جريدة الرؤية العمانية:
2025-04-14@22:51:57 GMT

الوطن وعي

تاريخ النشر: 9th, April 2025 GMT

الوطن وعي

 

فاطمة الحارثية

اعتدتُ منذ صغري مُراقبة وقراءة الأوضاع من حولي، قبل أن أُقرِّر البت في أي حوار، ودائمًا ما قادني ذلك إلى القياس، وإيثار الصمت والتصرف بهدوءٍ، دون هدرٍ لطاقة الكلمة، وفي حال قررتُ الكلام ومشاركة أية حديث أو حوار، أنطقُ بالقليل العميق، وما زلت على هذا النهج، وزاد عليه التغافل لحفظ الود وتوازن الأمور، ودرء تقلبات الزمن.

قال لي بعض المقربين إنَّ الكلمات تصنع الأعداء، لكني لم أُعر هذا القول أهميةً، لحرصي الدائم على انتقاء المفردات أثناء السرد والحديث. وأصدقكم القول، لم يخطئوا إلّا في مسألة الكلمات؛ فالعداوة لم تنبثق من الكلمة؛ بل من فهمهم ومحدودية الوعي. ومع هذا لا أعتقد في هذا القول، والأعداء الذين صنعتهم بكلماتي وقلمي، ستجدون أنهم لا يستحقون أي جهد، لجهلهم الكامن وضعفهم العقلي وصفاتهم اللاإنسانية، فكلمة الحق أعادت حقوقًا وصنعت حروبًا، وخاضها الجاهلون والمجاهدون، ولسنا في زمن تغيير أو نستطيع أن نغير فيه فطرة البشر وطبائعهم المتماثلة عبر العصور، رغم التقدم العلمي والاجتماعي وسهولة نهل العلوم، وتعدد وسائل التعليم والتواصل في حصرنا الحالي.

كل يوم من لحظة استيقاظي وأنا في تأملٍ مُستمرٍ عن وفي كل شيء، مثل بعضكم أصنع تصورات وحلول وخطط، لا أكون متشبثة في أغلبها، أتبع الأسباب لأعطي الآخر مساحة ليصنع الفارق، تعلمت ألا أكون مباشرة، فلست هنا لأغير العالم، بل لأتمم رسالتي على الأرض، ورسالتي الخاصة على هذا الوطن الذي اختاره الله لي، الهوية والجنسية أوراق رسمية، رغم أهميتهما، يبقى الانتماء كامناً في قبول قضاء الله وما اختاره لنا، والإخلاص التام له بلا قيد أو شروط أو تذمر، وهذا ما يُؤرق بعض ضعاف النفوس، أولئك الذين يرون الجنسية مصالح يقضون منها مطامعهم ومآربهم، وامتيازات مستحقة.

أنا أنتمي لعُمان، أرضها وبحرها وسمائها وهوائها وأهلها، ولا أقبل الجعجعة التي صنعها صغار العقول عن قرارات حكيمة وعادلة، تحفظ حقوق عبق وطيب عُمان، فمن أساء لعُمان لم يقدر النعمة التي منَّ الله عليه بها، وأساء لأهلها أيضًا، والمساس بالحكومة هو مساس بالشعب أجمع، فكل فرد في الحكومة هو عُماني من هذه الأرض الطيبة، قبل أن يتحمل التكليف وأثناء التكليف وبعده، ونشر الهجاء القاسي والكذب، وحتى الحياة الطبيعة التي قاموا بتحريف حقائقها من أجل التشهير والشهرة، لا نقبلها، وهو يُعد انتهاكًا لحقوق شعب آمن يُريد الاحترام حيث تطأ قدمه، والعيش بكرامة وسلام ورخاء على أرض يعتز بها، ويلهج لسانه بشكر الله على هذه النعمة.

البعض لا يُدرك أنَّ من بيده القلم لا يكتب على نفسه الشقاء، فكيف بالتشويه والنبذ والضرر، يتبين لنا سوء استخدام البعض لنعم العصر، مثل الذكاء الاصطناعي الذي به يتلاعب بالعقول البريئة، ويُساء استخدامه لهضم الحقوق، في جهل دون أن يُدرك عواقب فعله وبُعد الأثر ومداه، أصبحت الحاجة إلى التدبر وقراءة الأمور، والمواضيع من كافة الجوانب ما استطاع الإنسان، أساسًا مهمًا لنستمر في الاستثمار الإيجابي، لمواردنا ولتكنولوجيا، فخيرها قد ينقلب شرًا بسبب ضعاف النفوس، وشح القيم والمبادئ وسوء التقدير والقياس، والانجراف خلف الأوهام بعيدًا عن الواقع الحقيقي لمنظومة الحياة وقوانين العيش المشترك والمصير، ولهذا بات من الضروري جدًا مواكبة المتغيرات بقوانين صارمة وواضحة، طالما كانت من صُنع البشر، على البشر التحديث المستمر، ليبقى التوازن وننعم ببعض السكينة.

