هل فشل مشروع ريفييرا ترامب في غزة؟
تاريخ النشر: 10th, April 2025 GMT
قبل شهرين تقريبا، طرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب خطته لتهجير أكثر من مليوني فلسطيني من غزة إلى دول مجاورة بحجة استحالة العيش فيها بعد الدمار الواسع الذي ألحقته بها إسرائيل، وتحويل المنطقة المحاصرة إلى "ريفييرا الشرق الأوسط"، مثيرا "صدمة" في المنطقة والعالم، وتساؤلات عن قابلية الخطة للتطبيق.
وعلى الرغم من تراجع حالة الصخب التي أثارها إقليميا ودوليا، تستمر ارتدادات المقترح مع استئناف إسرائيل الحرب على القطاع في 18 مارس/أذار بشراسة أكبر وبدعم أميركي صريح، وتحت عنوان كبير، وهو الضغط على حركة حماس لحملها على تقديم تنازلات في ما يتعلق بالإفراج عن الأسرى الإسرائيليين لديها.
وعلى مدى أسابيع، تواترت تصريحات ترامب وعكست ما بدا تصميما منه على إنفاذ خطة "إعادة توطين" فلسطينيي غزة وجعل المنطقة ملكية أميركية طويلة الأجل، وصدرت أحدث التصريحات الثلاثاء حين وصف غزة بأنها "منطقة عقارات مهمة ورائعة"، قائلا إن وجود "قوة سلام" هناك كالولايات المتحدة تسيطر وتمتلك القطاع سيكون أمرا جيدا، وفق تعبيره.
بيد أن الرئيس الأميركي بدا قبل ذلك، في فبراير/شباط ثم في مارس/آذار، وكأنه تراجع خطوة للوراء عن خطته لطرد فلسطينيي غزة دون إمكانية العودة إليها، حين قال إنه لن يفرضها وسيكتفي بالتوصية بها، وإن أحدا لن يطرد من القطاع، بعد أن كان يقول إن الولايات المتحدة ستسيطر على القطاع وسيرحل سكانه إلى مصر والأردن.
إعلان
وربما خلص ترامب إلى هذا الاستنتاج بعد أن عاين رفض مبدأ التهجير الذي عبّرت عنه الدول العربية مجتمعة في قمة القاهرة التي عقدت في 4 مارس/آذار، وشهدت إقرار الخطة المصرية لإعادة قطاع غزة بقيمة 53 مليار دولار، وذلك ضمن موجة من الاستهجان الدولي لهذا المقترح الذي وصفته دول وهيئات دولية بأنه مناف للقوانين الدولية.
وكانت مصر والأردن -المعنيتان مباشرة بفكرة إعادة التوطين- قد رفضتا بشدة مرارا المقترح الأميركي الذي لقي أيضا معارضة كبيرة من قوى غربية أخرى عديدة داخل الاتحاد الأوروبي وخارجه ومن الأمم المتحدة.
ومع أنه لم يصدر حتى الآن تصريح رسمي بالتراجع عن المقترح، إلا أن بعض التقارير الإعلامية تنسب إلى مقربين من الرئيس الأميركي أنه تخلي عن مشروع "ريفييرا الشرق الأوسط" في غزة، ولعلّ موقفه المعدّل الذي عبر عنه في مارس/آذار بعدم طرد أحد من سكان القطاع، كان مدفوعا بأراء من داخل إدارته بعدم واقعية مقترح إعادة التوطين.
وفي المقابل، سارع الإسرائيليون لالتقاط المقترح ورأوا فيه فرصة سانحة للتخلص من "صداع غزة"، خاصة في ظل الدعم المطلق من الإدارة الجمهورية الحالية.
وبالنسبة إلى المحللين، فإن خطة ترامب، محكوم عليها بالفشل، أوهي تواجه -في الحد الأدنى- تحديات كبيرة كي تنجح، على الرغم من أن إسرائيل تحاول من خلال التصعيد الحالي أن تجد سبيلا لتنفيذها عن طريق المجازر، ما أمكنها ذلك.
