تعرف على مذهب الحنفية في القراءة في الصلاة
تاريخ النشر: 25th, August 2023 GMT
التمسك بالقرآن والسنة من صفات المتقين ومذهب الحنفية أن القراءة -أي قراءة آية، لا الفاتحة بخصوصها- فرض في ركعتين من ركعات الفريضة.
قال ابن عابدين: قَوْلُهُ: وَمِنْهَا الْقِرَاءَةُ، أَيْ قِرَاءَةُ آيَةٍ مِن الْقُرْآنِ، وَهِيَ فَرْضٌ عَمَلِيٌّ فِي جَمِيعِ رَكَعَاتِ النَّفْلِ وَالْوِتْرِ، وَفِي رَكْعَتَيْنِ مِن الْفَرْضِ، كَمَا سَيَأْتِي مَتْنًا فِي بَابِ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ، وَأَمَّا تَعْيِينُ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ مِن الْفَرْضِ: فَهُوَ وَاجِبٌ، وَقِيلَ سُنَّةٌ، لَا فَرْضٌ، كَمَا سَنُحَقِّقُهُ فِي الْوَاجِبَاتِ، وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ، أَوْ ثَلَاثِ آيَاتٍ فَهِيَ وَاجِبَةٌ أَيْضًا -كَمَا سَيَأْتِي- فَرْعٌ: قَدْ تُفْرَضُ الْقِرَاءَةُ فِي جَمِيعِ رَكَعَاتِ الْفَرْضِ الرُّبَاعِيِّ، كَمَا لَوْ اسْتَخْلَفَ مَسْبُوقًا بِرَكْعَتَيْنِ وَأَشَارَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ، كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الِاسْتِخْلَاف.
والفرض عندهم هو ما تبطل الصلاة بتركه بكل حال، وأما قراءة الفاتحة في كل ركعة: فإنها عندهم من الواجبات، وقد قرر حكم الواجبات الحصكفي في الدر المختار، فقال ما لفظه: وَلَهَا وَاجِبَاتٌ لَا تَفْسُدُ بِتَرْكِهَا، وَتُعَادُ وُجُوبًا فِي الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ إنْ لَمْ يَسْجُدْ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُعِدْهَا يَكُونُ فَاسِقًا آثِمًا، وَكَذَا كُلُّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ تَجِبُ إعَادَتُهَا.
ثم ذكر الحصكفي أن قراءة الفاتحة من واجبات الصلاة، ومنها ضم ثلاث آيات قصار إليها في الأوليين.
قال الحصكفي: وَهِيَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِرَاءَةُ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ، فَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ بِتَرْكِ أَكْثَرِهَا، لَا أَقَلِّهَا، لَكِنْ فِي الْمُجْتَبَى يَسْجُدُ بِتَرْكِ آيَةٍ مِنْهَا، وَهُوَ أَوْلَى، قُلْت: وَعَلَيْهِ، فَكُلُّ آيَةٍ وَاجِبَةٌ كَكُلِّ تَكْبِيرَةِ عِيدٍ، وَتَعْدِيلُ رُكْنٍ، وَإِتْيَانُ كُلٍّ، وَتَرْكُ تَكْرِيرِ كُلٍّ، كَمَا يَأْتِي فَلْيُحْفَظْ، وَضَمُّ أَقْصَرِ سُورَةٍ كَالْكَوْثَرِ، أَوْ مَا قَامَ مَقَامَهَا، هُوَ ثَلَاثُ آيَاتٍ قِصَارٍ، نَحْوُ: ثُمَّ نَظَرَ {المدثر: 21} ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ {المدثر: 22} ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ {المدثر: 23} وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الْآيَةُ أَوْ الْآيَتَانِ تَعْدِلُ ثَلَاثًا قِصَارًا، ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ، فِي الْأُولَيَيْنِ مِن الْفَرْضِ، وَهَلْ يُكْرَهُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ؟ الْمُخْتَارُ لَا، وَفِي جَمِيعِ رَكَعَاتِ النَّفْلِ، لِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنْهُ صَلَاةٌ، وَكُلُّ الْوِتْرِ احْتِيَاطًا.
