علي جمعة: الرحمة خُلق الانبياء والقسوة طريق الضلال والهلاك
تاريخ النشر: 9th, April 2025 GMT
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إنه علينا أن نتحلّى بالرحمة ونبتعد عن القسوة، فإن القسوة من الأخلاق السيئة، وهي تعني خلوّ القلب من الرقة واللين، وامتلاءه بالفظاظة والغلظة. وقد بيّن ربنا سبحانه وتعالى أن النبي ﷺ لم يكن فظًّا ولا غليظ القلب، قال تعالى:{وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159].
وأضاف فى منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الإجتماعي فيسبوك، أن قسوة القلب قد تكون مع الله سبحانه وتعالى، فيبتعد الإنسان عن ذكر الله بسبب قسوة قلبه، وقد حذّر ربنا سبحانه وتعالى من تلك القسوة، فقال تعالى:{فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [الزمر: 22].
وذمّ ربنا سبحانه وتعالى بني إسرائيل لقسوة قلوبهم، فقال تعالى:{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة: 74].
وقد تكون القسوة كذلك مع خلق الله، فقاسي القلب يرى المحتاج المتألّم ولا يلين قلبه، ولا يتعاطف معه، ولا يمدّ له يد المساعدة، وقاسي القلب يعذّب الناس، بل ويعذّب مخلوقات الله سبحانه وتعالى. فعدم رعاية الحيوان المحتاج للرعاية والطعام من القسوة المذمومة، وتعذيب الحيوان من أسباب دخول النار، كما بيّن النبي ﷺ، فقال:
«دخلت امرأة النار في هِرَّةٍ حبستها، فلا هي أطعمتها، ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت هزلاً» [رواه البخاري ومسلم].
ويبتعد الإنسان عن القسوة بأمور؛ منها: ذكر الله سبحانه وتعالى، وتذكُّر الموت والحساب، ومنها أن يضع نفسه مكان المتألّم فيتأمل كيف يحب أن يصنع الناس به. ويتأكد له أن تركه للرحمة سببٌ في أن يُترك من رحمة الله، قال النبي ﷺ: «من لا يَرحم لا يُرحم» [رواه البخاري ومسلم].
وشدد الدكتور علي جمعة: يفعل هذا حتى نرى نحن ونحن نقرأ عنه ﷺ ذلك أن نكون رحماء بالخلق، وأن نحول هذا الخلق الكريم وهذه القيمة إلى واقعٍ معيش؛ فإذ لم نفعل وقسونا على الأكوان .. فأفسدنا البيئة على أنفسنا وعلى الحيوان فأخرجنا فيه همنا وغمنا وسواد قلوبنا واضطراب أحوالنا، أوبعد ذلك ينتظر منا أن نكون أمثلةً صالحةً لحماية الإنسان ولكرامته وعرضه؟! أوبعد ذلك يعامل الطبيب المريض على أنه إنسان فيتحمل تأوهه أو ضيق خلقه أو يعامله لا كمعاملة الأشياء بل معاملة من يتألم؟! لو عرف أن الله عند ذلك المريض وأن الله سوف يقول يوم القيامة: (يا عبدي مرضتُ ولم تَعُدْني قال: كيف تمرض وأنت رب العالمين؟ قال: مرضَ عبدي فلانٌ فلم تعدْه ولو عدتَه لوجدتَني عنده).
لو دخل الطبيب على مرضاه وهو يعلم أنهم في معية الله .. واللهِ ما تركهم، وما ملَّ منهم، ولعرف أن هذا خير له من التسبيح والتحميد، وخير له من أن يجاهد في سبيل الله فتخضب رقبته بالدماء، وأنتم تعلمون أجر الشهيد وأجر المقاتل في سبيل الله.
وأكد عضو كبار العلماء: لو عرف المسلمون هذا لكانوا أمثلةً رائعةً للرحمة بالأكوان والحيوان والإنسان، فماذا نفعل؟ (ابدأ بنفسك ثم بمن يليك) ابدأ بنفسك وغيّرها فـ {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} .
وأردف: نجد سيدنا النبي ﷺ وهو يعلم صحابته الرفق ويقول: (يا عائشةُ إنَّ الرِّفْقَ ما دَخَلَ شيئاً إلاَّ زانَه، وما نُزِعَ مِنْ شيءٍ إلاَّ شانَه) ويعلمها كيف نتعامل مع الناس على قدر عقولهم.
ويمر عليه أحد اليهود ويقول: السام عليك يا محمد _والسام الهلاك والموت_ وكأنه يريد أن يدغم الكلام إدغامًا فيسمع النبي ﷺ السين والميم فيظنه أنه قد ألقى عليه السلام، فتقول عائشة: بل عليك وعلى أبيك الموت والهلاك. قال ﷺ: (يا عائشةُ قولي وَعَلَيْكُمْ) فإذا أراد أن يرد عليهم رد بالأدب العالي .. رد بالرحمة .. رد بالرفق.
