كيف صار الأميركيون الخاسر الأكبر من رسوم ترامب؟
تاريخ النشر: 10th, April 2025 GMT
خسرت الأسهم الأميركية تريليونات الدولارات عقب إعلان الرئيس دونالد ترامب فرض رسوم جمركية كبيرة على الواردات، كما تراجعت مؤشرات الأسهم العالمية، مثل مؤشر نيكي الياباني ومؤشر داكس الألماني، مع تضرر التجارة العالمية من الرسوم الجمركية.
وانتعشت الأسهم بعد أن أشار ترامب إلى أنه يجري مفاوضات مع دول، مثل اليابان وكوريا الجنوبية، للوصول إلى ما وصفته سكرتيرته الصحفية، كارولين ليفيت، بـ"صفقات تجارية مصممة خصيصًا".
وطرح موقع (فوكس Vox) سؤالًا عن مدى سرعة إنجاز هذه الصفقات من دون إحداث مزيد من الفوضى في الأسواق المالية.
الأميركيون.. وليس الأثرياءوحسب الموقع، فإن ثمة تصور، بأن أداء سوق الأسهم يؤثر في المقام الأول على الأثرياء، وفي هذا شيء من الحقيقة إذ امتلك أغنى 10% من الأميركيين 93% من إجمالي الأسهم الأميركية في عام 2023، وفق بيانات بنك الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي).
لكن الأمر ليس بهذه البساطة، وفق التقرير، فغالبية الأميركيين لديهم أموال مرتبطة بالأسهم، وعليه فإن انخفاض السوق يُسبب ضررًا واسع النطاق وأشد وطأة على الأفراد ذوي الثروات المحدودة الذين قد يكونون أقل قدرة على انتظار هدوء تقلبات السوق.
من يستثمر في سوق الأسهم؟يمتلك غالبية الأميركيين (62%، وفقًا لمؤسسة غالوب) أسهمًا بشكل أو بآخر، سواء كانت أسهما فردية أم من الاستثمار في خطط التقاعد وحساباته الفردية وصناديق الاستثمار المشتركة ومعاشات التقاعد.
إعلانويستثمر عدد أكبر من الأميركيين في سوق الأسهم أكثر من أي وقت مضى منذ عام 2007، عشية الركود الكبير، ويعود ذلك جزئيًا إلى أن شراء الأسهم أصبح أسهل من أي وقت مضى مع ظهور أدوات الاستثمار، مثل صناديق المؤشرات المتداولة والمنصات الإلكترونية.
ويأتي ذلك أيضا من الضرورة؛ ففي ظل المخاوف بشأن مستقبل استحقاقات الضمان الاجتماعي، ومع تخلي معظم الشركات عن معاشاتها التقاعدية، يمتلك نحو 70 مليون أميركي الآن خطط تقاعد.
وحسب التقرير، فإن نسبة كبيرة من الأميركيين ذوي الدخل المتوسط والمنخفض يمتلكون كذلك أسهمًا ويعتمدون على عوائدها لتمويل تقاعدهم، وحتى أعضاء نقابة عمال السيارات المتحدة، وهم من أكبر مؤيدي رسوم ترامب الجمركية، لديهم أموال في سوق الأسهم من معاشاتهم التقاعدية المضمونة من النقابة.
وقد لا يملك أولئك الذين يقتربون من سن التقاعد أو المتقاعدون فعلا الوقت الكافي لتجاوز انخفاض سوق الأسهم، ويشهدون انكماش حساباتهم، ما يضطرهم إلى خفض استثماراتهم.
ومن هذا المنطلق، فإن تقلبات السوق الناجمة عن رسوم ترامب الجمركية لا تقتصر على نخب وول ستريت.
الأكثر تضرراومن نواح عدة، من المتوقع أن يكون الأميركيون العاديون الأكثر تضررا من التداعيات الاقتصادية لرسوم ترامب الجمركية، التي دفعت الاقتصاديين الأميركيين إلى رفع احتمالات ركودهم بشكل كبير.
وقد لا يشهدون انخفاضًا في صافي ثرواتهم نتيجةً لرد فعل سوق الأسهم فحسب، بل قد يتوقعون أيضًا ارتفاعًا في الأسعار وسوق عمل أكثر صعوبة.
ونظرًا لمواجهة الشركات تكاليف أعلى بفعل الرسوم الجمركية، من المتوقع أن يتحمل المستهلك ذلك على شكل ارتفاع في الأسعار، ويتوقع الاقتصاديون، أن تؤدي الرسوم الجمركية إلى انخفاض قدره 3789 دولارًا في الدخل المتاح للأسرة الأميركية المتوسطة.
