الخرطوم – العدل الدولية – الإمارات

رفعت الحكومة السودانية شكوى رسمية أمام محكمة العدل الدولية تتهم فيها الإمارات بدعم قوات "الدعم السريع" في الحرب الأهلية الدائرة منذ عام 2023، وهو تطور غير مسبوق في العلاقات بين بلدين لطالما تداخلت مصالحهما في الأمن والاستثمار والنفوذ الإقليمي. لكن هذه الخطوة، من الناحية الفعلية، لا يمكن اختزالها في بعدها القانوني فقط، بل تمثل نقلة استراتيجية كبرى تُعيد رسم خرائط التحالفات والمواجهات في منطقة تمور بالتغيرات.


أولًا- خلفيات الشكوى – من الحليف إلى المتهم
الإمارات كانت حتى وقت قريب أحد أبرز الداعمين للسلطة العسكرية في السودان، وساهمت عبر دعمها المالي والسياسي في تثبيت أركان الحكم الانتقالي منذ 2019. غير أن انزلاق الحرب بين الجيش السوداني بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، كشف عن مسارات جديدة للتدخلات الخارجية.

تشير تقارير استخباراتية وتقارير أممية إلى أن الإمارات قدمت، أو سهلت، دعمًا عسكريًا وماليًا كبيرًا لقوات الدعم السريع عبر وسطاء في ليبيا وتشاد، وهو ما تراه الحكومة السودانية انتهاكًا لسيادتها ولقواعد القانون الدولي.
ثانيًا- لماذا الآن؟ لحظة التحول السياسي داخليًا
تأتي الشكوى في توقيت حساس داخليًا:
البرهان وإعادة تشكيل صورته- بعد أشهر من الاتهامات بتمرير سياسات خارجية على حساب المصلحة الوطنية، يسعى البرهان إلى استعادة زمام المبادرة بتقديم نفسه كـ"مدافع عن السيادة الوطنية"، متحديًا أحد أقوى حلفائه السابقين.
الضغط على المشهد الدولي: وسط انشغال الغرب بالحرب في أوكرانيا والمأساة الإنسانية في غزة، تحاول الخرطوم كسر حالة التعتيم الدولي على مأساتها عبر اللجوء إلى أدوات القانون الدولي.
ثالثًا- أبعاد الصراع – الإمارات، النفوذ، والاحتواء
الإمارات التي بنت منظومة نفوذ متداخلة في شرق إفريقيا، تجد نفسها اليوم في موقع "المدعى عليه"، لا بسبب نشاط مباشر بالضرورة، ولكن بسبب هندستها لتحالفات مع قوى محلية كـ"الدعم السريع". شكوى السودان قد تفتح الباب لتدقيق أوسع في أدوارها في ليبيا، اليمن، إريتريا، وحتى الصومال.

كما أن الخطوة ترسل إشارات ضمنية إلى تركيا وقطر وإيران بأن السودان لن يبقى حقل اختبار للصراعات بالوكالة، بل سيسعى لفرض خطوط حمراء جديدة.

رابعًا- من القضاء إلى الفعل السياسي – تعقيدات الإثبات واستراتيجيات المواجهة
القضية أمام المحكمة ستصطدم بعقبات إثبات كبيرة، منها:

صعوبة تقديم أدلة علنية قابلة للفحص القانوني دون كشف مصادر استخباراتية.

احتمال لجوء الإمارات إلى استراتيجية "الإنكار الكامل" أو تحويل الشحنات إلى "مساعدات إنسانية".

احتمال استغلال البطء القضائي لتحقيق مكاسب سياسية دون انتظار نتائج نهائية.

لكن، حتى مع ذلك، فإن مجرد قبول المحكمة النظر في الشكوى قد يُعتبر نصرًا معنويًا للسودان ورسالة سياسية مدوّية.

خامسًا- ردود الفعل الدولية – صمت حذر ومواقف مرتقبة
حتى الآن، لم تُصدر دول كبرى كأمريكا، فرنسا، أو بريطانيا موقفًا رسميًا من الخطوة السودانية. لكن مراقبين يتوقعون:

أن تُعزز تركيا وقطر موقف السودان، خاصة إن فُتحت ملفات الدعم الإماراتي لحفتر أيضًا.

