الجزيرة:
2025-04-13@10:37:39 GMT

هل قادت الروح الصليبية كولومبوس لاستكشاف أميركا؟

تاريخ النشر: 11th, April 2025 GMT

هل قادت الروح الصليبية كولومبوس لاستكشاف أميركا؟

في كتابه "اكتشاف المسلمين للقارة الأميركية قبل كريستوفر كولومبوس"، تتبع المؤرخ التركي المعروف محمد فؤاد سزكين الخرائط التي رُسمت قبل كولومبوس، وهي الخرائط البرتغالية والجاوية والعثمانية، وأشهرها خريطة البحار العثماني بيري رئيس التي تتماثل اليوم مع خرائط الأقمار الصناعية بصورة مدهشة وخاصة قارة أميركا الجنوبية، وقد رُسمت في بداية القرن السادس عشر الميلادي، وخلص سزكين بعد مقارنة واستقصاء إلى أن العرب والمسلمين كانوا يعلمون بدقة كبيرة خطوط الطول والعرض واستخدام المراصد وأوقات الخسوف والكسوف بصورة لا يمكن مقارنتها مع أقرانهم الغربيين وقتئذ.

ومن خلال بعض شهود العيان الذين رافقوا كريستوفر كولومبوس في رحلته إلى استكشاف الأراضي الجديدة في أميركا الوسطى واللاتينية، فإنه كان يملك خريطة قبل انطلاقه في هذه الرحلة، ومن اللافت فيها وجود بعض الجزر لأميركا الوسطى مثبتة عليها، وكان يُظنّ أنها تابعة لآسيا عندئذ، وأن هذه الخريطة كانت بلا شك من إنتاج بيئة ثقافية تملك خبرة كبيرة في إنتاج الخرائط وعلى معرفة ضخمة بعلم الجغرافيا، وهي البيئة الثقافية الإسلامية.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2إزاحة الأخضر عن عرشه.. هل ينتهي زمن الدولار؟list 2 of 2السفينة الحربية الصينية التي أظهرت تراجع البحرية الأميركيةend of list اكتشاف المسلمين لأميركا قبل كولومبوس

يُثبت العلامة سزكين أن البرتغاليين عرفوا مضيق ماجلان، الذي هو ممر مائي يقع جنوب أميركا الجنوبية بين أرض النار وكايب هورن والحافة الجنوبية للقارة من خلال خريطة جيء بها إلى البرتغال سنة 1428، ويؤكد سزكين أن هذه الخرائط كانت تستند إلى أصول عربية وإسلامية، وأن البحارة العرب والمسلمين سبقوا الغرب وكولومبوس في اكتشاف المحيط الأطلنطي وجزره فضلا عن سواحل الأميركتين!

إعلان

إن النص الموجود على خريطة العالم التي رسمها الراهب من جمهورية البندقية فرا ماورو في عام 1457، أي قبل رحلة كولومبوس بأربعة عقود تقريبا، تتضمن وصفا موجزا لرحلة بحرية عربية للمحيط الأطلنطي وقعت نحو عام 1420 قادمة من المحيط الهندي إلى الأطلنطي، وقطعت هذا المحيط في أربعين يوما، أي ما يعادل في تقديرهم نحو 2000 ميل، ووصف الراهب ماورو في النص المكتوب المحيط الأطلسي بـ"بحر الظلمات" ومنطقة "كابو دياب"، أي رأس الذئاب، ويؤكد ذلك لدى سزكين أن البحارة والجغرافيين العرب كانوا يعلمون منذ فترة مبكرة بقرن أو عدة قرون أميركا الشمالية والجنوبية، وخير برهان على ذلك نقل الأوروبيين لمصطلحاتهم الجغرافية كما هي!

والكتاب مليء بالأدلة التاريخية والاستقرائية التي توصَّل إليها سزكين وتؤكد حقيقة أن المسلمين اكتشفوا المحيط الأطلنطي والأميركتين قبل كولومبوس، وأن هذا الأخير اعتمد على خلاصة الخبرة الإسلامية في هذا المجال.

نشأة كولومبوس وعالمه

لكن السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان: هل كانت رحلة كولومبوس إلى العالم الجديد للاستكشاف والسيطرة على الخيرات والذهب فقط؟ وكيف نظر إلى شعوب هذا العالم الجديد؟ وهل كان وراءها دوافع لكراهية الإسلام ومحاولة تطويقه؟

في السيرة الجديدة التي كتبها أستاذ التاريخ في جامعة "يال" الأميركية ألان ميخائيل عن السلطان العثماني سليم، الحاكم الطموح للإمبراطورية العثمانية في أوائل القرن السادس عشر، توجد مجموعة من الفصول الشائقة واللافتة التي يجب استدعاؤها هنا حول كريستوفر كولومبوس ورحلته وأهدافها.

