البرنامج النووي الليبي.. دعمه سرا عالم باكستاني وكشفته استخبارات أميركا
تاريخ النشر: 11th, April 2025 GMT
في خضم الحرب الباردة والتنافس الإقليمي على النفوذ، سعى الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي إلى امتلاك السلاح النووي لضمان البقاء وتعزيز مكانة ليبيا قوة إقليمية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط. انطلقت رحلة برنامج التسلح النووي الليبي بمحاولات سرية في نهاية سبعينيات القرن العشرين، قبل أن تشهد محطات مهمة، حقق أثناءها القذافي إنجازات قربت ليبيا من حلمها النووي.
إلا أن تقلب العلاقات الدولية، وتزايد الضغوط الغربية، إضافة إلى تداعيات العقوبات الاقتصادية التي فرضت على البلاد، وضعت حدا لهذه الرحلة، وعجلت بانتهائها، عندما أعلن القذافي عن التخلي عن طموحاته النووية في ديسمبر/كانون الأول عام 2003.
البدايات: محاولات يائسة في العلناتخذت ليبيا خطواتها الأولى نحو التسلح النووي في نهاية ستينيات القرن العشرين، كان ذلك بالتزامن مع اكتشاف فرنسا احتياطات كبيرة من اليورانيوم في جبل تيبستي شمالي تشاد، على الحدود الجنوبية لليبيا في عام 1968.
أثار هذا الحدث اهتمام النظام الليبي الفتي بقيادة معمر القذافي، الذي استولى على السلطة عبر انقلاب عسكري في الأول من سبتمبر/أيلول عام 1969.
ابتدأت ملامح الرؤية النووية الليبية تتضح بشكل جلي بداية سبعينيات القرن العشرين، عندما حاول نظام القذافي السيطرة على شريط أوزو، وهي منطقة حدودية بين تشاد وليبيا غنية بالموارد (يورانيوم، نفط، مياه جوفية)، تقع شمال تشاد، وادعت ليبيا ملكيتها بناء على معاهدات استعمارية قديمة بين إيطاليا وفرنسا في أوائل القرن العشرين.
أراد القذافي ضم المنطقة عبر دعم جماعات متمردة تشادية في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، بل ودفعت به رغبته الجامحة في الحصول على اليورانيوم إلى الدخول في حرب مع تشاد في الفترة الممتدة بين 1980 و1987، وهو النزاع الذي عرف باسم "حرب تويوتا"، وحسمه فيما بعد حكم قضائي لمحكمة العدل الدولية لصالح تشاد عام 1994.
إعلانبالموازاة مع محاولات السيطرة العسكرية على مصادر اليورانيوم في تشاد، وفي سبيل سعيها إلى إنشاء مشروعها النووي، بذلت ليبيا جهودا كبيرة على مستويات أخرى، إذ أحدثت مركز البحوث الصناعية عام 1970، وهو مؤسسة بحثية تتمثل مهمتها الأساسية في تطوير التكنولوجيا المحلية في مجالات الصناعة والطاقة ودعم البرنامج النووي الليبي، لاسيما في مجالات تخصيب اليورانيوم وتطوير الطاقة الذرية.
اتجه القذافي كذلك إلى خيار شراء اليورانيوم الخام من دول أفريقية أخرى، فلجأ إلى اقتناء نوع منه يسمى "الكعكة الصفراء" من مناجم شمال جمهورية النيجر، التي كانت تستغلها فرنسا لصالح برنامجها النووي، وكانت عملية الشراء تتم بطرق سرية عبر شبكات التهريب في الحدود الليبية-النيجرية.
وفق خبراء الطاقة النووية، يتم إنتاج الكعكة الصفراء من سحق صخور اليورانيوم الخام، لتتحول إلى مُرَكّز اليورانيوم، ولكي تتحول الكعكة الصفراء إلى وقود نووي لا بد أن تمر من مرحلة التخصيب عبر أجهزة الطرد المركزي، إذ يتم فصل اليورانيوم 235 (يمثل 0.7% من الكعكة الصفراء) عن اليورانيوم 238 (يمثل 99.3% من الكعكة الصفراء)، وتُرفع نسبة اليورانيوم 235 (المشع) من 0.7% إلى نسبة تتراوح ما بين 3% و5% عبر عملية معقدة، لتمثل هذه النسبة الضئيلة من "اليورانيوم المخصب" الوقود النووي في نهاية المطاف.