أن تدفع السعودية باتجاه التهدئة، تفاديًا لانقسام التحالف الإقليمي الذي كانت جزءًا منه.

أن تستغل روسيا والصين الوضع للحديث عن "ازدواجية المعايير" في مجلس الأمن إذا طُرحت القضية هناك.

سادسًا- سيناريوهات المستقبل – من التسويات السرية إلى التصعيد العسكري
السيناريو الأكثر هدوءًا: تسوية غير معلنة تُفضي إلى استثمارات إماراتية في مناطق تحت سيطرة الحكومة، مقابل سحب الشكوى.

سيناريو التصعيد غير المباشر- دعم إماراتي متزايد عبر وسطاء، مما يؤدي لإطالة أمد الحرب وتعقيد جهود التسوية.

سيناريو التحوّل الجيوسياسي- انجذاب السودان إلى محور إيران-تركيا-قطر كردّ فعل على العزلة الخليجية، وهو ما قد يُغيّر كليًا خريطة البحر الأحمر.

حين تصبح المحاكم ساحة صراع لا تقل خطورة عن ساحات المعركة
ما يحدث هو ترجمة فعلية لتحول نوعي في أدوات المواجهة الإقليمية: من السلاح والميدان إلى القانون والمحاكم. وهذا يؤكد أن القانون الدولي لم يعد أداة محايدة بقدر ما أصبح ساحة تكميلية لمعركة النفوذ.

 

zuhair.osman@aol.com

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

الإمارات تفند أمام «العدل الدولية» اتهامات السودان الزائفة

متابعات: «الخليج» لا صحة على الإطلاق للمزاعم بأن الإمارات تؤجج الصراع 
القوات المسلحة السودانية تسيء استخدام المؤسسات الدولية
ما يشهده السودان يفطر القلب مع تصاعد العنف ضد المدنيين
لم تتوقف الإمارات عن تقديم الدعم الإنساني للسودان منذ بدء الحرب 
الإمارات استثمرت 4 مليارات دولار لدعم الشعب بعد ما حدث في 2022
محللون: الدعوى محاولة واهية لتشتيت الانتباه عن النزاع الكارثي 
 



فندت دولة الإمارات الاتهامات الزائفة، التي ساقتها القوات المسلحة السودانية، أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي اليوم الخميس، في ما يتعلق بالهجمات التي شنتها قوات الدعم السريع السودانية والفصائل المتحالفة معها ضد جماعة المساليت العرقية في غرب دارفور، حيث قررت المحكمة تأجيل الشكوى ضد الإمارات إلى موعد لاحق دون تحديد توقيت.

وقالت ريم كتيت، نائبة مساعد الوزير للشؤون السياسية بوزارة الخارجية أمام المحكمة، إن «الاتهامات المقدمة ضد الإمارات زائفة، وإن الدولة تتمسك بموقفها بعدم اختصاص المحكمة مع احترامها للقانون الدولي». 
وأكدت أن «فكرة أن الإمارات هي التي تؤجج الصراع في السودان بعيدة عن الواقع وهذه الدعوى هي مثال لإساءة استخدام هذا الطرف للمؤسسات الدولية من أجل مهاجمة الإمارات في كل المناسبات من خلال التضليل وتقديم معلومات غير صحيحة». 
ويرى محللون أن الدعوى مفتقرة للدلائل والبراهين، وليست سوى محاولة واهية من قبل القوات المسلحة السودانية، أحد طرفي الصراع، لتشتيت الانتباه عن النزاع الكارثي الذي يدور في السودان ومسؤوليتها تجاهه وما نتج عنه من مقتل عشرات آلاف الأشخاص وتشريد الملايين من أبناء الشعب السوداني، وتسببه بمجاعة في أجزاء واسعة من البلاد.

