ما هي علاقة اللطف مع الآخرين في دمار الصحة العقلية؟
تاريخ النشر: 25th, August 2023 GMT
ربما يكون المرء مستعداً دائما لتلبية طلبات الآخرين من حوله، أو لمساعدتهم في الحالات الطارئة ودون أن يُطلب منه ذلك، وبينما يعتقد المرء أن ذلك يعد تقييماً إيجابياً للغاية له، فإنه ليس بالضرورة أن تكون هذه الصفات جيدة لصحته العقلية، على الأقل إذا كانت مدفوعة بالرغبة في إرضاء الجميع.
يقول المؤلف والمستشار المهني الألماني، مارتن فيرله: "إذا كان المرء دائما ما ينحني أمام رغبات الآخرين، فإنه بذلك يهمل احتياجاته الخاصة".
هناك قدر محدود من الوقت والطاقة لدى كل شخص منا، ففي حال وافق المرء على القيام بجميع ما يطلب منه من غيره "فإنه يستنفد من وقته ومن مخزون الطاقة المتاح لديه". استنزاف الصحة العقلية
ويشار إلى أن مخزون الطاقة المستنفد باستمرار، يعد ضاراً بالصحة العقلية، لأنها علامة على أن المرء يتجاهل ما يقوله له جسده وعقله، كما أنه يزيد من خطر إصابته بالأمراض العقلية.
وبالتالي، فإن الأشخاص غير الأنانيين والمطيعين دائماً لطلبات الآخرين، يعانون بالتالي من الإرهاق بشكل غير متناسب في الغالب، بحسب ما يشير إليه الطبيب والمعالج النفسي، الدكتور أندرياس هاجيمان، المدير الطبي لعيادات "هاكو" الخاصة في ألمانيا للطب النفسي.
أما بالحديث عن مكان العمل والوظيفة، يشير هاجيمان إلى أنه غالباً ما يتم تكليف الموظفين المطيعين بشكل مبالغ فيه، بكمية لا تحتمل من المهام: "ففي حال رغب أحد الاشخاص في القيام بشيء ما، فإنه سيذهب أولا إلى الموظف الذي يتوقع منه أن يقول له حسناً.
وتعد الصيغة السحرية هي أن يضع المرء حدوداً، كما أنه عليه أن يبقِ احتياجاته في ذهنه، وأن يقول "لا" للأمور التي قد تتعدى على حقوقه، ويتطلب ذلك ممارسة مستمرة".
ومن المهم أيضاً أن يقلل المرء من توقعاته الذاتية وألا يطلب الكثير من نفسه، ويقول هاجيمان إذا كان المرء غير قادر على القيام بذلك، فإن العلاج النفسي يعد خياراً.
وينصح فيرله بضرورة "أن يمنح المرء نفسه وقتاً للتفكير في الأمر دائماً"، سواء كان ذلك في قبول القيام بعمل إضافي، أو في مساعدة صديق على الانتقال للعيش في مكان آخر أو في قبول دعوة لحضور حفل، موضحاً أن هذا سيجنبه الموافقة بصورة انعكاسية سريعة على شيء ما، ثم الندم عليه فيما بعد.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني
إقرأ أيضاً:
بريق الغلاف لا يعكس دائماً كنز المضمون
بقلم : اللواء الدكتور سعد معن الموسوي ..
“كم من بديعِ المظهرِ قبيحِ الجوهر، وكم من بسيطِ الهيئةِ عظيمِ القيمة.” بهذه الحكمة يُمكن أن نختصر تجربتنا الإنسانية مع البشر الذين يُشبهون الكتب في تفاوت أغلفتها ومحتواها. فالإنسان، مثل الكتاب، يحمل أسرارًا عميقةً لا تُقرأ إلا حين تُقلب صفحاته، وقد تكون تلك الصفحات أثمن مما يوحي به الغلاف.
