ميديا بارت: اعتقِلوا بنيامين نتنياهو
تاريخ النشر: 9th, April 2025 GMT
قال موقع ميديا بارت إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المسؤول عن أسوأ مذبحة في التاريخ ضد الفلسطينيين، يتبختر الآن في أنحاء الولايات المتحدة بعد أن خالف العدالة الدولية بسفره إلى المجر وتحليقه فوق الأراضي الفرنسية، وتساءل هل لا يزال من الممكن إيقافه؟
واستعرض الموقع -في مقال بقلم جوزيف كونفافرو- ما تقوم به إسرائيل منذ أن شنت حرب انتقام لا تنتهي في غزة، وخرقت الهدنة من جانب واحد، وأطلقت النار على طواقم الإسعاف ودفنت جثث رجال الإنقاذ والأطباء وحطام سيارات الطوارئ، وقتلت أكثر من 200 من الصحفيين، وقصفت أكثر من 20 "مطبخاً مجتمعيا" مع منع وصول كافة المساعدات الإنسانية لأكثر من شهر، مما أثار شبح المجاعة من جديد.
وكذلك دمرت إسرائيل -كما يقول الموقع- مساحات شاسعة من الأراضي، وأمرت بتحويلها إلى "مناطق قتل"، كل من يدخلها يصبح هدفا، بعد أن فقدت كل "حكم أخلاقي" من خلال استخدامها المستمر "للدروع البشرية".
وتساءل الموقع بعد هذا الاستعراض، هل يمكننا أن نتخيل أن الشخص المسؤول عن كل هذه الفظائع، بعد أن صدر أمر من المحكمة الجنائية الدولية باعتقاله بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، ينتهي به الأمر في دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، فتختار أن تنسحب من نظام روما بدلا من القبض عليه؟
إعلانوبعد ذلك يذهب هذا الشخص بكل تبجح، محلقا في أجواء فرنسا وإيطاليا دون وجل، إلى عاصمة أعظم قوة في العالم فتستقبله كحليف وصديق، وتقدم له ملايين الدولارات من المعدات العسكرية التي تساعده في إراقة المزيد من دماء الشعب الفلسطيني، وجعل قطاع غزة غير صالح للسكن.
الحصانة الشخصية محل نزاعوكتب باتريك زاند، رئيس الشبكة القانونية "محامون من أجل احترام القانون الدولي" (جوردي)، إلى رئيس الجمهورية الفرنسية إيمانويل ماكرون أن فرنسا قد "انتهكت التزاماتها القانونية الدولية بشكل خطير كدولة طرف في نظام روما الأساسي"، وذلك بعدم اعتقالها نتنياهو الذي عبر أجواءها، وهو مطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية.
وكانت فرنسا قد أعلنت، بعد وقت قصير من صدور الحكم على نتنياهو، أنه يتمتع "بالحصانة" بصفته رئيس حكومة دولة غير موقعة، ولكن المحكمة الجنائية الدولية أكدت من جديد أن "الحصانة الشخصية، بما في ذلك حصانة رؤساء الدول، غير قابلة للتنفيذ أمام المحكمة الجنائية الدولية".
وذكر الموقع بأن هذه الأحداث تؤكد أن الدبلوماسية الفرنسية الحالية منافقة، وشبهت هذا الموقف بما قالته فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالأراضي الفلسطينية، عن موقف فرنسا من قتل الجيش الإسرائيلي عمال الإنقاذ، حين عبرت عن "مشاعرها" كما لو أن هؤلاء المنقذين، ماتوا بنوبة قلبية أثناء تدخل إسرائيلي.
وخلص كونفافرو إلى أنه من الصعب، بين الدعم الثابت من جانب الولايات المتحدة الذي يمكن اعتباره تواطؤا في تدمير الشعب الفلسطيني وتهميشه، واللامبالاة أو الجبن من جانب قوى أخرى، أن نعرف كيف يستطيع المجتمع الدولي أن يعتقل نتنياهو في سياق جيوسياسي يسود فيه حق القوة بشكل متزايد على قوة الحق.
وذكر الموقع بموقف عالمة الاجتماع الفرنسية الإسرائيلية إيفا إيلوز المؤيد للحرب في غزة، رغم أنها رفضت سحب توقيعها عندما اشترط عليها وزير التعليم في حكومة نتنياهو، لتلقي جائزة إسرائيل المرموقة، أن تسحب توقيعها على عريضة موجهة إلى المحكمة الجنائية الدولية في عام 2021، للمطالبة بفحص جرائم الحرب المحتملة التي ارتكبها جنود إسرائيليون في الضفة الغربية.
