الغياب.. لحظات إنسانية قابلة للتأمل !
تاريخ النشر: 10th, April 2025 GMT
مرّ ذلك العيد بجانبنا مختلفًا عن أعيادنا الماضية؛ دفاتر الحضور والغياب أثبتت بأن الأحياء هم وحدهم من يتألمون ويتجرعون مرارة الفقد والفراق، ففي لحظة التذكّر بمن كان جانبنا في المرة الماضية، تتعمق في نفوسنا معاناة جديدة لا يشعر بها جميع من حولنا، إلا من لامسهم ذلك الغياب قبلنا.
في هذا العيد، كم بلغ شعور الألم بنا وبغيرنا ممن فقدوا عزيزًا عليهم، بقيت أماكن جلوسهم خالية لا يعوّضها أحد من الحضور، بينما النسيان، حتى هذه اللحظة، لم يبدأ مفعوله السحري في تطييب جراح الفقد.
في كل عيد، كنا نخرج من المصلى لنتجه مباشرة نحو منازل متقاربة في البنيان، تمامًا مثلما تتقارب أرواحنا مع أرحامنا وأقاربنا. نستمتع كثيرًا عندما نترجّل سيرًا على الأقدام بين بيوت الحارة وشوارعها وسواقيها وبساتينها التي لا تحدها سوى أسوار المحبة. أحيانًا، عندما كان الصيف حاضرًا في أعيادنا الماضية، كان لا بد لنا من ركوب السيارة التي تنطلق بنا إلى أماكن أبعد مما نصلها ونحن نسير على أقدامنا. نتنقّل في العيد رغبةً منّا، وتقليدًا تراثيًا قديمًا، نقدّم فيه أجلّ عبارات السلام والاطمئنان على الأهل والأحبة والأصحاب، وخاصةً ممن بلغ الكبر بهم مبلغه.
في هذا العيد، كان الوضع مختلفًا تمامًا عن ماضٍ قديم؛ هذه المرة كانت الوجهة الأولى منذ خروجنا من مصلى العيد نحو «المقابر»، حيث أصبح لدينا شخص عزيز يتوسد الثرى. وكان لا بد لنا من زيارته من جهة، وتذكير لنا بالآخرة والمآل الذي ينتظرنا، وأيضًا هذه الزيارة ترقيق للقلوب القاسية التي غرتها مباهج الحياة وزخرفها. وربما مشهد القبور المتراصة مع بعضها البعض يكون رادعًا لنا ولغيرنا عن المعاصي، وطريقًا نحو الزهد في الدنيا الفانية، وتهوينًا لما قد يلقاه المرء منا من مصائب الحياة وفواجعها التي لا تنتهي.
جمعٌ من الناس أتى إلى ساحة المقبرة، كلٌ يقف بجانب قبر عزيز عليه. فالساحة الممتدة تظهر أسماء كثيرة وتواريخ قديمة وحديثة على شواهد القبور، هدفها تذكير الناس بمن رحلوا واحدًا بعد آخر. في القرب من قبر ميّتنا، هناك قبر جديد لا تزال معالمه واضحة، يذكّر بأن القدر لم يُمهل صاحبه فرصة العيش معنا في هذا العيد. في مثل هذه المواقف، يستحضر في ذهني أن كل هؤلاء الموتى الذين تتحلل أجسادهم في قبورهم ينتظرون الدعاء لهم بالعفو والمغفرة.
رغم أن الكم كبير من الناس في المكان، إلا أن الصمت كان يتسيّد الموقف. أشخاص جالسون بصمت، وآخرون يقفون يتأملون ويستذكرون كيف أصبح حال من كان بالأمس يذكّرهم بأن الموت حق وقدر محتوم، ويأمل أن يكون معهم في فرحة هذا العيد.
أمام ذلك القبر الذي يأوي من نحب، لا شيء يُجدي غير الدعاء والتضرع إلى الله بالرحمة لميّتنا وأموات المسلمين. كم هو مؤلم أن ينتزع القدر منك شيئًا غاليًا، رغم أنك مؤمن تمامًا بأنه واقع لا محالة على كل إنسان، لكن لم تتخيله يأتي بهذه السرعة. تحاول أن تكفكف الدمع خوفًا من أن يعلو صوتك فتقع في المحظور، لذا عليك أن تلتزم بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا أو يرحم» - وأشار إلى لسانه -، ولما مات ابنه إبراهيم قال عليه الصلاة والسلام: «العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون».