في ظل افتقار ليبيا للقدرة التقنية على معالجة كميات اليورانيوم التي تمتلكها، سعى القذافي للحصول على التكنولوجيا النووية عبر مفاوضات مع الاتحاد السوفياتي آنذاك، إذ طلب من القيادة السوفياتية عام 1975 تزويده بمفاعل نووي يمكنه من تخصيب اليورانيوم، إلا أن موسكو رفضت طلبه بدعوى خشية انتشار التكنولوجيا النووية في منطقة غير مستقرة.
في المقابل عرضت القيادة السوفياتية بدلا من ذلك مساعدة تقنية محدودة، تمثلت في مفاعلات نوية بحثية صغيرة، يتم تخصيصها لأغراض سلمية في الأبحاث الطبية والزراعية. الأمر الذي مكن ليبيا من امتلاك مفاعل تاجوراء بالقرب من طرابلس، والذي يعمل بالماء الخفيف، وتبلغ قوته 10 ميغاوات.
إعلانوقد بدأ العمل في المشروع عام 1977، ودشن رسميا عام 1981، وذلك بعد سنوات قليلة من مصادقة طرابلس على معاهدة حظر الأسلحة النووية في 26 مايو/أيار 1975.
التهريب لبناء البرنامج النوويبعدما أيقن نظام القذافي أن العرض السوفياتي لا يتوافق مع طموحات ليبيا العسكرية، بحث عن بدائل أخرى تمكنه من تطوير البرنامج النووي الليبي، فلجأ إلى شبكات التهريب النووي، واقتحم السوق السوداء من أجل الحصول سريا على التكنولوجيا النووية.
جاءت اللحظة الفاصلة في يناير/كانون الثاني عام 1984 حين عقد مسؤولون ليبيون اجتماعا سريا مع العالم الباكستاني عبد القدير خان، المهندس الرئيسي للبرنامج النووي الباكستاني، الذي وفر لليبيا مخططات أجهزة الطرد المركزي ومعدات حساسة أخرى عبر شبكته الدولية الممتدة من ماليزيا إلى جنوب أفريقيا.
كما استمرت ليبيا موازاة مع هذه الجهود، في تنسيق عمليات تهريب اليورانيوم الخام من مناجم النيجر عبر شبكات التهريب الحدودية، وتلقت كذلك شحنات سرية من اليورانيوم المعالج من حليفتها كوريا الشمالية بشكل غير مباشر عبر باكستان.
بدأت ليبيا تعاونها السري مع شبكة العالم الباكستاني عبد القدير خان فعليا في منتصف الثمانينيات من القرن العشرين، ونجحت بفضله في الحصول على تكنولوجيا نووية حساسة رغم الحصار الدولي المفروض عليها.
فقد كشفت تحقيقات لاحقة أن شبكة خان زودت النظام الليبي بأكثر من 2000 مكون خاص بأجهزة الطرد المركزي، تم تهريبها عبر دول عدة باستخدام شركات وهمية وطرق ملتوية لتفادي الرقابة الدولية.
كما تسلمت ليبيا وثائق سرية تحتوي على تصميمات متقدمة للأسلحة النووية، بما في ذلك مخططات تحويل اليورانيوم المخصب إلى رؤوس حربية، علاوة على دعم فني قدمته الشبكة عبر إرسال خبراء لتقديم الإرشادات التقنية للفنيين الليبيين، رغم محدودية خبرتهم في هذا المجال المعقد.
إعلانوقد تم تمويل هذه العملية بميزانية ضخمة، حولها النظام الليبي عبر قنوات مالية معقدة شملت بنوكا وشركات في دول عدة.
انكشاف البرنامج السريفي أكتوبر/تشرين الأول عام 2003، ضُبطت شحنة سرية من مكونات أجهزة الطرد المركزي المتطورة المتجهة إلى ليبيا على متن سفينة شحن ألمانية، في عملية استخباراتية مشتركة قادتها الولايات المتحدة الأميركية بميناء تارانتو الإيطالي.
