المغرب.. الزراعة البيولوجية صمود وسط التحديات

"هذه الزراعة تتم على طريقة الأجداد، أسموها الفلاحة العادية، ونسميها البيولوجية"

الأسمدة والمبيدات الحشرية والمنتجات المعدلة وراثيا تساهم في تكثيف الإنتاج لكنها تضر بالصحة، ويتم استبدالها بالسماد العضوي وطريقة تناوب المحاصيل.

تقوم الزراعة البيولوجية على عدم احتواء المنتجات الزراعية أي بقايا للمواد المصنعة كالأسمدة والمبيدات الحشرية والمنتجات المعدلة وراثيا بجميع مراحل الإنتاج.

تنويع المزروعات أثبت قدراته في خلق مناعة جماعية للمحاصيل فـ"المنتجات تدافع عن بعضها البعض، وتمكن بعضها البعض من المواد العضوية الزائدة عن الحاجة أو لا تحتاجها".

* * *

"هذه الزراعة تتم على طريقة الأجداد، أسموها الفلاحة العادية، ونسميها البيولوجية"، بهذه العبارات اختصر الفلاح المغربي نجيب بشيري، معنى الزراعة البيولوجية التي قد يجهلها البعض رغم بساطتها.

وتقوم فكرة الزراعة البيولوجية على ضرورة عدم احتواء المنتجات الزراعية على أي بقايا للمواد المصنعة مثل الأسمدة والمبيدات الحشرية، وأيضا المنتجات المعدلة وراثيا، والتي تساهم في تكثيف الإنتاج، لكنها تضر بالصحة، واستبدالها بالسماد العضوي، وطريقة تناوب المحاصيل.

بشيري، الذي يقيم في محافظة بركان (شمال شرق)، روى قصته مع الزراعة البيولوجية، والتحديات التي تعترض هذا النمط الزراعي، الأقل مردودية ودخلا، ولكنه الأفضل من الناحية الصحية والبيئية.

وما عزز هذا الاختيار، خلفية بشيري المتشبعة بحب الطبيعة، ترجمها بنشاطه البيئي طيلة عقود ضمن جمعية "البيئة والإنسان".

هذه الخلفية عبّدت له الطريق للمضي قُدما في هذا المسار، وإقناع إخوته بعدم الانخراط في التيار الجارف للإنتاج الكثيف بالاعتماد على الأسمدة والأدوية الكيماوية.

ورغم أن الأرض التي تمتلكها العائلة، والتي تقدر مساحتها بنحو 80 هكتارا يمكن أن تدر أرباحا كبيرة، بالزراعة التي تعتمد على الأسمدة والمبيدات الكيماوية، لكن نجيب وإخوته اختاروا الزراعة البيولوجية.

تنويع المحاصيل

يعتمد الإنتاج الفلاحي البيولوجي، على استخدام المواد العضوية الطبيعية الخالية من أية إضافات صناعية أو كيميائية، في جميع مراحل الإنتاج.

ويقول بشيري، إن "الإنتاج بهذه الطريقة يفضي إلى الحصول على منتج فلاحي طبيعي 100 بالمئة".

لكن السؤال الذي يطرح نفسه؛ هل يكفي اعتماد مواد طبيعية وعضوية للحصول على منتج بيولوجي؟

الواقع أن بشيري، يقدم وصفة أضحت معروفة لدى كل المزارعين البيولوجيين، وهي امتداد للنمط الزراعي الذي كان يتبعه السلف.

وزيادة على المواد العضوية، يعتمد النمط البيولوجي على التنويع في المزروعات، ولا يقتصر الأمر على منتج واحد، كما يحصل في المزارع الأخرى، التي تعتمد على نظام التحفيز بالأسمدة والمواد الصناعية والمبيدات.

التنويع إذا كان خيارا مفروضا عند السلف بفعل طبيعة الأرض المتسمة بتعدد الشركاء، وبالتالي تقلص المساحة المستغلة من قبل كل فلاح، فإن التنويع اليوم أثبت قدراته في خلق مناعة جماعية للمحاصيل.

