سودانايل:
2025-04-13@15:39:27 GMT

مهزلة صبيانية في حوش محكمة العدل الدولية

تاريخ النشر: 11th, April 2025 GMT

دكتور الوليد آدم مادبو

لا شيء يُثير الشفقة مثل العجز حين يتزيّن بالبذلة العسكرية (إبراهيم برسي)

لم تدّخر “العصابة الإنقاذية” جهدًا للوقيعة بين شعوب دار مساليت (مساليت، أرينقا، عرب، زغاوة، إلى آخره) منذ يومها الأول، الذي حاولت فيه تقويض سلطة السلطان عبدالرحمن بحر الدين (رحمه الله)، لكنه تصدى لتلك الحملة ـ التي جُيّرت عام 1994 ـ بكبريائه وحكمة آبائه التي لم تُفَرِّق بين مكونات السلطة، فعمل على تقوية اللُحمة القومية، مما جعله قادرًا على مواجهة محاولة المركز للاستقطاب الإثني والقبلي.



زرتُ السلطان سعد لتعزيته في موت أهله الذين حصدتهم الآلية العنصرية للدولة المركزية في عام 2005، فبدا لي حينها حزينًا ومدركًا لحجم المؤامرة. لكنني رزئتُ عندما رأيته وإخوته “يبحثون عن النجاة ضمن شروط القهر” (التعبير للدكتور خالد كودي) بذهابهم إلى بورتسودان، وقد رأوا حجم المؤامرة والخذلان من قادة الحامية التي لم تُحَرِّك ساكنًا للتصدي للعدوان، الذي طال الكل ولم يَعُد المتقاتلون يُفرِّقون فيه بين المدني والعسكري، بل اكتفوا بإذكاء نار الفتنة التي خططوا لها بتسليح المساليت والعرب اعتبارًا لهذه اللحظة التي ظلوا يطلبونها كلما أحسوا بالضرورة لإشغال أهل دارفور بأنفسهم.

ما حدث في دار مساليت هو إحدى المؤامرات التي ظلت تحيكها الاستخبارات العسكرية. ورغم محاولات قيادة الدعم السريع لنزع هذه الألغام، بيد أن انفجارها كان متوقعًا عشية الحرب. يجب أن نعمل جاهدين على فضح هذه الألاعيب، التي كان من المفترض أن تعرفها جيدًا قيادات المساليت السياسية والعسكرية والقبلية الموجودة اليوم في بورتسودان. إن الاستقواء بالمستوطِن لن يفيد في شيء، إذ إن الواجب علينا جميعًا، نحن قادة الرأي في دارفور، أن نسعى لهدم السلطة المادية والرمزية للنخب المركزية (الإنقاذية خاصة)، حتى نستطيع إعادة تشكيل الوعي الجمعي للسودانيين، فالأمر يتجاوز السياسة إلى الجغرافيا النفسية للمهمشين الذين باتوا هم جلّ المواطنين.

يقول الكاتب المجيد الأستاذ/ الوليد أحمد عدلان أب سن: “الحرب لن تتوقف بتحرير الخرطوم، ولا حتى بوقف إطلاق النار، ولكن بامتلاك الجراءة لطرح الأسئلة” التي تتعلق بالمواطنة، الهوية، مفهوم الدولة، أخلاق السلطة، جوهر السياسة، مفهوم الشريعة، وغايات العيش المشترك. عندما يستحيل الفضاء العمومي إلى ساحة يعمد الشعب فيها لإعادة تعريف نفسه وفق أسس حضارية وإنسانية، نستطيع أن نجيب على الأسئلة أعلاه بمنتهى الأريحية، مستعينين بآراء الفلاسفة والمفكرين والشعراء، والملحنين، والرسامين، والروائيين، والساسة الأخلاقيين، ورجالات القبائل الصادقين، ودعاة الدين الربّانيين.

