التقارب السعودي الإيراني.. أمامه سجادة حمراء
تاريخ النشر: 25th, August 2023 GMT
25 أغسطس، 2023
بغداد/المسلة الحدث:
محمد صالح صدقيان
حظيت زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى السعودية ولا سيما اللقاء الأول من نوعه بينه وبين ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، باهتمام سياسي ودبلوماسي واعلامي كبير، لا سيما أن اللقاء كان بحد ذاته مفاجئاً للجميع إن لناحية الترتيبات أو المحتوی أو المخرجات.
جاءت زيارة وزير خارجية إيران إلى المملكة العربية السعودية تعبيراً عن إرادة قيادتي البلدين بالمضي في خطوات تطبيع العلاقات الثنائية، وبالتالي وضع حد للتدافع الأمني والسياسي الذي دام سنوات في المنطقة وضرورة فتح صفحة جديدة من التفاهم والتنسيق على أساس مبادیء حسن الجوار واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، كما جاء في بيان بكين الثلاثي في العاشر من آذار/مارس المنصرم.
في التاريخ نفسه، كتب موقع “نور نيوز” القريب من مجلس الأمن القومي الإيراني تغريدة قال فيها “إن أمين المجلس المذكور أجری مباحثات مهمة جداً ستؤثر نتائجها علی مجمل التطورات في المنطقة”. لم يكن أحد يتصور أن تكون هذه التغريدة مقدمة لصدور البيان الثلاثي الصيني ـ السعودي ـ الإيراني المشترك الذي حدّد آلية لعودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
اللقاء الذي تم بعد ذلك بثلاثين يوماً بين وزيري خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان والسعودية فيصل بن فرحان كان مهماً لتحديد أبعاد طاولة الحوار الثنائية لكن الأهم من ذلك هي الزيارة التي قام بها الوزير السعودي إلى طهران ومن ثم زيارة وزير خارجية إيران إلى المملكة. وبنظرة واقعية فإن اللقاء الذي تم بين ولي العهد السعودي والوزير عبد اللهيان، على مدى 90 دقيقة كان محطة مفصلية مهمة ستترتب عليها تطورات مستقبلية في مسار العلاقات الثنائية المتنامية وكذلك على مستوى الأمن الإقليمي.
لقد حرص الامير محمد بن سلمان على أن يكون اللقاء في مدينة جدة بدلاً من الرياض لنزع الطابع الرسمي البروتوكولي الجاف عنه وجعله أكثر قرباً تبعاً لرسالة الصداقة والمودة التي أرادت المملكة إرسالها إلى إيران. النقطة الأخری أن الجانبين اعتمدا لغة التخاطب بالعربية من دون مترجم ذلك أن عبد اللهيان يجيد اللغة العربية بطلاقة وقد استغل الأمير بن سلمان هذه النقطة ليكون الحديث بشكل مباشر وبالعربية الواضحة.
ونقلت مصادر متابعة عن محمد بن سلمان الذي يمسك بناصية القرار السعودي أنه أراد إرسال رسالة واضحة إلى القيادة الإيرانية التي خصّها بالتحية والإشادة مفادها أن المملكة لديها نوايا صادقة لتطوير العلاقات الثنائية مع الجمهورية الاسلامية الإيرانية في المجالات السياسية والأمنية والإقتصادية وهي بصدد إعداد مسودة شاملة لمعاهدة ثنائية بين البلدين بعيداً عن أية ضغوط أو مؤثرات خارجية.
واللافت للإنتباه أن مناخ الدفء في العلاقات عكسه عبد اللهيان بعد وصوله إلى طهران حيث نقل إلى القيادة الإيرانية ودوائر القرار في طهران ارتياحه الكبير لما سمعه في جدة من محمد بن سلمان.
هذه المرة الأولی التي نشهد فيها هكذا تطور بين الرياض وطهران في ظل إمساك الأصوليين القريبين من دوائر القرار في إيران بمعظم السلطات في البلاد؛ أما في المرات السابقة، فقد كانت مثل هذه التطورات تحصل سواء في عهد الرئيس هاشمي رفسنجاني (1989ـ1997) وعهد الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي (1997-2005) حيث تم التوقيع علی إتفاقية التعاون الشاملة عام 1998 والإتفاقية الأمنية عام 2001. أهمية الحالة الجديدة هي التي تعطي الأمل باستدامة ما يتم الاتفاق عليه وهي أيضاً تعطي قوة لأي إتفاق أو تفاهم يمكن التوصل إليه بين البلدين.