واختتم علي جمعة قائلاً:"علمنا رسول الله ﷺ كيف نحول المعاني إلى واقعٍ معيش .. اقرأوا السيرة .. تدبروا القرآن .. اقرأوا أحاديث رسول الله ﷺ ؛ لا من قبيل النهي والأمر، بل من قبيل الحياة، كيف تكون إنسانًا طيبًا معطاءً محبًا صبورًا خلوقًا تعيش رسول الله ﷺ ، وتبلغ عنه، وتكون مثالاً يحتذي، لو وصلنا إلى هذا .. لخفف الله عنا البلاء والغلاء والخوف، وأبدلنا من بعد خوفنا أمنًا {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} اللهم يا ربنا اجعلنا من عبادك المؤمنين، و طمئن قلوبنا في الدنيا والآخرة، واجعلنا من أتباع سيد المرسلين، وأقم بنا الحق، وأقم الحق بنا".
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الرحمة القسوة علي جمعة سبحانه وتعالى علی جمعة النبی ﷺ
إقرأ أيضاً:
ماذا قال الرسول عن البلاء؟ علي جمعة يكشف عن طريقة التعامل معه
أكد الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، إنه عندما ينزل بالمؤمن البلاءُ يحتاج إلى أن يرجع إلى الله ليعرف حكمة البلاء، ويعرف كيف يتعامل معه عند نزوله، وما البرنامج الذي يسير عليه حتى تخفَّ عنه المصيبة، وتنزلَ السكينةُ على قلبه، ويتمتّعَ بنور الصبر.
وقال علي جمعة، في منشور له، إنه لا يمكن أن يكون ذلك إلا بقراءة الوحي (الكتاب والسنة). قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}، وقال عز وجل: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}.
وأوضح علي جمعة، أن نُزول البلاء امتحانٌ ينبغي أن نعلم أن مع هذه المحنِ منحًا ربانيةً من الجزاء الوفير والغفران التام، وأن الموتَ سنّةٌ من سنن الله في كونه، ولكنه مع ذلك ليس فناءً، بل هو انتقالٌ من دار الدنيا إلى دار الآخرة، ومن دار العمل إلى دار الجزاء، ومن دار الفناء إلى دار البقاء. وكان أبو ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه لا يعيش له ولد، فسُئل عن ذلك فقال: «الحمد لله الذي يأخذهم مني في دار الفناء ليَدَّخِرَهُم لي في دار البقاء».
واستشهد بقول سيدنا رسول الله: «إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ»، وقال ﷺ: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ؛ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ»، وقال ﷺ: «مَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ»، وقال ﷺ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: مَا لِعَبْدِيَ الْمُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، ثُمَّ احْتَسَبَهُ، إِلَّا الْجَنَّةُ».
وأشار إلى أن الروح باقيةٌ لا تفنى؛ ولذلك عند رحيل الأحبة نستمر في عمارة الدنيا، ونزيد من العمل الصالح، ونهب ثواب أعمالنا إلى من رحل صغيرًا كان أو كبيرًا.
عن أبي هريرة أن رجلًا قال للنبي ﷺ: «إِنَّ أَبِي مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا وَلَمْ يُوصِ، فَهَلْ يُكَفِّرُ عَنْهُ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهُ؟»، قال: «نَعَمْ».
ولما مات أبو وكيع بن الجراح، خرج يوم وفاته في درسه اليومي وزاد أربعين حديثًا عمَّا كان يحدّث به كل يوم، وبعدما دَفَنَ أبو يوسف -صاحبُ أبي حنيفة- ابنَهُ، حضر مجلس أبي حنيفة بعد الدفن ليتعلم حتى يتجاوز الأحزان.
فالمصيبةُ تُعلِّمُنا حقيقة الدنيا، وأنها فانية، وأنها متاع قليل، قال تعالى: {مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا}، ولنا في سيدنا رسول الله ﷺ أسوةٌ حسنةٌ؛ فقد مات أبناؤه وأحباؤه في حياته، وفي كل الأعمار، حتى قال عندما مات إبراهيمُ: «تَدْمَعُ الْعَيْنُ وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَاللَّهِ يَا إِبْرَاهِيمُ إِنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ».
ومات حمزةُ وجعفرٌ وزيدُ بن حارثةَ رضي الله عنهم، وكانوا أحبَّ الناس إليه، فعلَّمَنا كما علَّمنا القرآن: {إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}، وكلمة «راجعون» تبيّن أن الموطن الأصليَّ للروح هو عند الله، فمن هناك أتت تفضُّلًا ومنّة، وإليه عادت حكمةً وفضلًا.