كان هدف ميخائيل في تأليف كتابه "ظلّ الله السلطان سليم: الإمبراطورية العثمانية وصناعة العالم الحديث" يتمثّل في استعادة وإبراز مكانة الإمبراطورية العثمانية في التاريخ العالمي خلال الفترة الحديثة المبكرة، ولهذا السبب يجادل ميخائيل في الأجزاء التي خصَّصها للحديث عن كولومبوس بأن استكشاف الأوروبيين "للعالم الجديد" في بداياته يمكن فهمه على أنه امتداد أيديولوجي للحملات الصليبية، التي انطلقت ردة فعل سريعة للالتفاف على الوجود الإسلامي متزايد القوة في أوروبا، الذي كان يقوده العثمانيون وقتئذ.

إعلان

وُلد البحارة كريستوفر كولومبوس عام 1451 في مدينة جنوة الإيطالية، وكانت وقتئذ مدينة تجارية ساحلية مهمة، لكنها كما يصف ألان ميخائيل كانت أيضا ميناء صليبيا، حيث وُلد قبل عامين فقط من سقوط القسطنطينية على يد العثمانيين عام 1453، وهو الحدث الذي اعتبره المسيحيون الأوروبيون كارثة مروعة، حيث وصف أحد الباباوات ذلك الأمر بأنه "اقتلاع إحدى عينَيْ العالم المسيحي"، وكان يقصد بهما روما والقسطنطينية عاصمة الشرق المسيحي.

وبالنسبة لمدينة وميناء مثل جنوة، كان لهذا السقوط تأثير حقيقي ولافت، حيث كانت القسطنطينية عبر مضيق البوسفور توفر بوابة للجنويين إلى البحر الأسود في جانبه الشرقي، حيث امتلكت جنوة العديد من موانئها التجارية التي تربطها بالمناطق الواقعة شرقا، ومن ثم كان الإحساس بالخسارة في جنوة ليس فقط مصيبة دينية، بل وكارثة اقتصادية أيضا.

كما أن جنوة حينئذ كانت تعج بالصليبيين الذين يمرون عبر مينائها خلال طفولة كولومبوس، ويظن القارئ -كما يصف ألان ميخائيل- أنه عندما نتحدث عن الحملات الصليبية، غالبا ما نتصور أنها حدثت فقط في العصور الوسطى، في القرنين الحادي عشر والثاني عشر، لكن الدعوات إلى شن حملات صليبية استمرت حتى القرن السابع عشر، رغم تباين فعاليتها، وخلال حياة كولومبوس كان هناك صليبيون يأتون ويغادرون مدينته، وكان لأحد التنظيمات الصليبية مستشفى في جنوة.

نشأ وشبّ كولومبوس إذن على فكرة الخسارة هذه، وكان يقرأ أيضا أعمالا مثل كتاب الرحالة العالمي ماركو بولو، ومن بين الأفكار التي أصبحت ذات أهمية كبيرة له، واستلهمها من ماركو بولو، فكرة "الخان العظيم"، هذا الشخص الذي كتب عنه بولو ربما يكون له صلة ببعض الشخصيات التاريخية الحقيقية، وكان يُفترض أنه حاكم في مكان بعيد في آسيا، وقال بولو إنه أبدى اهتماما باعتناق المسيحية.

إعلان

ووفقا لمَن قرأ رحلة بولو وآمن بما فيها وشكّلت وعيه حينئذ، وكان منهم كولومبوس نفسه، فإذا تحول هذا "الخان العظيم" إلى المسيحية، فإنه سيجلب معه رعاياه أيضا، مما سيخلق حليفا مسيحيا قويا في آسيا يمكنه مساعدة المسيحيين في محاصرة المسلمين في الشرق الأوسط وسحقهم نهائيا.

كانت هذه الفكرة بالغة الأهمية بالنسبة لكولومبوس، ففي الصفحة الأولى من دفتر يومياته الذي وثّق فيه رحلته، كتب إلى الملكة إيزابيلا والملك فرديناند، حاكمي إسبانيا اللذين نجحا في إسقاط دولة الإسلام في الأندلس، أنه انطلق في مهمة إلى الهند للبحث عن "الخان العظيم"، كان واضحا تماما في تأكيده أن هذا أحد أهداف الرحلة.

