جبل عامر.. منطقة تبيض ذهبا في السودان
تاريخ النشر: 10th, April 2025 GMT
جبل عامر منطقة تقع شمال مدينة الفاشر عاصمة إقليم شمال دارفور غربي السودان، أصبحت وجهة للباحثين عن الثراء السريع بعد اكتشاف مخزون هائل من الذهب بها عام 2012.
خاضت قبيلتا بني حسين والرزيقات حروبا ضارية لبسط النفوذ على مناجم الذهب في المنطقة عامي 2013 و2014، قبل أن تصبح تحت سيطرة مليشيا الجنجويد ثم قوات الدعم السريع ابتداء من عام 2017.
ومن خلال شركة الجنيد التي تملكها، استحوذت عائلة آل دقلو على مناجم الذهب في جبل عامر، فأصبحت مصدرا للتفوق المالي لقوات الدعم السريع، التي استغلت هذه الثروة اقتصاديا وسياسيا، قبل أن تتنازل عنها للحكومة عام 2021 في حادثة أثارت الكثير من الجدل.
الموقعيقع جبل عامر بمحلية السريف على بعد نحو 100 كيلومتر شمال مدينة الفاشر عاصمة إقليم شمال دارفور غربي السودان.
واكتشف مخزون الذهب السطحي في الجبل عام 2012 ضمن عمليات البحث عن بديل اقتصادي عقب التصويت في يناير/كانون الثاني 2011 لصالح انفصال جنوب السودان، مما جعل البلاد تفقد نحو 75% من إنتاجها من النفط.
السكانتشير المرويات المحلية إلى أن مجموعات من السكان الرحل ظلت على مدى قرون تسكن منطقة جبل عامر في بعض المواسم من العام، وأن عامرا الذي حمل الجبل اسمه رجل من بطن المحاميد من قبيلة الرزيقات ذات الأصول العربية، كان يتنقل بإبله ويستقر في فصل الصيف قرب هذا الجبل.
ومع اكتشاف الذهب عام 2012 كانت قرى قبيلة بني حسين تنتشر في المنطقة، وهي واحدة من أقوى القبائل العربية في إقليم دارفور، بل تعتمد الحكومة على مقاتليها في التصدي لهجمات المتمردين في الشمال والشمال الغربي لولاية شمال دارفور.
إعلانكما استقطبت مناجم جبل عامر الباحثين عن الثراء السريع من مختلف أنحاء السودان، إضافة إلى عمالة واسعة وفدت إليه من عدد من الدول الأفريقية، من بينها أفريقيا الوسطى وتشاد والنيجر ومالي ونيجيريا.
وإضافة إلى السيطرة العسكرية على الجبل باشرت قبيلة بني حسين إدارة وإيجار الموقع وآليات التنقيب والمعالجة، كما استثمرت في قطاع الخدمات، بينما كانت هذه التجارة خارجة عن سيطرة الحكومة المحلية والمركزية.
مع تنامي عمليات التنقيب واستخراج الذهب من جبل عامر، نشب الخلاف بين قبيلة بني حسين التي تنتشر قراها في المنطقة، والرزيقات التي أطلق الجبل على اسم أحد أبنائها.
وفي شهر يناير/كانون الثاني عام 2013 اندلعت مواجهات عنيفة بين القبيلتين داخل المنجم، مما دفع الحكومة إلى الإعلان عن إغلاقه، قبل أن يتوصل الطرفان إلى توقيع اتفاق في 18 من الشهر نفسه.
لكن قبيلة الرزيقات، التي يشكل أبناؤها قوام مليشيا الجنجويد المدعومة سابقا من حكومة الرئيس المخلوع عمر البشير، عاودت الهجوم على قرى بني حسين في جبل عامر مجددا في يونيو/حزيران 2013، وهو ما أعقبته عمليات "تهجير قسري" بحق سكان قرى بني حسين.
ولأن الهجوم جاء بعد تعذر دخول الجيش إلى المنطقة بسبب مقاومة بني حسين الرافضين لسيطرته، فقد اتهم شيوخ القبيلة بمن فيهم أعضاء في حزب المؤتمر الوطني الحاكم الحكومة المركزية في الخرطوم بدعم الرزيقات بالأسلحة والمركبات لتنفيذ ذلك الهجوم.
من الجنجويد إلى الدعم السريعبعد كسر شوكة مقاتلي قبيلة بني حسين، التي كانت تسيطر على جبل عامر إثر هجمات مقاتلي الرزيقات، أصبح زعيم بطن المحاميد من قبيلة الرزيقات في دارفور موسى هلال هو من يسيطر على مناجم جبل عامر.