وعندما دعا عبد اللهيان الامير محمد بن سلمان لزيارة طهران كان هناك ترحيب من الأخير للقيام بهذه الزيارة إذا كانت تساهم في التسريع بفرش السجادة الحمراء للعلاقات الثنائية حتی وإن اقتضى الأمر أن تحصل قبل الزيارة التي يعتزم الرئيس ابراهيم رئيسي القيام بها إلى الرياض.
هذه الأجواء والتطورات المهمة التي تبعث علی الأمل لا تمنع من وجود تحديات مهمة أمام البلدين يجب تجاوزها وهما يسيران علی هذا الطريق الجديد بما يحتويه من مطبات وتراكمات على مدى عقود الجفاء بين البلدين.
وليس خافياً أن لكل من إيران والسعوودية قاموسهما المختلف في قراءة أوضاع المنطقة والعالم ولهما صداقاتهما وتحالفاتهما المختلفة في المضمون والإتجاه وهما بحاجة إلى قاموس ثالث يُحدّد علاقتهما بعد غربة دامت أكثر من أربعة عقود؛ وبالتالي، فإن كتابة صفحات القاموس الجديد لن تكون سهلة المنال لكن ما يجعل الجانبين أكثر تفاؤلا من أي وقت مضى هو وجود رغبة عند قيادة البلدين لتجاوز المشكلات وعدم العودة إلى الوراء.
في القاموس السعودي هناك تعريفات وتصورات ومصالح تخص الواقع السيادي الذي تؤمن به الرياض؛ فيما يحتوی القاموس الإيراني تصورات وثوابت ومبادیء من نوع آخر. ليس من المفترض أن تتم معالجة هذا التباين قبل الجلوس علی طاولة الحوار وإنما العمل علی بحث المشتركات ومساعدة الآخر علی تبني عوامل التعاون والتنسيق بما يخدم مصالح البلدين. ولربما استطاع هذا الطرف مساعدة الآخر في حل مشكلة يواجهها مع المحيط الإقليمي أو علی الصعيد الدولي من أجل تعزيز مناخ الثقة المتبادلة.
ومن الطبيعي جداً وجود أوساط داخلية في كلا البلدين لا يروق لها تطور العلاقة بهذا الشكل والمضمون. فهذه الأوساط ربما تكون أسيرة الماضي أو الخلفيات الدينية والمذهبية وربما السياسية؛ فيما تعمل جهات خارجية، بدوافع سياسية وأمنية، من أجل التأثير سلباً على أي محاولة لترميم العلاقات، وهذه واحدة من أبرز التحديات التي تواجهها الحكومتان الإيرانية والسعودية.
إن إيران والسعودية دولتان مهمتان في الموقع الجيوسياسي كما في مجالات الطاقة والمال والاستثمارات والبنی الاقتصادية والقدرات البشرية وتستطيعان العمل معاً من أجل خلق فرص داخلية وإقليمية ودولية بما يحقق مصالح وطموحات ليس شعبي البلدين فحسب وإنما شعوب المنطقة بأسرها.
في الخلاصة؛ ما أطرحه ليس وهماً ولا ضرباً من الخيال إنما هو تعبير عن قناعة موجودة لدى نخب عربية وإيرانية بوجوب مواجهة التحديات التي تقف حجر عثرة أمام تطور العلاقة بين العالم العربي وإيران.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
المصدر: المسلة
كلمات دلالية: محمد بن سلمان عبد اللهیان بین البلدین
إقرأ أيضاً:
ترامب × بوتين| صفقة تثير العاصفة الأوروبية.. التقارب الأمريكي الروسي يقلق أوروبا وتدرس تأثيره المحتمل على أمن القارة العجوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
لم تكن العلاقة بين الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ونظيره الروسى فلاديمير بوتين مجرد "كيمياء شخصية"، كما وصفها ترامب ذات مرة، بل تحولت إلى مُعادلة سياسية معقدة هزّت أركان التحالف الأطلسي، وأثارت تساؤلاتٍ عن مدى استمرارية التضامن الغربى فى مواجهة التمدد الروسي، حيث نشهد منذ عودة الرئيس الأمريكى إلى البيت الأبيض فى يناير ٢٠٢٥ تحولات جذرية فى السياسة الدولية، أبرزها التقارب الملحوظ بين واشنطن وموسكو والذى أثار تساؤلات عديدة حول مستقبل العلاقات الأمريكية الأوروبية، خاصة فى ظل التوترات المستمرة مع الصين.