فهذا تحرير مذهب الحنفية في القراءة في الصلاة، ولا شك في أن مذهب الحنفية من المذاهب الأربعة المتبوعة التي اعتمد أصحابها على أدلة الكتاب والسنة فيما قرروه، فتقليدهم سائغ في هذه المسألة وغيرها، إذا لم يتبين للشخص مصادمة قولهم للنصوص الواضحة، ونحن نفتي بأن الفاتحة بخصوصها ركن في كل ركعة من ركعات الصلاة، لحديث عبادة في الصحيحين: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب.
وأما الإشكال الذي أوردته من كلام صاحب بذل المجهود: فإنه لما تعرض لشرح قول النبي صلى الله عليه وسلم: ثم افعل ذلك في صلاتك كلها ـ ذكر أن الشافعية استدلوا به على فرضية القراءة في كل ركعة، فقال لهم، لو كان ذلك كذلك لوجبت تكبيرة الافتتاح في كل ركعة، وعبارة صاحب بذل المجهود: ثم افعل ذلك، أي ما ذكر بما يمكن تكريره، فخرج نحو تكبيرة الإحرام في صلاتك كلها، أي في كل الركعات منها، استدل الشافعية بهذه الجملة على فرضية القراءة في الركعات كلها، والجواب عنه أن هذا اللفظ لو يحمل على عمومه يلزم وجوب تكبيرة الافتتاح في الركعات كلها، ووجوب جلسة الاستراحة وغيرها، فما كان جوابهم عنها، فهو جوابنا عن هذا.
وجواب هذا الإيراد من جهة الجمهور سهل، فإنه قال في شرح: مما يمكن تكريره، ولا كذلك تكبيرة الافتتاح، بخلاف القراءة، فإن تكريرها ممكن، فهي كالركوع والسجود الواجب الإتيان به في كل ركعة، ويؤيد هذا سنة النبي صلى الله عليه وسلم العملية، وعدم إخلاله بالقراءة في كل ركعة من ركعات الصلاة، كما نقل عنه الصحابة تواترا في صفة صلاته صلى الله عليه وسلم.
والحاصل أننا لا نفتي بمذهب الحنفية في هذه المسألة، وإنما نفتي بقول الجمهور، وهو فرضية الفاتحة بخصوصها في كل ركعة من ركعات الصلاة، وبسط الدلائل في تلك المسألة ومناقشة الأقوال مما يطول جدا،
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: القراءة فی ال ف ر ض ف ی ال أ
إقرأ أيضاً:
القراءة في عقل الأزمة
زين العابدين صالح عبد الرحمن
أن الأزمات و التحديات التي تواجه القوى السياسية، تعد أهم الاختبارات التي تواجه العقل السياسي، و هي التي تبين إذا كان العقل السياسي سليما قادارا على تجاوزها، أم به من العلل التي تعجزه أن يقدم مبادرات يتجاوز بها هذه الأختبارات، و إذا كان العقل معلولا تجده يبحث عن تبريرات يداري بها هذا العجز.. و علة العقل السياسي ظهرت في أول أختبار مرت به، عندما سلم ذات العقل المعلول قيادة الجيش السلطة طواعية عام 1958م، خوفا من نتائج الصراع السياسي مع الآخرين باعتباره حلا يمكن تجاوزه بدخول عامل جديد في الصراع على السلطة، أهمل العقل دراسة هذه الواقعة و نتائجها إذا كانت سالبة أو إيجابية، ثم تكررت التجربة في 1969م و أيضا إهملت تماما، و أيضا في 1989م، كلها تجارب ماذا كان دور القوى السياسية حيال هذه التجارب، هل استطاعت أي قوى سياسية يسارا أو يمينا كانت، أن تقدم نقدا لهذه التجارب لكي تستفيد منه القوى السياسية الأخرى.. أم أهملت نقد التجارب؟.. الأهمال نفسه يبين أن العقل السياسي في أعمق مراحل الأزمة التي عجز أن يتجاوزها..
إذا عرجنا إلي الشعارات التي ترفعها القوى السياسية بكل مدارسها الفكرية "لعملية التحول الديمقراطي" في البلاد، من هي القوى السياسية التي استطاعت أن تكون مقنعة للشعب بأنها تعد مثالا للديمقراطية داخل مؤسستها أو خارجها من خلال إنتاجها الفكري و الثقافي الذي يقنع الجماهير بأنها بالفعل جادة قولا و فعلا في تنزيل الشعار لأرض الواقع الإجتماعي.. الديمقراطية فكر و ثقافة و قوانين و سلوك و ممارسة يومية و ليست شعارات تزين بها الخطابات السياسية.. و الذي يحصل في الساحة السياسية هو صراع ليس من أجل توعية و تثقيف الجماهير بالديمقراطية، أنما صراع بهدف الإستحواز على السلطة بأي ثمن كان..