الدعم الإنساني

وأوضحت ممثلة دولة الإمارات، أمام المحكمة، أنه «منذ بدء الحرب لم تتوقف الإمارات عن تقديم الدعم الإنساني للسودان»، وقالت إن الإمارات دعمت الوساطات المختلفة لكي يتحمّل طرفا الصراع في السودان لمسؤولياتهما أمام القانون الدولي، وأوضحت أنه لا صحة على الإطلاق للمزاعم بأن الإمارات تؤجج الصراع في السودان. 
وأشارت إلى «أنه بعد ما حدث في أبريل 2022، استثمرت الإمارات أكثر من 4 مليارات دولار في دعم الشعب السوداني والمؤسسات الوطنية والمساعدة في الانتقال إلى حكومة مدنية». كما لفتت إلى أنه في إطار اتفاق عسكري وقع بين السودان والإمارات في يوليو 2021، طلب الجنرال عبد الفتاح البرهان من الإمارات المساعدة في تحقيق الانتقال السياسي، إلا أن هذه الجهود توقفت في أبريل 2023 مع اندلاع الحرب.

تخفيف المعاناة 


وأكدت ممثلة الإمارات أنه منذ بداية الحرب، لم تقدم الإمارات أسلحة لأي طرف في النزاع، بل حرصت على تقديم الدعم الإنساني للسودانيين، إذ عملت الإمارات على تخفيف معاناة المتضررين، وتقديم المساعدات للمحتاجين في ظل الوضع الصعب الذي يعاني منه الشعب السوداني.
وأوضحت، أن ما يشهده السودان اليوم يفطر القلب، مع تصاعد العنف الذي يستهدف المدنيين، هذا إلى جانب الأعمال المروعة التي تشمل العنف الجنسي، وهو ما يستدعي ضرورة وقفه فورا، وأن يتحمل مقترفوا هذه الجرائم المسؤولية.
وأكدت ريم كتيت أن الإمارات تواصل دعمها المستمر للوساطات الدولية التي تهدف إلى إنهاء النزاع في السودان، وتحث على الحل السلمي الذي يعيد الاستقرار إلى البلاد. وقالت: «دعمنا الوساطات المختلفة لكي يتحمّل طرفا الصراع في السودان لمسؤولياتهما أمام القانون الدولي». وشددت ممثلة الدولة أمام المحكمة على أنه يجب وقف عرقلة وصول المساعدات الإنسانية ووقف الخروق في السودان.

بدأت محكمة العدل الدولية، صباح اليوم في لاهاي، أولى جلسات نظر الدعوى المرفوعة من القوات المسلحة السودانية ضد دولة الإمارات والتي تتهمها فيها دون أي أساس قانوني أو مستند واقعي بانتهاك التزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية في ما يتعلق بالهجمات التي شنتها قوات الدعم السريع السودانية والفصائل المتحالفة معها ضد جماعة المساليت العرقية في غرب دارفور، حيث قررت المحكمة تأجيل الشكوى ضد الإمارات إلى موعد لاحق دون تحديد توقيت، مطالبة بتقديم توضيحات أكثر في القضية.

مقالات مشابهة

  • سودانيون يطاردون وفد الإمارات أمام محكمة لاهاي (شاهد)
  • السودان يتقدم بشكوى ضد الإمارات أمام محكمة العدل الدولية: خطوة رمزية أم مسار قانوني فعال؟
  • السودان ضد الإمارات أمام محكمة العدل الدولية.. خطوة جريئة نحو المساءلة الدولية؟
  • دعوى السودان ضد الإمارات أمام محكمة العدل الدولية: كسر الصمت أم مواجهة سياسية؟
  • السودان والإمارات أمام العدل الدولية.. ماذا قال كل جانب عن اتهامات دعم الإبادة الجماعية؟
  • السودان يتهم الإمارات بـ”انتهاك معاهدة منع الإبادة الجماعية” أمام محكمة العدل الدولية
  • الإمارات تفند مزاعم السودان أمام محكمة العدل الدولية وتصفها بأنها مضللة ومحض افتراء
  • الإمارات تفند أمام «العدل الدولية» اتهامات السودان الزائفة
  • الإمارات تندد باتهام السودان لها أمام محكمة العدل الدولية