المقاومة العمياء التي أخذت غزة إلى الجحيم
تاريخ النشر: 9th, April 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
في السابع من أكتوبر، خرجت حماس من خلف ضباب الخطاب المتكلّف، لتفتح على غزة أبواب الجحيم، لم تكن العملية سوى مقامرة مسلّحة بلا بوصلة، ولا ملامح مشروع.
رفعت حماس راية "المقاومة"، لكنها – في الجوهر – لم تكن إلا فعلًا انفعاليًا منزوع التخطيط، استدرجت به الاحتلال الإسرائيلي إلى تدمير منهجي للقطاع، دون أن تملك خطة خروج، ولا حتى خريطة سياسية تدير بها مآلات ما بعد الضربة.
ما فعلته حماس في ذلك اليوم لم يكن إلا تتويجًا لمنهج متراكم من التفرّد، وإقصاء الآخر، واحتكار القرار الفلسطيني، منذ انقلابها الدموي في عام 2007، حين انتزعت السلطة من يد السلطة الوطنية الفلسطينية بقوة السلاح، اختارت أن تدير غزة كمنطقة مغلقة تحت سلطتها، لا تحت مظلة مشروع وطني جامع، ولعبت حماس لعبة الإقصاء مع من يخالفها، وألغت من يختلف معها، واستفردت بمصير مليوني فلسطيني، دون رقابة، دون محاسبة، ودون أي حسّ بمسؤولية الشراكة.
لم تنجح حماس في السياسة، وفي ظني أنها لم تنجح أيضا في الميدان، عسكريًا، أساءت استخدام "المفاجأة" في الأيام الأولى، حين أطلقت موجة الهجوم بعيدًا عن مجمل المكونات الوطنية، ثم تركت المعركة مفتوحة على مصراعيها، دون تنسيق مع أي فصيل، ودون حساب لحجم الرد الإسرائيلي الذي جاء أعنف مما توقعه أي تقدير، انتهى الأمر بسقوط عشرات الآلاف من الشهداء والمصابين، وتشريد مئات الآلاف، فيما ظل قادة الحركة يتحدثون من الخارج عن "نصر استراتيجي" لا يراه أحد سوى على شاشاتهم.
هذا الفشل العسكري لم يكن معزولًا عن سياق أوسع من الانتماءات المتضاربة التي تتحكم في قرار حماس، فالحركة لم تكن يومًا ذات ولاء فلسطيني خالص، نشأتها كانت تحت عباءة جماعة الإخوان المسلمين، ومنها استمدّت أيديولوجيتها، ورؤيتها العابرة للحدود. ثم ما لبثت أن نسجت تحالفات مع قوى إقليمية – وعلى رأسها إيران – التي دعمتها بالسلاح والمال، ولكن بثمن سياسي باهظ، جعل قرارها أسيرًا لأجندات لا تُبنى في غزة، بل في طهران، وفي غرف عمليات لا تعرف حدود فلسطين ولا طبيعة شعبها.
هذا الانتماء المتشظي أضعف استقلالية الحركة، وانحرف ببوصلتها من مشروع وطني إلى مشروع وظيفي، يخدم مصالح خارجية، ويزايد باسم القضية على حساب معاناة الفلسطينيين، حتى الإعلام لم يسلم من هذا التفرّد، إذ تسعى حماس باستمرار إلى احتكار صورة المقاومة، وتنسب لنفسها كل عمل عسكري، حتى وإن كانت فصائل أخرى صاحبة المبادرة، ولطالما استثمرت في الصورة الدعائية، أكثر من استثمارها في بناء استراتيجية حقيقية قادرة على الإنجاز لا الاستعراض.
وما يُفاقم المشهد أن قيادة الحركة تعيش في الخارج، متنقلة بين العواصم، تستقر في فنادق خمسة نجوم، بينما شعبها يحترق تحت القصف.. حياة الرفاهية التي يعيشها هؤلاء لا علاقة لها بالحرمان الذي يعانيه أهل غزة، لا كهرباء، لا دواء، لا غذاء، ولا أفق. كل ما تملكه حماس لشعبها هو خطاب استهلاكي عن "الثبات"، و"الرباط"، و"الاصطفاف خلف المقاومة"، بينما قياداتها تصدر الأوامر من عواصم بعيدة، ثم تعود لتخطب في الجنازات لمن بقي حيًا.
