معالم يمنية.. جامع الإمام الهادي
تاريخ النشر: 25th, August 2023 GMT
ويقال له أيضاً الجامع الكبير ويقع هذا المسجد في الجهة الجنوبية الشرقية لمدينة صعدة الجديدة والتي اختطها الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين عليه السلام، وسمي الجامع باسمه، وقد أسسه قبل وفاته بسنة واحدة أي سنة 297هـ، وتوفي ولا زال بناء المسجد على قدر قامة رجل وقيل نصف قامة، ثم تولى أولاده عملية استكمال البناء بالشكل والحجم الذي خُطّطَ له – وهو البناء الموجود اليوم في الجهة الجنوبية – ليقوم الإمام المهدي علي بن محمد سنة 753هـ بتوسعته بـ 45متراً طولا و8 أمتار عرضا.
المميزات العامة لجامع الإمام الهادي :
الميزة الأولى: أنه بناه الإمام الهادي إلى الحق وهو الذي فاق علما وفضلا وفقها وتأثيرا في اليمن ورجالاتها، وكونه إمام المذهب الزيدي، ومؤسس دولة الأئمة الزيديين، ولذلك فقد حظي بارتباط روحي عميق مع الناس خاصتهم وعامتهم.
الميزة الثانية: أنه مثّل مدرسة علمية جعلت من صعدة هجرة علمية يهاجر إليها من مختلف المحافظات حتى نافست في ذلك مدينة العلم والعلماء زبيد والجامع الكبير بصنعاء ليتخرج منها مئات العلماء وعشرات الأئمة، فضلا عن أنه – أي هذا المسجد – كان مسرحاً لأحداث سياسية مهمة ومنها مبايعة بعض أئمة اليمن.
الميزة الثالثة : أنه يعد معلماً دينياً وتاريخياً شامخاً عند الزيدية خاصة وفي اليمن عامة فضلاً عن أنه يقع وسط مدينة أثرية وقديمة لها أهمية تجارية قبل الإسلام وبعده وبالإضافة إلى أهميتها الدينية في تاريخ الإسلام.
الميزة الرابعة : هي تلك النقوش الزاخرة التي انفرد بها هذا المسجد ، وكذلك الشكل الهندسي المتميز، والآثار الموجودة بداخله مثل : المخطوطات الموجودة بمكتبته الخاصة ، وكون القبور والقباب والمشاهد التي بجواره، تشتمل على أبرز أعلام اليمن ومشاهيره.
الميزة الخامسة: قيل في سبب بنائه: إنه عليه السلام “خرج ذات يوم من منزله فرأى نورا صادعا في موضع المسجد الذي أسسه فعزم حينها على بناء المسجد في ذلك الموضع”.
نبذة مختصرة عن الإمام الهادي مؤسس المسجد:
هو يحيى بن الحسين بن الإمام القاسم الرسي – نسبة إلى جبل الرس بالمدينة – بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام . ولد بالمدينة المطهرة سنة 245هـ .
جاءت فيه آثار عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومنها : ((أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أشار بيده إلى اليمن وقال: سيخرج رجل من ولدي في هذه الجهة اسمه يحيى الهادي يحيى الله به الدين)). ذاع في المدينة صيت علمه وعدله، وانتشرت فضائله، وظهرت أنواره وشمائله، حتى بلغ النواحي والأقطار مما جعل وفدا من أهل اليمن يقدمون عليه ويطلبون منه إنقاذهم من الفتن التي حلت بينهم، فاستجاب لهم وخرج معهم، فلما شاهد من بعضهم العصيان والتمرد على أوامره رجع إلى المدينة، فازداد الحال بأهل اليمن سوءا وضاقت عليهم الدنيا بما حل فيهم وبينهم، فساروا إليه مرة ثانية معتذرين منه ومتضرعين إليه بأن يرجع إليهم فأجابهم وخرج الخرجة الثانية سنة284هـ، فحكم بينهم بحكم الله ووحد قبائلها المتناحرة فعم في البلاد العدل والسلام والهدوء بعد أن كان الظلم والاقتتال متفشيا فيها. توفي الإمام الهادي بعد أن جاهد بعلمه وسيفه ونشر العلم والتعليم وتصدى للقرامطة الذين استباحوا صنعاء وأهلها بزعامة علي بن الفضل الذي ادعى النبوة فهزمهم شر هزيمة، واستجاب لمناظرة دعاه إليها أعيان وعلماء من أهل الجبر في صنعاء فهزمهم فاستسلموا له واتبعوه. توفي الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين الرسي في 20 ذي الحَجَّة عام 298هـ وعمره 53 سنة، ودفن بمدينة صعدة بجوار جامعه هذا.
