الجزيرة:
2025-04-13@08:49:01 GMT

هذا هو حصان طروادة الذي سيفكّك الغرب

تاريخ النشر: 9th, April 2025 GMT

هذا هو حصان طروادة الذي سيفكّك الغرب

لا أدري إن كان تعبير الانسلاخ عن الغرب، مُعبّرًا عمّا يُعرف بالإنجليزية بـ de-westernisation، وهو توجّه عالمي يسعى إلى إزاحة الغرب من سؤدده، من أجل عالم متعدّد الأقطاب، يقطع مع الأحادية السياسية والاقتصادية التي طبعت العلاقات الدولية لأكثر من ثلاثة عقود، أي أنه ينازع الولاياتِ المتحدة سؤددَها، ويدعو إلى مؤسسات مالية غير تلك المرتهنة بالغرب، مثل صندوق النقد الدولي (IMF)، والبنك الدولي (World Bank)، من خلال مؤسّسات مالية بديلة.

وهو يدعو، ضمن ما يدعو إليه، إلى نزع الدولار من وضعيته كعملة وحيدة للمبادلات التجارية، ويُقرّ بظهور أقطاب جدد، منها مجموعة "بريكس" التي لم تَعُد محصورة في مؤسسيها الخمسة الأوائل، ومنها الجنوب الشامل، ومجموعة العشرين، إلى جانب الدول الكبرى التي تستند إلى حضارة، مثل الصين، وروسيا، والهند.. كما يسعى هذا الاتجاه، إلى تفعيل دور الأمم المتحدة، والائتمار بالقانون الدولي.

لا يقف هذا التوجّه عند مساءلة الهيمنة الغربية على الساحة الدولية والاقتصادية فحسب، بل يذهب إلى مساءلة القيم الغربية، ومنها حقوق الإنسان التي تظل، وَفق رؤيته، انتقائية، ومنها الديمقراطية التي تعرف اهتزازًا، ومنها الليبرالية التي تُفضي، ضمن ما تفضي إليه، إلى تحلّل قيم التضامن، وتهديد الأسرة، وتؤول اجتماعيًا إلى هيمنة أوليغارشيات نافذة، وإلى استعداء الآخر، أو ما يُعرف بالكزِنوفوبيا، ممّا يُغذّي التوتر داخل المجتمعات الغربية، ويُهدّد العيش المشترك.

إعلان

حدثان طرآ مؤخرًا يرسّخان هذا المدّ نحو الانسلاخ عن الغرب، سيكون لهما ما بعدهما، أي أنه ستتمخض عنهما تداعيات جيوسياسية كبرى، من شأنها أن تؤثر سلبًا على الغرب:

أوّلهما، زيارة وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، إلى روسيا، ولقاؤه بنظيره الروسي لافروف، وما تمخض عن اللقاء من تطابق رؤى من أجل عالم متعدد الأقطاب.

كان ذلك في أفق التحضير لزيارة الرئيس الصيني إلى روسيا (لم يتحدد بعد مكان الزيارة) لحضور حفل الذكرى الستين للانتصار على النازية، أو ما يسمى في الأدبيات الروسية الرسمية بـ"الحرب الوطنية الكبرى".

والحدث الثاني، هو قرار الرئيس الأميركي رفع الرسوم الجمركية على دول العالم، مما ينسف عمليًا العولمة، وكانت حصان طروادة الولايات المتحدة، حيث كانت العولمة مرادفًا للأمركة.

التوجّه الجديد الذي استنّه الرئيس الأميركي ينسف العولمة ويُرسّخ ما يُسمّى بـ de-coupling أي أن القاعدة الذهبية للعولمة، رابح/رابح، تهتز، حيث لا يُقابل رابح بالضرورة رابحًا آخر، ويؤول إلى ما يسميه الاقتصاديون بقاعدة خاسر/خاسر.

قرار رفع الرسوم الجمركيّة من قِبل الولايات المتحدة، تمخّض عنه ردّ مماثل من قِبل الصين، برفع الرسوم على الصادرات الأميركية، مما يحرم الولايات المتحدة من حاجتها إلى المواد الغنية الضروريّة لصناعة الرقائق الرقمية، وهو القرار الذي يُدخِل العالم بالتبعية في حروب تجارية.

