احتكار الغلاف الجوي.. ما ديون المناخ؟ وبكم تقدر؟
تاريخ النشر: 10th, April 2025 GMT
منذ الثورة الصناعية، غذت الدول الغنية نهضتها ونموها الاقتصادي وتوسعها الحضري بإحراق الوقود الأحفوري الذي ارتفعت وتيرته تدريجيا، وكان سببا رئيسيا للاحتباس الحراري، وتغير المناخ الذي يؤثر الآن على جميع دول العالم لكن بشكل غير متناسب، حيث تدفع دول الجنوب العالمي أثمانا اقتصادية وتنموية باهظة له.
وحسب التقديرات، فإن الدول النامية خصوصا في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، مسؤولة عن أقل من 4% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، بينما تتحمل دول الشمال العالمي المتقدمة مجتمعة المسؤولية عن أكثر من 91% من التجاوز التراكمي للانبعاثات في الفترة ما بين 1960 و2019، حسب دراسات جديدة.
وتستند فكرة الدين المناخي أن لكل مواطن في العالم حقا متساويا في بيئة لا تلحق بها أضرار بسبب تغير المناخ، ويعني هذا الأمر ضمنيا أن البلدان المتقدمة والغنية التي عليها دين مناخي مرتفع بسبب انبعاثاتها الكبيرة وتلويثها للغلاف الجوي طوال عقود، ينبغي أن تقدم تعويضات للبلدان التي تسبب أضرارا أقل للبيئة والمناخ وتعاني بشكل غير متناسب من آثار الاحتباس الحراري، ولا يمكنها التعامل مع آثاره.
ويعد مفهوم الدَين المناخي جزءا من المفهوم الأوسع للدَين البيئي، وحظي باهتمام متزايد منذ أن طُرح في مؤتمرات الأمم المتحدة للتغير المناخي منذ 2009، حيث سعت البلدان النامية إلى استرداد الدين المناخي، وطالبت بالتعويضات.
إعلانويشمل الدَين المناخي ديون التكيف وديون الانبعاثات، وتعني ديون التكيف المبالغ التي تدين بها البلدان المتقدمة للبلدان النامية لمساعدتها في التكيف مع التغير المناخي، بينما يشمل مصطلح ديون الانبعاثات تلك الديون المستحقة على البلدان المتقدمة بسبب الكمية غير المتناسبة من انبعاثات غازات الدفيئة.
مبادئ أساسيةوبشكل عام، يستند تقدير الدين المناخي إلى 3 مبادئ أساسية:
-وجود ميزانية كربونية: ويتعلق الأمر بالمساحة التخزينية التي لا تزال متاحة في الغلاف الجوي، والتي يمكن ترجمتها إلى كمية قصوى من انبعاثات غازات الدفيئة التي لا ينبغي تجاوزها كي لا تزداد الحرارة على الأرض بأكثر من 1.5 أو درجتين مئويتين.
– التوزيع العادل لهذه الميزانية (حصص الكربون) بما يتناسب مع سكان العالم، من خلال تأكيد أن جميع الأفراد متساوون، 20% لدول شمال العالم (الغرب) و80% لبلدان الجنوب.
– تعديل حصص الكربون الأولية هذه على النحو الذي يأخذ بالحسبان المسؤولية التاريخية لبلدان الشمال فيما يخص الانبعاثات، ولا سيما منذ عام 1950.
وحسب تقرير، لمنظمة "أكشن أيد" (actionaid) بعنوان "من يدين لمن؟" فإن أكثر الدراسات منهجية، تشير إلى أن دين المناخ الذي يتعين على الدول الغنية الملوثة دفعه للدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط الأدنى يقدر107 تريليونات دولار، من بينها 36 تريليون دولار لأفريقيا، وهذا يزيد بأكثر من 70 مرة عن إجمالي الدين الخارجي لهذه الدول مجتمعة، والبالغ 1.45 تريليون دولار.
ويتضمن هذا المبلغ 80 تريليون دولار ديونا مرتبطة بالانبعاثات التاريخية، في حين يرتبط المبلغ الباقي بإعادة شراء مساحة تخزين ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي التي لا تزال متاحة، (هذه المساحة في الواقع تخص بالكامل بلدان الجنوب)، وذلك طيلة الفترة الانتقالية التي تبدأ من الآن وحتى عام 2050.
إعلانووفق التقرير، فإن تقدير هذا الدين في نطاق بين 120 تريليون دولار على مدى 30 عاما، فإن هناك حوالي 4 تريليونات إلى 6 تريليونات دولار مستحقة سنويا لبلدان الجنوب مما يغطي الحاجات التي ذكرت سابقا من أجل تحقيق أهداف اتفاق باريس للمناخ وتمويل أهداف التنمية المستدامة.
ويبدو هذا المبلغ هائلا -حسب التقرير- لكنه عمليا لا يمثل سوى 4% إلى 6% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، أو حوالي ضعف الإنفاق العسكري على هذا الكوكب، و6 مرات من الإنفاق على الإعلانات، و20 مرة من المساعدات الإنمائية الرسمية.