وقد تُجبر الشركات الأميركية كذلك على خفض التكاليف بتقليص قوتها العاملة، ما قد يؤدي إلى زيادة في البطالة.
إعلانوفي المجمل يشير كل هذا إلى أن رسوم ترامب الجمركية قد تُؤدي إلى عكس ما وصفه ترامب، أن التأثير المقصود منها: "جعل أميركا ثرية مرة أخرى".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رسوم ترامب الجمرکیة سوق الأسهم
إقرأ أيضاً:
كيف نفهم رسوم ترامب الجمركية؟
ترجمة: قاسم مكي -
كيف يمكن للمستثمرين فهم الطريقة التي يضع بها دونالد ترامب سياساتِه. هذا هو السؤال الحارق مع تهاوي الأسواق بعد إعلان الرئيس الأمريكي يوم 2 أبريل عن رسوم جمركية تفوق حتى تلك التي تعود إلى حقبة الثلاثينيّات الحمائية في القرن الماضي.
إذا نظرنا إليها عبر عدسة التيار الرئيسي للفكر الاقتصادي في القرن العشرين سواء ذلك الذي كان يمثله جون مينارد كينز أو دعاة حرية السوق من أمثال ميلتون فريدمان تبدو مثل هذه الرسوم الجمركية إيذاء للنفس على نحو غريب.
في الواقع «يوم التحرير» الذي أعلنه ترامب يوحي بنوع من الجنون الاقتصادي الذي ربما علماء النفس أفضل في تفسيره من خبراء الاقتصاد.
على أية حال أنا أزعم أن ثمة اقتصاديا لأبحاثه صلة وثيقة بما يحدث في هذه الآونة. إنه البيرت هيرشمان. وهو مؤلف كتاب لافت نشر في عام 1945 بعنوان «القوة الوطنية وبنية التجارة الخارجية».
في العقود القليلة الفائتة لم ينتبه الناس إلى هذه الدراسة، كما ذكر جيريمي ايدلمان المؤرخ بجامعة برنستون وكاتب سيرة هيرشمان - ولا غرابة في ذلك.
لقد عانى هيرشمان الألماني من صدمة الحرب الأهلية الإسبانية وألمانيا النازية وهذا ما جعله يقرر عند وصوله إلى جامعة كاليفورنيا كباحث اقتصاد دراسة الاكتفاء الذاتي (الاستقلال الاقتصادي).
بتحديد أكثر استخدم هيرشمان سياسة «الحمائية» الكارثية التي سادت خلال ثلاثينيات القرن العشرين في تطوير إطار لقياس الإكراه الاقتصادي وممارسة القوة المهيمنة (وهذه الأخيرة هي العبارة الأكاديمية لمفهوم التنمُّر).
لكن التحليل الذي أنجزه تجاهله اقتصاديو التجارة إلى حد بعيد لتعارضه مع الأفكار الاقتصادية للكينزيين والليبراليين الجدد على السواء.
تجسد الأثر الرئيسي لكتاب هيرشمان في تحليل محاربة الاحتكار. فقد استخدم الاقتصادي أوريس هيرفيندال أفكار هيرشمان لاحقا لإيجاد مؤشر يقيس تركز نفوذ الشركات (بهدف تحديد مدى احتكار أو سيطرة عدد محدود من الشركات على قطاع في السوق أو السوق بأكمله - المترجم). تبنت هذا المؤشر وزارة العدل الأمريكية وجهات أخرى (لأغراض من بينها قبول أو رفض اندماج الشركات بناء على الأثر الاحتكاري الذي يمكن أن ينجم عن الاندماج المقترح - المترجم).
لكن إذا كان هيرشمان حيا اليوم ورأى ترامب وهو يكشف عن استراتيجية رسومه الجمركية في حديقة الورد بالبيت الأبيض هذا الشهر لن يُدهش. فالمفكرون الليبراليون الجدد كثيرا ما ينظرون إلى السياسة كاشتقاق أو فرع من الاقتصاد. لكن هيرشمان ينظر إلى الأمر بطريقة معكوسة. فهو يقول: «طالما يمكن للدولة ذات السيادة وقف التجارة مع أي بلد بإرادتها فالمنافسة من أجل اكتساب المزيد من النفوذ تتخلل العلاقات التجارية». وهو اعتبر التجارة «نموذجا للإمبريالية التي لا تحتاج إلى الغزو لإخضاع الشركاء التجاريين الأضعف» - بحسب ايدلمان.