لوحة تصور محمد الأول ملك غرناطة وهو يقبل يد فرديناند الثالث ملك قشتالة، أثناء استسلام جيان والموافقة على أن يكون تابعًا له. (مواقع التواصل)

تشكَّلت هذه الأفكار لديه في شبابه، لكنه لم يكتفِ بقراءتها فقط، بل كانت لديه خبرات مباشرة في التعامل مع المسلمين قبل أن ينطلق في رحلته وتجربته البحرية التي استمرت لفترة طويلة في البحر المتوسط، وهو البحر الذي وجد فيه صراعا لا يقل ضراوة بين عالم الصليبيين والدولة العثمانية التي كانت تتحمل عبء الدفاع عن المسلمين في شمال أفريقيا وقتئذ.

وخلال مغامراته الأولى بصفته بحارا مرتزقا، قادته بعض الرحلات إلى أجزاء مختلفة من العالم الإسلامي، لقد استأجره ملك أنجو في فرنسا لاستعادة سفينة له كانت قد استولى عليها قراصنة متمركزون في تونس على الساحل الشمالي لأفريقيا، وكانت تلك المرة الأولى التي واجه فيها كولومبوس الإسلام وجها لوجه، واقعا حيا يتنفس، وليس مجرد فكرة قرأ عنها أو سمع بها في جنوة، ونحن لا نعرف بالضبط كيف انتهت تلك الرحلة -ربما لم يتمكن من استعادة السفينة-، ولكنها كانت أول لقاء له مع العالم الإسلامي بأي شكل من الأشكال.

إعلان

وفي رحلة أخرى وصل إلى جزيرة خيوس الواقعة قبالة سواحل الأناضول في بحر إيجه، وهناك التقى بجنود يونانيين كانوا قد دافعوا عن القسطنطينية عند سقوطها، ولا شك أنه سمع منهم قصصا مباشرة عن سقوط مدينة مسيحية كبرى في أيدي قوة إسلامية، كما أبحر أيضا مع ملاحين برتغاليين على طول الساحل الغربي لأفريقيا، وهناك من جديد كان عليه أن يواجه القوة الإسلامية، وقد بدأ يدرك -كما يقول ألان ميخائيل- أنه حتى بعد مغادرة البحر الأبيض المتوسط والوصول إلى أماكن مختلفة تماما مثل غرب أفريقيا، فإن الإسلام سيكون حاضرا في كل مكان.

وقد عاصر ذروة الصراع بين الإسلام والعالم الغربي الصليبي حين كان شاهدا على حصار غرناطة عام 1492، وعندما استولى الملكان إيزابيلا وفرديناند على المدينة، وفي دفتر يومياته يربط كولومبوس بين هذا الحدث -طرد آخر حاكم مسلم من إسبانيا- وبين قرار الملكين بإرساله في رحلته للعثور على طريق جديد إلى آسيا والتواصل مع "الخان العظيم" لاستمالته للمسيحية بغية الالتفاف حول عالم الإسلام والانقضاض عليه، فبالنسبة له كانت كل هذه الأمور مترابطة، كما يصف ميخائيل.

كولومبوس والروح الصليبية في استكشافه

ولكن إلى أي درجة كان من الواضح أن رحلته تهدف إلى تطويق عالم الإسلام عندما كان يحاول إقناع فرديناند وإيزابيلا بدعمه في رحلاته تلك؟

من المعروف أنه توجَّه إلى الكثير من الأشخاص طلبا للتمويل لرحلاته، وخلال هذه العملية استخدم ما رآه معركة وجودية بين العالم المسيحي والإسلام بوصفه أحد المبررات لرحلاته.

وكانت هذه الحجة في ذروة الحرب الدينية الكاثوليكية تجاه مسلمي الأندلس مؤثرة لدى إيزابيلا وفرديناند بلا شك، وأيضا بسبب السياسة الحاكمة في أوروبا آنذاك، فقد كانا يسيطران على أراضٍ أخرى في إيطاليا، وخاصة في صقلية، وكانا يعتقدان أن العثمانيين قد يحاولون غزوها في أية لحظة.

إعلان

وبالإضافة إلى ذلك، كان هناك عدد كبير من المسلمين لا يزالون يعيشون في إسبانيا بعد سقوط غرناطة، وكان يُنظر إليهم على أنهم طابور خامس محتمل، أي إنهم أعداء داخليون قد يكونون متحالفين مع العثمانيين أو المماليك أو القوى الإسلامية في شمال أفريقيا، ولا شك أنهم كانوا على علم برسائل الاستغاثة التي كان يرسلها المورسكيون إلى كلٍّ من القاهرة عاصمة المماليك، وإسطنبول عاصمة العثمانيين.