وكشفت التحقيقات أن هذه المعدات المصممة لتخصيب اليورانيوم في ليبيا كانت جزءا من صفقة سرية مع شبكة العالم الباكستاني عبد القدير خان، وتم شحنها عبر شركة ماليزية تدعى "سكومي للهندسة الدقيقة"، وأزاح هذا الاعتراض الاستخباراتي الستار عن إحدى أكبر عمليات تهريب التكنولوجيا النووية في العالم، وأسفر فيما بعد عن ضغوط دولية مكثفة أدت إلى تخلي ليبيا عن برنامجها النووي بعد شهرين فقط.
وأعلن القذافي تخليه الطوعي عن المشروع يوم 19 ديسمبر/كانون الأول 2003، وسلمت طرابلس كافة المعدات والوثائق النووية لواشنطن مباشرة بعد ذلك في يناير/كانون الثاني 2004 تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
خطوة اعتبرها البعض آنذاك محاولة من القذافي لتفادي مصير الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الذي أطيح به قبل أشهر قليلة من ذلك التاريخ عقب الغزو الأميركي للعراق، وشكل هذا الحدث نهاية لمحاولات سرية استمرت ثلاثة عقود من أجل تطوير سلاح نووي في ليبيا.
من العقوبات إلى الاستثماراتشهدت ليبيا بعد تخليها عن مشروع التسلح النووي تحولا جذريا في مسارها السياسي والاقتصادي، إذ حصدت البلاد مكاسب مباشرة، تمثلت أساسا في رفع الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية العقوبات التي ظل الليبيون يئنون تحت وطأتها عقودا من الزمن، ففتحت بعد ذلك أبواب الاستثمارات النفطية على مصراعيها أمام الشركات الغربية الكبرى ("شل"،"إكسون موبيل"، "بيتروفاك"، "توتال"…).
إعلانوعلى صعيد العلاقات الدولية تحولت ليبيا من "دولة منبوذة" إلى شريك معترف به، فحصلت على مقعد غير دائم في مجلس الأمن عام 2008، واستغل نظام القذافي هذه الفرصة لتحسين صورته وتقديم نفسه "شريكا موثوقا" للغرب وتعزيز حضوره الدبلوماسي.
فقد قدم النظام الليبي آنذاك نفسه وسيطا في النزاعات الأفريقية، واستضافت ليبيا عام 2007 مفاوضات السلام بين الحكومة السودانية وحركات التمرد في إقليم دارفور غرب البلاد، كما نجحت في التوسط لوقف إطلاق النار بين تشاد والسودان عام 2008 بعد صراع حدودي دام.
في ظل هذه التحولات الجذرية انتقلت ليبيا من مشروع سري للتسلح النووي إلى تعاون علني مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية من أجل إنشاء مفاعلات نووية مدنية لأغراض سلمية، تعاون توج في عام 2007 بتوقيع اتفاقية مع الوكالة لتشغيل مركز البحوث النووية في تاجوراء، وأصبح مؤسسة بحوث متخصصة في مجال التطبيقات السلمية للطاقة الذرية، بمساعدة تقنية روسية وفرنسية، بهدف تطوير الطب النووي وإنتاج النظائر المشعة للأغراض الطبية.
وشكّل اندلاع الثورة الليبية في 17 فبراير/شباط عام 2011 نقطة تحول مصيرية للمشروع النووي الليبي، إذ توقف العمل به بشكل كامل نتيجة تداعيات الأحداث، ومع تصاعد الأعمال المسلحة، تم إخلاء الموقع من الخبراء الأجانب خوفا على سلامتهم.
كما تعرضت بعض منشآته لأضرار مادية أثناء الاشتباكات المسلحة التي شهدتها العاصمة طرابلس ومناطق أخرى من البلاد، الأمر الذي دفع الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى تعليق تعاونها مع ليبيا بسبب انعدام الاستقرار الأمني وغياب سلطة مركزية معترف بها دوليا.
عاد البرنامج النووي الليبي إلى الواجهة بشكل مفاجئ في مارس/آذار 2023، عندما أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية اختفاء 10 براميل تحتوي على حوالي 2.5 طن من اليورانيوم الطبيعي (الكعكة الصفراء) من مستودع غير مؤمن بشكل كاف في جنوب ليبيا، في منطقة قريبة من الحدود التشادية.