في عام 2024، سددت الدول الأفريقية منخفضة الدخل 60 مليار دولار لسداد ديونها، مُضحية بالصحة والتعليم وحقوق المواطنين والتنمية الوطنية المستدامة، وفي 2023، دفعت دول الجنوب ذات الدخل المنخفض مجتمعة 138 مليار دولار لسداد ديونها فقط، وفق للتقرير.
وحسب دراسة لمجلة نيتشر (nature sustainability) تم تقييم التعويض المالي التراكمي من الدول التي تجاوزت الحد الأقصى إلى الدول التي قصرت عنه في عالم يحقق صافي الصفر بين عامي 2020 و2050 بمبلغ 192 تريليون دولار، بينما يعادل متوسط التعويض السنوي لكل عام على مدى 31 عاما 6.2 تريليونات سنويا، بمتوسط قدره 940 دولارا للفرد.
وحسب الدراسة بعنوان "تعويض عن الاستيلاء على الغلاف الجوي"، صنفت 129 دولة ضمن الجنوب العالمي حيث يتركز 80% من إجمالي السكان، ولكن انبعاثاتها التراكمية الكلية تجاوزت حصصا عادلة من ميزانية الكربون البالغة 350 جزءا في المليون فقط في عام 2012، أي بعد أكثر من عقدين من دول الشمال.
وتوقعت الدراسة أنه إذا سعت دول الجنوب بشكل جماعي إلى التخفيف الطموح وفقا لسيناريو صافي الصفر بين عامي 2020 و2050، فإنها ستستخدم 50% فقط من حصتها العادلة البالغة 1.5 درجة مئوية، كما أنها ستظل على الأرجح ضمن حصتها العادلة من ميزانية الكربون البالغة درجتين مئويتين بحلول عام 2050.
إعلانأما الدول الـ 39 المتبقية -حسب الدراسة- فهي من الشمال العالمي، وهذه المجموعة من الدول ذات الانبعاثات العالية قد استنفدت حصتها العادلة الجماعية من ميزانية الكربون البالغة 350 جزءا في المليون بحلول عام 1969، ثم تجاوزت حصتها العادلة البالغة 1.5 درجة مئوية بحلول عام 1986.
كما تجاوزت حصتها العادلة البالغة درجتين مئوية بحلول عام 1995، واعتبارا من عام 2019، تجاوزت هذه المجموعة من الدول بالفعل حصتها العادلة الجماعية من ميزانية الكربون البالغة 1.5 درجة مئوية بأكثر من مرتين ونصف.
وتعد هذه المسؤولية التاريخية غير المتناسبة -حسب الدراسة- إشكالية من منظور العدالة المناخية، حيث يعتبر الغلاف الجوي مشاعا مشتركا، يحق لجميع الناس والدول استخدامه بشكل عادل ومنصف.
ورغم أن الفقرة 51 من وثيقة اتفاق باريس للمناخ "لا تنطوي على أي مسؤولية أو تعويض ولا توفر أساسا لها"، يجادل علماء القانون بأن الخيارات لا تزال مفتوحة لتطوير نظام تعويض ومسؤولية بموجب آلية وارسو الدولية للخسائر والأضرار، التي أنشئت عام 2013، كما بدأت دول الجنوب تطالب بالدين المناخي.
وتشير الدراسة إلى أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة مدينة بحوالي ثلثي إجمالي التعويض المالي من الدول التي تجاوزت الأهداف، بغض النظر عن سنة البدء.
وتتحمل الولايات المتحدة أكبر دين مناخي للدول من بين التي تتخلف عن سداد التزاماتها، حيث يبلغ متوسطه 2.6 تريليون دولار سنويا، وهو ما يعادل 15% من ناتجها المحلي الإجمالي السنوي في عام 2018.
وفي ضوء التقديرات المتفاوتة للدين المناخي، من المنتظر أن تركز قمة المناخ التابعة للأمم المتحدة (COP30) التي تستضيفها البرازيل في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، بشكل كبير على مدى مساهمة الدول الصناعية الغنية في مساعدة الدول الأكثر فقرا على التكيف مع تغير المناخ.
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات بيئي تریلیون دولار الدین المناخی الغلاف الجوی دول الجنوب بحلول عام من الدول
إقرأ أيضاً:
للمرة الأولى.. رصد الشفق القطبي بألوانه الزاهية على كوكب نبتون
في سابقة تاريخية من عمليات رصد كوكب نبتون، وهو آخر كواكب المجموعة الشمسية، تمكن تلسكوب جيمس ويب الفضائي التابع لناسا من رصد خيوط الشفق القطبي المتوهجة ذات الصبغة التركوازية على سطح الكوكب الأزرق الفاقع.
ويُعد الشفق القطبي ظاهرة طبيعية تحدث حول المناطق القطبية ويمكن رصدها باستمرار في سماء الكواكب التي تمتلك أغلفة جوية مثل الأرض، وهي نتيجة تفاعل المجال المغناطيسي للكوكب مع الجسيمات المشحونة، التي غالبا ما تكون من الشمس.