لوحة رُسمت في 1877 تصور دخول كولومبوس إلى برشلونة مع أسرى من السكان الأصليين للعالم الجديد (غيتي إيميجز)

كان فرديناند وإيزابيلا يتملّكهما شعور مستمر بأن الإسلام يلاحقهما، وكما يذكر ميخائيل فهناك العديد من الأمثلة على الطرق التي تعامل بها كولومبوس والمستكشفون الأوروبيون مع السكان الأصليين في العالم الجديد، حيث كانوا مهيئين مسبقا لرؤيتهم بالطريقة نفسها التي نظروا بها إلى المسلمين الذين واجهوهم في أوروبا.

ومن اللافت أن المستكشفين الأوروبيين الأوائل استخدموا لغتهم وثقافتهم وانطباعاتهم التي كوّنوها حول الإسلام والمسلمين حينئذ لتأطير تجربتهم في العالم القديم عندما وصلوا إلى العالم الجديد، ويضرب ميخائيل بعض الأمثلة على ذلك، حيث وصف كولومبوس أسلحة التاينو -وهم السكان الأصليون لمنطقة الكاريبي- أنها "الفانخيس"، وهو الاسم الإسباني الذي كان منتشرا وقتها للسيوف المنحنية التي كان يستخدمها الجنود المسلمون.

وقد ذكر هيرنان كورتيس، المغامر الإسباني الذي يوصف بـ"فاتح المكسيك"، أن هناك 400 "مسجد" في المكسيك، وكان يقصد بها على الأرجح معابد الأزتك، كما وصف نساء الأزتك بأنهن يشبهن "النساء الموريسكيات"، كما كان كورتيس يصف مونتيزوما زعيم الأزتك بأنه "سلطان". وهكذا نرى الجيل الأول من الغزاة الإسبان قد تشكَّل وعيهم في عالم من الحروب بين الإسلام والمسيحية، ولذلك كان هذا هو الإطار المرجعي الذي استخدموه عندما فكّروا في أعدائهم كما يذكر ميخائيل.

إعلان

هؤلاء المستكشفون كانوا يرون دلائل على ترسُّخ الإسلام في هذه الأمم -في ظنهم- لأنهم في آسيا كما كانوا يعتقدون، والإسلام يحيط بهم من كل جانب، فإن هذا ما يؤكده كولومبوس نفسه، فحتى يوم وفاته عام 1506، كان يعتقد أنه وصل إلى آسيا بالفعل، وكان يظن أنه يحتاج فقط إلى العثور على الطريق الصحيح للوصول إلى "الخان العظيم" الذي كتب عنه ماركو بولو واقتنع كولومبوس بأهمية التحالف مع هذا الخان لتطويق عالم الإسلام.

والحق أن هاجس ملاحقة الإسلام لهم ظل مستمرا حتى فترات متأخرة، فحتى بعد زمن كولومبوس بوقت طويل، في ثمانينيات القرن السادس عشر تقريبا، عندما أصبح من الواضح أن الأميركتين ليستا آسيا، أبلغت السلطات الإسبانية في بيرو عما قيل إنه شائعات عن سفن عثمانية قبالة الساحل الغربي لأميركا الجنوبية.

وكما يذكر ألان ميخائيل فلا يوجد حتى الآن أي دليل تاريخي على صحة هذا الادعاء، مع الانفتاح على تغيير رأيه إذا وجد دليلا يؤيده، ولكن ما أثار اهتمامه، وهو الذي أعاد قراءة عالم كولومبوس والمستكشفين الأوائل من هذا المنظار، هو فكرة أن هذه النظرة بقيت قائمة لديهم، وهي أن الإسلام موجود في كل مكان، وأن المسلمين يحيطون بهم من كل جانب.