يقول بشيري، إن "المنتجات تدافع عن بعضها البعض، وتمكن بعضها البعض من المواد العضوية الزائدة عن الحاجة، أو التي لا تحتاجها".

ويوافقه الرأي صديقه محمد بنعطا، المهندس الزراعي المتقاعد في مزرعة بشيري.

مقاومة التغيرات المناخية

بشيري، يوضح أن “الإنتاج المتنوع يحفظ للأرض غناها وتنوعها البيولوجي”.

بين الطماطم والفلفل الحلو والحار، والخرشوف الشوكي والرمان والبطيخ الأحمر، عدّد بشيري، نحو 12 منتجا فلاحيا، ينتجه بشكل متزامن لتحقيق ما يشبّهه بالمناعة الجماعية.

زيادة على ذلك، يرى أن النمط البيولوجي، كفيل بمقاومة التغيرات المناخية، من خلال نظام التحصين المتبع، عكس الزراعات الأخرى المعتمدة على ما يسميه بـ”الدوباج”، أو التحفيز.

عملية التحفيز التي تتم للأرض باستمرار بواسطة الأسمدة والمواد الصناعية و المبيدات، لضمان وفرة الإنتاج، تقضي في المقابل على “مناعتها الذاتية”، وعلى غناها، وتصبح في النهاية تربة فقيرة، غير قادرة على الصمود في وجه التغيرات المناخية، التي تلتهم الأنظمة الطبيعية الهشة.

تحول بطيء

رغم أن المملكة اهتمت بالفلاحة البيولوجية منذ التسعينات، إلا أن هذه السلسلة لم تنل حظها من الاهتمام الكافي، عكس الفلاحة الأخرى (غير العضوية) التي حظيت بدعم الدولة.

حيث أطلقت وزارة الفلاحة في 2008، مخططا فلاحيا ضخما من أجل تنمية الزراعة غير العضوية وتطوير قطاع الصادرات المرتبط بها، تحت اسم “مخطط المغرب الأخضر”.

وبعد مضي نحو 10 سنوات، من انطلاق هذا المخطط ستبدأ الدولة بالاهتمام بالفلاحة البيولوجية.

وتشير معطيات وزارة الفلاحة إلى أنه في 2019، تضاعفت المساحات المخصصة للإنتاج البيولوجي 3 مرات، لتصل إلى 12 ألف هكتار، مقابل 4 آلاف هكتار في 2010.

وتطور حجم الإنتاج البيولوجي بنفس الوتيرة وفي نفس الفترة (2010-2019)، مرتفعا من 40 ألف إلى 120 ألف طن.

رغم ذلك تبقى هذه النتائج متواضعة، وهو ما دفع الدولة إلى التفكير في مضاعفة المساحات المزروعة والإنتاج.

وفي 4 مايو/ أيار الماضي، جرى التوقيع على 19 اتفاقية لتنمية سلاسل الإنتاج، على هامش المعرض الدولي للفلاحة بمدينة مكناس، تحت إشراف رئيس الحكومة عزيز أخنوش.

وتطمح الدولة بموجب المخطط الجديد بلوغ 100 ألف هكتار من المساحات المزروعة بالنمط البيولوجي، وإنتاج 600 ألف طن سنويا من المنتجات الفلاحية البيولوجية في عام 2030.

وحتى تترجم الدولة التزاماتها على أرض الواقع وإعمال الخطة الجديدة، فإن الفلاح البيولوجي يكاد يتحمل لوحده كلفة الإنتاج، التي تبقى مرتفعة.

ويلفت بشيري، إلى أن "الفلاح البيولوجي، حتى قبل الخوض في حساب كلفة الإنتاج، المتعارف عليها من مواد عضوية ويد عاملة، هناك تكاليف مرتبطة بإثبات ما يمكن اعتباره الهوية البيولوجية".