الوطن كالأسرة، على هذه الأرض الواسعة، احتضانها واجب، وتقويم الاعوجاج أمانة لابُد أن تؤدَّى، أما الأبناء الضالُّون المنغمسون في الملذات، فلا يجب أن يؤثروا سلبًا على الأبناء الأوفياء المجتهدين المخلصين، وعلى أولياء الأمور أن يعلّموا أبناءهم عواقب فعلهم، مقابل العواقب التي قد يتحملها شعب كامل قد يُقذف بالفساد لتمتد يد الغرباء في نعمه، وانتهاك سلامته بحجة الإصلاح، وإفساد مصالح عامة، وتعطيل معاملات واستثمارات بسبب وسم أطلقه جاهل مِنَّا، أجبرنا سلوكه أن نتبرأ منه، لنُنقذ ما يُمكن، نحن لا نحتاج إلى غرباء لإصلاح ما بيننا، ولا تنقصنا سبل التربية ولا الوعي في إدراك واستدراك السلوك الذي يحتاج إلى تقويم.

نحن وطن ننهض ببعضنا البعض، ويجب ألا نقبل بغير ذلك، ولا نسمح لعملاء الفتنة والخيانة، أن يؤثروا على أمن وسلام بلادنا الغالية، اجتماعيًا واقتصاديًا وفكريًا.. إننا ننبذ كل دعوة هدَّامة وإن كان ظاهرها سلميًا، فبكل تأكيد ثمّة أجندة مُبطَّنة من أعداء عُمان والطامعين في خيراتها الطيبة.

وإن طال...

عُمان الطِيب والريحان واللبان، من الشمال إلى الجنوب، نحن عُمان الأمس واليوم والغد، راضون ومدركون للجهد الذي يُبذل لكِ لتبقي شامخة عريقة يعمُّكِ السلام والرخاء، وكلنا معكِ وفيك؛ فالحمد لله أن جعلكِ جنتنا على هذه الأرض.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

هنا غزة.. هنا فلسطين

غزة وفلسطين تقاسمتا الجوع والخوف في وجه الطغيان.

مردت غزة كما فلسطين كلها على الدماء ومقارعة الغزاة. يتضوَّع المسك في أنحائها وأنوائها، والمجد يسمو فوق جراحها، والنصر يزهو مسطرا فوق عتبات تاريخها، فهي أتقنت لعبة الألم ودحر الغزاة.

يشي ثراها بأهازيج الحصاد معطّرة بالندى، ومواويل الأعراس مخضَّبة بالحنّاء، وزيت في زيتونها يكاد يضيء، وتراب معجون بكثير من أمانينا وأحلامنا وآلامنا، وقصص عشق ضجت في شغاف قلوبنا وهامت في ثنايا ضلوعنا.

كيف يأمل الغزاة يوما أن نفارق هذا الوطن، أو حلم العودة إلى حضنه، فنتوسد أشجاره أو نفترش بساتينه، وتصدح أغانينا في سمائه، ونغوص في بحره مرات كثيرة ونغتسل بأرجوانه كل مرة كأنها المرة الأولى.

هذا منطق لا يدركه التجار والغزاة، لن يلامس أبدا خوالجهم وأفكارهم، كيف يكون الوطن شركة أو عقار أو سهما في سوق المال؟ ألم يدع هرتزل إلى إنشاء شركة لتوطين أبناء دينه في فلسطين؟!

إنه الوحش الرأسمالي الغربي في أبشع تجلّياته، هذا ما انتهى إليه فلاسفتهم وقساوستهم، وهذا ما صوّرته لهم أطماعهم ورغباتهم وعنفوان غطرستهم، ثم احتفى به كهنة يهوذا. 

لن يروا يوما ما نراه، فهم يلهثون دوما خلف العجل الذهبي ليعبدوه، ذلك الذي يأخذ شكلا جديدا في كل عصر، فهو يتقن التناسخ جيدا.

سنبقى كما نحن نحب الوطن، وهذا الزمان سجال بيننا حتى ننتصر ويندحر الغزاة.

مقالات مشابهة

  • هنا غزة.. هنا فلسطين
  • عميد كلية بيت لحم: ما يحدث في غزة إبادة.. وصمت العالم خيانة للإنسانية
  • العرموطي يكشف تفاصيل تمرير المادة 4 من قانون المرأة والمخالفات التي حصلت
  • علي جمعة يكشف عن اسم الله الأعظم الذي إذا دعى به أجاب
  • (لقد اجتمع بيض المليشيا الفاسد في سلة واحدة)
  • خواطر عن عيد العمال
  • امن الوطن خط احمر
  • بقرادونيان في الذكرى الـ50 للحرب الأهلية: على أمل أن لا ينزف الوطن مجدّدًا
  • من هو عبد الله البلوشي الذي شكره محمد بن راشد على حسن وداعه لمسافرة
  • حج النافلة أم الصدقة.. أمين الفتوى: العبادة التي يصل نفعها للغير أولى