بدأت ملامح التقارب بين ترامب والرئيس الروسى فلاديمير بوتين بالظهور مع إعلان البيت الأبيض عن تعليق الدعم العسكرى والاستخباراتى لأوكرانيا، والبدء فى مفاوضات مباشرة مع موسكو لإنهاء الصراع فى أوكرانيا، كما أكد ترامب أن انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو ليس مطروحًا على الطاولة، مما يعكس تحولًا كبيرًا فى السياسة الأمريكية تجاه الأزمة الأوكرانية. كما أن جاءت العاصمة السعودية الرياض كمنصة شهدت لقاءات أمريكية روسية تمهيدية على مستوى وزراء الخارجية ناقشت سبل إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية وتعزيز التعاون الثنائي، مما يعكس جدية الطرفين فى تحسين العلاقات.
وفى خطوة لافتة، قدمت واشنطن مقترحًا لوقف إطلاق النار لمدة ٣٠ يومًا فى أوكرانيا، بهدف فتح المجال أمام مفاوضات سلام شاملة. ورغم أن الرئيس الأوكرانى فلاديمير زيلينسكى أبدى دعمه للمقترح، إلا أن موسكو أبدت تحفظات، مشيرة إلى ضرورة مناقشة تفاصيل إضافية قبل الموافقة النهائية. وترامب، من جانبه، حث بوتين على تجنب أى تصعيد قد يؤدى إلى "مجزرة رهيبة"، مشددًا على أهمية الحفاظ على أرواح الجنود الأوكرانيين المحاصرين، عاكسًا رغبة ترامب فى لعب دور الوسيط لإنهاء الصراع المستمر منذ سنوات.
المعروف هو أن ترامب قبل توليه منصب الرئاسة، كان رجل أعمال صاحب ثروة تقدر بمليارات الدولارات الأمريكية، وبالتالى من المنطقى أن نجد قرارته وسياسات أمريكا الخارجية أشبه بالصفقات التجارية، بمعنى، إنه لم تكن أمريكا أكبر رابح من الصفقة، فإنها تعد صفقة غير رابحة.
ومن هنا يمكن أن نفهم انحياز ترامب لروسيا ونرجع هذا الانحياز إلى عدة عوامل، أبرزها اعتقاد ترامب بأن ما يمثل التهديد الأكبر للولايات المتحدة فى القرن الحادى والعشرين هى الصين وليس روسيا، هذه القناعة تدفعه إلى السعى لتطبيع العلاقات مع موسكو، بهدف التركيز على مواجهة النفوذ الصينى المتصاعد. بالإضافة إلى ذلك، يرى ترامب أن تحسين العلاقات مع روسيا قد يفتح آفاقًا جديدة للتعاون الاقتصادى والسياسي، مما يعزز مكانة الولايات المتحدة على الساحة الدولية. كما أن ترامب يحمل نظرة متشككة تجاه حلف الناتو، إذ يرى أن الدول الأوروبية لا تساهم بما يكفى فى نفقات الدفاع الجماعي، مما يجعله أكثر ميلًا للتعاون مع روسيا كبديل.
وتصاعد هذا المشهد الدرامى الدولى المتشابك وإعادة ترتيب التحالفات. فقد بقى يوم ٢٨ فبراير ٢٠٢٥ عالقا فى الأذهان لأنه هو اليوم الذى شهد لقاءً متوترًا بين ترامب وزيلينسكي، حيث تحول الاجتماع إلى مشادة كلامية حادة أمام وسائل الإعلام. وانتقد ترامب زيلينسكى علنًا متهمًا إياه بعدم الاحترام وهو ما أدهش متابعى اللقاء حول العالم، حيث إن لا أحد كان يمكن أن يتخيل حدوث موقف مشحون بهذا الكم من الكوميديا السوداء، وهو ما أثار أيضا استياء القادة الأوروبيين الذين يرون فى هذا التصرف تقليلًا للوحدة الغربية فى مواجهة التهديدات الروسية. هذا التوتر ألقى بظلاله على العلاقات الأمريكية الأوروبية، حيث أعربت العديد من الدول الأوروبية عن قلقها من التقارب الأمريكى الروسى وتأثيره المحتمل على أمن القارة. فالاتحاد الأوروبى يعتبر روسيا تهديدًا استراتيجيًا، وأى تقارب بين واشنطن وموسكو قد يُضعف الجبهة الغربية الموحدة.
