عدنان ناصر الشامي

.

المصدر: يمانيون

إقرأ أيضاً:

قلاع التخلف الحصينة تعيق يقظة الأمة

درب اليقظة في أمة كأمتنا تعتمد الخلاصات للفهم وإن كان خطأ، والاستبسال في الدفاع عن فهمها وان لم يك صحيحا هو درب وعرة تضاريسه، خطرة منحنياته، عميق جرفه، مساره ضيق للاسترخاء في الحوار.

فالناس في عصرنا بالذات يكتفون بالمعرفة دونما تمحيص بما لا يجعلها تصنف ضمن الجاهلين، لكنها على درجة من سوء التعامل مع المعرفة لتصبح أشد خطرا على الحقيقة واليقظة من الجهل والجاهلين، فالجهل يطرده العلم والجاهل يقضي على جهله الشغف للمعرفة. أما هذا الصنف الأكبر من الأمة فهو عبد هواه مسحور بذاته وأنانية نفسه، معايير قيمته غير معايير البناء أو النشاط والإنتاج وما يقدمه، بل معيار نجاحه هو ما يأخذ لتغطية غرائزه وأهله وليس العطاء.

وهذه الأمور تواجه المصلحين بسد طرق النفاذ إلى الناس، فلا يملك المصلح إلا الكلمة، يقولها أو يكتبها، فإن كانت معايير الناس مادية فإن معارضة المصلح من غني أو صاحب نفوذ، أو أحد من هؤلاء يطلق فكرة هدامة سيؤدي إلى تصديقه نفسه لكثرة مؤيديه وتصديقه ومهاجمة الناس لمخالفه، وإن كان هو تافه والمصلح من نوادر فلاسفة أو مفكري عصره. فالباطل يروج عندما تضعه على لسان شخصية صنمية تمثل الوهم وتخاطب الأحلام في التفكير بلا قواعد العلم أو الواقعية، كما أن طغاة موجودين أو غادروا بعد دمار البلاد والعباد يعظمهم الناس لمنصب أو جاه أو قوة أو نفوذ وإن كان تافها، واعتبار ضدهم الباطل عرفا "وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا" (الأحزاب: 67).

الدعاة يأتون بفكر جديد فلا يفهمهم إلا من يفكر

فالحق ودعاته غالبا مسالمون يدعون الناس للتفكير: "قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفا ۖ وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ" (هود: 91). والتفكير متعب فيشتكي البعض من الغموض في الطرح بما يكتب المصلح أو يقول، لهذا نجد قوم المفكر وهم يطلبون ما يوافق أفكارهم وهواهم لكي يؤيدوه مباشرة؛ لا يحبون التفاعل مع هذا المفكر والتعب قليلا في فهم ما يطرح، ويصل الضيق منه عندما يدركون أنه يسفّه ما قدسوه من ضلال ووهم وضياع فيهاجموه بالتهديد والتسفيه ومحاولة الانتقاص منه ليبرروا الضحالة أو الجهل أو الأنانية، وهذا معيق للتنمية واليقظة ولا يوفر بيئة وأرضية للنهضة فيبقى المواطن مهما قدمت الحكومات إن كانت مخلصة لا يتعامل مع الموجودات كأنها ملكه فتُسرق وتخرَّب، وإن كانت فاسدة فسيحاول أن يشبع حاجاته وغرائزه ولا يهتم بالحق والعدل في ضياع القيم.

قلاع التخلف المقدس:

للتخلف قلاع لا تحصى لكن نتطرق هنا إلى بعضها وهي كافية لتخلف الأمة الأبدي:

أولا: الجهاز المعرفي: لأهمية هذا العامل أذكره دائما لأنه يقود التفكير والحكم على الأشياء والتحليل والتدبير، "بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ (الزخرف: 22)، "قَٰلَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَىٰ مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ ءَابَآءَكُمْ ۖ قَالُوٓاْ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُم بِهِۦ كَٰفِرُونَ" (الزخرف: 24)، فمن يناقش الشيخ الفلاني في العصر الأموي أو العباسي أو في عصر الراشدين؟ صناعة القدوة كما فهموها في تقديس رجال الماضي وجعلهم نماذج لا يمكن تخطيئها أو تصويب أحكامها أو حتى الوصول إلى بعض من ميزاتها، فإن جئت بحكم أفضل ينهض بالواقع ويخالف الاجتهادات لذلك العصر مع تغير العصر فاحتاج أن تأتي بالجديد؛ فإنهم فورا سيقولون إنهم كافرون بما قلت، وأنك مبتدع، وهم يقرؤون الآيات ولا يرون أنها تنطبق على سلوكهم المذموم، وأن الله بالقرآن يضع منهجا وليس يقص قصصا توقيفية بل هي نماذج حسنة أو سيئة.