هذا قريب من الكيفية التي يفهم بها مستشارو ترامب الاقتصاد. لكنه مختلف جدا عن الكيفية التي كان ينظر بها آدم سميث أو ديفيد ريكاردو إلى التدفقات التجارية (والتي افترضا أنها تحدث بين أطراف متكافئة في القوة والنفوذ).
ينشط بعض الاقتصاديين في تعزيز هذا التحول في الفكر الاقتصادي. فبعد حديث ترامب نشر ثلاثة اقتصاديين أمريكيين هم كريستوفر كلايتون وماتيو ماجوري وجيسي شريجر ورقة ترسم الخطوط العريضة لحقل «الجيو اقتصاد» الناشئ والذي أوحت به أفكار هيرشمان. عندما بدأ هؤلاء الثلاثة أجندة هذا البحث قبل أربعة أعوام «لم يكن هنالك أحد تقريبا مهتما» بهذه الأفكار لتناقضها مع الأطر الفكرية الحالية، كما أقر بذلك ماجوري. لكنه يقول: الاهتمام بها يزداد الآن ويتوقع تحولا فكريا وشيكا ومماثلا لذلك الذي حدث بعد الأزمة المالية العالمية.
على سبيل المثال اشتمل اجتماع الجمعية المالية الأمريكية لهذا العام على جلسة جديدة حول «الجيو اقتصاد» قدم فيها موريس اوبستفلد كبير الاقتصاديين السابق بصندوق النقد الدولي (وأحد المعجبين بهيرشمان) خطابا بليغا.
طرح هذا البحث ثلاث أفكار رئيسية يجب أن يهتم بها المستثمرون. فأولا وهذه هي الفكرة الأكثر وضوحا يظهر تحليل الباحثين الثلاثة أن من الخطورة للبلدان الصغيرة الإفراط في الاعتماد على أي شريك تجاري كبير. ويقدمون أدوات لقياس مثل هذه الهشاشة.
ثانيا، يحاجج الباحثون بأن مصدر القوة المهيمنة للولايات المتحدة اليوم ليس الصناعة التحويلية (بما أن الصين تسيطر على سلاسل التوريد الرئيسية) ولكن مصدرها مالي ومبني حول نظام يرتكز على الدولار. لذلك رسوم ترامب هي بالضرورة محاولة لتحدي دولة مهيمنة أخرى (الصين)، لكن سياساته المتعلقة بالمال مسعى منه للدفاع عن الهيمنة الأمريكية الحالية. (في اعتقادي الهيمنة في مجال القوة التقنية ما زالت خاضعة للتنافس) وهذا التمييز مهم للبلدان الأخرى التي تحاول أن تردّ.
ثالثا، يحاجج الباحثون الثلاثة بأن القوة المهيمنة لا تمارس هيمنتها بنفس القدر في كل الأحوال. فإذا كانت لدى الدولة المتنمرة حصة سوقية بنسبة 80% مثلا فإنها غالبا ما تكون مسيطرة بنسبة 100%. لكن إذا تراجعت نسبة هذه الحصة إلى 70% ستتهاوى سيطرتها بوتيرة أسرع لأن الدول الضعيفة يمكنها أن تجد بدائل.
هذا يفسر سبب فشل الولايات المتحدة في إخضاع روسيا عبر العقوبات المالية. وقد يسود هذا النموذج على نطاق أوسع إذا ردَّت البلدان الأخرى على رسوم ترامب العدائية بتصوُّر وتطوير بدائل للنظام المالي الذي يرتكز على الدولار. فالدول المتنمِّرة تبدو منيعة إلى أن يتضح خلاف ذلك.
هل هذا التحليل محبط؟ نعم. (تقصد الكاتبة التحليل الذي يتحدى الافتراض برسوخ هيمنة أمريكا خصوصا على النظام المالي - المترجم). لكن يجب عدم تجاهله. وإذا رغب المستثمرون وواضعو السياسات الذين يعوِّلون على استمرار هذه الهيمنة في التخلص من هذا الإحباط ربما عليهم أن يلاحظوا شيئا آخر. فهيرشمان رغم كل المصاعب التي واجهها كان متفائلا طوال حياته. لقد كان يعتقد أن البشر يمكنهم التعلم من الماضي لبناء مستقبل أفضل.
ترامب يتجاهل هذا الدرس الآن مع ما يترتب على ذلك من عواقب بائسة. لكن لا ينبغي لأي أحد آخر أن يفعل ذلك
جيليان تيت .. كاتبة رأي ورئيسة هيئة التحرير بصحيفة الفاينانشال تايمز