إعلانوقال الموقع إن إيفا إيلوز أظهرت منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول وفي عدة مناسبات دعمها للسياسة الإسرائيلية دون الكثير من التعاطف مع تدمير غزة، وقالت إنها تشعر بخيبة أمل من المحاكم الدولية، وتساءلت لماذا إسرائيل هي الدولة الوحيدة تقريبا التي توجه إليها اتهامات؟
دبلوماسية دولية متواطئة
ولكن بالإضافة إلى تقديم إسرائيل، التي تمتلك قوة عسكرية قادرة على إلحاق أضرار جسيمة بخصومها، وتستفيد من الأسلحة والمظلة الأميركية، كدولة "صغيرة"، فإن إيفا إيلوز تكون قد تبنت الرواية الغامضة "للدولة اليهودية"، وتجاهلت حقيقة أن المحكمة الجنائية الدولية تمكنت مؤخرا من توجيه الاتهام إلى رجل قوي مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ورأت الصحيفة أن هذا الموقف المؤيد للحرب في غزة، الذي اتخذته إيفا إيلوز مثل الغالبية العظمى من الإسرائيليين، يثير تساؤلات حول إمكانية الاعتماد على المجتمع الإسرائيلي لوضع حد للعمل القذر الذي يقوم به نتنياهو، خاصة أن الدبلوماسية الدولية متواطئة أو غير مبالية بالمذبحة في القطاع الفلسطيني، مما يعني أن "نتنياهو لا يخوض حربا بمفرده -كما يشير المؤرخ عوفري إيلاني- وما كان ليفعل ذلك دون وجود شرعية لفعله. فملايين الإسرائيليين مستعدون للانخراط في هذه الحرب أو دعمها".
وتساءل الموقع هل يمكننا أن نسمع صوت عضو الكنيست ووزيرة العدل السابقة تسيبي ليفني، وهي تعارض استمرار الحرب في غزة وتحتج على "حملة الدمار العنيفة والقتل التي يرتكبها اليهود ضد العرب" في الضفة الغربية؟ بل هل تستطيع المرأة التي تعتبر عدو نتنياهو اللدود حاليا غالي بهاراف ميارا، ألا تدعم "مبدأ العمل ضد قطاع غزة"، أو "توسيع ودعم المستوطنات" أو "سياسة الحكومة بشأن المساعدات الإنسانية لغزة"؟
وختم الموقع بأنه من الضروري بناء الآمال على الأصوات القليلة التي تدين الجريمة المرتكبة باسمها في غزة، وتخشى العواقب التي قد تترتب على ذلك والتي تتجاوز الشعب الفلسطيني، كما في الفيديو المنتشر على شبكات التواصل الاجتماعي حاليا.
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات ترجمات المحکمة الجنائیة الدولیة فی غزة
إقرأ أيضاً:
«نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى».. الحصاد المر 5
شخصيته المتعجرفة كانت سببًا في أزماته مع زملائه
يرى أن الفلسطينيين ليسوا أكثر من مجرد كيان في دولة إسرائيل ولا حديث عن الدولة الفلسطينية
كان يجاهر برفضه لخيار السلام مع العرب وكان والده من معارضي اتفاقات كامب ديفيد
يرفض تقسيم القدس ويزعم أنها العاصمة الموحدة لإسرائيل
الحلقة الخامسة من كتاب «نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى».. الحصاد المركان نتنياهو يكن حقدًا كبيرًا للمصريين خاصة بعد فشل عملية عبور قناة السويس، وكان يقول لزملائه دومًا: إنه كان سيأسف كثيرًا على حياته لو أن المصريين هم الذين قتلوه، وأنه يحمل للمصريين بشكل خاص ضغينة أكثر من بقية العرب الآخرين. كان نتنياهو يصعّد كثيرًا وتُسند إليه العديد من العمليات الأخرى ذات الأهمية الحيوية بالنسبة لإسرائيل في هذه الفترة.
ويتناول الكاتب في هذه الحلقة من كتاب «نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى» الصادر عن دار كنوز للنشر والتوزيع طبيعة هذه الأدوار، وكذلك تفاصيل عملية تخليص الرهائن بعد اختطاف إحدى طائرات الخطوط البلجيكية وعلى متنها عدد من الإسرائيليين، ومشاركة شقيقه «يوني» في هذه العملية. كان نتنياهو يعامل زملاءه في الوحدة العسكرية الخاصة التي تم تجنيده فيها باحتقار شديد، حتى وصل الأمر إلى التشاجر مع بعضهم.
وفى هذه الحلقة يستعرض المؤلف العديد من المواقف التي تكشف طبيعة شخصية نتنياهو وتطرفه السياسي والفكري ورؤيته العقائدية لدولة الكيان الصهيوني.
