مجموعة البريكس تبدد أوهام القيادة الجزائرية…
تاريخ النشر: 25th, August 2023 GMT
بقلم : طالع السعود الأطلسي
أتمنى أن تلتزم القيّادة الجزائرية بالجدِّية المطلوبة في قيادة سياسية، وأن تتعامل مع رفض مجموعة البريكسلطلبها بالانضمام إليها باعتباره قرارًا لقادة تلك المجموعة، وقرارٌ سيادي لها… وليست مناورة مغربية بضغط من السيد ناصر بوريطة أو من السيد فوزي لقجع…كما عوّدتنا في سوابق فشلات أو سقطات لسياساتها في مجالات متعددة أو في كوارث طبيعية… الموضوع، وبالدِّقَّة، ذلك الرفض، لا يحتمل التندّر به أو التفكّه به من طرف الرئيس تبون ولا من الإعلام الجزائري، أمام القيادة الجزائرية فرصة تاريخية… ولنقُل مدْخل تاريخي لتقويم مَسلكها السياسي ومنطلقاته… لأنه وحده الذي قادها للارْتِطام بذلك الرفض… مسلُكها القائم أساسا على معاداة المغرب وعلى اعتباره مشغلتها الأولى ضدًّا على حقائق التاريخ والجغرافيا، أدخلها في مسار مُكابرة مَرضية، أعدمت فيها المقوِّم الأساسي للسياسة وهو “الواقعية”… اخْتلقت “مُزحة” أنها قوة ضاربة، وأدْمنت استهلاكها، حتى صدّقتها هي دون الموجهة ضده… وها هي مجموعة البريكس، وفي جنوب إفريقيا ومع مناورات حكومتها، أنها لا هي قوة ولا هي ضاربة… إنها فقط مسكونة بضرب من الوهم… وبعد أن تستفيق من ذهول ضرب الأخماس في الأسداس، عليْها أن تضرب لها موعدا مع تجديدٍ عميقٍ في سياساتها، أساسُه الواقعية، في النظر للذّات الجزائرية وفي تعامُلها مع علاقاتها الخارجية… ومع المغرب في المقام الأول…في ذلك فرصة تاريخية لتتخلص من ذهولها وتؤسّس لصحوة مرجوة لها.
كنتُ قد كتبت في مقال نُشر يوم 15/07/2023 بجريدة “العرب”، أن البريكس رفض عضوية الجزائر، خلال اجتماع تمهيدي، تقني، لقمة جنوب إفريقيا، لعدم تلبيتها لمقوِّمات الانضمام، من حيث المناعة والمقدرة الاقتصادية… وكثيرون غيري كتبوا في الموضوع نفسه… وكان واضحا أن القيادة الجزائرية كانت تُغالط نفسها… وتُكابر فقط… ولم تكن مجموعة البريكس في حاجة إلى دراسات متخصصين في العلوم السياسية والاقتصادية لاسْتِبْعاد الجزائر عن الانضمام إليها… يكفيهم أن تنقل لهم الصحافة عن الطّوابير في المحلات التجارية للحصول على المواد الغذائية في المدن الجزائرية، وعن تدخُّلات السلطات في تقنين توزيع الحليب والسّكر على الجهات والأقاليم… لأن ذلك المعيش اليومي في الجزائر، وحده، دليل على قصورٍ اقتصاديٍ واجتماعيٍوسياسيٍ مهول، ولا علاقة له بنشيد “القوة الضاربة” الذي تتغنى به القيادة الجزائرية…
هذا المسار المحزن، كشف انْفصال تلك القيادة عن واقع ما “تقوده”، وكشف أن السيد رئيس الجمهورية يُلقَّنلأحاديثه، مع رؤساء دول مُحترمة وعُظمى، ما يُمكنُه فقط من تِبيان خلوه من الجدية، وأنه فقط يحاول التسلية… وإلا ما معنى أن يلتمس رئيس الجمهورية علانية وأمام صحافة العالم، الانضمام للمجموعة، رسميا، من الرئيس الروسي والصيني خلال زيارته الرسمية للبلدين… وقد هز الرئيسان رأسيهما للسيد تبون، وسيتبين اليوم أن تلك كانت إشارةَمجاملة لمتحدث عن فراغ ولمجرد تجزية الوقت… إنها أكبر فضيحة، لا بل هي دالة على موقع الرئيس في القيادة، ولعل هناك من يتعمد أن يكشف حقيقة أن الرئيس ليس هو الرئيس… ذلك ما يفسر أنه يمعن في الثرثرة والقفشات إذ لا تُطعمه القيادة، كما تفرض الجِدية السياسية، بالعمق والمفيد من المعطيات والمعقول من الكلام… خاصة وهو لا يملك المؤهلات السياسية الذاتية والنباهة الفطرية لرئاسة الدولة… وها قد انْقشع وهْم الانْضمام لمجموعة البريكس… ذلك الانْضمام الّذي بدا كما لو أنه تحصيل حاصل خاصة والقمّة انعقدت في جوهانسبورغ، وبرئاسة حليف “قوي”… الحليف الذي رفضت المجموعة شفاعتَه للجزائر… الواقعية السياسة كانت أقْوى وأهم من كل التوسُّلات، أو المناورات…ليقول القادة المحترمون الجزائر غير مؤهلة وستة دول أخرى مؤهلة، بلا مجاملة وبلا محاباة…
