البصل أم الدولار... احتياجات المواطن أم سداد الديون؟

خطر محتمل بكمن في وقف سداد الديون الخارجية التي تتجاوز قيمتها 165 مليار دولار.

حظرت أكثر من 22 دولة حول العالم تصدير سلع ومنتجات رئيسية بهدف الحفاظ على استقرار الأسواق المحلية

على المصريين تحمل العتمة مقابل الالتزام بسداد أعباء الديون الخارجية وفق التبريرات التي يقدمها إعلاميين من وقت لآخر.

الغريب أنك تجد سعر البصل المصري في الأسواق الخارجية، بما فيها أسواق الخليج الثرية والتي تتمتع بقدرات شرائية قوية، أقل من سعره داخل مصر.

بات الخيار الآن أمام المواطن هو أن يأكل أم تسدد الحكومة أعباء الديون؟ يتحمل الغلاء أم تدخل الدولة في حالة إفلاس وتعثر مالي وتكرر سيناريو لبنان الكارثي؟

هل حرمان المواطن من منتجات بلاده وإفادة المستهلك الأجنبي وتوفير السلع الضرورية للخارج من أولويات الحكومة والأجدى للسياسات الاقتصادية وزيادة الحصيلة الدولارية؟

* * *

بات المواطن المصري مخيراً من وجهة نظر وسائل إعلام محلية بين أمرين لا علاقة تربط بينهما على الإطلاق، الصبر على موجة قفزات أسعار السلع والخدمات المتواصلة التي لا تتوقف منذ ما يزيد عن العام ونصف العام، وتحمل الغلاء الفاحش والتضخم المستعر والذي وصل في يوليو/تموز الماضي لأعلى معدل له في 60 سنة.

وإلا فالبديل خطر وهو توقف البلاد عن سداد ديونها الخارجية والتي تتجاوز قيمتها 165 مليار دولار وفق أحدث أرقام، وزيادة مخاطر الدخول في نفق التعثر المالي المظلم، وتعمق أزمة النقد الأجنبي وتراجع الجنيه مقابل الدولار.

مثلا، عندما يشكو المواطن من حدوث زيادات قياسية غير مسبوقة في سعر البصل في الأسواق المحلية، بل وندرة المعروض منه، يأتي الرد سريعا من قبل بعض وسائل الإعلام والإعلاميين بأن الدولة تسمح بتصدير البصل إلى الخارج للحصول على دولار ونقد أجنبي يتيح للحكومة سداد أعباء الديون الخارجية، وأن صادرات البصل وغيره من السلع الغذائية قد تعوض التراجع الأخير في الإيرادات الدولارية من أهم نشاطين اقتصاديين وهما تحويلات المغتربين والصادرات الخارجية.

وبالتالي، ووفق وجهة النظر التي يسوقها هؤلاء ويحاولون إقناع العامة بها، فإن على المواطن ألا يشكو من قفزة سعر البصل حتى لو تجاوز أكثر من 35 جنيها أي ما يزيد على 11 دولارا في بعض الأوقات وذلك لأول مرة في تاريخ البلاد.

وعليه ألا يتبرم أو يضيق أو يتذمر، أو حتى يكتب مجرد بوست على فيسبوك أو تغريدة على تويتر، لأن إيرادات صادرات البصل المصرية باتت تغزو أسواق العالم وتجلب العملة الصعبة للبلاد.

والغريب في الأمر أنك تجد سعر البصل المصري في الأسواق الخارجية، بما فيها أسواق الخليج الثرية والتي تتمتع بقدرات شرائية قوية، أقل من سعره داخل الأسواق المصرية المحلية رغم مصروفات الشحن والجمارك والتخزين وفروق سعر صرف العملة.

ولذا يضرب المصري المغترب كفا على كف مستغربا من قفزات بعض أسعار السلع المصرية في الداخل ورخصها في الخارج.

وحتى لو افترضنا أن سعر السلعة في الداخل يقل كثيرا عن سعرها في الخارج، وأنه من الأفضل التوجه للتصدير لجلب الدولار والاستفادة من السعر المرتفع في الأسواق العالمية، فهل حرمان المواطن من منتجات بلاده وإفادة المستهلك الأجنبي وتوفير السلع الضرورية لدول العالم باتت من أولويات الحكومة، والأجدى للسياسات الاقتصادية المتبعة وزيادة الحصيلة الدولارية؟

لا يقف الأمر على سلعة البصل بل امتد لسلع غذائية أخرى منها المانغو والبرتقال واليوسفي والثوم والطماطم والخيار وغيرها، كما امتد لمواد البناء والتشييد الرئيسية مثل الحديد والإسمنت والبويات، وكذا للأسمدة والأدوات المنزلية والكهربائية، وهي السلع التي تحتاجها السوق المصري بشدة هذه الأيام في ظل الغلاء المتواصل وقفزات الأسعار.