كانت عملية قناة السويس من العمليات التي تركت أثرًا مريرًا لدى نتنياهو، إلا أن قادته العسكريين لم يلوموه على الفشل الذى صاحب العملية، وكان الجميع مقتنعا بعدم فشله في تنفيذ هذه العملية، فأرجعوا أسباب فشلها لظروف خارجة عن إرادتهم تمثلت في مفاجأة المصريين لهم، إلا أن نتنياهو ذاته ومنذ هذا الوقت وهو يحمل شعورًا خاصًا للمصريين، حيث كان يرد على زملائه بأنه كان سيأسف كثيرًا على حياته لو أن المصريين هم الذين قتلوه، وأن المصريين بشكل خاص يحمل لهم ضغينة أكثر من بقية العرب الآخرين.. .لقد تلقى نتنياهو علاجًا طبيًا ونفسيًا بعد فشل هذه العملية، حيث أصيب بعدها بضيق في التنفس نتيجة لدخول الماء إلى الرئة.
في هذا الوقت استدعى قائد الوحدة نتنياهو وأبلغه بتقدير القيادة العسكرية الإسرائيلية لأدائه وذلك على الرغم من فشل العملية، وطالبه بعدم الاندفاع والتروي قبل الإقدام على تنفيذ أي خطوة مستقبلية.
وكان حديث رفائيل ايتان لنتنياهو له أثر كبير في شخصيته العسكرية بعد ذلك، حيث إن هذه العملية كشفت عن قصور واضح في تفكير نتنياهو عن العرب، وهو ما اعترف به في أوراقه، حيث إنه كان يعتقد أن إسرائيل إذا ما خططت لأى عملية فإن هذه العملية يجب أن تنجح لسبب واحد وهو أن العرب أغبياء، ولا يستطيعون صد أي عملية إسرائيلية، وأن كل ما يمتلكه العرب مجرد أدوات عسكرية صماء يمكن تدميرها بقليل من التفكير الإسرائيلي، وأن هذا ما حدث في عام 1967 عندما انتصرت إسرائيل الدولة ذات الإمكانات المحدودة على أكثر من دولة عربية، إلا أنه بعد هذه العملية ووفق ما يذكره نتنياهو فقد اكتشف أن المصريين ربما يكونون أذكياء وفى درجة الذكاء الإسرائيلي، وهو لا يتوقع أن يكون فشل هذه العملية مصادفة، فإذا ما كانت القيادة غيرت ميعاد العملية فإن المصريين كانوا سيصيبونها أيضًا، إلا أنه توقع أنه مهما طال أمد المواجهة بين الإسرائيليين والعرب، فإن إسرائيل ستحسم الجولة النهائية لصالحها، لأن كل من يوجد على أراضيها من الإسرائيليين يفكر وبعمق في الحفاظ على دولة إسرائيل من الانهيار، وأن تكون دائمًا أرضًا للانتصارات على العرب في حين أن العرب لا يفكرون في ذلك بعمق.
على العموم ونتيجة للثناء الذى حصل عليه نتنياهو في عمليته الفاشلة في قناة السويس، أسندت إليه العديد من العمليات الأخرى ذات الأهمية الحيوية بالنسبة إلى إسرائيل، ونتيجة لنجاح نتنياهو في هذه العمليات الحيوية، بالإضافة إلى تقربه من القيادات العسكرية بهذه الوحدة، بنيامين عام 1972 في عملية تخليص الرهائن من طائرة شركة الخطوط البلجيكية «سايينا» التي تم اختطافها، ونجاحه مع آخرين في إحضارها إلى مطار اللد.
ويقول نتنياهو عن هذه العملية: لقد كانت من العمليات الخاصة جدًا في داخل الوحدة، وكانت تحتاج إلى مقاتلين أكفاء ورجاحة عقل من المنفذين، وكان الجميع موقنًا بأن هذه العملية يجب أن تُدعم بعناصر من خارج الوحدة، مثل وحدة الكوماندوز وبعض الوحدات السرية الأخرى لرئاسة الأركان الإسرائيلي، إلا أنني كنت من المعارضين لهذه الأفكار، وأنه جلس مع أخيه قبل تنفيذ العملية، وأن يوناثان كان لديه تصميم على الاشتراك فيها، وأبلغه برغبته تلك، وأن بنيامين فاتح قادته العسكريين في أمر اشتراك أخيه شقيقه في هذه العملية، إلا أن القيادات كانوا يرون أن يوناثان مازال غير مهيئ نفسيًا وبدنيًا لخوض مثل هذه العمليات، وبعد فترة قصيرة من الوقت والجدال مع القادة العسكريين وافقوا على اشتراكه فيها، ويشير فى أوراقه إلى أن هذه العملية كانت ناجحة بكل المقاييس، وأن الأفراد الذين اشتركوا فيها كانوا على درجة عالية من تحمل المسئولية، والتفكير والتخطيط فى المواقف الصعبة، وكان بنيامين قد أصيب في يده أثناء تنفيذ العملية من خلال أحد الإسرائيليين الذين شاركوا في العملية، وكان هناك اعتقاد بأن يكون الجندي الذي أطلق الرصاص على بنيامين قد أراد أن يقتله عامدًا إطلاق هذه النيران، إلا أن التحقيقات العسكرية السرية التي أجريت بعد ذلك كشفت عن عدم صدق هذا الاحتمال.