ثانيا: التقديس للأشخاص: الرمز بشر يتأثر بالتعظيم وهو لا يتصور أن المداهن يعظم الأمل في المكسب وليس للشخص نفسه، مع الزمن تصبح طاعة عمياء أو واعية معماة لاقتضاء الحاجة فيُضل بعضهم بعضا، وعندما يتخلون عنهم في الدنيا أو يوم الحساب فهم لا يفكرون بأن يعتذروا أو يعكسوا أفعالهم، وإنما تظهر الأنا وانتقامهم لأنفسهم إما بإفشاء السر أو الشتيمة أو تعريف أعدائهم بما يمكنهم منهم أو طلب الأذى لهم أضعافا: "يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا، وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا، رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنا كَبِيرا (الأحزاب: 66-68).

الأصنام أو المتمكنون في المجتمع وهم ليسوا رموز في الحقيقة لعلم أو فهم، كلما تغلب أحدهم يسفه من قبله أو منافسه وعلى سيرهم ترى المنافقين ينتقلون من جهة إلى أخرى ركضا وراء مصالحهم ويتحدثون وهم مقتنعون بوضعهم الجديد وإن ناقض وضعهم السابق، وعند الفشل أو الأفول يقولون إننا كنا مخدوعين بهذا القائد أو ذاك التافه وهو من يحاسب، وإن حاسبتمونا فعلى الأقل هو يحاسب بضعف الحساب، لكن الاستحقاق واحد وهو حكم الله: "ۖكُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا ۖ حَتَّىٰ إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابا ضِعْفا مِّنَ النَّارِ ۖ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَٰكِن لَّا تَعْلَمُونَ" (الأعراف: 38).

ثالثا: الرأي السائد الشعبي: عندما تطرح فكرا يستشهد لك بأن أتباعه كثر وفهم الناس له كثرة فهل أنت أفهم منهم، علية القوم يتبعونه، هذا شخص مشهور ومتخصص، هذا دارس ويتكلم.. الأكثرية ليست معيارا لا بالحق ولا بالانتصار، هم لا أدلة عندهم على ما يقولون سوى انطباعات ونقل الكلمات وترديد ما يعتبر دلائل وإثبات، فلا تفكر ولا مرجعية ولا استعداد لفهم صحيح: "وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ" (الأنعام: 116). ليس هنالك براهين من العلم على ما يزعمون أنه من الثوابت وإنما يرددون ما تعلمونه ويخمنون بلا أدلة.

رابعا: الحق يتطلب التزاما وتمسكا وتفكيرا ونشاطا وعملا ومسؤولية، وهذا جهد لا يكفي معه أن تحمل العلم كأسفار لا تستفيد منها وأن تواجه غرائزك وحاجاتك وعواطفك في العدل والإنصاف، والباطل لا يلزم بكل ما سبق، بل يخدر الضمير حتى يميته.

هذه بعض مثبطات اليقظة والتنمية وهي تحتاج معالجة في نفوسنا جميعا لأنها تذهل كالسحر فتتبعها وتعمي البصيرة فلا تدركها، وتتجاوز الشطط في الإنسان فتستعبده بالحرية، ولو كل منا شخصها في نفسه وقضى عليها لكانت الأمة بخير.


مقالات مشابهة

  • عبد المحسن سلامة: زيادة البدل وبناء مستشفى وتوفير وحدات سكنية واسترجاع هيبة الصحفي أهم أولوياتي
  • اليمن في مهمة إسقاط هيبة أمريكا
  • عبد المحسن سلامة: «هدفي خدمة الصحفيين وحل مشاكلهم واستعادة هيبة المهنة»
  • حسام هيبة: الهيئة العامة للاستثمار تعزز التعاون مع فرنسا وتستقطب استثمارات جديدة لمستقبل مصر الاقتصادي
  • كسرت الصمت: تدمير ممنهج في غزة بأوامر من الجيش الإسرائيلي
  • شلقم: ليبيا من بين البلدان التي عانت غياب الخبرة السياسية
  • قلاع التخلف الحصينة تعيق يقظة الأمة
  • ميدو عن استبعاد زيزو أمام ستيلينبوش: هيبة الزمالك فوق الجميع
  • المراكز الصيفية في ذمار.. تربية إيمانية وصناعة جيل واعٍ في وجه التحديات