من أهم مؤلفاته :
1 – مجموع رسائله، وتدعى (المجموعة الفاخرة.
2 – الأحكام في الحلال والحرام.
3 – كتاب المنتخب.
4 – كتاب التفسير.
(1) لمعرفة المزيد عن جامع الإمام الهادي انظر المصادر التالية :
1 – جامع الإمام الهادي عبر التاريخ . لمؤلفه / عبد الله المتميز.
2 – مصادر التراث في المكتبات الخاصة في اليمن . لمؤلفه / عبدالسلام الوجيه.
(2) لمعرفة المزيد عن سيرة الإمام الهادي انظر المصادر التالية :
1 – التحف شرح الزلف . لمؤلفه / الإمام مجد الدين المؤيدي.
2 – الحدائق الوردية في مناقب الأئمة الزيدية . لمؤلفه / الشهيد المحلي.
3 – كتاب التاريخ . لمؤلفه / أحمد محمد محمد الهادي.
4 – سيرة الإمام الهادي يحيى بن الحسين . لمؤلفه/ علي بن محمد بن عبد الله العباسي العلوي .
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
ننشر نص خطبة الجمعة المقبلة بعنوان «إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا»
حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة القادمة بعنوان: "إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا"، وقالت وزارة الأوقاف: إن الهدف من هذه الخطبة هو: توعية الجمهور بأهمية العلم ودوره في بناء الإنسان، علما بأن الخطبة الثانية تتناول مواجهة الأفكار والمعتقدات الخرافية.
نص خطبة الجمعة المقبلةالحمد لله رب العالمين، نحمدك اللهم بالمحامد اللائقة بكمال ألوهيتك، ونثني عليك بالثناءات اللائقة بعظمة ربوبيتك، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، أذن الحق التي استقبلت آخر نداء السماء لهدي الأرض، ولسان الصدق الذي بلغ عن الحق مراده من الخلق، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فإن العقل هو الجوهرة الربانية التي ميز الله جل جلاله بها الإنسان، وهو المنحة الإلهية التي تكشف لنا أسرار الكون، ولكن هذا العقل يبقى كامنا، ينتظر الشرارة التي توقده، والغذاء الذي ينميه ويزكيه، أيها الناس، إن هذه الشرارة وهذا الغذاء هو العلم، فإذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا، وإذا انطلق العقل نهما، شغوفا، باحثا، متسائلا؛ تفتحت له أبواب العلم؛ فينقشع الظلام، وتتبدد الغيوم، وتزهو العقول بالأفكار النيرة، ويرى الإنسان في الكون آيات باهرات، وفي التاريخ عبرا وحكما، قال الله جل جلاله: {وما يعقلها إلا العالمون}.
أيها الناس، اعلموا أن العلم نور العقل، ومداد الروح، أليست أول رسالة إلهية إلى الجناب المعظم صلوات ربي وسلامه عليه كانت (اقرأ)؟ أليس المقام الأكرم الذي منحه رسول الله صلى الله عليه وسلم للعلماء كان وارثة النبوة والأنبياء؟ ألا ترون أن أهل العلم هم أهل هذه الرتب السامقة {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}، ثم إليكم هذا البيان النبوي الخالد الذي لا نظير له: «من سلك طريقا يبتغي فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض، حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب».