وجاء هذا الاحتمال نتيجة لوجود خلافات بين بنيامين وبعض أفراد وحدته الخاصة، حيث إنه كان يعامل البعض بازدراء واحتقار، ويرى أنهم غير مؤهلين للانضمام إلى هذه الوحدة الخاصة، وكان يرى أن عوامل الوساطة والمحسوبية هي التي أتت بهم إلى هذه الوحدة، في حين أن تجنيده هو وأخيه اعتمد على معايير الكفاءة الشخصية البحتة، وأن هذه الخلافات كانت تتطور يومًا بعد يوم بين بنيامين وأفراد الوحدة، حتى وصل الأمر إلى التشاجر بالأيدي مع أحد الأفراد، وكان الأخير قد هدد بنيامين بأنه سيقتله إذا وجده أمامه في أي عملية، وأن بنيامين رد عليه نفس هذا التهديد، ونظرًا إلى قرب بنيامين من القيادات العسكرية في الوحدة، فإن الأفراد الآخرين داخل الوحدة كانوا غالبًا ما يحصلون على لوم وتوبيخ من قياداتهم نظرًا لخلافاتهم المتكررة مع بنيامين، بل إن بعض زملائه أكدوا في بعض التحقيقات التي أجريت قبل تنفيذ العملية أنهم لا يحبون لأنه شخصية متعجرفة ومتغطرسة، وأنه يعامل الآخرين كما لو أنهم أعداؤه، ولم يكن لبنيامين أصدقاء في داخل الوحدة إلا دوردن وعاموس واللذين حاولا كثيرًا إصلاح ذات البين بين بنيامين وزملائه كثير الشجار معهم. ووفق الروايات المتعددة في هذا الصدد فإن زملاءه استجابوا كثيرًا لمحاولات دوردن وعاموس، إلا أن الشخصية المتعجرفة لبنيامين كانت وراء رفض مبادرات الصلح، ووفق المعلومات فإنه يبدو أن هذا الأسلوب كان أساسيًا في حياة نتنياهو، حيث إنه كان يبلغ عاموس أو دوردن بأنه نسى خلافاته وأنه على استعداد للتقارب مع الآخرين، ثم يكيل هجومًا شديدًا عليهما من خلال وساطة آخرين، حتى أن عاموس أكد أن بنيامين شخصية محيرة وغامضة وليس صريحًا بالقدر الكافي، ولعل هذا الأسلوب ما درج عليه بنيامين من خلال سياسته في التصالح مع الدول العربية والفلسطينيين، حيث إنه يوهم البعض بأنه قريب الاتفاق مع الفلسطينيين وأنه سيقدم ويقدم من أجل الثقة وزرع السلام، ثم يفاجأ الجميع بسياسات مغايرة لما تم الاتفاق عليه.
ومما لاشك فيه أن نجاح العملية زاد من أسهم بنيامين الذى أصبح يكلف فيما بعد بقيادة عمليات خاصة بعد ما تولدت الثقة بقدراته وتفكيره، كما أن إصابته فى يده كانت دائمًا محل تفاخر أمام الآخرين.
وعلى وجه العموم فإن عيدو الأخ الثالث لبنيامين تم تجنيده أيضًا في ذات الوحدة، وبذلك أصبح الثلاثة في وحدة العمليات الخاصة، ووفق المعلومات فإن الثلاثة شاركوا في العديد من العمليات ونجحوا فيها نجاحًا باهرًا، وأن هذا كان محل تقدير وثناء، وأن بنيامين كان دائمًا يقول لوالده: لك الحق بأن تفخر بأن أنجبت أبناء مقاتلين لإسرائيل، إلا أنه لم تكد تمضى فترة طويلة حتى قرر بنيامين أن يبدأ مرحلة جديدة في حياته، وذلك بعد تركه وحدة العمليات الخاصة في 1972، بعد 5 سنوات كاملة قضاها فيها وتشير المعلومات إلى أن الفترة التي قضاها نتنياهو في هذه الوحدة هي التي ساهمت بشكل أساسي في رفضه أي خيار للسلام مع الدول العربية، هذا بالإضافة إلى الأفكار التي كان يغرسها فيه والده تسيون، وعمه سعديا نتنياهو.