مقترح صادم
في أوائل فبراير/شباط الماضي، فاجأ الرئيس الأميركي العالم، وحتى كثيرين داخل إدارته، حين طرح خلال لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض نقل سكان غزة إلى مصر والأردن، وذلك تحت دعاوى "إنسانية" مفادها إخراجهم من الجحيم إلى رغد العيش في أمكان أخرى.
وأعاد مقترح دونالد ترامب بتهجير سكان غزة بذريعة إعادة إعمارها و"لتصبح منتجعا ساحليا دوليا تحت السيطرة الأميركية" فكرة سبق أن طرحها صهره جاريد كوشنر قبل عام.
إعلانفقد قال كوشنر عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إنه "نزاع عقاري"، كما أن ترامب -الذي هو في الأصل من أثرياء العقارات- تحدث مرارا عن القطاع باعتباره "فرصة عقارية رائعة" عندما تسيطر عليه الولايات المتحدة.
وقالت صحيفة نيويورك تايمز إن الرئيس عندما عرض خطته بشأن غزة، صدم مسؤولين كبارا في البيت الأبيض والحكومة.
ومارس ترامب ضغوطا كبيرة على مصر والأردن لتقبلا بالمقترح، وبدا "واثقا" من أنهما ستقبلان بفكرة توطين مئات الآلاف من المهجرين من غزة، لكن القاهرة وعمّان لم ترضخا على الرغم من أنهما واجهتا تلويحا تعليق المساعدات الأميركية الحيوية المقدرة بمليارات الدولارات.
عوامل الفشل
ويرى محللون أن خطة ترامب لتهجير غزة والاستيلاء فشلت حتى الآن، أو هي في طريقها لذلك، لأنها في الأساس غير واقعية وغير قابلة للتنفيذ لأسباب من أهمها وجود "جدار صد" عربي، وهو ما عبرت عنه مصر والأردن منفردتين والدول العربية مجتمعة في قمة القاهرة.
فمن دون تعاون الدول العربية، لا يمكن أن تنفذ الخطة، وذلك لأن هذه الدول ترى في تهجير الفلسطينيين إليها تهديدا لأمنها القومي، فضلا عن أن ذلك سيكون تصفية للقضية الفلسطينية.
وهناك عامل أخرى مهم -بحسب المحللين- وهو رفض فلسطينيي غزة للتهجير، وصمودهم على أرضهم، وهو ما عبروا عنه في خيامهم المتهالكة، على الرغم من المجازر التي ترتكب ضدهم وتدمير أجزاء كبيرة من القطاع خلال الحرب.
وفي السياق، يقول الكاتب والمحلل السياسي إياد القرا إن ما يتحدث عنه الرئيس الأميركي بشأن غزة لا يعد مشروعا، ويضيف أنه لا توجد حتى الآن أي خطوات عملية باتجاه تنفيذ الخطة، وأن كل ما يقال عن استضافة بعض الدول للفلسطينيين المهجرين لا يتجاوز الأحاديث المتفرقة.
ويتابع المحلل الفلسطيني -في حديث للجزيرة نت- أنه لا توجد رؤية أميركية واضحة في التعامل مع هذا الملف، وشبّه ما يجري الحديث عنه بإنشاء إدارة جو بايدن السابقة رصيفا عائما في غزة لتقديم المساعدات، ويعتبر أن ما يجري الآن ربما يكون امتدادا لتلك التجربة الفاشلة.
إعلانويقول القرا إن هناك رفضا فلسطينيا وعربيا لهذا المشروع، ويصف الموقف الفلسطيني منه بالحاسم، كما يصف موقف مصر بأنه يستم بصلابة واضحة، إذ اتخذت القاهرة خطوات فعلية لمنع التهجير، منها الإصرار على اغلاق معبر رفح في حال وجود تدخل إسرائيلي فيه، وعدم القبول بفرض حلول تتعارض مع السيادة الفلسطينية.