واستعان موسى هلال في سيطرته على المناجم بخليط من قوات قبلية تضم أبناء عمومته وأخرى من الجنجويد التي يقودها ويعد أحد مؤسسيها.
إعلانوبالتزامن مع هذه الأحداث كانت علاقات موسى هلال بنظام البشير قد بدأت تسوء، فقد انشق عن المؤتمر الوطني الحاكم عام 2013 ورفض دمج المليشيا التابعة له ضمن قوات الدعم السريع بعد إعادة هيكلة الجنجويد، كما أعلن في عام 2014 عن تأسيس ما سماه مجلس الصحوة الثوري.
ثم تطورت علاقة موسى هلال بالنظام نحو الأسوأ، إذ رفض الاستجابة لحملة جمع السلاح التي أعلنتها الحكومة في يوليو/تموز 2016، واعتبر إجراءات الحكومة انحيازا لقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) الذي ينتمي للقبيلة ذاتها (الرزيقات).
وفي 2017 استعانت الحكومة بقوات الدعم السريع لكسر شوكة زعيم المحاميد، فتم اعتقاله رفقة عدد من أبنائه وقيادات مجلس الصحوة الثوري عقب هجوم شنته قوات حميدتي في نوفمبر/تشرين الثاني، فأصبحت قوات الدعم السريع تستولي على مناجم الذهب ابتداء من ذلك التاريخ.
ومن خلال شركة الجنيد القابضة المملوكة لعبد الرحيم دقلو -شقيق حميدتي- استحوذت عائلة آل دقلو على ثروة الذهب في جبل عامر، فأصبح مصدرا للتفوق المالي لها ولقوات الدعم السريع التي عملت على استغلاله سياسيا لتوطيد العلاقة بفاعلين إقليميين ودوليين.
في يناير/كانون الثاني عام 2021 أعلنت وزارة الطاقة والتعدين في حكومة الفترة الانتقالية بقيادة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، توليها مناجم التنقيب في جبل عامر بموجب تنازل من شركة الجنيد.
وأثار التنازل جدلا واسعا في السودان بعد تداول وثائق تشير إلى أنه تم مقابل تعويضات كبرى تصل إلى 50 مليون دولار، مع استحواذ الجنيد على 70% من أسهم شركة سودامين الحكومية، ومنحها حصة في مناجم الذهب والنحاس بمنطقة سنقو في جنوب دارفور، فضلا عن إعفاءات ضريبية.
كما تكشفت معلومات أخرى بشأن عدم دقة التقديرات المتعلقة بالاحتياطي المتبقي في المنجم، ومدى الجدوى الاقتصادية لاستخراجه من الأعماق البعيدة بعد سنوات طويلة من الاستغلال المكثف للمخزون السطحي.
إعلان حجم الإنتاجوفق مسؤولين حكوميين سودانيين فإن الذهب المستخرج من مناجم جبل عامر تم تهريبه إلى الخارج منذ السنوات الأولى لاكتشاف المنجم، دون المرور بالقنوات الرسمية (البنك المركزي).
وفضلا عن التهريب فإن ظروف الصراع التي طبعت علاقة القوى المتنافسة للسيطرة على المنجم ومستوى نفوذ هذه القوى الخارجة عن سيطرة الحكومة المحلية والمركزية، تُعقد إمكانية الحصول على معلومات دقيقة عن حجم الإنتاج، إلا أن التقديرات تشير إلى أنه يصل إلى نحو 50 طنا من الذهب سنويا.
كما تشير تقارير إلى أن شركة الجنيد كانت تنتج بين 30 إلى 40 كيلوغراما من الذهب شهريا في فترة سيطرتها على المنجم من 2017 إلى 2021.
ولم ينعكس حجم إنتاج الذهب في المنجم على التنمية وظروف سكان المنطقة، التي تحولت في وقت قصير إلى واحدة من أغنى المناطق السودانية بالموارد الطبيعية، بل تسبب صراع السيطرة على المنجم في كوارث إنسانية وموجات نزوح واسعة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات قوات الدعم السریع مناجم الذهب فی جبل عامر موسى هلال على مناجم الذهب فی إلى أن
إقرأ أيضاً:
معارك محتدمة غرب السودان والجيش يتهم الدعم السريع بقتل العشرات
يشهد غرب السودان معارك محتدمة بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وسط تضارب للمعلومات بشأن عدد الخسائر في صفوف الطرفين.
وقال الإعلام العسكري في الفاشر بولاية شمال دارفور غرب السودان إن نحو 70 مدنيا قتلوا في المدينة جراء قصف لقوات الدعم السريع بالمدافع والطائرات.