الرعونة السياسية كانت حاضرة دائمًا، فكل خطوة خطيرة اتخذتها حماس، كانت بمعزل عن باقي الفصائل، دون أي دراسة للعواقب. قرار الحرب لم يكن قرار إجماع وطني، بل قرار فصيل واحد يظن أنه وحده يملك حق القتال والتفاوض، وحق مصادرة دماء الناس تحت لافتة "المصلحة العليا". وهكذا، تحوّلت "المقاومة" من فعل يرتبط بالشرف إلى فعل سلطوي، يُستخدم لتكريس الحكم، لا لتحرير الأرض.
وفي ظل هذا الانسداد، كانت مصر، كالعادة، تمارس دورها العروبي الثابت، بخطاب عقلاني لا يتأثر بالاستفزازات، وذلك لسبب بسيط هو أن مصر لم تنظر يومًا إلى القضية الفلسطينية من زاوية الفصائل، بل من زاوية الشعب، دعمت الحق الفلسطيني عبر التاريخ، منذ 1948، وقدّمت آلاف الشهداء، وأبقت ملف فلسطين على رأس أولوياتها رغم تبدّل الأنظمة والضغوط الدولية.
اليوم، مصر تميّز بين الموقف من ممارسات حماس، وموقفها من الشعب الفلسطيني. فتحت معبر رفح رغم الدمار، واستقبلت المصابين والجرحى، وقدّمت المساعدات اليومية، وأقامت مستشفيات ميدانية، وأرسلت القوافل الطبية، وتحملت فوق طاقتها، دون أن تطلب شكرًا، رغم أن قيادات حماس لم تتوقف عن إطلاق تصريحات مستفزة، بل أحيانًا خارجة عن حدود الأدب السياسي.
بل إن مصر – بما تحمله من ثقل دبلوماسي – أفسحت المجال لكافة المبادرات، وأبقت خيوط التفاوض قائمة، رغم تعنت الطرفين، محاولة وقف الحرب بأي وسيلة، وحماية المدنيين من طاحونة القتل المجاني، لم تساوم مصر على دم الفلسطيني، بل رفعت صوتها عاليًا في المحافل الدولية دفاعًا عن القضية، لا عن سلوك الفصائل.
والأهم هو أن مصر تملك من الحكمة ما يفرّق بين القضية وبين من يعبث بها، وهي ترى أن النضال لا يُقاس بعدد الصواريخ، بل بنتائجه الواقعية، وقدرته على إعادة الحقوق لا على تراكم الجثث، وأن المقاومة الحقيقية لا تكون بقتل الأمل في قلوب الناس، بل ببنائه، والبناء لا يكون بالعناد السياسي بل بالتوافق الوطني. وهذا ما فشلت فيه حماس مرارًا، لأنها لا تؤمن بفكرة الوطن أصلًا، بل بفكرة الجماعة، وما دونها فرع وتفصيل.
إن التاريخ سيذكر كثيرًا من مشاهد البطولة في فلسطين، لكنه لن يرحم من استخدم دم الشهداء ليرسّخ حكمه، ومن تاجر بالدمار ليبرّر الفشل، ومن اختبأ خلف ستار "المقاومة" ليهرب من فشله في بناء دولة، أو حتى إدارة قطاع محاصر.
فلسطين تستحق من يحملها كهوية، لا من يحملها مثل راية حزبية، وتستحق مقاومة تعرف متى تقاتل، ومتى تفاوض، ومتى تصمت لأجل الناس، لا لأجل الكاميرات، لذلك نقول بوضوح ونقول عكس التيار وننتظر الهجوم من الكثيرين نقول ما لم يتم استرداد القرار الوطني من يد من خطفوه، ستظل غزة تحترق، بينما من أشعلوا النار يراقبون من بعيد.. بلا ندم، بلا خجل.