وعندما تعم العتمة ربوع مصر، مدنها وقراها وشوارعها بل وعاصمتها القاهرة، يتم سرد مبررات عدة في مقدمتها تصدير الدولة الغاز الطبيعي للخارج للحصول على دولار يساعدها في سداد ديون صندوق النقد الدولي وغيره من الدائنين.

وبالتالي فإن على المصريين تحمل العتمة مقابل الالتزام بسداد أعباء الديون الخارجية وفق التبريرات التي يقدمها إعلاميين من وقت لآخر.

إذاً، بات الخيار المتاح الآن أمام المواطن هو أن يأكل أم تسدد الحكومة أعباء الديون؟ يتحمل الغلاء أم تدخل الدولة في حالة إفلاس وتعثر مالي وتكرر سيناريو لبنان الكارثي؟

يختفي الأزر وغيره من السلع الغذائية الشعبية وترتفع الأسعار، أم نتحول إلى دولة هشة ماليا ومتعثرة ماليا مثل لبنان وسريلانكا والأرجنتين وغيرها من دول العالم التي تواجه أزمات مالية حادة؟

ببساطة يتعرض المواطن المصري لحملة ابتزاز صارخة وغسل دماغ من قبل صانعي محتوى وإعلاميين لا يدركون أن المهمة الأولى لأي حكومة هي توفير الرفاه للمواطن والخدمات الأساسية من تعليم وصحة وفرص عمل ومواصلات عامة وسلع بتكلفة مناسبة لدخله، أما في ما عدا ذلك فهو "هري" لا علاقة له بأي منطق اقتصادي أو المبادئ التي تنظم الأسواق. وربما يدركون.

تزيد حالة الابتزاز تلك عندما لا يجد المواطن بديلا مناسبا للسلع المختفية أو التي تشهد قفزات غير مبررة في أسعارها.

القاعدة تقول إن الدول تفرض حظرا على صادرات منتجاتها سواء الزراعية والغذائية أو غيرها في حال وجود عجز في الداخل حماية للأسواق المحلية وقبلها المواطن، وكبح أي زيادات متوقعة في معدل التضخم، وبالتالي حماية الأسواق والمستهلك ومعهما العملة الوطنية والقدرة الشرائية.

خذ على سبيل المثال الهند، أكبر مُصدِّر للأرز في العالم، والتي حظرت مؤخرا تصدير الأرز عندما قفزت أسعاره في السوق المحلية رغم زيادة السعر خارجيا، وتعطش الأسواق العالمية لواحد من أهم الحبوب الغذائية الشعبية، خاصة مع تراجع إنتاج الصين من الأرز بسبب الفيضانات. وقبلها حظرت الهند القمح وغيره العديد من السلع الغذائية. وفي إبريل/نيسان 2021، حظرت فجأة صادراتها من لقاحات كوفيد-19.

وتكرر السيناريو في دول عدة منها الأرجنتين وأستراليا والصين وماليزيا وروسيا وأوكرانيا وكازاخستان وكوسوفو وصربيا حيث حظرت تلك الدول وغيرها تصدير منتجاتها خاصة من الأغذية في حال حدوث نقص في الأسواق أو زيادة في الطلب أو مبالغة في السعر بسبب حدوث جفاف أو فيضانات أو غيرها من الأسباب.

والهدف بالطبع هو عدم تعريض أمن الدولة الغذائي ومستهلكيها للخطر، وكبح أي غلاء متوقع في الأسعار.

وفي مايو/أيار 2022 حظرت أكثر من 22 دولة حول العالم تصدير سلع ومنتجات رئيسية بهدف الحفاظ على استقرار الأسواق المحلية، وحظرت بيلاروسيا في سبتمبر/أيلول الماضي تصدير الحبوب من البلاد لمدة ستة أشهر كاملة.

وحظرت إندونيسيا، أكبر دولة منتجة لزيت النخيل في العالم، صادرات أكثر زيت نباتي استعمالاً في العالم في خطوة كانت صادمة للدول المستوردة ومنها مصر وتونس والجزائر والعراق ولبنان وسورية واليمن والسودان والعديد من الدول العربية، خاصة وأنه صاحبت الخطوة موجة تضخم عالمية ومشاكل في سلاسل التوريد، واشتعال تضخم أسعار الأغذية المتصاعد على المستوى العالمي.

المثل المصري الشهير يقول: "ما يحتاجه البيت يحرم على الجامع"، والجامع هنا ليس المسجد بالمعنى المتداول، بل جامع الضرائب.

والمعنى هنا أن احتياجات البيت والمواطن المصري تفوق أي اعتبار، حتى لو كان الهدف هو جمع عدة ملايين من الدولارات من الخارج توجه لسداد فاتورة ديون لا علاقة للمواطن بها، ومعالجة أزمة شح الدولار، خاصة وأن الأموال المقترضة لم توجه كلها لإقامة مستشفيات ودور رعاية صحية ومدارس ومعاهد فنية وجامعات ومصانع ومشروعات صغيرة ومتوسطة، ولم تساهم في توفير فرص عمل مباشرة، بل تم توجيه معظمها لإقامة مشروعات لا تمثل أولوية بالنسبة له.