حتى وفاته، ظل كريستوفر كولومبوس يعتقد أنه وصل إلى آسيا وأن عليه أن يصل إلى زعيم المسلمين هناك (غيتي إيميجز)

في أحد الحوارات الصحفية التي أجراها المؤرخ ألان ميخائيل في أكتوبر/تشرين الأول 2020، سُئل عن إمكانية استخدام مصطلح "رُهاب الإسلام" (إسلاموفوبيا) لوصف مشاعر كولومبوس وإيزابيلا وفرديناند وغيرهم من المسيحيين الأوروبيين في ذلك الوقت؟ وما الذي كان يُحفِّز عداءهم؟ هل هو القلق بشأن السيطرة على الأراضي؟ أم الخوف من سيطرة الإسلام وهيمنته؟

وقد أجاب بأنه لم يرد استخدام مصطلح "إسلاموفوبيا" في كتابه "ظل الله السلطان سليم: الإمبراطورية العثمانية وصناعة العالم الحديث" في وصف تلك الأحداث؛ لأن المصطلح حديث جدا، ومن الصعوبة بمكان تطبيقه على هذه الفترة، ربما يكون مصطلح مثل "المشاعر المعادية للمسلمين" هو الأنسب.

إعلان

واللافت كما يذكر أن هناك خيطا ممتدا من المشاعر المعادية للمسلمين منذ تلك الفترة، وربما حتى قبلها، إلى يومنا هذا، حيث يمكن في بعض النواحي رسم هذا الخط المستقيم عبر التاريخ، لكنه في الوقت نفسه لا يتبنّى السردية القائلة بوجود "صراع حضارات" أبدي، لأنه كما يصف هناك الكثير من الأمثلة التي تُظهر أن الأوروبيين المسيحيين والمسلمين كانت لديهم أيضا تفاعلات إيجابية جدا في الفترة نفسها التي نصفها، مثل تبادل الأفكار، وتجارة البضائع، والعلاقات الدبلوماسية، وحتى القتال جنبا إلى جنب في الحروب ضد أعداء آخرين.

وإذا عدنا إلى كولومبوس والسيادة الإسبانية التي نتحدث عنها وأرادت إنكار الإسلام وهزيمته، فقد نجحت في ذلك، لأن السرديات حول "العالم الجديد" تستثني المسلمين تماما، وهذا جزء من الإرث الذي تركوه.

ويستكمل ميخائيل قوله "إذا فكرتَ فيما يمكن تسميته "الواردات" التي جلبها كولومبوس معه في عام 1492، فستجد الأمراض، والطموح في الوصول إلى آسيا، والروح الصليبية المعادية للمسلمين، ومن المأساوي جدا أنه لكتابة هذا التاريخ وما حدث بعد ذلك، لا بد من إدراج ما جرى للسكان الأصليين للأميركتين ضمن سياق التاريخ الأوروبي المناهض للإسلام".

ويربط ألان ميخائيل بين إرث المستكشفين الأوائل الفكري والخطابي والرواسب المتبقية في العقلية الأميركية الحديثة التي لا تزال تربط بين المسلمين والسكان الأصليين لأميركا، حيث نرى ذلك اليوم في حقيقة أن المسرح الرئيسي للحروب الأميركية هو العالم الإسلامي، كما أن العديد من الأسلحة الأميركية المستخدمة هناك تحمل أسماء تعود إلى السكان الأصليين مثل طائرات "الأباتشي" الهجومية، ومروحيات "بلاك هوك"، وصواريخ "توماهوك".

يختم ميخائيل بقوله "إن هناك تاريخا من الحروب الأميركية ضد الشعوب الأصلية يتكرر الآن بأشكال مختلفة في العالم الإسلامي"، وقد يقول البعض إن هذه مجرد أسماء ولغة لا تعني شيئا، لكن الأمر ليس كذلك، هناك أسباب وراء وجود هذه الصدى الخطابي، هناك سبب وراء استخدام كولومبوس وكورتيس لغة تشير إلى الإسلام عندما واجهوا "العالم الجديد" يجب علينا توضيحها وفهمها.

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات أبعاد کریستوفر کولومبوس السکان الأصلیین العالم الإسلامی العالم الجدید عالم الإسلام کما یذکر إلى آسیا کما یصف وکان ی

إقرأ أيضاً:

قراءة في كتاب محمود محمد طه: من أجل فهم جديد للإسلام (11 _ 15)

قراءة في كتاب محمود محمد طه: من أجل فهم جديد للإسلام

ما الواجب المباشر تجاه الفكر الحر في ظل استمرار السردية التكفيرية؟

قراءة في كتاب (عبد الله الفكي البشير، محمود محمد طه: من أجل فهم جديد للإسلام)، دار محمد علي للنشر، صفاقس، تونس/ ومؤسسة الانتشار العربي، بيروت، لبنان، 2024 (10-13)

بقلم سمية أمين صديق

إهداء المؤلف لكتابه:

“إلى شعوب السودان والإسلام والإنسانية جمعاء، وهي تتوق إلى التحرير والتغيير، فإني أهديكم هذا الكتاب، مستدعياً مقولة المفكر التونسي الدكتور يوسف الصديق: (محمود محمد طه هو المنقذ)”. المؤلف

تناولنا في الحلقة السابقة من قراءتنا في كتاب الدكتور عبد الله الفكي البشير، محمود محمد طه: من أجل فهم جديد للإسلام. طرف من محاور الفصل التاسع من الكتاب، وهو بعنوان: محمود محمد طه في الفضاء الإسلامي والكوكبي: الأطروحات الجامعية والندوات والكتب والأوراق العلمية عنه. تمحور الفصل حول راهن التعاطي مع فكر الأستاذ محمود محمد طه، من خلال رصد حجم الأطروحات الجامعية (دكتوراه- ماجستير- دبلوم- بحث تخرج)، والكتب، والأوراق العلمية، والمقالات الصحفية، والندوات، والمحاضرات، واللقاءات الإعلامية (صحافية وإذاعية وتلفزيونية)، والأفلام الوثائقية، والترجمات، التي انجزت عن فكر محمود محمد طه في نحو (34) دولة حول العالم. جاء هذا الفصل، كما أوضح المؤلف، استجابة علمية لأسئلة متكرره طُرحت عليه في بعض المنابر، فقد قال: سألني البعض: هل هناك اليوم اهتمام بفكر محمود محمد طه؟ ولماذا ننشغل بفكر لا يهتم به أحد؟ فلقد نسي الناس الرجل ونسوا فكره وأوصدوا بابه، فلماذا التعب؟. وعبر البعض الآخر، قائلاً: وهل يصلح فكر محمود محمد طه بأن يكون ميداناً للحوار العلمي ومادة لإعداد الرسائل الجامعية؟ كما أشار المؤلف لتساؤلات عديدة وردت في بعض الكتابات وفي وسائل الإعلام، منها، قوله: تساءل المعلق في فيلم: “أفكار على حبل المشنقة”، الذي بثته قناة الجزيرة الوثائقية عام 2016، فقال المعلق: هل بقي من فكر محمود محمد طه ما يمكن أن يقدم؟ أو أن يدعا له، أم أنه انتهي بمقتله؟ أجاب الفصل عند هذه الأسئلة وغيرها، وفقاً للأسس الأكاديمية، والبراهين العلمية الدامغة. وكذلك وقف الفصل عند الإجابة على السؤال القائل: لماذا يهتم المؤلف بالمجال الأكاديمي؟ وغيره. ولقد قدمنا إضاءات حول ذلك في الحلقة السابقة، واليوم نستكمل الحديث.

لماذا المجال الأكاديمي؟

الأكاديميا و الفهم الجديد للإسلام ساحة التفوق على العلم المادي و بزه و ميدان إجراء المقارنة

صدَّر المؤلف حديثه بما كتبه الأستاذ محمود محمد طه، في العام 1972، حيث كتب الأستاذ محمود، قائلاً: “التبشير بالإسلام أمر يتطلب أن يكون المُبشر من سعة العلم بدقائق الإسلام، و بدقائق الأديان، و الأفكار، و الفلسفات المعاصرة، بحيث يستطيع أن يجري مقارنة تبرز إمتياز الإسلام على كل فلسفة إجتماعية معاصرة، و على كل دين، بصورة تقنع العقول الذكية”. في تعبير عن أن الميدان الأكاديمي هو ميدان المتخصصين، الأمر الذي يتطلب من الداعية والمبشر بالرسالة الثانية من الإسلام سعة العلم بدقائق الإسلام وبدقائق الأديان والأفكار والفلسفات المعاصرة، وكل هذا ميدانه الفضاء الأكاديمي، حيث العلم المادي التجريبي، وهو أعظم شيء في صدور الناس اليوم. ولهذا فإن الميدان الأكاديمي، عند المؤلف، هو ميدان إجراء المقارنة، وهو ساحة تفوق الرسالة الثانية من الإسلام على العلم المادي التجريبي، وبزه والتفوق عليه. وهذا ما خاطبه المؤلف بقول الأستاذ محمود: “وحين كانت معجزة الرسالة الأولى من الإسلام هي بلاغة القرآن، فإن معجزة الرسالة الثانية من الإسلام هي (علمية) القرآن.. فإن هذا العصر الحاضر هو عصر العلم.. العلم المادي التجريبي.. هذا هو أعظم شيء في صدور الناس الآن، وسيجئ الحق، في الرسالة الثانية من الإسلام بصورة تشبه هذا العلم، ولكنها تبزه وتتفوق عليه.. وسيذعنون لها، وستستيقنها نفوسهم، وسينقادون لها.. لا يشذ عنها شاذ، ولا يعصي أمرها عاص”.

