الصراع في شرق الكونغو الديمقراطية وصعوبة الحل على الجهات الإقليمية للتوسط في الحل هي الأدوار المتقاطعة التي تلعبها الأطراف الإقليمية مثل أوغندا، وجنوب أفريقيا، وبوروندي، وأنغولا، حيث تنخرط هذه الأطراف بصورة مباشرة أو غير مباشرة في الصراع.

كما يؤدي تباين المصالح الجيوسياسية إلى تعقيد الصراع وإطالة أمده، يُضاف إلى ذلك تعدد مبادرات الحل، ومن بينها وساطة أنغولا، وعملية نيروبي، ودخول مجموعة شرق أفريقيا ومجموعة تنمية الجنوب الأفريقي (سادك) بقوات عسكرية، مما أجّج الصراع بدلًا من حلّه.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات جمهوریة الکونغو الدیمقراطیة فی شرق الکونغو الدیمقراطیة الکونغو الدیمقراطیة فی فی الکونغو الدیمقراطیة مجموعة شرق أفریقیا وقف إطلاق النار جنوب أفریقیا فی بین الأطراف مسار الدوحة حل الصراع مسار ا رئیس ا

إقرأ أيضاً:

الصراع في الكونغو.. تهديدات جديدة للأمن الدولي والمخاطر الإنسانية المتزايدة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تعيش جمهورية الكونغو الديمقراطية أزمة مستمرة في شرق البلاد منذ سنوات، حيث تجتاح المنطقة الصراعات المسلحة التي تشارك فيها مجموعة من الجماعات المسلحة المحلية والإقليمية، أبرزها حركة 23 مارس. تأسست هذه الحركة في سياق صراعات معقدة في مناطق مثل شمال كيفو، والتي شهدت احتكاكًا شديدًا بين القوات الحكومية الكونغولية والجماعات المتمردة. النزاع المستمر ساهم في تفاقم الوضع الإنساني وأدى إلى نزوح جماعي للسكان وتدهور الأوضاع الأمنية في المنطقة، مما أثار مخاوف من تداعياته على استقرار منطقة البحيرات العظمى بشكل عام.

تتفاقم هذه الأزمة في ظل تعقيدات محلية وإقليمية متعددة، حيث تسعى حركة 23 مارس، لتوسيع نطاق سيطرتها السياسية والعسكرية في المناطق التي تسيطر عليها، فيما تواصل حكومة الكونغو الديمقراطية تعزيز موقفها العسكري والسياسي. من جهة أخرى، تتدخل أطراف إقليمية ودولية في النزاع، وهو ما يزيد من تعقيد الجهود المبذولة لإيجاد حل شامل. التحديات الإنسانية الناجمة عن النزاع تتجلى في تدفق اللاجئين إلى دول الجوار، مما يضع عبئًا إضافيًا على المجتمعات التي تستضيف هؤلاء اللاجئين، مثل رواندا وأوغندا، ويزيد من تعقيد المساعي الدولية لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.

