لجريدة عمان:
2025-04-13@06:09:24 GMT

عن موت الشعراء في فلسطين

تاريخ النشر: 11th, April 2025 GMT

عن موت الشعراء في فلسطين

قبل ساعة عدت من جنازة الشاعر الصديق محمد دلة، غريبة هذه الأيام في فلسطين، لا افكر فقط في نزف شهداء غزة المدوي، أفكر في موت الشعراء والكتّاب المتعاقب: محمد دلة، وضاح زقطان، أحمد يعقوب، زهير زقطان، عزت غزاوي، علي الخليلي، أحمد حرب، وآخرين، أهي مجرد صدفة أن يموت الشعراء في فلسطين بصورة ملتفتة،؟ أم أن قلب الشاعر الفلسطيني لا يستطيع تحمل ما يجري في غزة فيختار التوقف على النبض المتعب تفاديا من حرج العجز عن الكتابة الصافية صفاء الشهيد؟؟ يذهب الشعراء الفلسطينيون الى نهاياتهم تاركين القصيدة خلفهم كشهيدة او شاهدة، ليس موتا عاديا هذا الذي يغطي فلسطين كلحاف شتوي، ليس غيابا مفهوما لكنه سؤالا مكثقا على سؤال: من سيكتب موت البلاد أيها الشعراء حين تختارون الموت تباعا؟، أتذكر تجربة الشاعر الأب والملهم علي الخليلي، الذي مات قبل سنوات، أتذكره حزينا يمشي في شوارع يستطيع جندي صهيوني عمره 19 عشر عاما أن يقفلها، أتذكره وهو يهرب مع الهاربين تتساقط منه أغراضه، في حمى عتمة منع تجوال فرضه الاحتلال فجأة على رام الله، سمعت صوته وهو يهرب: القصيدة تهرب معي يا زياد هل تراها،؟ ها هي معي، وأشار الى ظله.

مقهورا توقف قلب علي الخليلي، لكن قصائده ظلت وما زالت تركض داخلنا، محدثة فضاء من الحب ومصدرا للالهام ودافعا للمقاومة.

أين ذهب شارب علي الخليلي المميز ؟ كنت أنتظره بفضول حزين في التاسعة صباحاً بالضبط، يومياً من نافذة أحد طوابق عمارة الحرباوي، في الرام، في أول تسعينيات القرن الماضي، حيث مقر جريدة الصدى، كنت أعمل هناك في وظيفتين: محررا لغوياً ومراقباً لشارب علي الخليلي شديد الترتيب، كنت أتقاضى مقابل الأولى أجراً مالياً، أما الثانية فقد كنت أتقاضى مقابلها أجراً حلمياً، دفعات من الأحلام والتأملات، كانت بداياتي في التحرش بلهب الإبداع من هناك، في حريق تلك المرحلة الملتبسة وطنياً وإنسانياً، التي تفجرت من رحمها أجنة الكتابة الجديدة، كانت الكتابة الفلسطينية آنذاك، على مفترق طرق فني، إما أن تستمر في الرقصة الجماعية المكررة والدوران الفارغ حول ثيمات فقدت معناها وضرورتها، وإما أن تفتح لها درباً جمالياً جديداً تلاؤماً مع معطيات وجودية وسياسية وإنسانية فرضت نفسها.

ولدت فنياً عند ذلك المفترق ووجدت نفسي أختار مع زملائي جمال القواسمة وإيمان البصير وغيرهم، درباً مغايراً، عنيف الانعطاف. قصاصين خجولين كنا، نحاول أن نكتب منطلقين من ذواتنا المستعبدة والمستبعدة، بعد أن أشبع أدباء الانتفاضة المكرسون ذاتهم بعداً عن ذاتهم وفرديتهم المضطهدة؛ لسبب واهٍ وغير مقنع هو أن فلسطين أكبر منا جميعاً أو أنها هي ذاتنا الكبرى التي لا مجال لظهور ذوات صغيرة أمامها. كانت الذات في ذهننا غير المطحون بعد بِرَحَى التجارب الحياتية والقراءات هي أن نكتب عما يلامس حواسنا ويستفز رغباتنا، فيما بعد، بعد مرحلة نضوج كانت كافية لأن ننظر بفخر إلى نتاجاتنا، عثرنا على طريقنا وعرفنا أن الذات الصغيرة هي سطح القمر الذي من فوق أرضه نطير إلى العالم هموماً وألغازاً وأفكاراً، وأنها ليست العالم أبداً.