ويوضح أن الخطة العربية لإعمار غزة أثّرت بشكل ما على حماس واشنطن للمضي في خطوات عملية لتنفيذ مخطط التهجير.
كما يعتبر الكاتب والمحلل السياسي إياد القرا أن الرؤية الأميركية لما يسمى ريفييرا الشرق الأوسط غير منطقية وغير قابلة للتطبيق، وتظهر أن الرئيس الأميركي وإدارته لا يدركان واقع غزة الحقيقي ربما نتيجة التضليل الإسرائيلي، أو بسبب طريقة تفكير ترامب التي لا تزال تجارية.
خروج محدود
ويقول القرا إنه حتى لو حدث خروج للسكان من غزة، فسيكون محدودا لأسباب فردية تتعلق بمصالح شخصية كالسفر أو الدراسة أو العمل أو العلاج، وليس بدافع ترك القطاع، ويشير إلى أن إسرائيل تستغل هذا الوضع لتنفيذ خطوات تهدف للتهجير مثل ما يحدث حاليا في رفح.
من جانبه، يرى مصطفى إبراهيم، المحلل السياسي والكاتب المختص في الشؤون الإسرائيلية، أن المشروع الأميركي بشأن غزة لم يفشل بالكامل ولكنه يواجه تحديا كبيرا.
ويقول إبراهيم -في حديث للجزيرة نت- إنه لا يمكن الجزم بفشل المشروع لأن هناك محاولات اسرائيلية مستمرة لتحقيق الهدف منه، ولكن في المقابل هناك أيضا إصرار فلسطيني على الصمود ومواجهة هذا المخطط الذي يروج له الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
ويضيف أنه لعدم السماح بتمرير الخطة، يجب أن يكون موقف فلسطيني موحد، وموقف عربي أقوى، خاصة من خلال الضغط على الولايات المتحدة.
ويشير المحلل الفلسطيني إلى أنه على الرغم من أن الموقف من خطة التهجير يعتبر إيجابيا حتى الآن، إلا أن هناك بعض التخوف من أن بعض الدول العربية قد تتساهل بهذا الشأن ولا تتخذ مواقف أكثر صلابة.
إعلانوفي حديث سابق للجزيرة، قال حسن خريشة نائب رئيس المجلس التشريعي إن الشعب الفلسطيني بعث بعد وقف إطلاق النار (الذي خرقته إسرائيل) رسالة واضحة بأنه باقٍ في أرضه، مشيرا إلى أن الفلسطينيين سيفشلون هذه الخطة بدعم من الدول العربية.
وفي غضون ذلك، جددت مصر الأربعاء رفضها لمخططات تهجير الفلسطينيين من أرضهم سواء بشكل دائم أو مؤقت.
يأتي ذلك بينما أعلنت الأمم المتحدة أن 400 ألف فلسطيني نزحوا داخل قطاع غزة منذ استئناف الهجمات الإسرائيلية في 18 مارس/آذار.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الرئیس الأمیرکی الدول العربیة على الرغم من مصر والأردن مارس آذار حتى الآن
إقرأ أيضاً:
عوائد السندات.. القلق الاقتصادي الذي أربك حسابات ترامب
منذ بداية شهر أبريل/نيسان الحالي دخلت أسواق المال في عاصفة من التقلبات الحادة نتيجة قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض تعريفات جمركية جديدة قد تُشعل فتيل أزمة اقتصادية تتجاوز حدود الولايات المتحدة.
تلك القرارات ليست مجرد تحركات تجارية عابرة، بل ستحدث خللا كبيرا في منظومة التجارة العالمية، وتقلِب التحالفات الاقتصادية والسياسية رأسًا على عقب.
وما نشهده اليوم هو بداية سباق محموم بين دول العالم لحماية نفسها من تبعات هذه القرارات وبداياتُ تكوين نظام عالمي جديد لما تتضح معالمه.