الغلاف خدعة البصر، والمحتوى محك البصيرة
في عصرٍ أصبح فيه الشكل أهم معيار للحكم، بات الكثيرون يُشبهون السطح المذهب الذي يخفي فراغًا داخليًا. تظهر هذه الظاهرة في الدراسات النفسية والاجتماعية التي تناولت تأثير “الهالة” أو ما يُعرف بـHalo Effect، وهو ميل الإنسان لتعميم الانطباع الأول بناءً على المظهر الخارجي أو الصفات الظاهرة. في هذا السياق، أظهرت دراسة أجراها عالم النفس “إدوارد ثورندايك” أن الأفراد يميلون إلى ربط الجاذبية الشكلية بالكفاءة والصدق، حتى وإن كانت هذه الصلة وهمية.
لكن الحقيقة أن المظهر ليس أكثر من خدعة بصرية قد تخفي خلفها إما جوهرًا نقيًا أو خواءً مطبقًا. وكم من مرة وقفنا أمام كتابٍ زينت أغلفته الرفوف، لكنه ما إن فُتح حتى كشف عن فقره، بينما وجدنا العكس في كتابٍ متواضع الهيئة أثار فينا دهشةً لا تُنسى.
القيمة في التجربة لا في القشرة
تجارب الحياة تعلمنا أن الجمال الحقيقي ليس مرئيًا. يمكن استدعاء قول الإمام علي (عليه السلام): المَرْءُ مَخْبُوءٌ تَحْتَ طَيَّاتِ لِسَانِهِ.”
بمعنى أن قيمة الإنسان تظهر في فكره وأفعاله، لا في ملبسه أو مظهره. ولعل هذا يفسر النجاح الباهر لشخصيات تاريخية وعلمية تركت أثرًا خالدًا دون أن تلتفت يومًا إلى قشور المظاهر، مثل ماري كوري التي لم تُعرف بالأزياء أو الجمال، لكنها أدهشت العالم بعلمها وإنسانيتها.
في دراسة أخرى أجرتها جامعة “هارفارد”، وُجد أن الأفراد الذين يُظهرون قيمًا مثل التعاطف، النزاهة، والإبداع يُحققون تواصلًا أعمق مع محيطهم مقارنة بأولئك الذين يركزون على المظهر أو الإنجازات السطحية. هذه القيم هي التي تجعل الإنسان جذابًا في أعين الآخرين، وتؤسس لعلاقات متينة ومستدامة.
الأدب أيضًا يعزز هذا المفهوم. ألم يدهشنا بطل “البؤساء” جان فالجان، الذي كان يُنظر إليه كمجرمٍ في الظاهر، بينما حمل في داخله روحًا نبيلة ملأتها التضحية والرحمة؟ الأدب يُعيد تشكيل نظرتنا إلى البشر، ويعلمنا أن العبرة دائمًا بما يكمن في العمق.
أفكار مبتكرة لتغيير المفهوم السائد
ثقافة المحتوى الداخلي: لماذا لا نُعيد صياغة مفهوم الجمال في مناهجنا التعليمية؟ يمكن تصميم برامج تركز على الأخلاق، الإبداع، والقيم الإنسانية كمعايير حقيقية للجمال، بدلاً من التركيز على الهيئات الخارجية. تجربة اجتماعية مُلهمة: تخيل مبادرةً تسلط الضوء على قصص أشخاص ناجحين وملهمين لا يتطابق مظهرهم مع الصورة النمطية للجاذبية. مشاركة هذه القصص عبر منصات التواصل الاجتماعي قد تُلهم الأجيال الجديدة ليروا الجمال في أبعاده الحقيقية. أدب السيرة الذاتية: شجع كتابة السير الذاتية من منظور داخلي، بحيث يُبرز الأفراد ما صنعوه من خير وما حققوه من عمق إنساني، بعيدًا عن الإنجازات الشكلية.يُقال إن الزمن يكشف الجوهر ويُهلك الزيف. وهكذا، فإن ما يبقى من الإنسان ليس شكله ولا مظهره، بل أثره في قلوب الآخرين. وكما قال الشاعر:
“وما الحسنُ في وجه الفتى شرفًا له
إذا لم يكن في فعله والخلائقِ”
لنجعل من هذا القول قاعدةً حياتية، ولنُدرك أن الجمال الحقيقي هو ذلك الذي يُضيء العقول، يُطهر القلوب، ويُعمر الأرواح. فالحياة قصيرة، وما يخلد منها هو المحتوى، لا الغلاف.
اللواء الدكتور
سعد معن الموسوي