حتى نصل إلى ذلك الدرج السامق، يلزمنا الإيمان بقضايا شعبنا بعيدًا عن المزايدة التي تقوم بها فئة من المأجورين الذين ولغوا في الزور، واتخذوه شرعة ينافحون بها في المنصات الدولية، حتى صرنا أضحوكة ومهزلة بين العالمين. متى كان الجلاد حفِيًّا بكرامة الضحية، سيما إذا كانت تلك الضحية هي المرأة الفوراوية أو المسلاتية؟ متى كان الكيزان يعبأون يومًا بالإنسان السوداني حتى يسعوا للمرافعة عن حقوقه، ويدافعوا عن كرامته المهدرة، في المؤسسات العدلية التي لم يعترفوا بها يومًا أو يدينوا بقضائها أصلًا؟

يقيني أن “التنمية هي مفتاح السلام” كما كان يقول أستاذنا المرحوم البروفيسور آدم الزين، بيد أننا لن نستطيع أن نشرع في أمر التنمية إلا إذا طردنا المستعمِر من ساحتنا المكانية والوجدانية (في هذه الحالة: النخبة العسكرية التي انتدبها المركز لإذلال أهلنا وتطويعهم لصالح المشروع الاستيطاني، الذي بدأ عام 1916، تاريخ استشهاد السلطان علي دينار).

حينها فقط، نستطيع أن نتوسع في الفضاء المكاني الفسيح الذي لم نستغل ثلثيه حتى الآن. فكل ما ينقصنا في دارفور وكردفان وباقي أنحاء السودان هو: استقطاب المستثمرين ـ دون الرجوع للكيزان المفسدين أو نخب المركز المتنمّرين ـ تطوير مفهوم الحاكورة كي لا يتعارض مع مشاريع البنية التحتية أو يعيق التوسع في مساحات الطاقة الشمسية المتوخاة، تحديث الأطر المؤسسية، توطين الثقافة القانونية والدستورية، تصميم المناهج التربوية، وتصميم السياسة الإعلامية التي تسعى لخلق سرديات جديدة تمتلك القدرة على تفكيك أبنية الهيمنة كافة: الثقافية والسياسية والاقتصادية.

إنهم يرونه عسيرًا، ونراه يسيرًا، متى ما تعالت الهمم وتوافرت قيم الوطنية والإخلاص.

‏March 10, 2025

auwaab@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

السودان يتقدم بشكوى ضد الإمارات أمام محكمة العدل الدولية: خطوة رمزية أم مسار قانوني فعال؟

د. محمد تورشين

تقدّمت الحكومة السودانية مؤخرًا بشكوى رسمية أمام محكمة العدل الدولية ضد دولة الإمارات العربية المتحدة، تتهمها فيها بالتورط في جرائم إبادة جماعية ارتُكبت في السودان، لا سيما تلك التي استهدفت إثنية المساليت في ولاية غرب دارفور، وبالتحديد في مدينة الجنينة.

وتُعد هذه الخطوة، من وجهة نظر العديد من المتابعين، بمثابة تحرك رمزي من قبل السلطات السودانية، يهدف إلى نقل القضية من الأروقة الدبلوماسية والسياسية إلى المسار القانوني الدولي. فمحكمة العدل الدولية، كواحدة من الأجهزة الستة الرئيسية للأمم المتحدة التي أُسست عام 1945 في سان فرانسيسكو، تُعد الذراع القانونية الأبرز للنظام الدولي، إلى جانب الجمعية العامة، ومجلس الأمن، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، ومجلس الوصاية (الذي تم إلغاؤه)، والأمانة العامة.

إلا أن جدوى اللجوء إلى هذه المحكمة في ظل الظروف الراهنة تثير الكثير من التساؤلات. فاختصاص محكمة العدل الدولية يقتصر أساسًا على النزاعات بين الدول، وهو ما يجعل إمكانية إصدارها لأحكام ملزمة في قضايا مثل الإبادة الجماعية أمرًا محدودًا، خاصة وأن الإمارات سبق أن أبدت تحفظًا على المادة التاسعة من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، وهي المادة التي تمنح المحكمة ولاية البت في هذه القضايا.

وفي هذا السياق، من المتوقع أن ترتكز دفوع الإمارات خلال جلسات الاستماع على عدم اختصاص المحكمة، وهو ما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى إصدار المحكمة بيانًا بعدم ولايتها للنظر في القضية، استنادًا إلى هذه التحفظات.