*مصطفى عبد السلام كاتب صحفي اقتصادي

المصدر | العربي الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: مصر التضخم الإفلاس غذاء الاقتصاد المصري أسواق مصرية أزمة الدولار ديون مصر الحصيلة الدولارية الدیون الخارجیة فی الأسواق سعر البصل

إقرأ أيضاً:

السوداني يوجه بشراء السلع الأمريكية من قبل شركاتها مباشرة وليس من الأسواق العالمية

آخر تحديث: 6 أبريل 2025 - 9:53 صبغداد/ شبكة أخبار العراق- اصدر رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، امس السبت، توجيهات حكومية تخص قرار الولايات المتحدة زيادة التعرفة الكمركية.وذكر المكتب الاعلامي للسوداني في بيان ، أن الاخير “ترأس، اجتماعاً خصص لتدارس الآثار الاقتصادية والتجارية لقرار حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، زيادة التعرفة الكمركية على استيراداتهم من السلع من دول العالم، وانعكاسات هذه الخطوة على مجمل الاقتصاد العالمي، وعلى أسعار النفط الخام، ومدى تأثر الاقتصاد العراقي في هذا الشأن“.واستعرض الاجتماع، بحسب البيان، “البيانات الرقمية الصادرة عن وزارة التجارة، التي تكشف أن نسبة رفع التعرفة الكمركية الأمريكية على السلع العراقية، قد بُـنيت على الفارق في الميزان التجاري بين البلدين، وليس بسبب الرسوم الكمركية المفروضة من العراق على البضائع الأمريكية“.وتابع البيان: “اتضح، من خلال بيانات وزارة التجارة، أن الجزء الأكبر من استيرادات العراق من البضائع الأمريكية يتم من خلال أسواق دول أخرى، نتيجة بعض سياسات الشركات الأمريكية التي تتبعها بالتعامل التجاري مع العراق“.وأوضح: “في ضوء هذه المعطيات، ومن أجل ضمان أفضل مسار لتنمية الاقتصاد العراقي، وجّه رئيس مجلس الوزراء محمدشياع السوداني بأخذ الإجراءات اللازمة، وفق ما تمليه المصالح العليا للاقتصاد العراقي“.وتضمنت التوجيهات “العمل على تطوير العلاقات التجارية المتبادلة، عن طريق فتح منافذ للموزّعين وللوكالات التجارية الأمريكية، وتفعيل الوكالات التجارية العراقية، والتعامل التجاري المباشر بين القطاعات المتقابلة مع الولايات المتحدة الأمريكية“.كما تضمنت “العمل على تطوير الخدمات المصرفية بين القطاعات المصرفية والمالية في العراق والولايات المتحدة الامريكية، وبما يضمن تحقيق المصالح الاقتصادية المتبادلة“.وشملت أيضا “توجيه فريق المباحثات مع الجانب الأمريكي بمراجعة أسس العلاقة التجارية مع الولايات المتحدة، بهدف تحسينها، وبما يضمن بناء علاقات اقتصادية وتجارية متوازنة تضمن المصالح المتبادلة بين الطرفين، وتنمّي الشراكة الإيجابية“.وتضمنت كذلك “تولّي وزارات؛ الخارجية، المالية، التجارة، والمعنيين، فتح حوار مع الجانب القطاعي الأمريكي المقابل، بما يضمن تعزيز العلاقات التجارية، ومتابعة الأسواق المالية وبيوت الخبرة الاقتصادية، ورفع تقارير أسبوعية لمكتب سيادته“.

مقالات مشابهة

  • خسائر النفط تتفاقم.. شبح الركود يخنق الأسواق
  • أسعار صرف الدولار في الأسواق المحلية
  • السوداني يوجه بشراء السلع الأمريكية من قبل شركاتها مباشرة وليس من الأسواق العالمية
  • «الخارجية الفلسطينية»: العالم خذل أطفال فلسطين في ظل صمته عن معاناتهم التي لا تنتهي
  • بعد ضرب ترامب للصين، هل ستغزو السلع الصينية الأسواق التركية.. خبراء أتراك يعلقون
  • الصين ترد على ترامب برسوم جمركية بنسبة 34 بالمئة على السلع الأمريكية
  • محافظ القليوبية يتفقد أسواق الخضراوات والفاكهه بمدينة الخصوص - صور
  • محافظ القليوبية يتفقد أسواق الخضروات والفاكهة للاطمئنان على السلع وتوافرها بالخصوص
  • رابطة العالم الإسلامي تُدين استهداف الاحتلال الإسرائيلي مستودعًا سعوديًّا لتلبية احتياجات المرضى والمصابين في قطاع غزة
  • رغم الهزة التي ضربت الأسواق.. ترامب يؤكد: "التعريفات الجمركية تسير بشكل رائع"