كان علي الخليلي يقطع الشارع تحت نظراتي قوي البنية بمشية رمحية وعيني صقر يعرف ماذا ينتظره في الأعالي، فيواصل التحليق أعلى فأعلى، كان شاربه مجازاً مناسباً لحلمي أن أصبح ابن الدرب الجديد في الكتابة، مرتباً وقوياً ومعتداً بذاته وشديد النظافة، ويحلق أعلى فأعلى، إلى أين كان يذهب؟ أظل أراقبه ماطاً رقبتي على وسعها من النافذة حتى أكاد أسقط، ستمضي الأيام بي وبتجربتي، لأجد فجأة أن علي الخليلي يقدم كتابي الأول: (موعد بذيء مع العاصفة)، قال عني كلاماً شعرياً وحميماً وحزيناً سوف أظل أزهو به حتى اللحظة، كنت ما أزال أنظر شاربه الذي وخطه قليل من الشيب وأذبله قليل من التعب، كتب علي الخليلي عشرات الكتب موزعة بين شعر وقص ونقد وتراث، وصل عددها مع آخر مجموعة شعرية صدرت قبل أسابيع عن اتحاد الكتاب الفلسطينيين (شرفات الكلام) إلى ثلاثة وأربعين كتاباً. ورئس تحرير مجلة (الفجر الأدبي) فترةً طويلةً مشجعاً فيها ومنتجاً عشرات الأسماء المبدعة التي ما زال بعضها يكتب حتى اللحظة.

ابن الفران (أبو سري) الذي خبز الشعر في فرن الحلم وقدمه لنا أرغفة شهية، ما زال وفياً لقصيدة التفعيلة، على الرغم من كل انفجارات وانتصارات النثر الشعري هنا وهناك من حوله، على الرغم من كل الجدل حول هذا الموضوع، فإنني أحترم خيار أبي سري الفني وأقدّر شعريته التي حفرت لها مكاناً خاصاً في حقل الكتابة الشعرية الفلسطينية..

في رام الله كنت ألتقي بالشاعر في الشارع أحياناً، أسلم عليه بحرارة مرتبكاً أمام شاربه الذي لم يعد أسود ومرتباً ومعتداً بذاته، أتذكر بداياتي الهشة والخجولة ورقبتي الملوية وهي تلحق بظله فيما هو يقطع الطريق إلى الرصيف الآخر ليوقف سيارةً ويذهب إلى حيث لا أدري، لماذا أكتب هذا النص؟ أهي رثاء متجدد لأجمل من كتب قصائد البلاد؟ أم هي مجرد تحية امتنان وحب وتكريم إلى رجل جميل أعطانا الكثير من المتعة والجمال على حساب صحته وعمره؟ أم هي اعتذار من رجل جميل لم نقم كما يجب بتكريمه بعد كل هذا العطاء الذي ما زال متواصلاً على الرغم من خبو بريق الشارب والخطوة والنظرة؟. أم كلاهما معا؟. لا أعرف حقاً.

يموت الشعراء الفلسطينيون بتوقف مفاجئ في القلب، ونحيا نحن القراء داخل حياة مستمرة، حياة تسمى قصائدهم، هل يموتون حقا ونصوصهم تشرق في دروبنا بل وتحولها؟؟ لا ينتهي الفلسطينيون ولن ينتهوا..

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

ما هو (MoCA) الذي تفوق فيه ترامب ...كل ما تود معرفته

نجح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في إطلاق فحصا  يسمى "تقييم مونتريال الإدراكي" (MoCA)، ونجح فيه بجدارة حاصدا العلامة الكاملة، وفق ما أعلنه بنفسه.

رمز النجاح وجماهيره تحصنه من شر الحاسدين.. سعر خرافي لساعة محمد صلاحبعد وفاة فنة أقلاش بسبب تكميم المعدة.. عمليات التجميل سرقت حياة هؤلاء الفنانين
ما هو (MoCA) الذي نجح فيه ترامب 
 


تقييم مونتريال الإدراكي (MoCA) هو اختبار شائع الاستخدام للكشف عن التدهور الإدراكي الخفيف والعلامات المبكرة للخرف، ويمكن أن يساعد في تحديد الأشخاص المعرضين لخطر الإصابة بمرض الزهايمر، وفحص حالات مثل مرض باركنسون أو آثار أورام المخ .
اختبار MoCA هو تحديث لفحص الحالة العقلية المصغر (MMSE) القديم الذي طُرح عام ١٩٧٥، وهو تقييم من ٣٠ نقطة يستغرق إكماله حوالي ١٠ دقائق، على الرغم من فائدة اختبار MOCA في الكشف عن الخرف، إلا أنه لا يُميز بين أنواعه المختلفة،  إنه سهل الاستخدام، ولكنه يعاني من بعض القيود، مثل الحاجة إلى تعديله بما يتناسب مع مستوى التعليم.