كذلك التصادم الناتج يدفع الجسيمات المشحونة إلى طاقة ضوئية، ويختلف لون الإشعاعات الناتجة وفقا لنوع العناصر في الغلاف الجوّي، لذلك يظهر الشفق القطبي بعدّة ألوان مثل الأحمر والأخضر والأزرق وغيره.
وما يجعل هذا الحدث مميزا هو حسم الجدل القائم حول وجود هذا الشفق القطبي في سماء نبتون، إذ إن وجوده هو علامة على أحد أهم الخصائص الكوكبية التي تمتلك غلافا جويا وغلافا مغناطيسيا كذلك.
وعلى مدار عقود من البحث والمراقبة، كان قد لمح الفلكيون وميضا في قطبي نبتون، ومن أبرز الأدلة القديمة هو ما رصده مسبار الفضاء "فوياجر 2" عام 1989 حينما مرّ على الكوكب النائي، لكن لم يُحسم الجدل بعد ذلك. وظلّ حينها نبتون في معزل عن بقية الكواكب العملاقة التي حُسم أمرها بشكل واضح مثل المشتري وزحل وأورانوس.
يرجع تاريخ الصورة الملتقطة إلى يونيو/حزيران 2023، حيث استخدم تلسكوب جيمس ويب "جهاز التحليل الطيفي بالأشعة تحت الحمراء القريبة" الموجود على متنه، ليسمح للعلماء بمراقبة الكوكب بتفاصيل غير مسبوقة.
إعلانويظهر الشفق القطبي بحلّة خضراء مزرّقة زاهية على سطح الكوكب، عند خطوط العرض المتوسطة بدلا من المناطق القطبية حيث يُشاهد عادة الشفق القطبي على الأرض والكواكب الغازية الأخرى. وهذه الظاهرة الفريدة مرتبطة بالطبيعة الغريبة للمجال المغناطيسي لنبتون، الذي يميل بزاوية 47 درجة عن محور دوران الكوكب، على عكس الشفق القطبي التقليدي الذي يظهر بالقرب من القطبين على الأرض.
وأعرب المؤلف الرئيس هنريك ميلين من جامعة نورثومبريا، الذي أجرى البحث أثناء تواجده في جامعة ليستر، عن دهشته من وضوح وتفاصيل الشفق القطبي التي التقطها ويب. وقال ميلين في تصريحاته لوكالة ناسا: "كان من المدهش رؤية الشفق القطبي، ولكن التفصيل والوضوح في هذه الظاهرة فاجأني حقا"، لم تكشف الصور عن النشاط الشفقي فحسب، بل قدمت أيضا طيفا ساعد في قياس درجة الحرارة وتركيب الطبقة العليا من الغلاف الجوّي (الأيونوسفير) للكوكب.
بالإضافة إلى ذلك، قدمت ملاحظات تلسكوب جيمس ويب مفاهيم جديدة حول الظروف الجوية في نبتون، وواحدة من أبرز الاكتشافات كانت التحقق من اختلاف كبير في درجات حرارة الغلاف الجوي العلوي لنبتون عما كان سابقا. فقد وجدوا أن درجة حرارة الغلاف الجوي لنبتون في عام 2023 كانت أقل بعدة مئات من الدرجات عما كانت عليه أثناء مرور "فوياجر 2" في 1989، إذ إن درجة الحرارة الحالية لا تتجاوز نصف ما كانت عليه منذ 36 عاما.
ويعتقد الباحثون أن هذا الاختلاف قد يكون السبب في صعوبة اكتشاف الشفق القطبي لفترة طويلة، فانخفاض درجات الحرارة يؤدي إلى خفوت النشاط الشفقي بطبيعة الحال، هذا مع أن الكوكب يبعد عن الشمس بنحو 30 وحدة فلكية، والوحدة الفلكية تساوي متوسط المسافة بين الأرض والشمس، وعليه، فإن سبب الاختلال في درجة الحرارة لا يزال مجهولا.
مجال مغناطيسي فريدومن أبرز جوانب هذا الاكتشاف هو المجال المغناطيسي غير العادي لنبتون، فعلى عكس الأرض أو الكواكب العملاقة الأخرى مثل المشتري، يميل المجال المغناطيسي لنبتون بزاوية 47 درجة، ويتسبب هذا الميل في حدوث النشاط الشفقي عند خطوط العرض المتوسطة بدلا من القطبين، وهي ميزة فريدة للغاية في المجموعة الشمسية.
إعلانويهدف الباحثون الآن إلى الاستمرار في العمل على رصد الكوكب أثناء دورة شمسية كاملة، والتي تبلغ 11 عاما، لفهم طبيعة تفاعل الغلاف الجوي للكوكب مع الرياح الشمسية المتغيرة وفقا لأنماط الدورة الشمسية، ومحاولة تفسير سر الميلان المثير لغلافه المغناطيسي.