قدم دكتور عبد الله الفكي البشير، رصداً وتوثيقاً لما يدور في الفضاء الأكاديمي في العالم عن فكر الأستاذ محمود محمد طه، الأمر الذي كشف الاهتمام المتزايد يوماً بعد يوم، بالفهم الجديد للإسلام. وأعتبر عبد الله هذا الاهتمام دليل إثبات، على صحة الإجابة بأن هناك اهتمام مستمر بالفهم الجديد للإسلام و بالسيرة الفكرية لصاحبه، كما أن هذا الرصد قد كشف قصور معرفة الذين يقولون إن الناس قد نسوا فكر “الرجل و أوصدوا بابه”. ويقول عبد الله عن هذا الرصد أنه يقدم مؤشرات تفيد ببداية توسع الاهتمام الأكاديمي في الفضاء الإسلامي و الكوكبي، و يوضح كذلك الخريطة الجغرافية لذلك التوسع. ويضيف عبد الله: بما أنه غني عن القول إن الفهم الجديد للإسلام دعوة إنسانية لكافة الناس، كما جاء التفصيل في ذلك مع الحديث عن منهجها، و سبل الترقي في مراقيها. كذلك، و لما كانت المفاضلة بين الناس وفقاً للفهم الجديد للإسلام، تكون بالعقل و الأخلاق، و ليس بالدين أو العنصر أو اللون أو الجنس،.. فيكون من البديهي ألا تكون المفاضلة بالمستوى العلمي أو الشهادة الأكاديمية. و ذهب عبد الله ليؤكد بقوله:( ولهذا فإن اهتمامنا بالأكاديمية لا يجئ من تفضيل لها أو إغفال للعلم التجريبي الروحي، و إنما لكونها إحدى آليات العلم التجريبي المادي، الذي هو “أعظم شيء في صدور الناس الآن” وهو ميدان تفوق الرسالة الثانية من الإسلام عليه، و بزها له بمعجزتها، التي هي علمية القرآن، كما ورد في قول محمود محمد طه. أما عن دور الجامعات وغرضها فقد أورد المؤلف ما جاء في إعلان الحرية الأكاديمية 2005، و الذي صدر عن المؤتمر العالمي الأول لرؤساء الجامعات،جامعة كولومبيا و جاء فيه “يناط بالجامعات مسئولية حفظ معارف الماضي و نقلها للجيل التالي، و تعليم مواطني و مدرسي و قادة المستقبل، و السعي وراء اكتشاف معارف جديدة و التي من شأنها إما أن تدعم أو أن تدحض ماهو موجود بالفعل من أفكار و معايير. وهذا كله بغرض تعميق الفهم الإنساني و تحسين حالة البشرية “. و يضيف المؤلف أيضاً، أن الأكاديمية هي ميدان التنوير و التكوين، و بناء القدرات للشباب، فضلاً عن كونها مختبر البحث العلمي، الذي هو، كما ورد في بعض التعريفات: “عبارة عن نشاط علمي منظم يعمل على إستخلاص الإستنتاج. كما يكتسب المجتمع الأكاديمي أهمية من إتساع شرائحه، فهو يضم شرائح مختلفة. وأورد عبد الله تعريف إعلان ليما – الذي كان في ديسمبر 1988، للمجتمع الأكاديمي بقوله: ( المجتمع الأكاديمي) يغطي جميع الأشخاص الذين يقومون بالتدريس و الدراسة و البحث و العمل في مؤسسة للتعليم العالي”.