يُجمع كثير من المراقبين الدوليين على أن تهدئة الرئيس الأميركي ترامب حيال روسيا مؤخرًا، وما رافق ذلك من غلظة على رئيس أوكرانيا، كان بهدف إخراج روسيا من محور بكين، أو ما يسمى في الأدبيات الرسمية للبلدين "صداقة بلا حدود"، من أجل استقطابها في حِضن الغرب.

عملية "المغازلة" تلك تقتضي تنازلًا، من خلال الاعتراف بحقوق روسيا على المناطق الناطقة بالروسية في أوكرانيا، في إقليم الدونباس، مثلما أعرب ممثل الرئيس ترامب ستيف ويتكوف.

إعلان

التحوّل يشبه في بعض النواحي التقارب الذي حدث بين الولايات المتحدة في عهد نيكسون والصين، في ظل الحرب الباردة، لعزل الاتحاد السوفياتي.

لكن، هل يتكرر التاريخ؟ وهل سيتخلى بوتين عن ولاء راسخ مع الصين، ومشاريع كبرى مشتركة، وإطار طموح، في إطار منظمة شنغهاي، لفائدة شيء افتراضي مع الولايات المتحدة، وعلى تاريخ من التوجس، والعهود المُخْلفة، أو ما يسميه الرئيس بوتين بـ"إمبراطورية الكذب"، في إشارة إلى الولايات المتحدة، التي لم تحترم التزامها بعدم توسيع الناتو، ودعمت ما تسميه موسكو "بثورات الألوان"، أي قلب أنظمة من خلال مظاهرات مُدبّرة؟

القمة الصينية الروسية المرتقبة بمناسبة الذكرى الستين للانتصار على النازية لن تكون مجرد لحظة احتفالية، بل محطّة لرسم معالم عالم جديد خارج هيمنة الغرب، وتعدّ بلا مراء إحدى المحطات الكبرى لهذا التوجّه الذي ينزع الغرب من سؤدده، أو الانسلاخ عنه.

الطريف أن الولايات المتحدة، أو على الأصح ترامب، هو من أدوات الانسلاخ عن الهيمنة الغربية، وذلك من خلال التحلل من القواعد التي تضعها الولايات المتحدة إذا صادف أنها لم تَعُد تخدم مصالحها، وهو ما يُغذي التوجس منها.

الولايات المتحدة التي كانت رافعة لحرية المبادلات التجارية، هي من يتخلى عنها لفائدة "الحمائية"، والولايات المتحدة العمود الفقري للناتو ورأس حربته، هي من يُقوّضه بإضعاف أوروبا، الحليف الإستراتيجي الطبيعي لها.

والولايات المتحدة التي كانت تزعم أنها هزمت الاتحاد السوفياتي، ليس بالرؤوس النووية، ولكن بالحرية ونظام السوق، وزعمت نفس الشيء في الحرب على الإرهاب، هي من يتخلى عن القيم لفائدة الصفقات.

والولايات المتحدة التي انتصبت نصيرًا لنظام عالمي جديد، يقوم على احترام القانون الدولي، وعدم تغيير الخرائط الدولية بالقوة، هي من يجنح للقوة، ويُلوّح بها لتغيير الخرائط الدولية.

إعلان

برهنت الولايات المتحدة على قوتها في علاقاتها مع أوروبا، التي من دون مظلتها، تظل جبلًا سفحه من صلصال، كما يُقال، أيْ عملاقًا اقتصاديًا وقَزَمًا عسكريًا.

وأظهرت الولايات المتحدة هيمنتها في الشرق الأوسط، وحيّدت القوى الدولية والإقليمية التي من شأنها أن تنازعها دورها في المنطقة.

وتظل الولايات المتحدة متميزة على روسيا من خلال قوتها الاقتصادية الضاربة، ولها تميزها على الصين من خلال أحلافها العسكرية، وقوتها العسكرية.

لكن، هل يمكن أن تبزّ الصين وروسيا، مجتمعتَين، فيما يسميه إستراتيجيون أميركيون "اللعبة الطويلة"؟ وهل يمكن أن تُبقي على رصيد الثقة مع أوروبا بعد الذي رشح من الرئيس الأميركي ونائبه حيالها، من تحلل من الالتزامات بل واحتقار؟ وحتى على مستوى الشرق الأوسط، فاللعبة لصالح الولايات المتحدة لم تُحسم.