وفي هذا السياق، كان لسوق السندات الكلمة الأوضح والأقوى. فاستجابة الأسواق كانت عنيفة، وارتفاع العوائد لم يكن مجرد رد فعل تقني، بل كان بمثابة صرخة تحذير تهز أركان الاقتصاد العالمي، وهي التي أجبرت الرئيس الأميركي على تعليق التعريفات الجمركية بشكل مؤقت.
وبدلًا من أن تكون السندات أداة أمان في فترات الاضطراب، أصبحت اليوم واحدة من أكبر القضايا التي تُحتّم على الجميع إعادة النظر في إستراتيجياتهم المالية.
في هذا المقال، سنتناول بشكل مبسط الدور الحيوي الذي تلعبه أسواق السندات في الاقتصاد العالمي ولماذا باتت التحركات الأخيرة فيها تُنذر بعواقب اقتصادية قد تكون غير مسبوقة.
إعلانسنكشف أيضًا عن العلاقة الوطيدة بين تحركات السوق والضغوط الاقتصادية التي بدأت تلاحق الاقتصاد الأميركي، لتجعلنا نتساءل: هل نحن على أبواب أزمة أكبر مما نتوقع؟
تعد سوق السندات أكبر أسواق الأوراق المالية في العالم، حيث يُقدّر حجمها بنحو 130 تريليون دولار، ما يجعلها تتفوق على سوق الأسهم من حيث الحجم والأهمية في تمويل الحكومات والشركات على حد سواء.
تعد سوق السندات أكبر أسواق الأوراق المالية في العالم، حيث يُقدّر حجمها بنحو 130 تريليون دولار، ما يجعلها تتفوق على سوق الأسهم من حيث الحجم والأهمية في تمويل الحكومات والشركات على حد سواء.
ما السند؟السند هو أداة مالية تصدرها الدولة للاقتراض من الأفراد أو المؤسسات، مقابل دفع فائدة سنوية، مع التعهد برد المبلغ الأصلي بعد فترة محددة (مثل سنتين، 10 سنوات، 20 سنة…).
لماذا تصدر الدول السندات؟تلجأ الحكومات لإصدار السندات للحصول على تمويل فوري، خاصة إذا كانت تعاني من عجز في الميزانية، وتحتاج إلى تغطية نفقات أو تمويل مشروعات دون وجود موارد كافية.
ما العائد على السندات؟العائد على السندات هو الفائدة التي تدفعها الدولة للمستثمرين مقابل اقتراض أموالهم من خلال شراء هذه السندات ويُحتسب كنسبة مئوية من قيمة السند، ويُعد مؤشرًا مهمًا على الثقة في الوضع الاقتصادي للدولة.
الدول ذات الاقتصاد القوي والمستقر تدفع عوائد منخفضة، لأنها أقل عرضة للتخلف عن السداد، مما يجعل سنداتها أكثر أمانًا والعكس صحيح.
التصنيف الائتمانيكلما كان التصنيف الائتماني أعلى، انخفضت المخاطر وبالتالي قلّ العائد المطلوب لجذب المستثمرين.
الطلب على السنداتعندما يزداد الطلب على السندات، ينخفض العائد والعكس صحيح فالعائد يتحرك بعكس السعر.
العلاقة العكسية بين السندات وأسعار الفائدةعند ارتفاع أسعار الفائدة، تنخفض أسعار السندات القديمة لأن العوائد الجديدة تصبح أكثر جاذبية. والعكس صحيح، عندما تنخفض أسعار الفائدة، ترتفع أسعار السندات القديمة.
تأثير قرارات البنك المركزيقرارات البنك المركزي، مثل رفع أو خفض أسعار الفائدة، تؤثر بشكل مباشر على أسعار السندات.