وجاء الإعلان بعد زيارة تأخرت عاما كاملا لمفتشي الوكالة بسبب الظروف الأمنية المضطربة في المنطقة، إذ اكتشفوا فتحة في جدار المستودع تسمح بمرور برميل واحد، ما أثار تساؤلات حول سرقة محتملة.
إعلانوفي تطور سريع، أعلنت قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر العثور على البراميل المفقودة بعد 24 ساعة فقط من الإعلان عن اختفائها، على بعد 5 كيلومترات من الموقع الأصلي باتجاه تشاد، وسط تكهنات بأن مجموعة تشادية قد سرقتها ظنا أنها تحتوي على أسلحة تقليدية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الکعکة الصفراء الطرد المرکزی النظام اللیبی القرن العشرین النوویة فی لیبیا من
إقرأ أيضاً:
شذوذ إشعاعي بالصحراء العراقية.. هل بات تعدين اليورانيوم مسألة وقت؟
في صمت صحراء الجنوب العراقي، تخفي باطن الأرض أسرارا لم تروَ بعد، ذلك لأنها كتبت بلغة الإشعاع التي لا يفهمها إلا المتخصصون.
وتطلق الذرات في تكوينات الصخور المختلفة بباطن الأرض، والتي تحتوي على عناصر مشعة طبيعية، همسات إشعاعية، وقد سعى فريق بحثي عراقي إلى الاستماع لها وتحويلها إلى لغة مفهومة ذات بعد بيئي واقتصادي، وذلك باستدعاء بيانات تاريخية تعود لعقود من الزمن.
وتعود تلك البيانات إلى نحو 51 عاما، عندما حلقت عام 1974 طائرات "الشركة العامة للجيوفيزياء" بفرنسا، والمزودة بأجهزة مطياف أشعة غاما، في سماء العراق، لترسم خريطة أولية للإشعاع الطبيعي في صحراء الجنوب، وتحديدا المنطقة الواقعة بين دائرتي العرض (29°-31°) شمالا وخطي الطول (42°-47°) شرقا.
وظلت تلك البيانات كنزا علميا دفينا ينتظر من ينفض عنه الغبار ويقرأ إشاراته بدقة وإمعان، وهو ما فعله الفريق البحثي بقيادة الدكتور عماد الخرسان من جامعة البصرة للنفط والغاز، في الدراسة المنشورة بدورية "جورنال أوف أبلايد جيوفيزكس".
وفي حديث مع الجزيرة نت، يقول الدكتور عبد العزيز محمد عبد العزيز أستاذ هندسة الاستكشاف وتقييم الطبقات في كلية الهندسة جامعة القاهرة، وهو لم يشارك بهذه الدراسة، إن البيانات التي تقدمها مثل هذه المسوح الجوية لا تتغير على فترات متقاربة، لذلك فإن تحليل ما تم رصده عام 1974 سيكون معبرا بشكل كبير عن الوضع الحالي.
إعلانوأوضح الدكتور عبد العزيز أن الفريق البحثي أضاف قيمة للبيانات التي جمعتها الشركة الفرنسية، إذ درس كيفية ارتباط الإشعاع الموجود في الصخور والتربة بالتركيبة الجيولوجية للمنطقة.
ورصدت طائرات الشركة المزودة بأجهزة مطياف أشعة غاما مستويات الإشعاع من اليورانيوم والثوريوم والبوتاسيوم المشع، وتم تسجيل مجموع الإشعاع الكلي.
وباستخدام طريقة حسابية تسمى "تحليل التوجهات السطحية" استطاع الفريق البحثي تحديد المناطق التي تحتوي على إشعاع غير طبيعي قد يشير إلى وجود معادن معينة أو تكوينات جيولوجية مهمة، وهذا التفسير الإضافي ساعدهم في تقديم صورة أوضح عن العلاقة بين الإشعاع والخصائص الجيولوجية للمنطقة، وبالتالي توجيه الأبحاث المستقبلية أو استكشاف الموارد الطبيعية.
و"تحليل التوجهات السطحية" طريقة رياضية تساعد العلماء في فهم كيفية توزيع شيء معين مثل الإشعاع، في مناطق معينة على سطح الأرض.
