الجزائر في تصعيد دبلوماسي جديد على خلفية الموقف الأمريكي من قضية الصحراء
تاريخ النشر: 9th, April 2025 GMT
في خضم التوترات الإقليمية القائمة بين الرباط والجزائر، أبدت الجزائر امتعاضًا شديدًا من تجديد الولايات المتحدة دعمها لمقترح الحكم الذاتي المغربي لحل نزاع الصحراء. وجاء هذا الانزعاج في أعقاب تصريحات رسمية صادرة عن وزارة الخارجية الأميركية تؤكد مجددًا أن واشنطن تعتبر مبادرة الحكم الذاتي، في إطار السيادة المغربية، « الحل الوحيد الممكن » لهذا النزاع طويل الأمد.
الرد الجزائري جاء عبر بيان لوزارة الشؤون الخارجية اعتبرت فيه أن دعم واشنطن لهذا الطرح « يتعارض مع مبادئ القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن »، ووصفت قضية الصحراء بأنها « ملف لتصفية الاستعمار » لم يُستكمل بعد، متمسكة بمبدأ « حق تقرير المصير »، في تأويل متكرر للقرار الأممي 1514، رغم التحولات الواقعية والسياسية التي شهدها الملف.
البعد الجيوسياسي للموقف الأميركيالموقف الأميركي، الذي أعاد تأكيده وزير الخارجية ماركو روبيو خلال استقباله نظيره المغربي ناصر بوريطة في واشنطن، يأتي في سياق تعزيز التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والمغرب، لاسيما في ظل التحديات الأمنية في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل، والتنافس الإقليمي المتصاعد.
تصريحات روبيو أكدت أن « مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية تمثل الحل الجاد والواقعي الوحيد » للنزاع، داعيًا كافة الأطراف إلى الانخراط في مفاوضات على هذا الأساس، ما يعكس استمرار التوجه الأميركي المعتمد منذ إدارة ترامب.
الجزائر، التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب منذ غشت 2021، لا تزال تستخدم ملف الصحراء كأحد مداخل الصراع السياسي الإقليمي، وقد واصلت في بيانها تبني رواية جبهة « البوليساريو »، التي تروج لفكرة « الإقليم غير المتمتع بالحكم الذاتي ». إلا أن الجزائر باتت تجد نفسها في موقف دبلوماسي أكثر صعوبة، مع تراجع التأييد الدولي للمقاربة الانفصالية، وتزايد عدد الدول التي تدعم مبادرة الحكم الذاتي أو تفتح قنصليات في الأقاليم الجنوبية للمملكة.
ويفسَّر هذا الموقف الجزائري المتشنج باعتباره رد فعل على عزلة دبلوماسية متزايدة، خاصة مع تمدد الحضور المغربي في العمق الإفريقي وتعاظم التعاون الأمني والدفاعي بين الرباط وقوى كبرى، لا سيما واشنطن وباريس، ناهيك عن الدعم المتنامي من بلدان الخليج.
قراءة في السياق الأوسع: التنافس المغربي الجزائريالبيان الجزائري الأخير لا يمكن قراءته بمعزل عن صراع النفوذ بين الرباط والجزائر، والذي يمتد إلى ملفات عدة: من الساحل الإفريقي، إلى العلاقات مع أوروبا، وصولًا إلى رهانات الطاقة والهجرة.
في الوقت الذي تعزز فيه المغرب موقعه كشريك موثوق للغرب في قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب والتعاون الاقتصادي، تسعى الجزائر إلى استعادة دورها الإقليمي عبر مداخل تقليدية، أبرزها ملف الصحراء، غير أن المتغيرات الإقليمية والدولية تُقلص من فعالية هذا النهج.
التوتر المغربي الجزائري حول قضية الصحراء يبدو مرشحًا للتصاعد، لا سيما مع استمرار الفجوة في المواقف حول جوهر النزاع وآفاق تسويته. وبينما تنخرط الرباط في دينامية أممية مدعومة من قوى كبرى، تواصل الجزائر التمترس خلف سردية تتآكل مصداقيتها، ما يجعل الحل الأممي أكثر قربًا من التصورات الواقعية التي توازن بين السيادة والاستقرار.
كلمات دلالية الجزائر الصحراء المتحدة المغرب الولايات توتر دبلوماسية
المصدر: اليوم 24
كلمات دلالية: الجزائر الصحراء المتحدة المغرب الولايات توتر دبلوماسية الحکم الذاتی
إقرأ أيضاً:
الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية: مبادرة مغربية تكتسب شرعية دولية متصاعدة.
مقال رأيأمام الزخم الدولي المتزايد الذي يشهده مقترح الحكم الذاتي المغربي في الأقاليم الجنوبية، تبرز المملكة المغربية كطرف مسؤول وواقعي، يسعى إلى طي صفحة نزاع مفتعل طال أمده، وفتح آفاق جديدة للاستقرار والتنمية في منطقة حيوية واستراتيجية من القارة الإفريقية.
ويأتي هذا التحول الدولي في سياق الاعتراف المتنامي بشرعية المقترح المغربي، وعلى رأس هذه المواقف، يبرز اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب الكاملة على أقاليمه الجنوبية، وهو الاعتراف الذي تم الإعلان عنه رسمياً في دجنبر 2020، وأُعيد التأكيد عليه من قبل الإدارة الأمريكية الحالية، سواء عبر تصريحات لوزارة الخارجية أو مواقف دبلوماسية رسمية متكررة.