ومع تواتر هذا السيناريو، يبرز سؤال محوري وجوهري: لماذا لم تلجأ الحكومة السودانية إلى المحكمة الجنائية الدولية بدلًا من محكمة العدل الدولية؟ فالأخيرة، وحتى في حال قبولها الدعوى، فإن أقصى ما يمكن أن تصدره سيكون على الأرجح توصيات بدفع تعويضات مالية للضحايا، دون اتخاذ خطوات عملية أو قانونية بحق المسؤولين عن ارتكاب الجرائم.

في المقابل، تملك المحكمة الجنائية الدولية أدوات أكثر تأثيرًا، بما في ذلك إصدار مذكرات توقيف بحق المسؤولين المتورطين في جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، والإبادة الجماعية، وهو ما من شأنه أن يؤثر فعليًا على تحركات القيادة السياسية لدولة الإمارات، بل ويمكن أن يفتح الباب أمام المطالبة بمشاركتها في إعادة إعمار السودان.

ومع ذلك، يبدو أن الحكومة السودانية تُحجم عن التعامل مع المحكمة الجنائية الدولية، خاصة في ظل عدم تعاونها الكافي في ملفات سابقة، وعلى رأسها تسليم المطلوبين للعدالة الدولية مثل الرئيس السابق عمر البشير، وأحمد هارون، وعبد الرحيم محمد حسين. هذا التردد يعكس غياب الإرادة السياسية في اتخاذ خطوات جادة على طريق العدالة الانتقالية ومبدأ عدم الإفلات من العقاب.

وعليه، يرى كثيرون أن الحكومة السودانية مطالبة بإعادة النظر في استراتيجيتها، وأن تتحلى بالشجاعة السياسية لتسليم المتهمين الصادرة بحقهم مذكرات توقيف، والتعاون الفعلي مع المحكمة الجنائية الدولية، لا سيما أن الجرائم محل النزاع وقعت في إقليم دارفور، وهو ما يمنح المحكمة ولاية قانونية مستمرة بموجب إحالة مجلس الأمن.

كما أن المسؤولين الإماراتيين لا تُوجَّه إليهم اتهامات بالإبادة فقط، بل تشمل أيضًا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وهو ما يعزز من فرص تدخل المحكمة الجنائية الدولية بشكل مباشر وأكثر فاعلية.
ختاما، يبدو أن الاكتفاء باللجوء إلى محكمة العدل الدولية سيُنتج انتصارًا رمزيًا محدود الأثر، دون أن يُعالج فعليًا معاناة المدنيين في دارفور، أو يضمن تحقيق العدالة والإنصاف للضحايا. لذا، فإن مراجعة هذا المسار واعتماد نهج أكثر صرامة بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، يمثل الخيار الأكثر واقعية وجدوى في المرحلة المقبلة

باحث وكاتب سوداني ، متخصص بالشأن المحلي والشؤون الإفريقية

الوسوممحمد تورشين

مقالات مشابهة

  • الإبادة الجماعية في معسكر زمزم أمام محكمة العدل الدولية
  • السودان يتقدم بشكوى ضد الإمارات أمام محكمة العدل الدولية: خطوة رمزية أم مسار قانوني فعال؟
  • السودان ضد الإمارات أمام محكمة العدل الدولية.. خطوة جريئة نحو المساءلة الدولية؟
  • دعوى السودان ضد الإمارات أمام محكمة العدل الدولية: كسر الصمت أم مواجهة سياسية؟
  • عضو وفد الحكومة السودانية يكشف لـ “المحقق” ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر
  • محكمة العدل الدولية تؤجل شكوى القوات المسلحة السودانية ضد الإمارات
  • السودان يتهم الإمارات بـ”انتهاك معاهدة منع الإبادة الجماعية” أمام محكمة العدل الدولية
  • وزارة العدل: مصافحة الوزير الويس أحد قضاة محكمة الإرهاب لا تحمل أي ‏دلالة على التسامح أو المصالحة مع أي من الأشخاص الذين ‏ارتكبوا انتهاكات ‏بحق الشعب السوري ‏
  • محكمة العدل الدولية: حيثيات السودان كافية للسير في الدعوى وتحفظات الإمارات عمومية