وباستخدام هذه الطريقة، يتم جمع البيانات من عدة نقاط مختلفة، ثم يحاول العلماء اكتشاف الأنماط في هذه البيانات، مثل وجود زيادة أو نقصان في الإشعاع بمناطق معينة، وهذه الطريقة تساعدهم في تحديد الاتجاهات العامة للإشعاع، مما يعني أنهم يمكنهم التنبؤ بمستوياته في أماكن لم يقيسوها بعد.
مواقع الشذوذ الإشعاعيوكان من أبرز ما توصل له الباحثون في دراستهم تحديد 6 مواقع تحتوي على شذوذ إشعاعي، أي إنها ذات إشعاع غير طبيعي، وتم ربط هذا بأسباب جيولوجية وتكتونية، بما في ذلك وجود التشققات والمعادن المشعة النادرة مثل اليورانيوم الذي ينتقل عبر المياه الجوفية.
ويقول عبد العزيز إن هذه النتائج توفر فرصا لتحديد مناطق غنية بالمعادن النادرة أو مناطق تجب مراقبتها بشكل أكبر بسبب مستويات الإشعاع المرتفعة فيها.
وعادة ما تتراوح مستويات الإشعاع الطبيعي بين 850 و1160 نبضة في الثانية، وسجلت المناطق الست مستويات أعلى، في حين كانت المستويات طبيعية في باقي المناطق والتكوينات الجيولوجية التي شملتها الدراسة.
إعلانويشرح عبد العزيز كيفية حساب هذه النبضات، موضحا أنه "عندما تصدر المواد المشعة (مثل اليورانيوم أو الثوريوم) أشعة غاما تُلتقط بواسطة أجهزة القياس التي تحول الإشعاع إلى نبضات كهربائية، ويحسب عدد النبضات التي تم تسجيلها في الثانية".
ويوضح أنه توجد طريقتان للقياس، أحداهما تعرف بـ "عداد غايغر" وهي الطريقة الأقدم، بينما الطريقة الأحدث والأشهر هي" العداد الوميضي".
وفي الطريقة الأقدم يحتوي "عداد غايغر" على قطبين كهربائيين سالب وموجب بينهما غاز خامل، وعندما تمر أشعة غاما عبر الغاز الخامل فإنها تؤين هذا الغاز، وتجعله قادرا على التوصيل الكهربائي بين القطبين الذي يتم التعبير عنه على هيئة نبضة كهربائية، وكلما كانت الأشعة كبيرة كان التأين كبيرا والتوصيل الكهربائي مرتفعا، ومن ثم يكون هناك عدد كبير من النبضات.
أما الطريقة الأحدث فهي جهاز "العداد الوميضي" وهو عبارة عن بلورة من مادة "يوديد الصوديوم" التي تصدر ومضات ضوئية عندما تسقط عليها أشعة غاما، وعبر حساب عدد هذه الومضات يمكن تقدير مستويات الإشعاع.
وفي سياق الدراسات الجيوفيزيائية، يتم استخدام هذه الأجهزة لقياس الإشعاع الطبيعي بالصخور والتربة، فكلما زاد عدد النبضات والومضات كان النشاط الإشعاعي أكبر، وهذا يمكن أن يكون مؤشرا على وجود معادن مشعة مثل اليورانيوم أو الثوريوم.
تطبيقات مستقبليةوبذلك، فإن نتائج هذه الدراسة قد تكون لها قيمة تطبيقية في المستقبل، ويقول عبد العزيز إن "الفهم العميق للإشعاع الطبيعي بمنطقة العراق الجنوبية يمكن أن يساهم في دراسات بيئية وجيولوجية أوسع، كما يفيد في مجالات البحث عن المعادن المشعة، بالإضافة إلى دراسات الطاقة النووية وتحديد مواقع الأماكن الجغرافية المناسبة للاستخدامات الصناعية".
وبالإضافة إلى ذلك، يوضح الدكتور عبد العزيز أن "هذه النتائج يمكن أن تكون مفيدة في تحليل التغيرات البيئية من خلال مراقبة مستويات الإشعاع الطبيعي وتأثيراتها على الصحة العامة والنباتات والحيوانات في تلك المناطق".
إعلان