التضخم تأثير التضخم على العوائد: مع ارتفاع التضخم المتوقع، يطالب المستثمرون بعوائد أعلى على السندات لتعويض فقدان القيمة المستقبلية للأموال. الآثار السلبية للتضخم: التضخم المرتفع يقلل من قيمة العوائد الفعلية على السندات، مما يجعلها أقل جاذبية. إعلان السياسات الحكومية التدخلات الحكومية: الحكومات قد تتدخل في أسواق السندات من خلال شراء السندات، مما يزيد من الطلب ويخفض العوائد. التعديلات في السياسات الضريبية: التغيرات في السياسات الضريبية تؤثر على جاذبية السندات للمستثمرين. العوامل الاقتصادية العامة النمو الاقتصادي: في فترات النمو الاقتصادي، يقل الطلب على السندات ذات العوائد المرتفعة، حيث يفضل المستثمرون الأسهم أو غيرها من أوجه الاستثمار. معدلات البطالة والنمو: في فترات الركود أو ارتفاع البطالة، يزداد الإقبال على السندات كاستثمار آمن. العوامل الجيوسياسية الأزمات السياسية والحروب: تزيد الأزمات السياسية من المخاطر، مما يوجه المستثمرين بعيدًا عن السندات إلى أصول أكثر أمانًا مثل الذهب. الاستقرار السياسي: الدول ذات الاستقرار السياسي تجذب استثمارات أكثر في السندات. العوامل النقديةزيادة عرض النقود: زيادة عرض النقود في الاقتصاد قد تؤدي إلى التضخم وبالتالي زيادة العوائد على السندات.
العوامل العالمية أسواق السندات الدولية: أسواق السندات العالمية مترابطة، ما يجعل الأزمات الاقتصادية في مناطق معينة تؤثر على الطلب على السندات في دول أخرى. تغيرات أسعار العملات: تؤثر التغيرات في أسعار العملات على عوائد السندات الأجنبية بالنسبة للمستثمرين الأجانب. العوامل النفسية وتوقعات السوق التوقعات المستقبلية: التوقعات بشأن السياسة النقدية والتضخم تؤثر في سلوك المستثمرين المشاعر العامة: تحركات السوق قد تكون مدفوعة بالعواطف مثل الخوف والطمع، مما يؤثر على قرارات المستثمرين. لماذا يُعدّ ارتفاع عوائد السندات جرس إنذار اقتصادي؟
ارتفاع عوائد السندات ليس مجرد رقم عابر على شاشات الأسواق المالية، بل هو إشارة عميقة تُنذر بتحوّلات أوسع في المشهد الاقتصادي العالمي.
في كل مرة تبدأ فيها هذه العوائد بالصعود، تتغير قواعد اللعبة في التمويل، والاستثمار، وحتى في السياسة النقدية.
فما الذي يحدث حين ترتفع العوائد؟ ولماذا تُقلق المستثمرين وصناع القرار على حدٍ سواء؟
إعلان1- كلفة الاقتراض ترتفع… والنمو يهدأ
حين ترتفع عوائد السندات، تصعد تكاليف الاقتراض بالنسبة للشركات والحكومات أيضا فالشركات تجد نفسها أمام تمويل أغلى، والمستهلكون يُراجعون قرارات الشراء، والنتيجة؟ إنفاق أقل، استثمار أبطأ، وضغط مباشر على محركات النمو الاقتصادي.
2- الأسهم في مرمى التقلبات
السندات ذات العائد المرتفع تُغري المستثمرين الباحثين عن استقرار، مما يدفع البعض إلى الخروج من سوق الأسهم وهذا التحوّل في السيولة يُؤدي عادة إلى تراجع أسعار الأسهم وزيادة تقلباتها، خاصة في الأسواق الناشئة والقطاعات عالية المخاطرة.
3- زيادة تكلفة الدين العام
ارتفاع عوائد السندات الحكومية يعني زيادة في تكلفة خدمة الديون، حيث يزداد العبء على الموازنة العامة من خلال تخصيص المزيد من الأموال لدفع فوائد الديون.
وهذا يزيد من الضغط على الميزانية، مما يقلل من الأموال المتاحة للإنفاق على القطاعات الحيوية مثل التعليم، الصحة، والبنية التحتية.