هذا الاعتراف التاريخي يمثل تحولا استراتيجيا في تعاطي القوى الكبرى مع النزاع الإقليمي، ويؤكد أن مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية تشكل الحل الواقعي والوحيد لإنهاء النزاع المفتعل، وهو ما يعكس وعياً دوليا متناميا بضرورة تجاوز الأطروحات الانفصالية، وتغليب منطق الحلول التوافقية في احترام تام لسيادة الدول ووحدتها الترابية.
وقد أعطى هذا الدعم الأمريكي دفعة قوية للمبادرة المغربية، حيث تبنت فرنسا، العضو الدائم في مجلس الأمن موقفا يعترف للمغرب بسيادته على صحراءه، وتبنت نفس الموقف الأمريكي أيضا باعتبار الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية حلاً جدياً وذا مصداقية. أما إسبانيا، بصفتها القوة الاستعمارية السابقة، فقد شكل تغيير موقفها خطوة بالغة الأهمية، باعتبارها المقترح المغربي القاعدة الأكثر واقعية ومنطقية لتسوية النزاع، في تراجع واضح عن مواقف ضبابية سابقة.
وتجدر الإشارة إلى أن أكثر من ثلاثين دولة من أوروبا ، أسيا ، إفريقيا وأمريكا اللاتينية قد افتتحت قنصلياتها في مدينتي العيون والداخلة، في خطوة عملية تؤكد اعترافها بسيادة المغرب، وتعكس دعما ملموسا لمبادرة الحكم الذاتي باعتبارها الإطار الأمثل لتسوية النزاع المفتعل.
في المقابل، نجد الجزائر تعيش حالة من العزلة الدبلوماسية المتفاقمة، بعد أن أصبحت مواقفها خارج سياق التحولات الدولية الجارية. وقد اكتفت وزارة خارجيتها، بعد التأكيد الأمريكي الأخير على الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء، ببيان باهت يعكس حالة ارتباك وتراجع عن سياسة المواجهة التي اعتادت عليها كلما تعلق الأمر بمواقف داعمة للمغرب. وهو ما يكرس القناعة المتنامية بأن الجزائر تتهرب من الاعتراف بدورها الفعلي في تأجيج النزاع.
ويبقى من الضروري التأكيد على أن الأمم المتحدة ومجلس الأمن هما الإطار الشرعي والوحيد لمعالجة هذا الملف، بعيداً عن محاولات الجزائر و”البوليساريو” توريط هيئات إقليمية في نزاع لا يعنيها، وهو ما يتطلب بلورة إرادة دولية حقيقية لإنهاء هذا الملف المزمن، على أساس حل يحترم السيادة المغربية ويحقق المصالحة الوطنية.
و ينبغي التأكيد مجددا على أننا، نحن أبناء الأقاليم الجنوبية، لا نؤيد هذا المقترح من موقع الانتماء الجغرافي فقط، بل من منطلق قناعة راسخة بعدالة المبادرة المغربية، وقدرتها على إنهاء معاناة آلاف العائلات الصحراوية التي تمزقت أوصالها بين الوطن الأم ومخيمات تندوف والشتات بعدة مناطق من دول العالم.
اليوم، نعيش واقعا مغايرا يثبت صواب خيار الحكم الذاتي، في ظل دولة ذات مؤسسات قوية، يقودها جلالة الملك محمد السادس، الذي يستمد شرعيته من البيعة وإجماع الشعب، ويقود مشاريع استراتيجية كبرى في إطار النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية، من ضمنها ميناء الداخلة الأطلسي، المشروع الضخم الذي يعرف نسبا متقدما في الإنجاز والذي سيربط دول الساحل بالمحيط، في إطار المبادرة الملكية لتسهيل ولوح دول الساحل والصحراء للأطلسي، والتأسيس لنموذج متفرد للتعاون جنوب – جنوب يقوم على أساس الشراكة والتضامن وفق منظور يحقق الربح للجميع ويعزز الأمن ويكافح التطرف ويؤسس لمستقبل زاهر و مستقر في المنطقة، ويجعل من الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية منصة اقتصادية وقارية فاعلة.
و يبقى السؤال الحاسم مطروحاً أمام المجتمع الدولي:
ألم يحن الوقت بالفعل لكي يتحمل مسؤوليته الأخلاقية والسياسية في إنهاء معاناة عشرات الآلاف من الأسر الصحراوية التي ما زالت تعيش في ظروف إنسانية قاسية؟
إن أبناء الصحراء لا يزالون يعانون من تفرقة أسرهم، ويعيشون في مخيمات تندوف بالجزائر بعيدا عن وطنهم، بينما تظل القوى الكبرى بعيدة عن إيجاد حل يحقق العدالة لهم، ويوقف هذا النزاع المفتعل الذي لا يخدم إلا مصالح ضيقة لا تواكب متغيرات العصر.
لقد حان وقت اتخاذ القرار الجريء، ودعم خيار الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحل واقعي وجذري، ينهي معاناة الصحراويين ويحقق الاستقرار والتنمية للمنطقة.