وعن شريحة الدارسين، الطلاب يقول المؤلف: ( ظل الشباب و الطلاب، الذين هم جزء من المجتمع الأكاديمي، موضع عناية محمود محمد طه و إهتمامه، بل أن دعوته بطبيعتها للشباب، و هي للطلبة بصورة خاصة، كون الطلبة هم “العتاد للغد” و هم حملة التغيير) يقول عبد الله :( تحدث محمود محمد طه، في العام 1975، قائلاً: “إن هذه الدعوة بطبيعتها للشباب، للشباب عامة، لسبب هو أن سودان الغد هو سودان الشباب، و ليس سودان الكهول و الشيوخ مثلنا.. و الدعوة هذه للتغيير الكبير الذي يجدد حياة الناس تجديد في الظاهر و في الباطن، أعني في النفس البشرية، و في المجتمع الذي تعيش فيه هذه النفس البشرية”. و أضاف مشيراً لتخصيص دعوته للطلبة مع التعليل لذلك قائلاً:”و هي للطلبة خاصة، لأن الطلبة، هم عتاد للغد، الذي سيحمل هذا التغيير، إلى نهاياته، في الناحية النظرية، و الناحية التطبيقية”. خلص المؤلف إلى أنه على الرغم من أن كل المجالات، و كذلك الإنسان حيث ما كان، ميدان لدعوة الفهم الجديد للإسلام، إلا أن أهمية الأكاديمية بالنسبة للفهم الجديد للإسلام، تأتي من أنها تضم أهم شرائح المجتمع الأكاديمي، وهم الشباب، الطلبة،صوت المستقبل،الذين هم “العتاد للغد “الذي سيحمل هذا التغيير إلى نهاياته “فخصهم الأستاذ محمود محمد طه بدعوته. و ذهب عبدالله ليقول:( كذلك يمثل الميدان الأكاديمي، حيث العلم المادي التجريبي، ميدان للتحدي و المقارنة مع علمية الرسالة الثانية من الإسلام، حتي يتكشف تفوقها على العلم المادي التجريبي وبزها له. يُضاف إلى ذلك، إن طرح الرسالة الثانية من الإسلام في الفضاء الأكاديمي، للتداول حولها، يتيح الفرصة لفحص ثمارها، و إمتحان أفكارها، و معيرة خلاصاتها، مِن قبل أهل التخصص في مختلف المجالات. أكثر من هذا إن الميدان الأكاديمي بالنسبة للمبشر بالإسلام، يمثل المختبر و الميدان لإجراء المقارنة التي تبرز إمتياز الإسلام على كل فلسفة اجتماعية معاصرة، و على كل دين، بصورة تقنع العقول الذكية. كما ورد في حديث محمود محمد طه أعلاه. كما أن إجراء المقارنات بين الرسالة الثانية من الإسلام و بقية الأفكار و الفلسفات الإجتماعية المعاصرة، و الديانات الأخرى، كما دعا لذلك محمود محمد طه، تكون مع المتخصصين و المنتجين للمعارف في تلك المجالات، و لا جدال في أن أكبر ساحات حضور هؤلاء و أهمها هي المؤسسات الأكاديمية.

جاء الرصد الذي قام به الدكتور عبدالله الفكي البشير في (52) صفحة من كتابه، وكان حسب الدول،مع ترتيبها هجائياً. تضمن الأطروحات الجامعية (الدكتوراه و الماجستير و الدبلوم العالي، و بحوث التخرج)، و الكتب التي كانت عن الأستاذ محمود محمد طه أو تعرضت له، و الأوراق العلمية و الفصول في الكتب، و الندوات أو المؤتمرات العلمية التي كانت عنه، و اللقاءات الإعلامية، و الأفلام الوثائقية، و الترجمة لأعماله، أو الأعمال التي كانت حوله، مع ذكر المؤلفين حسب الترتيب الهجائي. كما شمل الرصد ثلاث رسائل جامعية، هي على وشك المناقشة.

نلتقي في الحلقة الثانية عشر، وهي قبل الأخيرة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الوسومسمية قراءة قراءة في كتاب محمود محمد طه من أجل فهم جديد للإسلام

مقالات مشابهة

  • «حريرة لعازر بالدبس».. نكهة تراثية تحيي الروح في سبت لعازر
  • أميركا الجنوبية تقترح زيادة «مونديال 2030» إلى 64 منتخباً
  • من هو شيخ الإسلام البريطاني الذي بنى أول مسجد فيها؟
  • رابطةُ العالم الإسلامي تُدين أوامر الإغلاق التي أصدرتها إسرائيل بحق ستّ مدارس لوكالة “الأونروا” في القدس المحتلة
  • رابطةُ العالم الإسلامي تُدين أوامر الإغلاق التي أصدرتها إسرائيل بحق 6 مدارس لـ “الأونروا” في القدس المحتلة
  • الشلف.. جمعية خيرية تكرّس الروح الرياضية وتوزع المياه على أنصار وفاق سطيف
  • قراءة في كتاب محمود محمد طه: من أجل فهم جديد للإسلام (11 _ 15)
  • وزير الخارجية التركي: مجلس الأمن صامت أمام كل الانتهاكات التي تقع في غزة
  • اختلاف سياسة أميركا الخارجية بعهد ترامب.. هل تتخلى واشنطن عن قيادة العالم؟