وقد أجلت حركة 23 مارس المحادثات التي كانت مقررة في 9 أبريل برعاية قطر إلى أجل غير مسمى، وفقًا لتقرير وكالة رويترز في نفس اليوم. ولم يتم توضيح السبب وراء هذا التأجيل، كما لم تُرسل قطر دعوات رسمية حتى اللحظة. وكانت هناك محادثات تمهيدية بين قطر وجمهورية الكونغو الديمقراطية وحركة 23 مارس في الأسبوع الذي سبق الموعد المحدد للمفاوضات، بهدف وضع أساس للمحادثات حول القضايا الرئيسية. في 9 أبريل، أفاد الصحفيون الكونغوليون عبر وسائل التواصل الاجتماعي أن حركة 23 مارس وضعت عدة شروط مسبقة للمضي قدمًا في المحادثات. من بين هذه الشروط، كان هناك مطلب بالعفو عن كبار قادة الحركة، والحصول على بيان من رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية، فيليكس تشيسكيدي، يؤكد دعمه للحوار المباشر. كما طالبت الحركة بإلغاء قانون كونغولي يشرع تحالفًا بين الجيش الكونغولي والميليشيات الموالية للحكومة، وبتحديد صلاحيات وفد جمهورية الكونغو الديمقراطية في المحادثات بشكل واضح قبل الدخول في القضايا الجوهرية. من جانبها، طالبت جمهورية الكونغو الديمقراطية حركة 23 مارس بالتخلي عن سيطرتها السياسية في المناطق التي احتلتها، مثل غوما وبوكافو، والانسحاب منها، بالإضافة إلى نزع سلاح الحركة وتسريح قواتها.
في 8 أبريل، أعلن الرئيس السابق لجمهورية الكونغو الديمقراطية، جوزيف كابيلا، عن عزمه العودة إلى البلاد للمساهمة في حل الأزمة الأمنية في شرق البلاد، بعد مشاورات مع عدد من الشخصيات السياسية المحلية والدولية. جاء هذا الإعلان بعد إعادة حزبه، حزب الشعب من أجل إعادة الإعمار والديمقراطية (PPRD)، إطلاق أنشطته السياسية في 7 أبريل. منذ عام 2023، كان كابيلا قد غادر البلاد وظل بعيدًا عن الأضواء حتى فبراير الماضي، عندما بدأ في إعادة بناء شبكته السياسية. وعلى الرغم من عودة كابيلا للظهور، فإن الرئيس الحالي، فيليكس تشيسكيدي، ومسؤولين آخرين اتهموه بالتحضير لتمرد وتورطه في دعم حركة 23 مارس. وقد اعتقل الجيش الكونغولي في مارس عددًا من المسؤولين المقربين من كابيلا بتهمة التحضير لانقلاب. في إطار هذه التوترات، أعلن كابيلا عن خطط لعودته عبر الجزء الشرقي من البلاد، مرورًا بغوما التي تسيطر عليها حركة 23 مارس.
في سياق آخر، قامت حركة 23 مارس بتعزيز سلطتها في مناطق مختلفة في مقاطعة ماسيسي جنوب شمال كيفو، حيث استبدلت القادة المحليين في عدة قرى بالموالين لها. ووفقًا لتقرير إذاعة أوكابي، فقد تم فرض سلطات جديدة في قرى مثل روبايا وكيشانغا وكاليمبي، مع محاسبة السكان الذين يرفضون القيام "بالعمل المجتمعي". في الوقت نفسه، بدأت بعض الأسر النازحة العودة إلى قراهم في ماسيسي بعد تحسن الوضع الأمني بفعل الهدوء النسبي في القتال بين الجيش الكونغولي وحركة 23 مارس.

الدلالات والآثار المحلية والإقليمية والدولية لتأجيل محادثات إم23:
   الدلالات المحلية:
       تعزيز الانقسامات السياسية في جمهورية الكونغو الديمقراطية: تأجيل المحادثات يعكس تعقيد الوضع الداخلي في جمهورية الكونغو الديمقراطية. حركة إم23 تضع شروطًا صارمة قبل الدخول في المحادثات، مما يدل على تعميق الهوة بين الحكومة والحركات المتمردة. في المقابل، تصاعد الاتهامات ضد الرئيس تشيسكيدي والاتهامات لكابيلا بالضلوع في الأزمة يعكس توترات سياسية مستمرة داخل البلد.
       تدهور الوضع الأمني في شرق الكونغو: سيطرة حركة إم23 على مناطق في شمال كيفو، مثل غوما وبوكافو، وتشديد قبضتها على القرى في ماسيسي، يعكس استمرار الصراع في المنطقة وتزايد معاناة السكان المحليين. كما أن عمليات الاعتقال والعقوبات المفروضة على السكان تزيد من تفاقم الوضع الإنساني.