عدا عن قصور المؤهلات الاقتصادية والاجتماعية في بنيات الجزائر والتي أبعدتها عن الانضمام لمجموعة البريكس… لا شك سيكون من بين قيادة الجزائر من سيلتقط رسالة من منطلق جيوسياسي تبلغها المجموعة للجزائر… لا يمكنها تفضيل الجزائر على المغرب، وليس المغرب من ناور أو أوحىبذلك… المغرب وازنٌ في حسابات وفي علاقات وفي تطلعات كل من الصين وروسيا والهند، والمغرب واعدٌ في مُستقبل الوضع العالمي قيْد التشكل، اقتصاديا وسياسيا… هو لم يطلب الانضمام للمجموعة، وأعلن ذلك، وضدًّا على مناورات جنوب إفريقيا، وأوضح ذلك للهند خاصة، علما أن ذلك واضح لروسيا وللصين، ولكن المجموعة تعتبر موقعه، وأبعدت عن نفسها إمكانية استغلال العضوية فيها للإضراربعلاقاتها مع المغرب… إنها الواقعية السياسية الدولية التيتزن قيمة المغرب، وهي نفسها الواقعية السياسية التي ينهجها المغرب في علاقاته الخارجية مع قوى وصراعات العالم… ومن منطلق تلك الواقعية التي يقود بها جلالة الملك المنجز الديبلوماسي المغربي، لم يكَل جلالته وهو يُوجّه نداءات الحوار ونداءات الأخوة إلى قيادة الجزائر، وآخرها نداء خطاب العرش الأخير… ما يُغلّب كفّته في التقدير الدولي على قيادة الجزائر التي تصر على قطائعها معه وتُغذِّي عدوانيتها إزاءه…
افتقار السياسة الجزائرية للمنطلق الواقعي، يُعجزها ويُضعف حسابها في التفاعلات الجيواستراتيجية، لأنه بدون ذلك المنطلق لن تكون قادرة على الفعل الإيجابي في الوضع العالمي وفي محيطها القريب خاصة… وستبقى الواقعية السياسية الدولية المغربية أعلى في الاعتبار الدولي، ترفع مكانة المغرب… وتُفشل المطامع العدوانية الجزائرية وتحدُّ من مساحات مناوراتها.
الأمل أن تصحو القيادة الجزائرية من أوهامها، وها قد بدّدها رفض مجموعة البريكس… فتُعيد تعريف ذاتها وسياساتها وتعيد توجيه علاقاتها مع المغرب… لأنها تخسر في معاداته… وتربح كثيرا، معه وسويا إذا هي اقتدت بآماله وواقعيته…
المصدر: زنقة 20
كلمات دلالية: مجموعة البریکس
إقرأ أيضاً:
كلام عن المغرب.. ما الذي قاله صنصال وأغضب سلطات الجزائر؟
مرت 10 أيام على اعتقال الكاتب الفرنسي-الجزائري بوعلام صنصال أسبوعه الثاني دون تقديم السلطات الجزائرية توضيحات بشأن أسباب توقيفه والتهم التي يواجهها، باستثناء تأكيد وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية الخبر، الجمعة.
وأوقفت الشرطة الجزائرية صنصال (75 سنة) يوم 16 نوفمبر الجاري، بالمطار الدولي هواري بومدين، بينما أشارت وكالة الأنباء إلى أن تصريحاته الأخيرة حول تاريخ الجزائر "كانت تجاوزا للخطوط الحمر".
ودعا المحامي فرانسوا زيمراي، المكلف من دار "غاليمار" الفرنسية للنشر بالدفاع عن صنصال، الاثنين، إلى "الحرص على احترام حقه بمحاكمة عادلة طبقا للالتزامات الدولية التي تعهدت بها الجزائر".
وصنصال كاتب جزائري يحمل الجنسية الفرنسية، وسبق له العمل في وزارة الصناعة الجزائرية. اشتهر بمواقفه المعارضة والناقدة للنظام، كما عُرف بمناهضته للإسلاميين المتشددين. وهو حاصل على الجائزة الكبرى للرواية مناصفة مع الكاتب الفرنسي التونسي، الهادي قدور، في 29 أكتوبر 2015.