وأشار بيان للإعلام العسكري، إلى أن الجيش السوداني والقوات المساندة له تمكنا في المقابل من صد هجوم عنيف لقوات الدعم السريع على معسكر زمزم وأن المعركة أسفرت عن سقوط 50 قتيلا في صفوف الدعم السريع.
من جانبها، أفادت مصادر طبية للجزيرة نت أن عدد القتلى ارتفع إلى نحو 100 شخص مساء الجمعة نتيجة لهجوم شنته قوات الدعم، على المخيم الذي يقع على بُعد 15 كيلومترا جنوب مدينة الفاشر.
في حين أكد الناشطون تقدم الجيش السوداني والقوة المشتركة والمقاومة الشعبية وتمكنهم من طرد المهاجمين من المخيم والسيطرة على مواقع جديدة داخل المدينة.
قتلى وجرحىوقال المدير العام لوزارة الصحة في الولاية الدكتور إبراهيم خاطر للجزيرة نت إن الهجوم على مخيم زمزم أسفر عن مقتل نحو 100 شخص وعشرات الجرحى بينهم 10 من الكوادر الطبية العاملين في منظمة "ريليف" الإنسانية بجانب 4 من سائقي السيارات.
إعلانوأضاف أنه تم تسجيل مقتل طبيب آخر، وهو المدير الطبي لمستشفى مدينة أم كدادة، خلال الهجوم الذي بدأ على المنطقة يوم الأربعاء الماضي.
وأفادت التنسيقية العامة للنازحين واللاجئين بالسودان أن النازحين بمخيم زمزم يعانون أوضاعا حرجة، على خلفية تجدد الهجوم عليه من الدعم السريع صباح اليوم.
ويضم مخيم زمزم نحو مليون نازح، غالبيتهم فروا من مناطقهم الأصلية خلال اندلاع النزاع المسلح في الإقليم عام 2003.
واستقر هؤلاء النازحون في المخيم، إضافة إلى نازحين جدد من مدينة الفاشر والقرى المحيطة بها بسبب الحرب المستمرة في البلاد.
ومنذ الأول من ديسمبر/كانون الأول الماضي، تنفذ قوات الدعم السريع سلسلة من الهجمات باستخدام المدفعية الثقيلة والمشاة على مخيم زمزم الذي يعاني من الاكتظاظ.
من جهتها، أفادت غرفة الطوارئ لمخيم أبو شوق للنازحين شمال الفاشر، بأن قصفا مدفعيا استهدف المخيم أدى إلى مقتل 8 أشخاص، منهم 6 نساء.
وأوضحت الغرفة في تغريدة على صفحتها الرسمية في فيسبوك أن هناك أنباء عن إصابات خطرة بين كبار السن.
ونظرا لانعدام شبكات الاتصال، لم تتمكن الغرفة من الحصول على معلومات كافية حول حجم الخسائر في صفوف المواطنين.
ومنذ العاشر من مايو/أيار 2024 تشهد الفاشر اشتباكات بين الجيش والدعم السريع، رغم تحذيرات دولية من المعارك في المدينة التي تعد مركز العمليات الإنسانية لولايات دارفور الخمس.
وضع حرج
في الأيام الأخيرة، شهدت الأوضاع الإنسانية للنازحين تدهورا ملحوظا نتيجة للحصار المفروض، مما أدى إلى نقص حاد في السلع الاستهلاكية وانعدام السيولة النقدية، مما تسبب في شلل شبه كامل في الحياة اليومية.
وقال المتحدث الرسمي باسم النازحين واللاجئين في دارفور، آدم رجال للجزيرة نت إن "الوضع في المخيم حرج للغاية نتيجة تزايد أعداد النازحين".
إعلانوأوضح أن ظروف المعيشة أصبحت لا تُطاق، خاصة في ظل تدهور الأوضاع الأمنية. وكشف رجال عن تعرض المخيم -اليوم السبت- لهجوم جديد من قبل قوات الدعم السريع، مما يثير مخاوف الأسر النازحة التي تعاني بالفعل من نقص حاد في الموارد والمواد الأساسية.
ودعا المجتمع الدولي ومنظمات الإغاثة إلى زيادة الضغط على الجهات المعنية لوقف العنف وتقديم الدعم العاجل للنازحين، الذين يعيشون في ظروف خطرة وغير إنسانية.
ويخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ أبريل/نيسان 2023 حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 15 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، في حين قدر بحث لجامعات أميركية عدد القتلى بنحو 130 ألفا.