   الدلالات الإقليمية:
       تأثيرات على الاستقرار الإقليمي في منطقة البحيرات العظمى: الصراع المستمر بين القوات الكونغولية وحركة إم23 يهدد الاستقرار الإقليمي، خاصة في ظل تورط مجموعات مسلحة أخرى قد تجد في النزاع فرصة للتوسع. الدول المجاورة مثل رواندا وأوغندا قد تتأثر بشكل غير مباشر عبر تدفقات اللاجئين أو تورط جماعات مسلحة محلية في الصراع.
       تصعيد الضغوط على آليات الحل الإقليمي: تأجيل المحادثات قد يضعف جهود الوساطة الإقليمية من قبل دول مثل قطر، وكذلك جهود الاتحاد الأفريقي أو منظمة دول البحيرات العظمى. هذا يعكس التحديات التي تواجهها هذه الهيئات في تحقيق تسوية سلمية بسبب تعنت الأطراف المتنازعة.

   الدلالات الدولية:
       تأثير على العلاقات الدولية مع جمهورية الكونغو الديمقراطية: تأجيل المحادثات يمكن أن يؤثر سلبًا على صورة جمهورية الكونغو الديمقراطية على الساحة الدولية. الدول الغربية والمنظمات الإنسانية قد تزداد في انتقاداتها لحكومة تشيسكيدي إذا استمر التصعيد الأمني وتعثر الحلول السياسية.
       التأثير على العلاقات مع الأمم المتحدة والجهات الدولية المعنية بالسلام: الأمم المتحدة قد تواجه تحديات جديدة في نشر بعثاتها العسكرية أو الإنسانية في شرق الكونغو إذا استمر الصراع، في حين أن تأجيل المحادثات يمكن أن يعقد استراتيجيات السلام الدولية التي كانت تدعمها الأمم المتحدة.
       تعزيز المواقف السياسية المعادية للصراع: الدول الكبرى التي لها مصالح استراتيجية في المنطقة، مثل الولايات المتحدة وفرنسا، قد تدعو إلى تطبيق ضغوط دبلوماسية على الأطراف المعنية لوقف التصعيد. وفي المقابل، قد يكون لبعض هذه الدول مصالح في تقوية مواقف بعض اللاعبين الإقليميين، مثل رواندا، التي يُتهم البعض بدعم حركة إم23.

الآثار المحتملة:
   على مستوى الأمن الإقليمي والدولي:
استمرار تصاعد العنف في شرق الكونغو له تأثيرات كبيرة على الأمن الإقليمي والدولي. مع تزايد النزاع بين القوات الكونغولية وحركة إم23، يزداد القلق من تدهور الوضع الأمني في منطقة البحيرات العظمى. هذا التصعيد يهدد الاستقرار في دول مجاورة مثل رواندا وأوغندا، التي قد تتأثر بشكل غير مباشر من خلال تدفق اللاجئين عبر حدودها. علاوة على ذلك، يشكل استمرار النزاع بيئة مواتية لزيادة نشاط الجماعات المسلحة الأخرى التي قد تستغل حالة الفوضى لتنفيذ عملياتها عبر الحدود. من المحتمل أن تتزايد عمليات تهريب الأسلحة والمعدات العسكرية عبر مناطق غير خاضعة للرقابة، مما يؤدي إلى تأجيج المزيد من الصراعات في دول مجاورة قد تكون غير مستعدة للتعامل مع تلك التهديدات.
من ناحية أخرى، يثير تزايد العنف في شرق الكونغو القلق أيضًا بشأن انتشار التجارة غير المشروعة، بما في ذلك الاتجار بالمخدرات والموارد الطبيعية. مع تصاعد الفوضى، يصبح من الصعب على السلطات المحلية مراقبة وحماية الحدود بشكل فعال، مما يؤدي إلى تكثيف أنشطة التهريب عبر مناطق غير آمنة. هذا يشكل تهديدًا ليس فقط على الدول المجاورة، ولكن أيضًا على الأمن الدولي، حيث يمكن أن تمتد هذه الأنشطة إلى أسواق ودول بعيدة، مما يعزز الأنشطة الإجرامية العابرة للحدود. تبقى هذه التجارة غير المشروعة أحد الأسباب التي تزيد من تعقيد الجهود الرامية إلى استعادة السلام والاستقرار في المنطقة.