التوجّه الذي ترعاه الولايات المتحدة على مستوى العلاقات الدولية، بتغليب منطق القوة على القانون، والتحلل من الالتزامات الدولية، من شأنه أن يُفرز ردود فعل، وقد تكون القمة الصينية الروسية بداية تحوُّل لا يصبّ في صالح الولايات المتحدة، يمكن أن تتولد عنه تداعيات كبرى على مستوى الساحة الدولية.

ينبغي أن نشير إلى أن الخيارات الحمائية للولايات المتحدة لها كلفة اقتصادية على الاقتصاد الأميركي نفسه، وعلى دخل المواطنين الأميركيين، ومن شأن هذه التكلفة أن تنعكس على خيارات الناخب الأميركي مستقبلًا.

للناخب الأميركي كلمته حول خيارات الإدارة الأميركية الحالية، التي لا تخدم على المدى الطويل مصالحها الإستراتيجية. الترامبية مرشحة لأن تعزّز الانسلاخ عن الغرب، وتؤجّج أزمة داخلية فيه، وداخل الولايات المتحدة نفسها.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الولایات المتحدة الرئیس الأمیرکی التوج ه من خلال هی من ی أو ما ی التی ت

إقرأ أيضاً:

الكرملين: وصول مبعوث الرئيس الأمريكي «ستيف ويتكوف» إلى روسيا

أعلن المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، اليوم الجمعة، أن المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي ستيف ويتكوف، وصل إلى روسيا، وفقا لوكالة «ريا نوفوستي» الرسمية.

ونقلت الوكالة عن الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف قوله: « أؤكد أن (ويتكوف) وصل إلى روسيا».

وأكد أن موسكو ستعلن لاحقا، ما إذا كان سيعقد اجتماع بين الطرفين، بحسب وكالة «فرانس برس».

تبادل السجناء بين روسيا وأمريكا

وفي سياق متصل، صرح وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، بأن تبادل السجناء بين روسيا والولايات المتحدة يساعد على تعزيز الثقة لكن الأمر سيستغرق وقتا طويلا لاستعادتها بشكل نهائي.

وأضاف «لافروف» خلال مؤتمر صحفي عقب اجتماع مجلس وزراء خارجية "رابطة الدول المستقلة" المنعقد في ألماتا بكازاخستان اليوم الجمعة: "تم إطلاق مبادرة تبادل السجناء من كلا الجانبين الروسي والأمريكي في آن واحد، وأنا على ثقة بأن أي بادرة إنسانية، حتى عندما يتعلق الأمر بعودة شخصين إلى أسرتيهما، تكون دائما إيجابية"، وفقًا لموقع «روسيا اليوم».

اقرأ أيضاًالصين ترفع الرسوم الجمركية على السلع الأمريكية بنسبة 125%

وزير الخارجية ونظيره الفلسطيني يبحثان جهود إعادة إعمار غزة

أمريكا تعلن وصول حاملة الطائرات كارل فينسون للشرق الأوسط

مقالات مشابهة

  • الولايات المتحدة تشكر الإمارات على تأمين تبادل سجناء مع روسيا
  • بوتين يبحث مع مبعوث الرئيس الأميركي تسوية في أوكرانيا
  • الكرملين يعلن وصول المبعوث الأميركي إلى روسيا
  • الكرملين: وصول مبعوث الرئيس الأمريكي «ستيف ويتكوف» إلى روسيا
  • أربعون عاما على الانتفاضة: الجيش حصان طروادة الاسلامويين ( 4 – 4)
  • حصان يحضر جنازة صاحبه الذي توفى بشكل مفاجئ ..صور
  • روسيا: تقدّم إيجابي في محادثات إسطنبول مع الولايات المتحدة حول البعثات الدبلوماسية
  • ما الذي تستفيده إيران من معاهدة الشراكة مع روسيا؟
  • الكرملين: لن نتنازل أبدا عن حقوقنا بشأن الأصول المجمدة في الغرب
  • الخارجية ترحب بالموقف الذي أعلنه الرئيس ماكرون بشأن الاعتراف بدولة فلسطين