رغم أن البكاء لا يُجدي ولا يُرجِع من رحل، لكن الله تعالى يسمع أعمق صرخات قلوبنا التي يعتصرها الألم، ويجزي كل صابر على قدر صبره، ولذا يبشّر الله تعالى كل صابر محتسب الأجر والثواب بقوله تعالى: «وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّـهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ».
انقضى الوقت وعدنا إلى منازلنا التي كانت عامرة بالناس في العيد، عندما كان ذلك العزيز يتجلى في وسط مجلسها. انفضّ الناس من حولنا، ولم يأتِ أحد كعادة كل عيد قد مضى، عندما كنا نحاول أن نتهرب من المجلس الذي يعج بالناس، ونتذمر كثيرًا عندما كان أحد المهنئين يمكث طويلًا في حديث ممتد يشعرنا بالملل. في هذا العيد، بقيت الأبواب مفتوحة، لكن عتباتها عانت فقدان خُطى المهنئين أو القادمين للتهنئة، كما كانت في الأعياد الماضية.
ويبقى الدعاء هو ما يوصلنا بمن نحب من الآباء والأمهات والإخوان وعامة الناس، فاللهم اغفر لتلك الأرواح التي لا تُعوّض، وأنفسنا النقية التي فارقتنا، وتركت لنا في القلب حنينًا لا يفارقنا أبدًا.
اللهم ارحم تلك الوجوه الطيبة التي فارقت الدنيا وانتقلت إلى جوارك، اللهم اغفر لهم، وارحمهم، وتجاوز عنهم، واجعل قبورهم روضة من رياض الجنة يا رب العالمين.
اللهم واجمعنا وإياهم برفقة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم في علّيّين.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی هذا العید
إقرأ أيضاً:
أمين الفتوى: استغلال السائح حرام شرعًا ويخالف سنة النبي «فيديو»
أكد الشيخ حسن اليداك، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن استغلال السائح بأي صورة من الصور أمر محرم شرعًا، مستندًا في ذلك إلى منهج البيع والشراء الذي أوصى به النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، لافتا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الاستغلال في التعامل مع الناس، خاصة إذا كان ذلك عبر تقديم معلومات مغلوطة أو التضليل.
وأوضح خلال حوار مع الإعلامية زينب سعد الدين، بحلقة برنامج «فتاوى الناس»، المذاع على قناة الناس، اليوم الخميس، أن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من الاستفادة من جهل الغريب أو الزائر، مثلما في الحديث «لا يبع حاضر لباد» والذي ينهى عن استغلال الغريب في المعاملات التجارية، قائلًا: «إن من يستغل السائح الذي يجهل الأسعار أو طبيعة السوق في بيع السلع بأسعار مبالغ فيها، يقع في محرم شرعي».
كما شدد على ضرورة تقديم المساعدة الصادقة للسائح، سواء في مسألة شراء السلع أو اختيار أماكن الإقامة، موضحًا أن المرشدين السياحيين يجب أن يتحلوا بالأمانة في توجيه السائح واختيار الأماكن الأنسب له، دون أن يتركوا أي مجال للاستفادة غير المشروعة مثل الحصول على عمولات مقابل توجيه السائح إلى أماكن بعينها.
وأشار الشيخ حسن إلى أن «المستشار مؤتمن»، مستدلًا بآية كريمة من القرآن الكريم، حيث يجب على المرشد السياحي أو أي شخص يقدم خدمة للسائح أن يكون أمينًا، وألا يوجهه إلى الأماكن التي يستفيد منها ماديًا على حساب المصلحة الحقيقية للسائح.
كما نوه إلى أن «السائح» يجب أن يُعامل بكرم، موضحًا أن تقديم الطعام والشراب له يعد من آداب الضيافة، مشددًا على أن استغلال السائح وتقديم أسعار مبالغ فيها أو خداعه في أي شكل من الأشكال يتعارض مع قيم الكرم الإسلامي.
وأكد أن هذه الأمانة تؤدي إلى بناء علاقة من الثقة مع السائح، مما يساهم في نقل صورة إيجابية عن المجتمع المصري في البلدان الأخرى، مضيفا أن هذا النوع من التعامل الشريف من شأنه تعزيز القطاع السياحي في مصر، ويجب أن نحرص على أن يكون التعامل مع السائح دائمًا قائمًا على الأمانة والصدق.