   على المستوى الإنساني:
على المستوى الإنساني، يساهم استمرار النزاع في زيادة المعاناة الإنسانية في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية بشكل كبير. يتعرض المدنيون في المناطق المتأثرة بالصراع، مثل غوما وبوكافو، لانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك القتل والاختطاف والعنف الجنسي. كما يعاني العديد من السكان من نقص حاد في الغذاء والرعاية الصحية الأساسية، مما يفاقم الظروف المعيشية الصعبة. بالإضافة إلى ذلك، يعاني ملايين الأشخاص من النزوح الداخلي نتيجة للقتال المستمر، حيث يفرون من القرى والمدن إلى أماكن أكثر أمانًا، مما يسبب زيادة في الضغط على الموارد المحلية والبنية التحتية في المناطق التي تستقبلهم.
مع تزايد أعداد اللاجئين، تواجه الدول المجاورة مثل رواندا وأوغندا تحديات كبيرة في تقديم الدعم الإنساني. حيث تشير التقارير إلى أن هذه الدول قد تواجه صعوبة في تلبية احتياجات اللاجئين، بما في ذلك توفير مأوى، غذاء، ورعاية صحية، بالإضافة إلى توفير التعليم والخدمات الأساسية الأخرى. تفاقم الوضع الإنساني قد يؤدي إلى خلق بيئة من التوترات المحلية، حيث يمكن أن يتسبب تدفق اللاجئين في تحميل المجتمعات المحلية عبئًا إضافيًا من حيث الموارد والخدمات. في ظل هذه الظروف، قد يصبح من الصعب على الدول المضيفة تأمين احتياجات السكان المحليين واللاجئين على حد سواء، مما يزيد من الأعباء الاقتصادية والاجتماعية على هذه الدول.
وأخيرًا، من المتوقع أن يزداد تدفق اللاجئين إلى الدول المجاورة مع استمرار النزاع. هذا قد يؤدي إلى تفاقم الضغط على هذه الدول التي تستضيف أعدادًا كبيرة من اللاجئين الكونغوليين منذ سنوات. ومع تضاعف أعداد اللاجئين بسبب الحرب المستمرة، ستواجه هذه الدول تحديات جديدة في تأمين حياة كريمة للاجئين. قد تتطلب الاستجابة للأزمة الإنسانية من المجتمع الدولي المزيد من الدعم المالي واللوجستي لضمان توفير الخدمات الأساسية والحفاظ على الاستقرار في هذه الدول المستضيفة.
 

مقالات مشابهة

  • رئيسا العراق وإيران يبحثان هاتفيا آخر المستجدات الإقليمية والدولية
  • العراق وايران يتفقان على تفعيل التنسيق بالتعامل مع المستجدات الإقليمية والدولية
  • نص كلمة قائد الثورة حول تطورات العدوان على غزة والمستجدات الإقليمية والدولية
  • رويترز: مفاوضون من الكونغو الديمقراطية ومتمردي إم 23 يصلون إلى الدوحة
  • ترقبوا.. كلمة للسيد القائد حول آخر تطورات العدوان على غزة وآخر المستجدات الإقليمية والدولية عند الساعة الـ4:00
  • كلمة مرتقبة للقائد الثورة حول آخر تطورات العدوان والمستجدات الإقليمية والدولية
  • المجر: مصر تقوم بدور كبير في عملية الوساطة لوقف إطلاق النار بغزة |فيديو
  • الصراع في الكونغو.. تهديدات جديدة للأمن الدولي والمخاطر الإنسانية المتزايدة
  • حرب النفوذ في الكونغو.. تداعيات الانسحاب الأوغندي وفرص 23 مارس