فى ظل هذه التطورات، تبرز التساؤلات حول مستقبل العلاقات الأمريكية الأوروبية، فالتقارب بين ترامب وبوتين قد يؤدى إلى توترات مع الحلفاء الأوروبيين، خاصة إذا شعروا بأن مصالحهم الأمنية مهددة. من جهة أخرى، قد يسعى ترامب إلى طمأنة الأوروبيين من خلال تعزيز التعاون فى مجالات أخرى، مثل الاقتصاد ومكافحة الإرهاب. أما فيما يتعلق بالصين، فإن التقارب الأمريكى الروسى قد يكون جزءًا من استراتيجية أوسع لمواجهة النفوذ الصينى المتزايد. فالولايات المتحدة ترى فى بكين منافسًا استراتيجيًا يسعى لتقويض النظام الدولى القائم، وقد يكون التنسيق مع موسكو خطوة لتعزيز الجبهة المضادة للصين.
ويظل التقارب بين ترامب وبوتين يعكس تحولًا فى ميزان القوى العالمي. فمن جهة، تسعى الولايات المتحدة إلى إعادة ترتيب أولوياتها الاستراتيجية، مركزة على التهديد الصينى المتصاعد. ومن جهة أخرى، ترى روسيا فى هذا التقارب فرصة لتعزيز نفوذها الدولى وتخفيف الضغوط الغربية، وقد يؤدى ذلك إلى إعادة تشكيل التحالفات الدولية. فالدول الأوروبية قد تجد نفسها مضطرة لإعادة تقييم علاقاتها مع الولايات المتحدة، وربما تعزيز التعاون فيما بينها لمواجهة التهديدات المحتملة. كما قد تسعى دول أخرى، مثل الهند واليابان، إلى تعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة لموازنة النفوذ الصينى والروسى المتزايد.
على الصعيد الاقتصادي، قد نشهد تغييرات فى سياسات التجارة والطاقة. فروسيا قد تسعى إلى تعزيز صادراتها من الطاقة مما قد يؤثر على أسواق الطاقة العالمية. كما قد يؤدى التعاون الاقتصادى بين البلدين إلى تغييرات فى سياسات العقوبات والتعريفات الجمركية. من ناحية أخرى، قد يثير التقارب الأمريكى الروسى قلق الشركات الأوروبية التى تعتمد على الأسواق الأمريكية والروسية. فالاتحاد الأوروبى يفرض عقوبات صارمة على موسكو، وأى تخفيف أمريكى لهذه العقوبات قد يضعف التأثير الاقتصادى الأوروبى عليها.
إن التقارب بين ترامب وبوتين يمثل تحولًا كبيرًا فى السياسة الدولية، يحمل فى طياته فرصًا وتحديات. فبينما قد يسهم هذا التقارب فى إنهاء الصراع الأوكراني، إلا أنه يثير مخاوف الحلفاء الأوروبيين بشأن أمنهم ومصالحهم، وفى ظل التوترات مع الصين، يبقى السؤال مفتوحًا حول كيفية توازن الولايات المتحدة بين تعزيز علاقاتها مع روسيا والحفاظ على تحالفاتها التقليدية فى أوروبا وآسيا.
على المدى الطويل، سيحدد هذا التقارب مستقبل النظام الدولي، حيث قد نشهد إعادة هيكلة كبرى للعلاقات بين القوى العظمى. أوروبا قد تجد نفسها مضطرة لتعزيز قدراتها العسكرية والاستراتيجية لمواجهة التهديدات الروسية المحتملة دون الاعتماد الكامل على واشنطن. أما الصين، فقد ترى فى التقارب الأمريكى الروسى فرصة أو تهديدًا، مما قد يدفعها إلى تعزيز تحالفاتها فى آسيا وأفريقيا لتعويض أى خسائر دبلوماسية.
وفى النهاية، يبقى السؤال الأهم هو هل سيكون هذا التقارب مجرد تكتيك مؤقت أم بداية لتحالف استراتيجى جديد يعيد تشكيل النظام العالمي؟ والإجابة عن هذا السؤال ستعتمد على كيفية تفاعل القوى العالمية مع هذه المتغيرات، ومدى قدرة أوروبا والصين على موازنة التأثير الأمريكى الروسى المتزايد.