وهذا ما برز بوضوح في أعقاب توقيع معاهدة كامب ديفيد، فكما توضح مذكرات ”سعديا نتنياهو” يتفق الجميع على المعارضة الشديدة لاتفاقية كامب ديفيد، وأنها تمثل خطأ استراتيجيًا بالنسبة لإسرائيل ويعتبر سعديا نتنياهو: أن بيجن أصبح مارقا بتوقيعه هذا الاتفاق لأنه أعطى العرب ما لا يستحقون من أرض التوراة (يقصد سيناء) وأن هذه الأرض يجب أن تكون في حوزة إسرائيل إلى الأبد، وأنه لا يجوز الانتقاص منها شبرًا واحدًا، وأنه إذا كانت حرب 1967 حررت هذه الأرض لصالح إسرائيل، فإن هذا التحرير لسيناء كان من أيدى المغتصبين المصريين الذين يمتلكون حدودًا طويلة، ويرفضون أن يكون لإسرائيل أية حدود تستطيع من خلالها أن تؤمن نفسها، وتؤمن أهلها، أما والد نتنياهو فكان يشرح لنجله بنيامين الأخطاء الاستراتيجية التى وقع فيها بيجين بتوقيعه هذا الاتفاق حيث يعد والده وعمه سعديا من أبرز المساهمين في رفض بنيامين للسماح بدولة فلسطينية، حيث إن تسيون (الوالد) كان في ذروة هجومه على حزب العمل وأعضائه، يتهمهم بأنهم يفرطون في أمن إسرائيل و إنهم خونة يريدون إقامة دولة فلسطينية، في حين أن عمه سعديا كان يرى أن حزب العمل يكون قد خان الرسالة والأمانة إذا قبل بأي تقسيم لمدينة القدس، ويرفض بشدة ما يثار حول أن القدس مؤجلة للمفاوضات النهائية، فكان يرى أن المسألة أصبحت محسومة لصالح إسرائيل، وأن القدس لا يمكن أن تكون محلًا للمزايدة أو المناقشة وأنه لا يدرى لماذا يتم تأجيل موضوع القدس للمفاوضات النهائية، وكثيرًا ما كان بنيامين يحضر جلسات النقاش التي كانت تدور مع والده، وفى أحيان أخرى مع عمه سعديا.
كان الحديث يستغرق طوال هذه الجلسات في المخاطر الشديدة التي يمكن أن تحيط بالأمن الإسرائيلي إذا ما سُمح بإقامة دولة فلسطينية، أو أن يترك مصير القدس في أيدى العرب، وكان الثلاثة يرون أن هذه مسائل لا يجوز إخضاعها للنقاش، وكان بنيامين مثل والده وعمه، يرى أن المستوطنات هي التي ستشكل سياجًا أمنيًا لحماية إسرائيل من الفلسطينيين، وأن أي هدنة مع الفلسطينيين يجب أن تكون لها أهداف، إلا أنه كان يرى في النهاية أن الفلسطينيين سيظلون كما هم، والإسرائيليون سيظلون أيضًا لديهم في قناعاتهم بضرورة تأمين الدولة.
وكان تسيون يرى في محاضراته الأكاديمية وندوات نقاشه أن إقامة الدولة الفلسطينية ستؤدى في النهاية إلى إزالة إسرائيل من الوجود، لأن الفلسطينيين يتكاثرون بمعدل أكبر مع ضعف معدل الإسرائيليين، وأنه لا معنى لدولة فلسطينية تكون في داخل الحدود الإسرائيلية، لأن هذه الدولة هي السرطان الذى سيتشرى في أركان الدولة، وأن هذا السرطان سينمو وينخر في عظام الدولة الإسرائيلية، ويقول: إذا كان الجميع يعرف أن هناك سرطانًا اسمه «الفلسطينيون» فكيف نسمح لهذا السرطان بأن يقوى داخل حدودنا، هذه الأفكار.