غرض اختبار MoCA


اختبار MoCA هو أداة بسيطة تُجرى في العيادة، تُمكّن من تحديد وجود أي ضعف في الوظائف الإدراكية لدى الشخص بسرعة ، بما في ذلك قدرته على الفهم والاستدلال والتذكر. يُستخدم هذا الاختبار لتقييم العلامات المبكرة للخرف (الفقدان التدريجي للوظائف العقلية، وخاصة الذاكرة والتفكير المجرد) لدى كبار السن .
إذا أشار الاختبار إلى أن الشخص يعاني من ضعف إدراكي خفيف (MCI) ، فقد يتم إجراء تقييمات إضافية للتحقق من الأسباب المشتبه بها، مثل:
مرض الزهايمر
مرض باركنسون
الخرف الوعائي
خرف الفص الجبهي الصدغي
مرض هنتنغتون
أورام المخ (الحميدة والسرطانية)
نقائل الدماغ(انتشار السرطان إلى الدماغ)
يمكن لاختبار MoCA أيضًا التحقق من MCI لدى الأشخاص الذين يعانون من حالات معروفة مثل:
إصابة الدماغ الرضحية
سكتة دماغية
التصلب المتعدد 5
فُصام
ولم يعثر فريق عمل الخدمات الوقائية بالولايات المتحدة (USPSTF) على أي دليل يدعم الفحص الروتيني للخرف، ولكن يمكن أن يكون MoCA أداة مفيدة عندما تكون هناك مخاوف من ظهور أعراض تشبه أعراض الخرف .

المزايا مقابل العيوب


ومن بين مزايا اختبار MoCA
إنه بسيط ومختصر.
فهو يتمتع بحساسية عالية تجاه ضعف الإدراك الخفيف.
إنه اختبار موضوعي أقل عرضة للتفسير الذاتي.
وهو متاح بأكثر من 35 لغة، بالإضافة إلى إصدارات للأشخاص المكفوفين أو ضعف السمع.
على عكس MMSE، فهو غير محمي بحقوق الطبع والنشر وبالتالي فهو مجاني للاستخدام غير الربحي.
من عيوب اختبار MoCA الحاجة إلى تدريب لإدارته وتصحيحه، يمكن أن يؤثر مستوى التعليم والفقر على النتائج، كما يمكن أن يؤثر :

التوتر والحالة العاطفية
تعب
الوقت من اليوم
تعاطي الأدوية أو المواد
حالة صحية كامنة، بما في ذلك مشاكل الصحة العقلية
وباعتباره اختبار فحص مستقل، قد لا يكون اختبار MoCA كافياً لاتخاذ قرار حاسم بشأن الصحة الإدراكية للشخص، وخاصة إذا كانت النتائج على الحد، ولا يمكن استخدام الاختبار لتشخيص الخرف أو نوعه وقد تكون هناك حاجة إلى تقييمات إضافية.

المصدر: verywellhealth
 

مقالات مشابهة

  • التراث الشعري في مرايا المبدعين الشباب
  • ما هو (MoCA) الذي تفوق فيه ترامب ...كل ما تود معرفته
  • مخرج فيلم سيكو سيكو: التحضير استغرق عامين من الكتابة والتنفيذ
  • ما الذي يحدث في العالم؟
  • «مصطفى بكري» يكشف رسائل الزخم الشعبي خلال جولة ماكرون مع السيسي في خان الخليلي
  • مصطفى بكري: زيارة ماكرون لخان الخليلي تعكس قوة الأمن والاستقرار في مصر
  • من خان الخليلي إلى رفح.. ماكرون يسجل حضورًا سياسيًا وإنسانيًا لافتًا
  • تعليم الغربية: الكتابة المصرية القديمة ندوة لتعزيز الوعي الأثري للطلاب
  • الخارجية ترحب بالموقف الذي أعلنه الرئيس ماكرون بشأن الاعتراف بدولة فلسطين