الآن هناك البعض يرفع شعار البحث عن " طريق ثالث" رغم أن الذين يرفعون هذا الشعار هم من الذين ظلوا يدعمون " الميليشيا" و هم الذين اقنعوها بأن تقوم بالانقلاب، كما قال قائد الميليشيا أن أصحاب " الاتفاق الإطاري" كانوا وراء اشعال الحرب.. بعض من هؤلاء يرفعون شعار " الطريق الثالث" و لم يعرفوا الآخرين ما هو المقصود بهذا الشعار؟ ما هو التصور " للطريق الثالث" الذي يجب أن يتجاوز الحرب، و أيضا الأزمة السياسية التي تعيشها القوى السياسية، العقل المأزوم هو الذي يعلق انتاجه السياسي بالشعار، و لا يستطيع أن يقدم أطروحات فكرية تخدم الشعار الذي يرفعه، هؤلاء هم الذين عطلوا عقولهم طواعية، و اعتمدوا على شخص واحد يفكر نيابة عنهم، و عندما رحل مفكرهم، و جدوا انفسهم أمام تحديات عجز عقلهم التعامل معها..
أن الذين اعتقدوا أن الأزمة التي تعيشها البلاد أنها بسبب " الكيزان و الفلول" هؤلاء أنواع البعض منهم يحاول أن يغطي علاقته بالنظام السابق في اعتقاد أن تركيزه على ذلك سوف سغطي أفعاله، و البعض الأخر بسبب العجز الثقافي و الفكري الذي يعاني منه، أعتقادا أن التركيز على هذا الخطاب سوف يجعله من الذين يطلق عليهم " قوى تقدمية" رغم أن هذه الثقافة قد قبرت كما قبرت الحرب الباردة، و هؤلاء سدنة الأفكار التي تجاوزتها البشرية في مسيرتها التاريخية.. و أخرين يتعلقون بأهداب الخارج ليشكل لهم رافعة للسلطة، و يعتقدون كلما كانوا اشدا بأسا على الكيزان و الفلول " كانوا مقنعين لهذا الخارج بأنهم رجال مرحلة لهم، و هناك الذين يعتقدون أن " الكيزان و الفلول" جزء من الأزمة التي تعيشها كل القوى السياسية، و بالتالي معالجتها تأتي من المعالجة العامة للأزمة السياسية في البلاد...
أن الحرب التي يشهدها السودان هي أعلى مراحل الأزمة السياسية، و هي أزمة العقل السياسي، الذي بدأ يتراجع منذ أن بدأت القوى السياسية تبحث عن حلول للأزمة داخل المؤسسة العسكرية.. أن تحدث فيها أختراقا لكي تقوم بانقلاب عسكري يسلمها السلطة، و الغريب كل القوى السياسية التي أحدثت انقلاب بواسطة عسكريين عجزوا أن يستلموا منهم السلطة.. و حتى الآن لم يبينوا لماذا فشلوا في ذلك.. ما عدا إفادات الدكتور الترابي لأحمد منصور في " قناة الجزيرة" البقية تعلقت " بالنكران و الهروب" الحرب و فشل نقد السياسسين للتجارب السابقة تمثل أعلى درجات أزمة العقل السياسي، و هناك الأمارات التي تدخلت بشكل سافر في الأزمة لكي تحولها لمصلحتها، و استطاعت أن تتاجر في الاستحوا ز على عقول الأزمة في السودان، لعل تنجح مؤامرتها على البلاد، و من وراءها مثل بريطانيا و أمريكا و الايغاد و الاتحاد الأفريقي و بقية المنظمات الإقليمية.. هل تستطيع القوى الجديدة التي سوف تفرزها الحرب أن تدرك دورها و مسؤوليتها السياسية، و تقدم أطروحات سياسية و أفكار تخلق بها واقعا جديدا، و أيضا تتجاوز بها الأسباب الحقيقية التي أدت للأزمة و تنشل العقل السياسي منها.. نسأل الله حسن البصيرة..
zainsalih@hotmail.com