وفي سبتمبر/ أيلول 2018، شرعت المملكة في تطبيق قانون الإنتاج البيولوجي للمنتوجات الفلاحية والمائية، بعد 5 سنوات من اعتماده من البرلمان.

مما يفرضه القانون على المنتجين، التوفر على شهادة المطابقة للمعايير المحددة، وهي عملية يقوم بها لفائدة بشيري، مكتب إيطالي متخصص، وتكلفه سنويا نحو 8 آلاف درهم (نحو 900 دولار).

وبحسب وزارة الفلاحة، من أجل المراقبة والإشهاد على المطابقة لمعايير الجودة للمنتجات البيولوجية، اعتمد قطاع الفلاحة هيئتين متخصصتين معتمدتين على الصعيد الدولي في مجال المراقبة والإشهاد على المطابقة للمعايير.

إذا كان السوق يحتكم لمبدأ العرض والطلب، فالمحاصيل البيولوجية لا تنضج إلا بعدما تكون السوق قد أغرقت بالمنتجات الأخرى، التي تساهم أكثر من وسيلة وتقنية ومادة كيماوية في إنضاجها قبل الأوان.

وقال الغلبزوري السكناوي، مدير شركة "بيو ماركت"، المتخصصة في تسويق المنتجات البيولوجية، إن "قطاع المنتجات البيولوجية يعرف نموا مطردا، لكن في المقابل يواجه تحديات عديدة".

أولى التحديات، حسب السكناوي، تكمن في ثقافة المستهلك، الذي يحتاج إلى "تحسيسه بأهمية استهلاك المنتوج البيولوجي، ووجاهة ذلك على المستوى الصحي والغذائي".

وأضاف أن "التحدي الثاني يكمن في المساحات المحدودة، رغم المجهودات المبذولة لتوسيعها، وهو ما ينعكس على تكلفة الإنتاج، والتي تبقى نسبيا مرتفعة، وتنعكس على أسعار البيع للمستهلك الذي لا يتمكن من مجابهتها".

أما التحدي الثالث، وفق السكناوي، فيتمثل في "تكثيف الإنتاج وتوسيع قواعد ومنصات البيع، التي تبقى محدودة في البلاد".

ويرى أن "الحل قد يكمن في المزيد من التشريعات والقوانين التي تميز بين المنتجات العضوية والمنتجات غير العضوية في السوق".

وهو ما عبّر عنه أيضا بشيري، بالقول: "يجب أن تخصص منصات خاصة بالمنتجات العضوية".

المصدر | الأناضول

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: المغرب الأسمدة الزراعة العضوية العرض والطلب المبيدات الحشرية

إقرأ أيضاً:

هل انقرض أهل الكوميديا!؟

حمد القشانين*

قبل صلاة المغرب تجد برنامجين أو 3 على قنوات يتابعها الشارع السعودي، فقط لو لم تنتج سوى تلك البرامج لكفتنا، فمثلاً برنامج (حكاية وعد) وبرنامج (سين) والتي تظهر للمشاهد حقيقة السعودية ومستقبلها، وكيف أنها تنافس، بل وتتخطى قوى عظمى لها عشرات السنين في مصاف اقتصادات العالم، وكيف أننا وبقيادة عراب رؤيتنا وصلنا وحققنا في أقل من 10 أعوام ما لم يحققه غيرنا في خمسة أضعاف هذا المدة.

وما أن يؤذن المغرب حتى يبدأ التهريج والاستخفاف بعقل المشاهد، وجعله سلعة تتشاطره شركات التسويق مع منتجي المسلسلات الكوميدية، فحتى لا يتأخر المسلسل عن عرضه في هذا الوقت الذهبي تجد مسلسلاً يقدم “الهبل” نفسه بالشخصيات نفسها والإعادة نفسها، بل إنه يكرر ذلك حتى في الحلقة نفسها، فعلى أساس أنه بشخصيات منفصلة عن بعضها، ولكن لأنه لا يوجد سوى هذا الممثل، فالمخرج يقول له نحن سنبدأ التسجيل وأنت “قل أي شيء”، ثم تبدأ الشخصية الأخرى، ويقول له المخرج الكلام نفسه، فيعيد الكلام الذي في المشهد السابق، ولكنه غير لهجته حسب ما يرتديه من ملابس.