وكان والده يرى أن سياسة العصا الغليظة هي السبيل الوحيد لتأديب الفلسطينيين وإدخالهم إلى جحورهم، وأن أي تراجع أو مواقف غير حاسمة تشعر الفلسطينيين بأن الإسرائيليين راغبون في السلام فإن هذا سيقوى من تحركات الجماعات «الإرهابية» الفلسطينية، إلا أن بنيامين كان يختلف مع والده في هذه الأفكار ويرى أن سياسة العصا الغليظة مع الفلسطينيين يجب أن يصاحبها بعض السياسات المهادنة التي يمكن أن تخف من حدة هذا «الإرهاب» الفلسطيني، ولكن كل السياسات سواء العصا الغليظة أو «المهادنة» لن تعطى للفلسطينيين أكثر مما يريده الإسرائيليون، وهى أنه لا إقامة لدولة فلسطينية ويقول: إن الفلسطينيين يستمدون حياتهم المعيشية من الإسرائيليين، ويرى أن الفلسطينيين كيان في داخل إسرائيل، وأنه لا يختلف في ذلك عن كونهم مجموعة عرقية يمكن أن تعيش بانسجام مع الإسرائيليين، لكن هذا الكيان لا يحق له الدفاع عن نفسه في مواجهة إسرائيل، وإن إسرائيل يمكن أن تلتزم بالدفاع عنه في مواجهة العالم الخارجي ولكن هذا في إطار ضوابط وحدود معينة، إلا أن «تسيون» كان يرى أن بنيامين بهذه الأفكار تساهل كثيرًا مع الفلسطينيين، وأن الفلسطينيين ربما يحلون كارثة بدولة إسرائيل إذا شجعهم بنيامين على قبول هذه الأفكار.. وأن أفضل طريقة للقضاء على إرهاب الفلسطينيين هي طردهم خارج أراضي دولة إسرائيل، وأن يعيشوا في حدود الدول العربية الأخرى، وأنه لا يرى سبيلًا لإقامتهم في داخل دولة إسرائيل، وأن من يرفض الرحيل فعليه أن يقبل بأوضاع السجن والمذلة والمهانة داخل حدود إسرائيل، لأنه لا يصح إلا الصحيح، وهو أن دولة إسرائيل يحكمها إسرائيليون، وأنهم إذا قرروا أن يكون الفلسطينيون بين ظهرانيهم فإن هؤلاء الفلسطينيين يجب أن يحترموا كل ما هو إسرائيلي، من قوانين وسياسات وقرارات وأن إسرائيل يمكن أن تبرهن للعالم بذلك على أنها دولة متسامحة تقبل بأن يكون الوجود الفلسطيني بينها.
ولا شك أن هذه المساحة الصغيرة من الخلافات بين تسيون وابنه بنيامين لم تكن تعنى أن هناك خلافات جوهرية في المضمون الرئيسي لهذه الأفكار بخصوص الفلسطينيين.
أما بشأن تقسيم القدس فإن بنيامين يبدو متأثرًا بدرجة كبيرة بأفكار عمه «سعديا» الذى يرى أن القدس أرض مباركة ولا يمكن تقسيمها، وأن إسرائيل سيعاد بعثها من جديد من خلال القدس، كان بنيامين ملازمًا لوالده فترة طويلة كما ذكرنا من قبل، كما أن عمه «سعديا» كان من المتحاورين الرئيسيين معه، ولذا فإن الاثنين شكلا الخلايا الفكرية لبنيامين في كيفية التعامل مع الفلسطينيين على وجه التحديد، وكان القاسم المشترك بين الثلاثة هو أنهم يمقتون الأحزاب العمالية لأن هذه الأحزاب تسعى إلى تدمير دولة إسرائيل من خلال محاولتها التقرب إلى العرب، ووفق المعلومات فإن عائلة ميليكوفسكي التي ينتمى إليها بنيامين تشترك جميعًا في هذه المسألة، لأن جدها الأكبر ناثان ميليكوفسكى وهو حاخام يهودي متشدد ومن أكثر الصهاينة تعصبًا في تاريخ دولة إسرائيل. بل إن بعض المعلومات تقول إن ناتان ميليكوفسكى كان صهيونيًا أكثر من هرتزل والمؤسسين الأوائل للصهيونية، وكان خطيبًا بارعًا، وكانت كل أفكاره تركز على نقطتين تأثر بهما كثيرًا بنيامين سواء في حياته السياسية أو ما تبع ذلك.