وإذا كانت الحكومة مثقلة بالديون، فإن ارتفاع العوائد قد يجعل من الصعب عليها اقتراض المزيد من الأموال في المستقبل، مما يحد من قدرتها على تنفيذ سياسات اقتصادية مرنة أو الاستجابة السريعة للأزمات.
4- التضخم.. السبب والنتيجة
ارتفاع العوائد قد يعكس مخاوف متزايدة من التضخم، لكنه في الوقت نفسه يُسهم في تغذية هذه المخاوف. فكلما زادت التوقعات التضخّميَّة، طالب المستثمرون بعوائد أعلى وفي المقابل، تلجأ البنوك المركزية إلى تشديد السياسة النقدية عبر رفع أسعار الفائدة، ما يضيف ضغوطًا جديدة على الاقتصاد.
5- صعود العملة المحلية
زيادة العوائد تجذب رؤوس الأموال الأجنبية لشراء السندات، مما يعزز الطلب على العملة المحلية ويدفعها للارتفاع، ورغم أن هذا مفيد على صعيد السيطرة على التضخم، فإنه قد يُضعف القدرة التنافسية للصادرات ويؤثر على الميزان التجاري.
6- التأثير على الاستقرار المالي
الزيادة المفاجئة في عوائد السندات قد تؤدي إلى تقلبات كبيرة في الأسواق المالية مما يزعزع الثقة بين المستثمرين.
إعلانوتقلبات السوق قد تؤدي إلى زيادة حالة من عدم اليقين الاقتصادي ما يجعل المستثمرين أكثر ترددًا في اتخاذ قرارات الاستثمار.
إذا كانت الحكومة مثقلة بالديون، فإن ارتفاع العوائد قد يجعل من الصعب عليها اقتراض المزيد من الأموال في المستقبل
7- العبء على الميزانية العامة
ارتفاع العوائد يعزز العبء المالي على الحكومة، حيث يجب عليها تخصيص المزيد من الموارد لتغطية التزامات الديون، مما يعوق قدرتها على تخصيص الأموال لخدمات أساسية أو تنفيذ إستراتيجيات نمو اقتصادي.
ليس كل ارتفاع في عوائد السندات يمثل خطرًا اقتصاديًا مباشرًا، ولكن السرعة والشدة في هذا الارتفاع قد تكون ناقوس خطر يجب التنبه له.
فإذا ارتفعت العوائد بشكل مفاجئ وحادّ خلال فترة قصيرة، فقد يعكس ذلك تخوف المستثمرين من التضخم أو ضعف الاستقرار المالي، مما يخلق تأثيرات متسلسلة على الاقتصاد، منها:
ارتفاع تكاليف الاقتراض للحكومات والشركات وحتى الأفراد. تباطؤ النمو الاقتصادي نتيجة تراجع الاستثمارات والاستهلاك. زيادة تقلبات الأسواق المالية وتراجع ثقة المستثمرين، وإذا استمر هذا الارتفاع لفترة طويلة، فالأثر يكون أعمق. تآكل القدرة الشرائية بفعل ارتفاع الفوائد والتضخم. ضغط على الميزانية العامة بسبب ارتفاع كلفة خدمة الدين الحكومي. ضعف قدرة الحكومات على تمويل مشاريع حيوية أو تقديم حوافز اقتصادية أو حتى فشل في سداد الدولة لالتزاماتها المالية.وإذا جاء هذا الارتفاع في بيئة اقتصادية هشة مثل ارتفاع البطالة أو تباطؤ النمو فإن الخطر يتضاعف، وقد يؤدي إلى أزمة اقتصادية أوسع نطاقًا.
وارتفاع عوائد السندات ليس مجرد تحرك مالي تقني، بل هو في كثير من الأحيان انعكاس لتحولات أعمق في المزاج الاقتصادي العالمي. فعندما ترتفع العوائد، فهي لا تشير فقط إلى تغيّر في أسعار السوق، بل تعكس توقعات المستثمرين تجاه التضخم، والاستقرار المالي، والسياسات النقدية المستقبلية.