عباد الله، تأملوا كيف أضاء نور العلم عقولا غيرت مجرى التاريخ وصنعت حضارة خالدة، فبين أيديكم عقل الإمام أبي حنيفة وحلقاته التشاورية التي كانت مراكز أبحاث، وعقل الإمام مالك وفقهاء المدينة السبعة الذين علموا الدنيا كيف تكون الهوية العلمية للأمم والشعوب، وترون العجب في عقل الإمام الشافعي حالة إبداعية متفردة، وصولا إلى عقل الإمام الفذ أحمد بن حنبل رحمهم الله ورضي عنهم، تدبروا سيرهم ومسيرهم، واقدروا لنور العلم قدره، ورددوا قول الله جل جلاله: {إنما يخشى الله من عباده العلماء}، وقوله سبحانه: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون}.
أيها الكرام، اجعلوا من بيوتكم ومدارسكم ومجتمعاتكم منابر للعلم، محاضن للفكر، اغرسوا في نفوس أبنائكم حب الاطلاع والشغف بالمعرفة، أخبروهم أن مصر نموذج فريد في الدنيا تقوم ريادته وعظمته على العلم، وأن المصريين أبدعوا في مختلف العلوم، وأسسوا المدارس، وشيدوا المكتبات، وصنعوا مراصد الفلك، واجتذبوا العلماء والمبدعين من آفاق الدنيا؛ ليعلموا كيف بنى نور العلم الحضارة وصنع الإنسان!
أيها الناس، إن مفتاح حلول أزماتنا هو العلم، إن سبيل النصر هو العلم، إن محاربة التطرف الديني واللاديني بالعلم، إن مواجهة الفساد بالعلم، إن بناء الاقتصاد بالعلم، فالعلم أولا، والعلم ثانيا، والعلم ثالثا، ولله در الإمام الشافعي رحمه الله حيث قال:
تعلم فليس المرء يولد عالما * وليس أخو علم كمن هو جاهل
وإن كبير القوم لا علم عنده * صغير إذا التفت عليه الجحافل
وإن صغير القوم إن كان عالما * كبير إذا ردت إليه المحافل.
***
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإنه لا يليق بمن أنار الله تعالى عقله بالعلم أن يستسلم لأفكار بالية وخرافات واهية، لا تستند إلى دليل، ولا يقبلها منطق سليم، كيف بعاقل أن يسمح للخرافة أن تتسلل إلى حياته فتفسدها، تعبث بعقله، وتضعف يقينه، وتزرع الوهم فيه!
عباد الله، إن العلم نور، والخرافة ظلام، ديننا يدعونا إلى العلم والبحث والتجربة، بينما الخرافة تستغل الجهل وتنشر الأوهام، الدين يبني مجتمعا قويا متماسكا على أسس الإيمان والعقل والعلم، بينما الخرافة تنثر بذور الفرقة والضعف والجهالة!
تأملوا أيها الكرام في عواقب الخرافات الوخيمة، فكم من طاقات عطلتها؟ وكم من عقول أسرتها وعطلتها؟ إن الخرافة ليست مجرد أفكار ساذجة، بل هي سم يتسرب إلى شرايين المجتمع، فيضعف مناعته، ويعيق تقدمه، فلنتساءل بصدق: هل ما زال فينا أسير لتلك الأفكار التي عفا عليها الزمن؟! هل ما زال بعضنا يؤمن بتأثير التمائم والأحجبة في جلب النفع ودفع الضر؟! إن الله جل جلاله قد أقام الإيمان فينا، فقال سبحانه: {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير}.
ويا أيها الناس، اعلموا أن مواجهة الخرافات ليست مجرد واجب ديني، بل هي ضرورة عقلية وحضارية، إنها دعوة إلى تحرير العقول من أغلال الوهم، وإطلاق طاقات التفكير والإبداع، إنها استثمار في مستقبل مشرق لأجيالنا القادمة، مستقبل يقوم على العلم والمعرفة والإيمان الراسخ.
اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علما
وابسط في بلادنا بساط الأمان والرزق والبركة.