أولهما: الهجرة إلى إسرائيل حيث تؤكد المعلومات أن جده (ناثان ميليكوفسكي) كانت كل خطبة قائمة على فكرة تشجيع كل يهود العالم على الهجرة إلى إسرائيل، وأن من لا يستطيع الهجرة إليها فعليه أن يكون هناك رابط بينه وبينها، وكان يرى أن هذا الرابط يتمثل في ضرورة أن يكون لكل يهودي منزل في إسرائيل، وأن جميع رجال الأعمال وأصحاب الأموال يجب أن تكون مقار مشروعاتهم الرئيسية في داخل إسرائيل، وأن المقار الفرعية يمكن أن تكون في أوروبا أو الولايات المتحدة، وعلى عهد ناثان ميليكوفسكى لم تكن فكرة المستوطنات قد برزت بشكل واضح، إلا أن كل أفكار ناثان كانت تؤكد أهمية الاستيطان في دولة إسرائيل، وكان «تسيون» وأخوه «سعديا» يريان أن والدهما «ناثان ميليكوفسكي» يستحق الكثير من التقدير الذى لم يلقه في داخل إسرائيل، وأنه كان من الواجب على حكام إسرائيل أن يتذكروا هذه الشخصية العظيمة في تاريخ الدولة، وأنهما كانا يريان أن ناثان كان يجب أن يحصل على منصب رفيع في إدارة الحركة الصهيونية، وقد عز عليهما كثيرًا أن يترك والدهما الحياة في عام 1935 دون أن يشهد مولد دولة إسرائيل، ولذلك حاول بنيامين أن يخلد ذكرى جده، فأطلق اسمه على أحد الميادين بالقدس.
لتحميل المستند اضغط هنا
ويقول نتنياهو لا يجب أن ينسى التاريخ دور «ميليكوفسكي» في إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، حيث إن فكرة أن تكون دولة إسرائيل في أوغندا كانت تلقى رواجًا كبيرًا في أوروبا، وأن العديد من الأوروبيين بدأوا يروجون لهذه الفكرة السخيفة - على حد تعبير بنيامين- إلا أن ناثان عارضها بشدة وبدأ يجمع اليهود حول ضرورة الهجرة إلى أرض الميعاد، وقد تلاقت أفكاره تلك مع أفكار «هرتزل» الذى يعد النموذج الأعلى من وجهة نظر ناثان جد بنيامين، وكان ناثان يرى أن هرتزل هو «نبي»، وأنه ملاك وأنه لا ينتمى إلى طائفة البشر، لقد كانت لهرتزل شخصية مقدسة من وجهة نظر ناثان، وكان يرى أنه عندما يذكر اسم هرتزل يجب أن يطأطئ جميع اليهود رؤوسهم ويحنوها إجلالًا وتقديرًا لهذا النبي والملاك، وكان من أهم مراحل حياة ناثان التي أثرت في بنيامين هي مرحلة حياته في وارسو، حيث إن تسيون كثيرًا ما كان يجمع أولاده الثلاثة بيبى وعيدو ويوناثان ويقص عليهم ما فعله جدهم في وارسو من أجل جعل الصهيونية حقيقة واقعية، وأنه استطاع بجهاده المتواصل إنشاء مدرسة ثانوية عبرية في كرنيسكى، وأن عام 1909 يمثل بداية مرحلة جديدة لميليكوفسكي، الذى آثر أن يسكن في بولندا لتجميع اليهود حول فكرة إنشاء الوطن القومى لهم.. وكثيرًا ما كان تسيون يطلب من أولاده أن يرعوا أمانة جدهم والحفاظ على هذه الدولة والأرض والحدود.. وأنه لولا جدهم لكانت إسرائيل في طي النسيان، حيث إن البعض كان يريدها في أوغندا، وأن الأفارقة البدائيين كان من الممكن أن يحولوا الحياة إلى جحيم هناك، كما أن تسيون وولده بنيامين كانا يريان أن أفضل ما فعله ناثان الجد هو إصراره على أن تكون دولة إسرائيل في فلسطين باعتبار أنها أرض الميعاد، وبنيامين ذاته في أوراقه ومذكراته يبدو فخورًا بجده حيث يرى أن تأثير جده في وارسو بخاصة بعد ما أصبح حاخاما لبلدة في شرق بولندا يطلق عليها روفنو، حيث ذاع صيته هناك بل إن العديد من يهود العالم كانوا يزورنه في هذه البلدة، وكانوا يتبرعون له بأموال ضخمة صرفها جميعها على حد ما يقول نتنياهو في دعايته للصهيونية، بل إن البولنديين أنفسهم تعاطفوا مع قضية اليهود بفضل دعايته.
ولا يستطيع أحد أن ينكر أن ناثان كان أحد المحاور الرئيسية للدعاية الصهيونية الكبرى، وأن المحاور الأخرى التى كانت منتشرة فى أوروبا كانت أقل قوة منه، وأنه كان يريد القيام بجولة أوروبية وأمريكية، وأن هذه الجولة كانت مدفوعة الأجر من اليهود من أجل إقناع الجميع بالالتفاف حول المشروع القومى لليهود، وتؤكد المعلومات أن الحرب العالمية الأولى كان لها تأثير كبير على خطط ميليكوفسكى الذى بدأ يوطد فى هذه الفترة صلاته بالألمان وبخاصة العديد من المسئولين الألمان الذين وجدوا أن شخصية ميليكوفسكى يمكن أن تكون مقنعة فى التأثير على الولايات المتحدة الأمريكية للوقوف إلى جانب ألمانيا فى الحرب.