ولهذا، ينبغي مراقبة هذا المؤشر بعناية كأداة استباقيّة تقيس نبض الاقتصاد وتكشف عن ملامح التباطؤ أو التوتر قبل أن تظهر في المؤشرات الأخرى.
إعلانوفي المحصلة، تؤدي هذه التغيرات مجتمعة إلى تضييق الخناق على وتيرة التوسع الاقتصادي، مما يجعل النمو في مهب الريح.
استمر الدين العام الأميركي في الزيادة المستمرة ليصل إلى 36.2 تريليون دولار بنهاية فبراير/شباط 2025
تحديات أكبر في السوق الأميركيةوبينما تُمثل هذه العوامل أساسيات سوق السندات، فإن ارتفاع العوائد في السوق الأميركية يشير بشكل مباشر إلى تحديات أكبر، أبرزها الدين العام الأمير كي المتزايد، والذي يُجبر الحكومة على دفع المزيد في صورة فوائد على هذه السندات، مما يَزيد من الضغوط الاقتصادية.
تأثير الأحداث الاقتصادية الأخيرة على الأسواق الأميركيةبعد إعلان الرئيس الأميركي عن فرض التعريفات الجمركية وإعلانه "يوم التحرير"، شهدت الأسواق المالية تصحيحًا حادًا ترافق مع حالة من الخوف والهلع وعدم اليقين بين المستثمرين.
هذا التوتر العام دفع العديد من المستثمرين إلى التخلص من الأصول المالية، بما في ذلك السندات، التي تُعد عادة ملاذًا آمنًا في فترات الاضطرابات الاقتصادية.
ورغم أن السندات تُعتبر في العادة أداة آمنة للمستثمرين في أوقات الأزمات، فإن البيع الكثيف لها خلال هذه الفترة عكس فقدان الثقة في الاقتصاد الأميركي.
هذا التراجع في الثقة امتد ليشمل تدهور قيمة الدولار الأميركي. وبناء على ذلك، شهدت السندات ارتفاعًا حادًا في العوائد، وهو ما يُعتبر بمثابة مؤشر واضح على القلق وعدم اليقين الذي يسيطر على الأسواق.
والأمر الأكثر وضوحًا في هذا السياق هو العلاقة المباشرة بين ارتفاع عوائد السندات وزيادة الديون السيادية الأميركية، فكلما ارتفع حجم الدين العام الأميركي، زادت الحاجة إلى إصدار سندات جديدة بعوائد أعلى لجذب المستثمرين، وهذا الوضع يضع الاقتصاد الأميركي تحت ضغط متزايد، ويعكس بشكل ملموس التحديات الكبيرة التي تواجهها الحكومة في سعيها للحفاظ على استقرار المالية العامة.
الدين العام الأميركي وارتفاع عوائد السندات.. تحديات متزايدةيشكل الدين العام الأميركي أحد أكبر التحديات الاقتصادية التي تواجه الولايات المتحدة في الوقت الراهن. فمنذ بداية عام 2025، استمر الدين العام في الزيادة المستمرة ليصل إلى 36.2 تريليون دولار بنهاية فبراير/شباط من نفس العام، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 3% مقارنة بعام 2024، وبزيادة 31% عن عام 2019. وتعد هذه الزيادة غير مسبوقة في التاريخ الاقتصادي للولايات المتحدة.
إعلانوتجاوزت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي 100% لأول مرة في الربع الرابع من عام 2012.
وظلت النسبة مستقرة نسبيًا حتى الربع الثاني من عام 2020، حيث انخفضت في حين زاد الإنفاق ووصلت النسبة إلى 133% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية الربع الثاني من عام 2020.
وبحلول الربع الرابع من عام 2024 وصلت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 123%، مما يشير إلى استمرار الضغوط المالية على الحكومة الأميركية.