وتفاعلا مع اعتقاله، طالب فائزون بجائزة نوبل للآداب، وهم آنّي إرنو وجان ماري لو كليزيو وأورهان باموك ووول سوينكا، وكتاب آخرون بينهم سلمان رشدي، الكاتب البريطاني المعروف برواية "آيات شيطانية"، السبت، بالإفراج عن صنصال.
بينهم سلمان رشدي.. كُتاب عالميون يطالبون الجزائر بالإفراج عن بوعلام صنصال تستمر النقاشات بشأن توقيف الجزائر للكاتب الفرانكو- جزائري بوعلام صنصال، وسط جدل بشأن الاتهامات التي يمكن أن يواجهها أمام محاكم هذا البلد المغاربي.بينما أطلق سياسيون فرنسيون ووسائل إعلام حملة لدفع السلطات الجزائرية إلى الإفراج عنه، بينهم القيادية البارزة بحزب "التجمع الوطني اليميني" مارين لوبان، ومثقفون وأدباء، إلا أن رد الجزائر، عبر وكالة أنبائها الرسمية، كان شديد اللهجة في في هجومه على صنصال وانتقاد مواقفه، واستنكار تضامن الطبقة السياسية والنخب الفرنسية معه.
وأثار صنصال جدلا أعقب مقابلة مع "فرانتيير ميديا" الفرنسية، قال فيها إن "مدنا بالغرب الجزائري كانت تاريخيا جزءا من المغرب مثل تلمسان ووهران ومعسكر"، وردا على ذلك وصفت الجزائر صنصال بـ "محترف التزييف".
كما أثارت زيارته لإسرائيل ومشاركته في مهرجان الأدباء العالمي، الذي نظمته مؤسسة "مشكانوت شأنانيم" في القدس سنة 2012، جدلا في الجزائر وفرنسا.
فلماذا أزعج صنصال السلطات الجزائرية هذه المرة؟
"استفزاز" الحكومةوتعليقا على هذا السؤال يرى المحامي الجزائري، فاروق قسنطيني، أن صنصال "أثار الكثير من النقاش بآرائه الأخيرة التي مست الوحدة الوطنية"، مشيرا إلى أنه "لم يزعج السلطات وفقط، بل استفزها بتلك التصريحات غير المؤسسة في جانبها التاريخي".
وأشار قسنطيني لـ "الحرة" إلى أن صنصال "أزعج واستفز الجزائر لافتقاد آرائه للمصداقية والبعد الأكاديمي المبني على أسس تاريخية حقيقية"، معتبرا أن ذلك "جعله تحت طائلة قانون العقوبات في شقه الخاص بجريمة المس بسلامة التراب الوطني".
الآراء "المستفزة" على حد وصف قسنطيني العام، يوضحها الإعلامي عبد الوكيل بلام بشكل صريح، حيث يقول إن "المزعج للسلطات الجزائرية في آراء وتصريحات بوعلام صنصال هو الجزء الخاص بعلاقة المغرب ببعض الأجزاء من التراب الجزائري، والخلط الذي تعمده في تقديم ذلك للرأي العام".
وكان صنصال قد أثار جدلاً بسبب تصريحاته لمجلة "فرونتيير ميديا" الفرنسية، حينما تحدث عن أن فرنسا، خلال فترة الاستعمار، "قامت بضم أجزاء من المغرب إلى الجزائر، مما أدى إلى توسيع حدود الجزائر الحالية".
كما انتقد النظام الجزائري، مشيراً إلى أن قادته "اخترعوا جبهة البوليساريو لضرب استقرار المغرب". وانتقدت أوساط سياسية وجزائرية هذه التصريحات واعتبرتها "مجانبة للصواب"
هذه التصريحات المثيرة للجدل التي أزعجت الجزائر، بحسب المتحدث، "لم يسبق لكاتب أو سياسي جزائري أن أدلى بها".
ولا يستبعد بلام، في حديثه لـ"الحرة"، أن تكون الاتهامات الموجهة لصنصال "ثقيلة جدا" بحكم "السياق الذي جاءت فيه وفسرته وكالة الأنباء الرسمية".
توتر الجزائر وباريسفي المقابل، يعتقد الحقوقي يوسف بن كعبة أن ملف بوعلام صنصال "ما هو إلا وسيلة للضغط السياسي بين البلدين، بعدما وصلت العلاقات بينهما إلى طريق مسدود"، مضيفا أن "التوتر الذي يطبع هذه العلاقات جعل صنصال وسيلة لمعركة سياسية وإعلامية جديدة بينهما".
ويضيف بن كعبة في حديثه لـ"الحرة" أن السلطات الجزائرية "رفضت لحد الآن تأسيس محامين عنه، ما يشي باستغلال أطول فترة ممكنة يسمح بها القانون للتحقيق فيما قد ينسب له من اتهامات".
وأضاف أن المعلومات المتوفرة لفريق المحامين في باريس هو أن السلطات "تستعد لإصدار بيان عن النيابة العامة لمجلس قضاء العاصمة".