وبالفعل تمكن ناثان من لقاء أحد المسئولين الألمان الذى عرض عليه صفقة، وهى أن يسافر إلى الولايات المتحدة وأن يقنع اللوبي اليهودي باتخاذ موقف مؤيد للألمان، وأن يبدأ اللوبي اليهودي في التحرك لدى الدوائر السياسية والاقتصادية والإعلامية الأمريكية بتأييد ألمانيا حتى تحصل الأخيرة على موافقة الولايات المتحدة للدخول بجانبها إلى الحرب، في مقابل ذلك وعده الألمان بالحصول على كميات هائلة من الذهب الخالص، بالإضافة إلى مبلغ مالي ضخم، إلا أن ناثان طلب أيضًا من الألمان التدخل لدى تركيا حتى تمنح اليهود فلسطين، ووعدوه بتحقيق ذلك، وسافر فعلًا إلى الولايات المتحدة هو وابنه تسيون والد بنيامين وكان يوالى الألمان بأخباره وتحركاته، وكان يطلب منهم في كل مرة إنهاء مسألة الاتصال بالسلطان التركي حتى يعطى فلسطين لليهود.
وعندما وصلت رسالة مشفرة إلى القائد الأعلى للجيش الألماني بهذا الخصوص في أوائل عام 1919، كان رده قاطعًا بأن ألمانيا لا يمكن أن تتدخل لدى سلطان تركيا لعرض هذا المطلب، وأن هذا الرجل اليهودي يجب أن يعلم أن كل ما نملك إعطاءه إياه الأموال والذهب، ووصل الرد بطريق غير مباشر لناثان فقرر أن يوقف اتصالاته ومجهوداته، وعزم الأمر بأن يهاجر هو وأولاده السبعة إلى فلسطين وكان ذلك في عام 1920، حيث إنه بدأ رحلة طويلة من فيينا إلى إيطاليا إلى الإسكندرية ثم إلى يافا وكان معه أولاده السبعة هم: تسيون والد بنيامين، وأعمامه (سعديا - اليشع - نتنياهو - عاموس - ميريام - زخاريا) أما عما بنيامين عمّا وحوفيت فقد ولدا في فلسطين.
وعن أثر هذه الرحلة الطويلة المرهقة تحدث كثيرًا عن عائلة نتنياهو قائلًا: يقولون عنها في العديد من الروايات والأحاديث المكتوبة أن الجد ميليكوفسكى جمع أولاده السبعة، وزوجته ساره وقال لهم: لقد اعتزمت الاستقرار في فلسطين، وإننا سنخوض طريقًا وعرًا حتى نصل إلى هناك، ولكن ما أن نصل يجب أن نبذل كل غال حتى لا نطرد من هذه الأرض، وأنه كان يكرر طوال الرحلة أن فلسطين هي أرضهم ومستقرهم، وأن العرب هم الذين طردوا أجداده الأوائل.
وكان عاموس عم نتنياهو أحد مليارديرات أمريكا المعروفين ويعيش في فلوريدا - كان غير راغب فى هذه الرحلة، وعندما بدأ يدرك الأمور كان يرى أن والده أخطأ كثيرًا عندما قرر أن تستقر العائلة في فلسطين، لأن العائلة بدأت رحلة مواجهة مع العرب في الوقت الذى كان يرى فيه أنه من المفروض أن تجمع الأموال وأن نبنى مستقبلنا، وعاموس من أعمام نتنياهو القريبين منه، وبنيامين يحرص كثيرًا على اللقاء به، إلا أنه ليس سياسيًا بقدر الآخرين، أو بقدر أخيه تسيون والد نتنياهو، ويرى أن السياسة الحقيقية هي أن يكون لديك أموال وتستطيع من خلالها أن تسيطر على هذا العالم، الأمر الذى كان يسبب نوعًا من الخلاف بين تسيون وعاموس ومع ذلك فإن تأثير عاموس المعروف باسم «إيموس ميلو» في السياسة الأمريكية واضح، حيث إن جزءًا كبيرًا من أمواله مخصص للأنشطة اليهودية وبناء المستوطنات.
اقرأ أيضاًفصول من كتاب «نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى».. (4) عملية السويس وتفاصيل العبور الذى كاد يودى بحياة بنتنياهو
كتاب «نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى» بـذور التطـرف ( 2)
«نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى».. كتاب جديد لـ مصطفى بكري يكشف فيه بالوثائق استراتيجية الكيان الصهيوني للهيمنة على المنطقة