ارتفاع تكلفة خدمة الدين العامتشير التقديرات إلى أن مدفوعات الفائدة على الدين العام قد تتجاوز تريليون دولار سنويًا، وقد سجلت هذه المدفوعات زيادة بـ240 مليار دولار في السنة المالية الأخيرة وحدها، ما يمثل عبئًا هائلًا على الميزانية الفدرالية.
الاقتصاد الأميركي في مواجهة العاصفةفي الوقت الذي تراقب فيه الأسواق عن كثب تحركات السندات الأميركية، يبرز سؤال مقلق: هل ارتفاع عوائد هذه السندات ينذر بخطر اقتصادي حقيقي؟
الجواب، ببساطة، نعم، إذا استمرت العوائد في التصاعد، فإن الاقتصاد الأميركي قد يواجه ضغوطًا متزايدة على عدة جبهات.
فعندما ترتفع عوائد السندات، تصبح القروض أكثر تكلفة، ليس فقط على الحكومة، بل أيضًا على الشركات والمستهلكين.
وهذه الزيادة تؤثر مباشرة على قدرة الحكومة على تمويل ديونها، خاصة في ظل دين عام بلغ 36 تريليون دولار وكل ارتفاع بسيط في العوائد يعني مليارات إضافية تُدفع فوائد، مما يضيّق الخناق على الميزانية الفدرالية ويقلل من الإنفاق على قطاعات حيوية مثل الصحة والتعليم.
والأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فالمستثمرون عادة ما يفضلون السندات ذات العوائد المرتفعة، مما يدفعهم للانسحاب من سوق الأسهم.
وهذا التحول يُضعف أداء الأسواق المالية ويزيد من التقلبات، خاصة في القطاعات الأكثر حساسية للمخاطر. والأسوأ من ذلك، أن هذه الارتفاعات تُفسَّر غالبًا على أنها مؤشر لتوقعات تضخمية مستقبلية، ما يدفع البنك المركزي للتفكير برفع أسعار الفائدة مجددًا، مما يُعمّق من الضغوط الاقتصادية.
إعلانومع ارتفاع تكلفة الاقتراض وتراجع الاستثمارات وتقلص الإنفاق الاستهلاكي، يبدأ النمو الاقتصادي بالتباطؤ، لتدخل الدولة في دوامة يصعب الخروج منها دون تدخلات حاسمة.
لهذا تتابع الحكومة الأميركية والمؤسسات المالية هذه العوائد عن كثب، فاستمرار ارتفاعها لا يعني فقط أرقامًا أكبر في تقارير العجز والفائدة، بل يحمل في طيّاته احتمالات التباطؤ، والركود، وحتى زعزعة الثقة في أكبر اقتصادات العالم.
وبينما تعكس ارتفاعات عوائد السندات في أميركا إشارات تحذيرية، يظل السؤال الأهم: هل هي مجرد حركة عابرة أم بداية لمشكلة اقتصادية أكثر تعقيدًا؟
تعتبر سوق السندات عادة بمثابة إنذار مبكر للأزمات الاقتصادية، حيث تعكس تحركاته توقعات السوق حول التضخم، أسعار الفائدة، واستقرار الحكومة.
وعندما تتحرك الأسواق بهذا الشكل، فإنها تشير غالبًا إلى تصحيح وشيك أو ربما إلى أزمة اقتصادية قد تلوح في الأفق.
لكن ما نراه اليوم ليس مجرد تحرك عرضي. فالتقلبات التي نشهدها في أسواق السندات الأميركية قد تكون بداية لتحولات كبيرة في النظام المالي العالمي.
وإذا استمرت هذه الاتجاهات في التصاعد، فإننا قد نكون على مشارف أزمة اقتصادية ذات تداعيات واسعة النطاق.
وبينما ترتفع العوائد كإنذار صامت، يظل السؤال الأكثر إلحاحًا: هل نحن أمام تصحيح اقتصادي حتمي، أم أن هذه بداية لأزمة اقتصادية أكبر وأوسع نطاقًا؟.