المصدر: البوابة نيوز
إقرأ أيضاً:
هل كانت والدة ترامب على حق ؟
بقلم: كمال فتاح حيدر ..
زعمت بعض مواقع التواصل ان والدة ترامب، السيدة ماري آن (1912 – 2000)، لخصت مؤهلات ابنها بهذه العبارة:
(نعم، إنه أحمق. بلا عقلٍ سليم، ولا مهارات اجتماعية، لكنه ابني. أتمنى فقط ألا يتدخل في السياسة أبداً. لأن تدخله يعني الكارثة). .
لكن وكالة (رويترز) كذبت تلك المزاعم، وقالت: انها مجرد ادعاءات لا أساس لها من الصحة. ولم تعثر الوكالة على دليل واحد، يؤكد أن السيدة والدة ترامب قالت شيئا كهذا. .
وان أقرب تعليق لوالدة ترامب عن ابنها، عثرت عليه رويترز، جاء من عدد عام 1990 من مجلة فانيتي فير (Vanity Fair)، زعم أن احدى النساء قالت ساخرة لوالدة ترامب: (أي نوع من الأبناء انجبتي ؟). ولا يوجد دليل قاطع على أن أمه وصفته بأنه أحمق، أو انه سيكون كارثة في عالم السياسة. .
لكن واقع الحال يؤكد انه لا يدرك الفرق بين العجز التجاري والتعريفات الجمركية. فالعجز التجاري ليس فاتورة، وليس خسارة أموال، ولا يعني أن دولة تغش دولة أخرى. بل يعني ببساطة أن الولايات المتحدة تشتري أكثر مما تبيع، وتستهلك اكثر مما تنتج، لأن الأمريكيين لديهم المال لينفقوه. هذا كل ما في الأمر. لكن ترامب يتعامل مع العجز التجاري كبطاقة نتائج، والتعريفات الجمركية كعقوبة. وان سياسته التجارية بأكملها مبنية على أوهام وتخيلات. هذه ليست استراتيجية اقتصادية، بل تفكير سطحي ذو عواقب عالمية وخيمة. وهو الآن يتخبط بإطلاق قراراته الطائشة، يحرق الجسور، يدمر التحالفات، ومع ذلك يتظاهر بالذكاء والقوة. .
خبراء الاقتصاد يصرخون: (ترامب لا يفهم الرسوم الجمركية، وخطته هراء)، وسخر منه الاتحاد الأوروبي، وتهكم عليه خبراء الصين، في حين خرج المتظاهرون في معظم الولايات الأمريكية احتجاجاً على سياسته الغبية، وبدأت جماعات حقوقية الإعداد لمظاهرات حاشدة تحاصر البيت البيضاوي. .
وقد انضم الاتحاد الأوروبي الآن إلى الصين وكندا لفرض رسوم جمركية إنتقامية على الولايات المتحدة، في تصعيد مبكر قد يسفر عن خوض حرب عالمية (تجارية)، ما يزيد تكلفة الشراء على شريحة واسعة من الشعوب والامم، وربما يدفع الاقتصاد العالمي إلى الركود. .
وكنتيجة لسياسته الرعناء سارعت الصين إلى إقرار الإعفاءات الجمركية الشاملة على جميع المنتجات الواردة اليها من 33 دولة أفريقية، بينما سارع ترامب إلى فرض رسوم مضافة بنسبة 10 % على منتجات 32 دولة أفريقية منخفضة الدخل. فهل نلوم أفريقيا على اختيارها الصين ؟. أم نسخر من الرئيس المتحامل على البلدان الفقيرة ؟. .
لا رادع لترامب إلا ترامب نفسه، فالرجل يتصرف على هواه بلا مرجعية علمية ولا استشارية. فهو يحمل ملامح الطاغية الروماني كاليغولا (Caligula) الذي كان من اشهر الملوك المجانين قبل الميلاد. .