أخبار قد تهمك «ملحمة التأسيس».. تاريخ ممتد لثلاثة قرون.. 22 فبراير 2025 - 1:34 مساءً التـداوي بالتـاريـــخ.. 20 ديسمبر 2024 - 10:04 صباحًا

أما النص فهو “قل أي شيء”، ثم ينتهي هذا المكرر من “الأفيهات” التي لم نخرج من مشاهدتها بمعنى، فيبدأ مسلسل آخر على أساس أنه يظهر حياة “المهايطية” ثم تجد أنه لتقليل كلفة الإنتاج فكأن المنتج يقول للمشاهد “خسارة في عقلك السطحي” أن نعامله بنوع من الإحترام، فتجد التصوير كله والذي على أساس أنه في أحد أحياء مدينة الرياض، يتم تصويره بالكامل داخل غرفة (كروما) وبجدران من الفلين المقوى وبسيارات «شد الوكالة» ودون لوحات لإعادتها للوكيل، الذي يريد أن يقتسم كعكة عقل المشاهد بأقل التكاليف، فتجد أن لوحات السيارات مكتوبة بالخطاط، وكأن هذا الأمر ليس مجرماً قانوناً، بل ويدخل في دائرة التزوير إن ضبطت المركبة وهي بهذه الحالة في الحياة الواقعية بالرياض.

وبالسؤال عن تكلفة الإنتاج، فالطبيعي أنها ذهبت لمشهورات “السناب” اللائي يتسابق عليهن المنتجون بعد أقل من ربع ساعة من خروجهن على وسائل التواصل دون الالتفات لأي شيء آخر، فأصبحت خريجات المعاهد والفنون المسرحية والتمثيل عاطلات، وهؤلاء يتصدرن المشهد بعد بذلهن مجهوداً كبيراً يقارب (ربع ساعة “تميلح” أمام كاميرا في غرفة النوم).

السؤال هنا ألم يكن يعرض في هذا الوقت مسلسل “سيلفي” والذي ناقش بجرأة التطرف الديني والطائفي والمهايطة والمثلية الجنسية، وغيرها من السموم التي يخشى أن تنتشر في المجتمع، وبـ”كوميديا سوداء” تنتهي الحلقة منها وكأن عقلك قد أنير؛ فأي كوميديا هادفة في هذا الرمضان، دلوني أو تحيروا معي في تساؤلي (هل انقرض أهل الكوميديا الهادفة؟).

*كاتب سعودي
نقلاً عن: alwatan.com.sa

 

مقالات مشابهة

  • ارتفاع أسعار المنتجات الأميركية بسبب الحرب التجارية التي أطلقها ترمب
  • وزير الإنتاج الحربي يتفقد مصنعيّ 100 و200 الحربي لمتابعة سير العمل وتطوير الإنتاج
  • هل انقرض أهل الكوميديا!؟
  • كبيرة ومتنوعة.. عون يكشف عن التحديات التي يواجهها لبنان
  • وزير الفلاحة يترأس لقاءً وطنيًا لتقييم برامج تطوير الزراعة
  • وزيرا الزراعة والبيئة يبحثان الاستفادة من المخلفات الزراعية والحيوانية في تصنيع الأعلاف والأسمدة العضوية
  • المجلس الوطني لحقوق الإنسان يدعو إلى مواجهة التحديات التي تعاني منها فئة ذوي الاحتياجات الخاصة
  • الدراما اليمنية.. بين إثبات الذات وتجاوز التحديات
  • من "طريق إجباري" إلى تطور الدراما اليمنية: التحديات والفرص في الإنتاج الفني (تقرير)
  • شراكة مغربية-روسية استراتيجية لتعزيز الابتكار الزراعي ومواجهة التحديات المناخية